Dhaxalayaasha Boqortooyooyinka La Hilmaamay: Diimaha Sii Dabargo'aya ee Bariga Dhexe
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Noocyada
قرية في الأهوار العراقية تعزل أنهارها الصغيرة المتداخلة سكانها عن العالم الخارجي. نشأت هناك ثلاث ديانات على الأقل. حقوق الطبع والنشر: نيك ويلر/كوربيس.
حتى عندما أراد العرب فرض إرادتهم على كل ميل مربع احتلوه، لم يتمكنوا من ذلك. فقد بدءوا بكونهم نسبة صغيرة من السكان، على أقصى تقدير عشرين بالمائة في العراق. أيضا وقفت الجغرافيا في طريقهم. وفي التسعينيات، على سبيل المثال، اضطر صدام إلى بناء سدود على الأنهار التي تغذي الأهوار قبل أن يتمكن من قمع الجماعات المتمردة التي كانت قد لجأت إلى هناك. وللحكام في الماضي، لم تكن حملة قمعية كتلك تستحق العناء.
علاوة على ذلك، كان التسامح تقليدا متبعا في الإسلام. وعلى الرغم من أن القرآن قبح فعلة عبدة الأوثان، فقد امتدح «أهل الكتاب» الذين كانوا موحدين ولديهم كتب مقدسة. تضمن هذا الوصف صراحة المسيحيين واليهود. وكان الزرادشتيون و«الصابئة» من الديانات الأخرى التي خصت بالذكر على نحو إيجابي في القرآن. وبعد عدة قرون من بداية الإسلام، كان التحديد الدقيق لهذه المجموعة الأخيرة غير واضح، مما وفر ثغرة نجت من خلالها العديد من ديانات الشرق الأوسط الأخرى من الاضطهاد، بما في ذلك المندائيين، الذين اعتبرهم من الصابئة العالم المسلم العظيم في القرن الحادي عشر، المتخصص في علم الإنسان، البيروني، في واحد من كتبه التي يصل عددها إلى 142 كتابا. وبالمناسبة، يعتبر البيروني، الذي وصفه جورج سارتون بأنه «أحد أعظم العلماء في تاريخ العالم» بسبب انفتاحه الفكري، مثالا جيدا على التسامح الذي أظهره بعض المثقفين المسلمين تجاه الأديان التي اكتشفوها وسطهم. ومن الأمثلة الأخرى المسعودي، الذي كان من رصد البابليين الذين يعيشون في الأهوار العراقية، والذي درس شعوبا بعيدة ومتنوعة مثل الروس والفرنسيين. وعلى الرغم من تحفظات المحافظين الدينيين، فإن هؤلاء المثقفين كانوا مستعدين للتعلم حتى من أولئك الذين لا يشاركونهم عقيدتهم، بناء على مقولة عربية هي: «الحكمة ضالة المؤمن: فحيث وجدها فهو أحق بها.» وعلى الرغم من أن روح التسامح هذه تضاءلت في القرون اللاحقة، وكثيرا ما تعرض المندائيون للمضايقة والاضطهاد في بعض الأحيان، إلا أنه نادرا ما بذلت السلطات الإسلامية جهدا كبيرا لإرغام رعاياها على اعتناق الإسلام بالقوة؛ وكان لدى المندائيين الأهوار ليحتموا بها، حتى القرن العشرين.
كان البابليون يعيشون في الأهوار العراقية؛ وكذلك المندائيون. هل يحتمل وجود صلة بينهم؟ لقد أحببت القراءة عن بابل في طفولتي، وكان من المشوق أن أظن أن المندائيين كانوا آخر البقايا الضعيفة للحضارة البابلية. لذلك عندما اتصل بي رئيس كهنة المندائيين وطلب إجراء لقاء، كان الأمر أشبه باستدعائي للقاء أحد فرسان المائدة المستديرة، أو اكتشاف أنه في قرية صغيرة في منطقة نائية من الريف الإنجليزي، لا تزال توجد طائفة تعبد أودين، وقد دعاني المنتمون إليها لتناول الشاي. لذلك وافقت؛ فقد وددت رؤية رئيس الكهنة.
