Wasa'il al-Wusul ila Shama'il al-Rasul
وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
Daabacaha
دار المنهاج
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٥ هـ
Goobta Daabacaadda
جدة
Noocyada
تمهيد
بقلم الدكتور محمّد عبد الرحمن شميلة الأهدل (١)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين، وبعد:
لقد حظي تاريخ العظماء بالاهتمام البالغ على امتداد تاريخ الأمم الإنسانيّة، فدوّنت سيرهم وأخبارهم، ورصدت في جبين التّاريخ حياتهم وشمائلهم، وأضاءت في سماء المعالي أخلاقهم، وارتوى التّابعون من مناهلهم الرّويّة، ورأوا أنّ ذلك هو المنهج الأقوم، والسّبيل الّذي لا اعوجاج فيه.
ولا مراء أنّ أعظم عظماء الإنسانيّة على الإطلاق، وأفضل المصطفين.. هو منقذ البشريّة من الضّلالة والعمى؛ من جعله الله تعالى الرّحمة المهداة، وختم به الرّسالات السّماويّة: أبو القاسم محمّد بن عبد الله، النّبيّ الأوّاه ﷺ.
فهو أولى أن تدوّن شمائله، وأن تقرع الأسماع صفاته الخلقيّة والخلقيّة، وسمته وهديه، وأمره ونهيه.
1 / 7
(٢)
لذلك دأب أولو العلم على تقييد ذلك كلّه، وعنوا منذ فجر تاريخ الدّعوة الإسلاميّة بكلّ ما يتّصل به ﷺ من الأمور الشّرعيّة، أو الشّؤون العاديّة، وكان ذلك بطريقة استيعابيّة، وأسلوب استقصائيّ، بحيث إنّ هذه المعارف الوفيرة جلّت لنا تلك الشّخصية الفريدة، بكلّ خصائصها وسماتها، فكانت هذه العلوم منارا تتراءى في ضيائه الشّخصية المحمّديّة تزهو في حلل الكمال والجمال، وينبعث من تلك الذّات أريج الجلال والهيبة والعظمة، وكيف لا تكون كذلك، وقد حلّى التّنزيل الحكيم جيده بعقود المدح والتّكريم، فقال له: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
(٣)
ولأنّ الرّعيل الأول من الصّحب الكرام هم الجيل المثاليّ؛ لأنّهم خرّيجو مدرسة النّبوّة، الّذين تلقّفوا الفرقان غضّا طريّا من في رسول الله ﷺ، وإنّهم كانوا أشدّ الخلق هيبة له، وأكثرهم أدبا معه، وأعظمهم إجلالا له وتوقيرا.. من أجل ذلك لم يكونوا يرفعون أبصارهم إلى محيّاه هيبة وإجلالا، وإعظاما وإكبارا.
وإذا تأمّلنا معظم أحاديث الشّمائل التي تحكي صفات رسول الله ﷺ الخلقيّة.. نجد أن رواتها من الصّحابة أحد اثنين:
1 / 8
إمّا من الصّحابة صغار الأسنان ممّن لم يكونوا يدركون تماما العظمة النبويّة، وما يجب له من الحقوق، فيدفعهم ذلك إلى الحملقة في الذّات المحمّديّة على وجه يمكّنهم من وصفها الوصف الدّقيق.
وإمّا أن يكون من أولئك الّذين هم قريبو عهد بالإسلام، أو من الأعراب الّذين لم يفقهوا بعد اداب الإسلام، وما يجب عليهم تجاه الشخصيّة النّبويّة.
(٤)
ولا مراء أنّ الصّحابة الكرام ما تركوا شيئا من أخبار المصطفى ﷺ.. إلا وقيدوه، ولا شيئا عن هيئته وسمته ولبسه وطعامه وشرابه وغير ذلك.. إلا ورووه، ولا صفة تكسب المحبة والاتّباع.. إلا وأذاعوها، ذلك لأنّ محبّته ﵊.. عبادة، والتّأسّي به.. علامة على تلك المحبّة. وقديما قيل:
تعصي الحبيب وأنت تزعم حبّه ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
ولقد حملت المحبة الأكيدة الصّادقة أنس بن مالك اتّباع المحبوب فيما كان شرعا أو عادة، بل وفيما أملته الطبيعة البشريّة.
