Dhaxalayaasha Boqortooyooyinka La Hilmaamay: Diimaha Sii Dabargo'aya ee Bariga Dhexe
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Noocyada
الدروز
تمتد بيروت، عاصمة لبنان ، عشرين ميلا، في شريط من المباني الحديثة التي تضم مليون نسمة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتتناثر هنا وهناك منازل قديمة عسلية اللون بأسقف حمراء بقيت منذ كانت المدينة أصغر وأجمل. وأثناء سيري على الكورنيش في عام 2011، بجوار العشاق المتحفظين والملاهي الساحلية، سمعت في كل مكان أصوات ارتطام الأمواج بالصخور. وكان بحر آخر مجازي جليا أيضا. فقبل قرن من الزمان، سمع ماثيو أرنولد في مياه القناة الإنجليزية الباردة «الهدير الحزين، الطويل، المرتد» لبحر الإيمان. في بيروت، كان ذلك البحر لا يزال فائضا وعاصفا.
وعلى الرغم من أن الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت أربعة عشر عاما انتهت رسميا في عام 1989، لا تزال الجماعات الدينية المختلفة، التي كانت تلك الحرب سببا في تأليب العداوة فيما بينها، يراقب بعضها بعضا بحذر. أصيب في الحرب واحد من بين كل أربعة لبنانيين وقتل واحد من كل عشرين. وارتكبت جميع الجماعات أعمالا وحشية؛ وجميعها عانت منها. لكن التنوع في لبنان ليس فقط مصدرا للنزاع. فهذا البلد، الذي ينقسم سكانه البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة بين ثماني عشرة طائفة وديانة معترفا بها، يقدم أقرب صورة موجودة في الشرق الأوسط للمساواة الدينية؛ ففيه دستور يعلن أن «الدولة تحترم جميع المعتقدات» وشعب يتسامح مع التنوع الديني أكثر من معظم شعوب العالم؛ وفقا لاستطلاع مؤسسة جالوب.
كتب الشاعر اللبناني خليل جبران في كتابه «حديقة النبي»، مشيرا بشكل لاذع إلى هذا التعدد في الطوائف: «ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين. ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة.» ومع ذلك، فإن سبب كل هذا التنوع هو سبب صالح؛ فقد كانت هذه الجماعات آمنة في لبنان أكثر من معظم الأماكن الأخرى؛ لأنها تتألف في معظمها من مناطق جبلية لا تستطيع القوات الحكومية دخولها إلا بعناء. في الوقت ذاته، موقع لبنان على البحر الأبيض المتوسط جعله جزءا من الغرب والشرق. فقد كان البحر الأبيض المتوسط، وليس يابسة أوروبا، هو قلب الحضارة الغربية القديمة؛ فحوله عاش اليونان القدامى، كما قال سقراط مرة، «مثل ضفادع حول بركة». وشحن التجار التوابل، والقمح، والأصباغ، والعبيد عبر البحر. وتبادل عبره الفلاسفة والقديسون الأفكار والمعرفة. فالشاعر اليوناني هوميروس من القرن الثامن، والمؤرخ اليوناني هيرودوت من القرن الخامس، وعالم الرياضيات اليوناني إقليدس لم يكونوا من البر الرئيسي لليونان؛ إذ كانوا من جزيرة في بحر إيجة، وجنوب إيطاليا، ومصر، على الترتيب. وولد الفيلسوف اليوناني فيثاغورس في جزيرة ساموس في بحر إيجة لأب لبناني وقضى نحبه وهو يدرس في جنوب إيطاليا. كنت في لبنان لمقابلة أعضاء إحدى مجموعاته الدينية الثمانية عشرة، المسماة الدروز. كنت أرغب في معرفة ما إذا كانوا خلفاء العصر الحديث لأتباع فيثاغورس، الذين شكلوا جماعة قديمة وسرية من الفلاسفة الإغريق تسمى أخوية فيثاغورس. •••