لم يكن يوجد سوى مكان واحد في المنطقة الخضراء يمكن أن يدخله البغدادي العادي بسهولة. في أوج عظمته، كان فندق الرشيد، وهو مبنى خرساني مكون من ثمانية عشر طابقا من سبعينيات القرن الماضي، يضم مائة متنصت يجلسون في الطابق السفلي، متصلين بشبكة من الكاميرات والميكروفونات التي سجلت كل ما فعل وقيل في كل غرفة. بعد حرب عام 2003، على ما يبدو نزعت الكاميرات والميكروفونات، وغطيت لوحة جورج بوش الأب المصنوعة من الفسيفساء التي كانت ممسحة الأرجل الرسمية للفندق. ظل الفندق مكانا غريبا. وقف النوادل في المقهى، وهم يرتدون صدريات وأربطة عنق مزيفة، قريبين أكثر من اللازم من الطاولات وقتا أطول قليلا من اللازم، ينصتون باهتمام. كان هذا هو المكان الذي قابلت فيه رئيس الكهنة، الذي كان معروفا باسم الشيخ ستار («الشيخ» هو لقب عربي فخري، يستخدم على نطاق واسع في ديانات الشرق الأوسط وقبائله؛ للدلالة على الاحترام). كان يجلس على طاولة مع رجلين اتضح أنهما شقيقه وسكرتيره.
قال الشيخ ستار: «ديانتنا هي أقدم ديانة في العالم. فهي تعود إلى آدم.» تتبع تاريخها إلى بابل، على الرغم من قوله إنها قد تكون ذات صلة ما بيهود القدس. وقال إن المندائيين آمنوا بآدم، الذي كان أول البشر، وآمنوا ببعض الأنبياء الآخرين الذين وردت أسماؤهم في الكتاب المقدس العبراني، مثل شيث ونوح. والأهم من ذلك كله، أنهم كانوا يبجلون يوحنا المعمدان. لكنهم أنكروا إبراهيم وكان لديهم كتبهم المقدسة التي كانت منفصلة تماما عن الكتاب المقدس أو القرآن. وسلمني الشيخ أحد هذه الكتب، الذي قد نشر باللغة العربية مغلفا بغلاف أبيض.
كان اسم الكتاب كنزا ربا؛ والاسم يعني «الكنز العظيم». تصفحت الكتاب، من اليمين إلى اليسار، وأدركت أنه يمكن أيضا قلبه رأسا على عقب وقراءته من الخلف إلى الأمام، مما يكشف نصا آخر بالتوالي مع الأول. صيغت كلتا النسختين مثل القرآن، وقسمتا بدقة إلى آيات وفصول. في بداية كل فصل، حيث في القرآن عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم!» جاء في كتاب كنزا ربا: «باسم الحي العظيم!» وكان على كل صفحة ما يبدو أنه صليب، متوج بغصن نبات الآس، ملفوف فوقه وشاح أبيض. أكد لي الشيخ ستار أن هذا لم يكن صليبا بل «درفش». وهو رمز للتغطيس في نهر دجلة، أي «التعميد» المندائي وأحد أقدس طقوس الديانة. وتمثل أذرعه الأربع جهات العالم الأربع. فهو نور الجنة المندائية على الأرض، حيث تتمتع أرواح الأخيار بالنعيم الأبدي. وضع على الأرض في اليوم الذي عمد فيه هيبل زيوا، ملاك النور، يوحنا، الذي أصبح بدوره يوحنا المعمدان وصنع معجزات مسجلة في أحد الكتب المندائية المقدسة، «إدراشا إد يهيا» (كتاب يحيى). ويقول الكتاب إن يوحنا المعمدان كان صانع معجزات أعظم بكثير من يسوع.