ففي «الصّحيح» وغيره قال أنس: رأيت رسول الله ﷺ يتتبع الدّبّاء في القصعة فما زلت أحبّ الدّبّاء من يومئذ.
وإذا كان هذا حالهم في شؤون العادات، فكيف يكون حالهم في أمور الشّرع والعبادات؟
1 / 9
لا شكّ أنّهم كانوا أشدّ تمسّكا بالهدي النّبويّ، وتطبيقه بحذافيره وكذلك كان الأمر.
وهذا أبو أيّوب الأنصاريّ لما رأى رد رسول الله ﷺ الطّعام الّذي فيه الثّوم، كره هذه الشّجرة وعاداها حتّى الممات، وما هذا إلّا لما أشرب قلبه من حبّ الصّادق المصدوق ﷺ، فتولّد عن ذلك التّأسّي به في كلّ صغيرة وكبيرة.
(٥)
وبناء على ذلك: فإنّ من لازم المحبّة.. الاتّباع الكامل، والاقتفاء الشّامل لمن جاءنا بالشّرع المطهّر، والتأسّي بشخصيّته في شؤون الحياة جميعها، هذا هو الاتّباع.
أمّا من يزعم محبّته ويدّعي ذلك، وهو مخالف لسيرته، متراخ عن أمره، واقع في نهيه.. فهذا الصّنيع علامة على زيف دعواه، ودليل صريح على تخبّطه في ظلام العصيان، فالسفينة لا تجري على أرض يابسة.
ترجو النّجاة ولم تسلك مسالكها ... إنّ السّفينة لا تجري على اليبس
(٦)
وإذا كنّا في عصرنا الحاضر المتموّج بالغرائب والعجائب نشاهد كثيرا من المعنيّين بالتّراث يعرضون شمائل شخصيّات لا خلاق لها، وليس لها في ميزان الفضائل مثقال حبّة من خير، ويعظّمون اثارهم الّتي تركوها،
1 / 10
ويذيعون ذلك في الرّائي وغيره، ويثيرون الضّجيج الإعلاميّ حول هذه الشّخصيات؛ مع أنها ليس لها وزن، ولا قيمة أخلاقيّة، وقد تكون شخصيّة ملحدة، لا تؤمن بخالقها، وليس عندها ذرّة من إيمان.. ألا يجدر بنا معشر الأمّة الإسلاميّة أن نستعرض شمائل المصطفى ﷺ، ونكرّر ذكرها كلّما عنّت فرصة أو سنح وقت؟! فإنّ ذلك أدعى إلى حسن الاقتداء، وباعث على جميل الاقتفاء.
وإذا كان المولى تقدست أسماؤه قد قال لرسوله ﷺ على إثر ذكر سير المصطفين الأخيار: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ، فما أحرانا ونحن الخطّاؤون أن نستعرض شمائل رسول الله ﷺ، وسمته، وهديه؛ فإنّ في ذلك تثبيتا لأفئدتنا، وازديادا لإيماننا، وتقوية لمحبّتنا، وإنارة لأفكارنا.
لذلك كلّه.. فإنّ فنّ (الشّمائل المحمّديّة) الّذي يرسل الضّوء على صفاته البهيّة، ومحاسنه العليّة، وأخلاقه الزّكية.. من الفنون المباركة العظيمة، والعلوم الشريفة الثّمينة؛ لأنّه وسيلة من وسائل ازدياد الإيمان، وطريق مؤدّ إلى امتلاء القلب بتعظيمه ومحبّته، واقتفاء هديه وسنّته، وتعظيم شعائر ملّته، وفي ذلك السّعادة في الدّارين.