ظهر فيثاغورس في منهج الفلسفة الذي درسته في الجامعة؛ إذ ربما كان مدرسا لسقراط، لكنني لم أستطع تذكر أي شيء كتبه. اشتريت من مكتبة ببيروت كتابا فرنسيا عن الفيلسوف، ترجم إلى العربية. وأثناء قراءتي للكتاب، أدركت سبب عدم رؤيتي للكثير من أعماله؛ فهو لم يدون أيا منها على الإطلاق. وعلى الرغم من أن لبنان كان جزءا من العالم اليوناني، كان اليونان ينظرون إليه على أنه غريب وغامض (إلى حد ما مثلما كان ينظر إليه مستشرقو القرن التاسع عشر) بسبب الحضارات القديمة التي وجدت هناك. واستغل فيثاغورس هذه الغرابة وإدراك أن الشرق يحتوي على حكمة خفية منقولة من الكلدانيين القدماء وبني إسرائيل؛ حيث انتشرت أساطير تزعم أنه تلقى تعليمه على يد حاخامات يهود، وكهنة مصريين، ومنجمين كلدانيين. ومع ذلك، لم يكن على استعداد للكشف عما تعلمه لأحد، باستثناء القلة المختارة التي سمح لها بالالتحاق بمدرسته. ويبدو أن هؤلاء التلاميذ كان يتعين عليهم الالتزام بالصمت المطلق مدة خمس سنوات، ولم يسمح لهم حتى بإلقاء نظرة خاطفة على معلمهم إلا بنهاية ذلك الوقت فقط. فأولئك الذين أفشوا أسرار تعاليم فيثاغورس كان يمكن أن يتوقعوا انتقاما بلا رحمة من الأعضاء الآخرين، الذين اعتبروا أي خرق للسرية خيانة لا تغتفر. بل إن هذا امتد إلى بعض تعاليمهم التي كانت أكثر صعوبة في تفسيرها. فعلى سبيل المثال، كان الجميع يعلم أنه لم يسمح لأتباع فيثاغورس بأكل الفاصوليا أو حتى دهسها. ولم يفهم أحد السبب؛ لأن الأخوية كانت تفضل الموت على توضيح السبب. ولخصت روح السرية، التي استنكرها الآخرون في ذلك الوقت بوصفها دجلا، في شعار في بداية الكتاب، وضعه هناك الكاتب الفرنسي: «ادنوا، أيها الفلاسفة القليلون، فأسلوب حياة فيثاغورس يحيط بكم! لكنكم، أنتم أيها الجمهور العادي من البسطاء، بعيدون كل البعد عنه.»
وبالرغم من ذلك كشف عدد لا بأس به من الناس تلك الأسرار، ليخرج على الأقل بعض من معتقدات فيثاغورس إلى النور. وآمن أتباع فيثاغورس بتناسخ الأرواح، وهذا دفعهم إلى تطهير الروح، التي تتسم بأنها خالدة، وإهمال الجسد الذي اعتبروه مجرد غلاف مؤقت لها. وكانوا يرتدون ملابس بيضاء غير مصبوغة رمزا لالتزامهم بعيش حياة قاسية ناكرة للذات. (عندما واجه يوليوس قيصر كهنة الدرويد السلتيين في بلاد الغال، ظن أنهم لا بد أن يكونوا هم أيضا من أتباع فيثاغورس؛ لأنهم آمنوا أيضا بتناسخ الأرواح، وكانوا يرتدون ملابس بيضاء، ويحفظون تعاليمهم، ويدرسون النجوم. ومن المحتمل أنه كان مصيبا؛ لأن الغاليين كانوا قد تعرضوا للأفكار الإغريقية عدة قرون.) تعامل بعض من أتباع فيثاغورس مع ممتلكاتهم باعتبارها مشاعا، وكانوا يميلون إلى تجنب أكل اللحوم، أو المنتجات الحيوانية، أو حتى الطعام المطبوخ. وكانوا متحدين لدرجة أنهم كانوا قادرين في سنواتهم الأولى على السيطرة على مدن بأكملها، وحتى في القرون اللاحقة كانوا معروفين بتضامنهم. وكانوا يفصحون عن هويتهم بعضهم لبعض من خلال عبارات ورموز سرية مستمدة من افتتانهم بالأرقام والهندسة. أكملت مجلة درزية عثرت عليها القصة. ففي مقال بعنوان «فيثاغورس الحكيم»، أشارت المجلة إلى أن «الاضطهاد أدى إلى قمع الطائفة وشتت أعضاءها، لكن أتباع فيثاغورس حافظوا على تعاليمهم عبر الأجيال.»