هذا وإنّ من أجمع ما ألّف في الشّمائل، وأوسع ما وصلنا في هذا الباب كتاب: (وسائل الوصول إلى شمائل الرّسول ﷺ .. إذ هو سفر عظيم المقدار، كثير النّفع، متّسم بالاستيعاب، مشتمل على ما يصبو إليه الأحباب.
1 / 11
أشرقت من سطوره أنوار التّحقيق، وسالت من صفحاته أعذب الصّفات لسيّد السّادات ﷺ.
كيف لا، ومؤلّفه صاحب القلم السّيّال، والسّحر الحلال:
أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل النّبهانيّ، الّذي طارت بمؤلّفاته الرّكبان، ووقف نشاطه على خدمة السّيرة المحمّديّة والسنّة الغرّاء، وفاز بالشّرف المؤبّد، والأجر الّذي لا ينفد.
وبعد: فإليكم أحبّاءنا الأكارم الشّمائل المحمّديّة، تتبختر في حللها القشيبة، وتشعّ منها الأنوار المحمّديّة، وتجلّي لنا أحاديثه الشّخصيّة الّتي اختارها الله تعالى لتكون أعظم هديّة إلى الإنسانيّة جمعاء، إنّها تكشف لنا عن سمات وهيئة صاحب اللّواء المحمود، والحوض المورود، والشّفاعة والجود، صلّى الله وسلّم عليه وعلى اله وصحبه ما ارتفع إلى السّماء أذان، وما لهج بكلمة التّوحيد مسلم.
وقد دأبت دار المنهاج على إخراج التّراث الإسلاميّ سليما محقّقا، وحملت على عاتقها أمانة نشر العلم النّافع، ورفع لوائه؛ تبصيرا للنّاس، ومساهمة في نشر الدّعوة، وتقريبا للعلوم الشّرعية. والله تعالى من وراء القصد.
د. محمّد عبد الرحمن شميلة الأهدل
1 / 12
ترجمة الشيخ يوسف بن إسماعيل بن النبهاني رحمه الله تعالى
هو الأديب الشّاعر المفلق، العلّامة المتقن الورع، الحجّة التّقي العابد، المحبّ الصّادق، المتفاني في حبّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، المكثر من مدائحه؛ تأليفا ونقلا ورواية وإنشاء وتدوينا.
ناصر الدّين، أبو الفتوح وأبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن يوسف إسماعيل بن محمّد بن ناصر الدّين النّبهاني؛ نسبة لبني نبهان «١» .
وكانت ولادته في قرية (اجزم) يوم الخميس سنة (١٢٦٥ هـ) .
حفظ القران على والده، وكان شيخا معمّرا بلغ الثمانين، وكان والده مراة للقدوة الصالحة، فقد كان يختم كل ثلاثة أيام ختمة، مع محافظة على ضروب الطاعات، واستغراق الأوقات في القربات، مما كان له أبلغ الأثر في تكوين هذا الناشئ الذي تغذى بلبان الهدى والتقى بين يدي والده الصالح، في تلك البيئة النقية الطاهرة.
_________
(١) قوم من عرب البادية، نزلوا بقرية (اجزم) بصيغة فعل الأمر، وهي قرية واقعة في الجانب الشمالي من أرض فلسطين؛ تابعة لقضاء (حيفا) من أعمال (عكا) .
1 / 13
ولمّا أتمّ حفظ القران الكريم وحفظ بعض المتون.. أرسله والده إلى مصر- وكان عمره إذ ذاك سبع عشرة سنة- فالتحق بالأزهر الشريف في غرّة محرم الحرام سنة (١٢٨٣ هـ)، وجاور في رواق الشوام، ودأب على الدرس والتحصيل، وتلقّى العلم من كبار الأئمة وجهابذة علماء الأمة، وكان موفقا حسن الاختيار والاهتداء إلى الراسخين في العلم المحققين في المعقول والمنقول، الذين لا يشق لهم غبار أمثال:
الشيخ إبراهيم السقا الشافعي (ت ١٢٩٨ هـ) .
والشيخ محمد الدمنهوري الشافعي (ت ١٢٨٦ هـ) .
والشيخ إبراهيم الزرو الخليلي الشافعي (ت ١٢٨٧ هـ) .
والشيخ أحمد الأجهوري الضرير الشافعي (ت ١٢٩٣ هـ) .
والشيخ عبد الهادي نجا الأبياري الشافعي (ت ١٣٠٥ هـ) .
والشيخ أحمد راضي الشرقاوي الشافعي.
والشيخ مصطفى الإشراقي الشافعي.
والشيخ صالح أجباوي الشافعي.
والشيخ محمد العشماوي الشافعي.
والشيخ محمد شمس الدين الأنبابي الشافعي (شيخ الجامع الأزهر) .
والشيخ عبد الرحمن الشربيني الشافعي.
والشيخ أحمد البابي الحلبي الشافعي.
1 / 14
- والشيخ شريف الحلبي الحنفي.
والشيخ فخر الدين اليانيه وي الحنفي.
والشيخ عبد القادر الرافعي الطرابلسي الحنفي (شيخ رواق الشوام) .
والشيخ حسن العدوي المالكي (ت ١٢٩٨ هـ) .
والشيخ محمد روبه المالكي.
والشيخ حسن الطويل المالكي.
والشيخ محمد البسيوني المالكي.
والشيخ يوسف البرقاوي الحنبلي (شيخ رواق الحنابلة) .
رحمهم الله تعالى وجزاهم عن الأمة المحمدية أحسن الجزاء.
ثم بدا لصاحب الترجمة أن يسافر من مصر ليساهم في خدمة الإسلام، وقد علا كعبه، وبزغ نجمه ورسخ في علمي المعقول والمنقول في أسلوب عال، هو السحر الحلال.. يخاله الناظر فيه سهلا وهو بعيد المنال.. فرجع في رجب سنة (١٢٨٩ هـ)، وأقام في مدينة عكا ينشر العلم، فأفاد المسلمين، وأعلى منار الدين.
ثم في سنة (١٢٩٢ هـ) رحل إلى الشام واجتمع على جماعة من العلماء؛ من أجلهم الإمام الفقيه المحدث البارع مفتي الشام السيد محمود أفندي الحمزاوي، فأجازه بإجازة مطولة بجميع مروياته بعد أن قرأ عليه في منزله بحضور جملة من طلبة العلم الشريف.
1 / 15
وجال في بلاد الشرق العربي ثم دخل الأستانة والموصل وحلب وديار بكر وشهرزور وبغداد وسامرّا وبيت المقدس والحجاز.
وتقلد القضاء في ولايات الشام، حتى صار رئيسا في محكمة الحقوق العليا ببيروت وذلك سنة (١٣٠٥ هـ) .
وحج عام ألف وثلاثمئة وعشرة، ثم دخل الحجاز بعد ذلك وأقام بالمدينة المنورة مدة.
وألف المؤلفات النافعة التي سارت بها الركبان وانتشرت في سائر البلدان، وقد فاقت على الستين كتابا في مختلف الفنون والعلوم.. وقد عظم ذكره بما صنف وابتكر، ونظم ونثر، وطبع ونشر، خصوصا في الجانب المحمدي الأعظم؛ فقد خدم السيرة المحمدية والجناب النبوي أرفع الخدمات ووقف حياته على ذلك، فنشر وكتب ما لم يتيسر لغيره في عصرنا هذا ولا عشر معشاره.. وذلك لإخلاصه رحمه الله تعالى..
ولما أحيل إلى المعاش.. شدّ أزره وشمر عن ساعد الجد، وأقبل على العبادة بهمة عالية وعزيمة صادقة، وقلب دائب على الذكر وتلاوة القران وكثرة الصلاة على رسول الله ﷺ، فأحيا ليله ونهاره بإقامة الفرائض ونوافل الطاعات، لا يفتر ولا يسأم، حتى عدّ ما يقوم به من خوارق العادات.