قد يبدو طبيعيا أكثر أن نبحث عن خلفاء هؤلاء الفلاسفة اليونانيين في اليونان، وليس لبنان. لكن ذلك سيكون تجاهلا لحدث يعتبره بعض المؤرخين نهاية العصور القديمة وبداية العصور الوسطى. ففي عام 529 ميلادية أغلقت أكاديمية أفلاطون أبوابها للمرة الأخيرة . وكان قد مر تسعة قرون منذ أن أسسها أفلاطون في أثينا. وبالرغم من موت الفيلسوف، وإحراق الرومان للمدينة، وتشتيت معلميها، نجت فكرة الأكاديمية؛ وهي مكان يمكن للناس أن يدرسوا فيه مجانا، وحافظت على تفسير معين للفلسفة اليونانية. وحاول أساتذتها الجمع بين تعاليم الفلاسفة القدامى الذين كانوا يوقرونهم؛ مثل فيثاغورس، وأفلاطون، وأرسطو. وعلموا أن ثمة متسببا أعلى لوجود الكون، وأطلقوا عليه اسم «الواحد». لكنه كان حقا مثل الرقم 1؛ سرمديا بكل ما في الكلمة من معنى، وخاليا من النقائص البشرية مثل العقل أو الإرادة.
كانت تلك الأفكار ملعونة في المسيحية التي تؤمن بوجود إله خلق العالم بمشيئته. وقرر الحاكم البيزنطي جستينيان، وهو إمبراطور مسيحي متدين، أن وجود الأكاديمية كان إهانة لدينه وقوته الإمبراطورية. وفي أثينا، أصدر مرسوما بأنه «لا ينبغي لأحد أن يعلم الفلسفة أو يفسر القوانين.» ولجأ آخر سبعة أساتذة في الأكاديمية، الملقبين باسم «خلفاء أفلاطون»، إلى بلاد فارس. وتدهورت مدارس أثينا.
كانت نهاية مأساوية لعهد الفلسفة اليونانية في عالم البحر الأبيض المتوسط، حيث كان الفلاسفة يعاملون أحيانا على أنهم أنبياء أو حتى آلهة. وقد جذب أفلاطون انتباه طائفة دينية ادعت أن لديها إمكانية الوصول إلى تعاليم الفيلسوف غير المكتوبة؛ وكان لديها مراسم انضمام خاصة بها. وانتهى به الأمر بعالم الرياضيات الغامض فيثاغورس، معلم سقراط، باعتباره صانع معجزات، قادرا على استشراف المستقبل والوجود في مكانين في وقت واحد. وكان لهذه الطوائف بعد أخلاقي قوي؛ فقد كان أتباع فيثاغورس (الفيثاغوريون) على وجه الخصوص يستحثون على تمحيص ضمائرهم ليلا والتغلب على الشراهة، والكسل، والشهوانية، والغضب. لكن هذه الطوائف صممت أيضا لتلائم أشكال العبادة الوثنية القديمة، وفي أوروبا، كانت المسيحية تتجاهلها. كتب أحد المسيحيين المجادلين: «ما علاقة أثينا بأورشليم؟» وكيف المفكرون الأكثر تعاطفا، مثل القديس أوغسطينوس من هيبون، أفكار أفلاطون لتتناسب مع تعاليم المسيحية. ومع ذلك، تعرض أرسطو للتجاهل حتى العصور الوسطى، ولا يذكر فيثاغورس عموما في الغرب اليوم إلا من أجل نظريته المتعلقة بالمثلثات.
في الشرق الأوسط، تمكنت الفلسفة اليونانية من الهروب من مرسوم جستينيان؛ لأن تلك المنطقة كانت بعيدة عن بيزنطة، وكانت تحكمها جزئيا الإمبراطورية الفارسية المنافسة، وفي أقل من مائة عام أصبحت تحت حكم الإسلام. وظل الحرانيون يوقرون فيثاغورس باعتباره نبيا حتى أواخر القرن الحادي عشر. وبعيدا عن معاداة الفلسفة اليونانية، كان العديد من المسلمين الأوائل حريصين على اعتبار حضارتهم الوريث الحقيقي لليونان القديمة. وقد أقر الفيلسوف العربي العظيم الكندي بأن العرب واليونانيين كانوا ذوي قربى: فقحطان، أبو العرب، كان أخا لجد الإغريق، المدعو يونان. واعتبر عالم لاحق، هو الفارابي، أن المسلمين قبلوا الأفكار الفلسفية اليونانية التي كان المسيحيون قد فضلوا تجاهلها أو قمعها. وادعى أحد الخلفاء المسلمين الأوائل أنه رأى أرسطو في المنام وأنه حينئذ تناقش معه في الفلسفة. اقتنع الخليفة، نتيجة لنقاشهما، بإباحة ترجمة الأعمال اليونانية إلى العربية.
Bog aan la aqoon