وكانت أنوار العبادة وتعظيم السنة والعمل بها ظاهرة على وجهه المبارك.. ولم يزل على الحال المرضي حتى دعاه مولاه.. فأجابه ولباه..
1 / 16
وكانت وفاته في بيروت في أوائل شهر رمضان الكريم سنة (١٣٥٠ هـ) عن عمر يناهز الخمس والثمانين، وهو قوي البدن، تام الصحة، مستوف لقراءة أوراده، وما اعتاده من الطاعات وأعمال الخير.
أجزل الله ثوابه، وألحقنا به على الإيمان الكامل في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، بفضله ورحمته.. امين.
1 / 17
توطئة
لقد توافرت الدواعي لخدمة هذا الكتاب المبارك، لكونه من أجلّ ما ألف في شمائل سيد الأنام محمد صلى الله عليه واله وسلم، إلا أنه ينبغي لنا أن ننبه على ما يلي:
١- لقد أضربنا عن تخريج الأحاديث النبوية والأخبار والاثار المروية في هذا الكتاب.. وذلك لأمرين:
أولهما: أن ذلك سيقطع متعة القراءة المركزة المتواصلة على القارئ، فالتخريج موضوع متخصص له رجاله وأهله.
الأمر الثاني: إحالة القارئ الكريم إلى كتاب «منتهى السول» للشيخ عبد الله اللّحجي الذي شرح فيه هذا الكتاب «وسائل الوصول» أيما شرح، وفي أربعة مجلّدات ضخام؛ ويكفي أن نعلم أن اللحجي رحمه الله تعالى قد استغرق في تأليفه (٢٥ سنة)، فضبط عباراته، وشرح كلماته، وخرج أحاديثه، بتفصيل وبسط، مع إضافة فوائد، وتقييد شوارد، وكذلك بإتمام مباحثه، وتوسيع دائرته.
٢- ولأننا نريد أن يستفيد الجميع من هذا الكتاب بحول الله وقوته..
ضبطنا الكتاب بالشكل الكامل، مع وضع علامات الترقيم المناسبة، وكذلك شرحنا العبارات الغريبة أو الغامضة حتى يستوعب المعنى، ويتضح المبنى.
1 / 19
هذا كله.. بالإضافة إلى أناقة الطبع، وحسن الإخراج.
وعليه: فإن البداية لمن أراد التحليق عاليا في شمائل الرسول صلى الله عليه واله وسلم.. في كتابنا هذا «وسائل الوصول»، والنهاية في «منتهى السول» للشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي، وهو أيضا من منشورات دار المنهاج.
وفي الختام: الله تعالى نسأل وهو صاحب الإحسان أن يتمم لنا الإحسان، وأن يشملنا بالغفران، وأن يصلح لنا كل شأن.
وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
الناشر في ربيع الأنور (١٤٢٣ هـ)
1 / 20
صورة عن المخطوط المستعان به في إخراج الكتاب
1 / 21
راموز الورقة الأولى لمخطوطة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة
1 / 23
راموز الورقة الأخيرة لمخطوطة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة
1 / 24
وسائل الوصول إلى شمائل الرّسول ﷺ تأليف الشّيخ العالم العلّامة المحدّث يوسف بن إسماعيل النّبهانيّ رحمه الله تعالى ١٢٦٥ هـ- ١٣٥٠ هـ
1 / 25
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين، حمدا يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، ويضاهي كرمه.
وأشهد ألاإله إلّا الله الملك الحقّ المبين، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله سيّد الخلق أجمعين.
اللهمّ؛ صلّ أفضل صلاة وأكملها، وأدومها، وأشملها، على سيّدنا محمّد عبدك الّذي خصّصته بالسّيادة العامّة، فهو سيّد العالمين على الإطلاق، ورسولك الّذي بعثته بأحسن الشّمائل وأوضح الدّلائل؛ ليتمّم مكارم الأخلاق.
صلاة تناسب ما بينك وبينه من القرب الّذي ما فاز به أحد، وتشاكل ما لديكما من الحبّ الّذي انفرد به في الأزل والأبد.
صلاة لا يعدّها ولا يحدّها قلم ولا لسان، ولا يصفها ولا يعرفها ملك ولا إنسان.
صلاة تسود كافّة الصّلوات كسيادته على كافّة المخلوقات. صلاة يشملني نورها من جميع جهاتي في جميع أوقاتي، ويلازم ذرّاتي في حياتي وبعد مماتي.
وعلى اله الأطهار، وأصحابه الأخيار، وسلّم تسليما كثيرا.
1 / 27
أمّا بعد:
فقد خطر لي أن أجمع كتابا أجعله وسيلة لبلوغي من رضا الله تعالى ورسوله المرام، وذريعة للانتظام في سلك «١» خدّامه ﵊.
ثمّ نظرت إلى قلّة علمي، وضعف فهمي، وكثرة ذنوبي، ووفرة عيوبي.. فأحجمت «٢» إحجام من عرف حدّه فوقف عنده، ثمّ تخطّرت «٣» سعة الكرم، وكوني من أمّة هذا النّبيّ الكريم.. فأقدمت إقدام الطّفل على الأب الشّفيق الحليم، بعد أن سمعت قول الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨] .
فكم من أعرابيّ فدم «٤»، لا أدب له ولا فهم، ولا عقل له ولا علم، ولا كرم ولا حلم.. قابل جنابه الشّريف بما غضب له المكان والزّمان، وخاطبه بما عبس له وجه السّيف واحتدّ له لسان السّنان «٥» فكان جوابه الإغضاء «٦»، والعفو عمّن أساء، بل أدناه وقرّبه، وما لامه وما أنّبه، بل
_________
(١) أصل معناه: الخيط، ومقصوده بذلك التقرب إليه ﷺ حتى يكون معدودا من جملة خدامه.
(٢) أي: كففت عن ذلك وتوقفت.
(٣) أي: تذكرت.
(٤) أي: عييّ عن الكلام في ثقل ورخاوة وقلّة فهم.
(٥) هو نصل الرّمح.
(٦) أي: الإمساك وعدم المؤاخذة.
1 / 28
أفرغته أخلاقه المحمّديّة في قالب كيمياء بأيادي الإحسان «١»، حتّى اضمحلّت حدّة ذلك الوحش وانقلبت حديدته جوهرة إنسان، فتبدّل بغضه بالحبّ، وبعده بالقرب، وحربه بالسّلم، وجهله بالعلم.
واستحال إنسانا بعد أن كان ثعبانا، وصار حبيبا بعد أن كان ذيبا.
فهذا وأمثاله من شواهد مكارم أخلاقه ﷺ..
أطمعني بإمكان قبولي في جملة خدمه، ودخولي في عداد حشمه، ولا يبعد عن سعة كرم الله تعالى أن يهب لي إكراما لرسوله فوق ما أمّلته من الرّضا والقبول.
وها أنا قد توكّلت عليه سبحانه، وقبضت قبضة من أثر الرّسول، فجمعت هذا الكتاب من اثاره في شمائله الشّريفة ﷺ، وأدخلت فيه جميع الشّمائل الّتي رواها الإمام الحافظ أبو عيسى محمّد بن عيسى التّرمذيّ رضي الله تعالى عنه بعد حذف مكرّرها وأسانيدها، ولم أتقيّد بترتيبه وتبويبه، بل سلكت أسلوبا غير أسلوبه، وأضفت إليها من كتب الأئمّة الاتي ذكرهم أكثر منها بكثير، وألحقت بغريب الألفاظ ما تدعو إليه الحاجة من ضبط أو تفسير. فجاء كتابا حافلا ليس له في بابه نظير.
وسمّيته:
«وسائل الوصول إلى شمائل الرسول»
_________
(١) المراد بذلك: تهذيب النفس باجتناب الرذائل واكتساب الفضائل.
1 / 29