حظي التعميد بتركيز خاص لدى المندائيين. قال الشيخ: «إننا لا نمارس التعميد مرة واحدة في العمر فقط، مثل المسيحيين، ولكن قبل كل المناسبات الكبرى. على سبيل المثال، قبل الزفاف يعمد كل من العروس والعريس.» فالمعمودية هي أكثر من مجرد عملية تطهير. ينظر إليها على أنها تعطي طاقة ورضا روحيين، وتطهر من الخطيئة، وتشفي الجسد. وأضاف الشيخ ستار أن المندائيين فضلوا ارتداء ملابس بيضاء والعيش بالقرب من الأنهار؛ لأنه كان يجب أن تجرى المعمودية في مياه جارية نظيفة. وكانوا أيضا أشخاصا مسالمين. وأكد قائلا: «نحن لا نؤمن بالقتال حتى لو هوجمنا.» كانت محادثتنا باللغة العربية، لكنني علمت أن المندائيين لديهم لغتهم الخاصة، التي لا تستخدم اليوم إلا للأسماء والطقوس. جاء الاسم «مندائي» من كلمة «ماندا»، المرادف لكلمة حكمة في هذه اللغة. كانوا يؤمنون بإله واحد، «ماندا دهايي»، الحي العظيم. أطلقوا على الجنة اسم «عالم النور»، «مالكا دا نهورا».
لم تأت المجموعة لتحدثني عن دينها فحسب. جاءوا ليطلبوا شيئا مني. أخبرني السكرتير: «عائلتي تجار ذهب»، ولذا تعرضوا للهجوم ليس فقط بسبب ديانتهم، ولكن أيضا من أجل أموالهم. وأضاف أن جميع أفراد عائلته من الذكور قد قتلوا. قال رئيس الكهنة: «أرجوك، لم يتبق منا في العراق سوى بضع مئات. وكلنا يريد المغادرة. نريد أن يمنحنا بلدك حق اللجوء.» لم تمنحهم بريطانيا حق اللجوء بوصفهم طائفة، وهو ما كانوا يأملون فيه، لكنني علمت أنه لن يكون من الصعب عليهم التقدم كأفراد، في بريطانيا أو في أي مكان آخر، وأنهم سيغادرون العراق واحدا تلو الآخر. لقد صادفت رابطا للثقافة العراقية القديمة التي كنت أبحث عنها، وكانت تكاد تتلاشى أمام ناظري. •••
كما رأيت، يحافظ المندائيون على العادات البابلية، لكن ديانتهم تختلف عن ديانة البابليين القدماء: فهم، على سبيل المثال، لا يعبدون إله الشمس البابلي بيل أو إلهة الخصوبة أترعتا. ووفقا للمؤرخة يورون باكلي، تعود أقدم نصوصهم الدينية الباقية إلى أواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث الميلاديين. وذلك ينسبها إلى مرحلة ثورة فكرية غير مسبوقة في الشرق الأوسط، عندما اجتاحت طوائف وفلسفات جديدة الشرق الأوسط، فجلبت آلهة، وأفكار، وأساطير جديدة حلت محل نظائرها التقليدية. لكن لماذا حدثت هذه الثورة الفكرية في ذلك الوقت بالذات؟ كان السبب الرئيسي وراء ذلك هو السياسة والإمبراطورية. كان الشرق والغرب قد تقاربا بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى، وذلك بفضل توسع الإمبراطوريات الضخمة مثل إمبراطوريات فارس، والإسكندر، وروما. كانت الهند على الحدود الشرقية لبلاد فارس واليونان على حدودها الغربية؛ وجاورت روما بلاد فارس من الشرق وبريطانيا من الغرب. لذلك تمكنت الثقافات التي كانت معزولة في السابق بعضها عن بعض من أن تلتقي. حتى في حقبة سابقة، وصلت قصص الزهد الهندي إلى الفلاسفة اليونانيين الأوائل، وكانت مصدر إلهام لممارسات الكلبيين، الذين اعتقدوا أن الطريق الوحيد للسعادة الحقيقية يكمن في التخلي عن جميع الممتلكات والعيش في فقر كامل. وفي القرون اللاحقة (خاصة بعد أن صار السفر عبر البحر أسهل) أصبح هذا النوع من الاتصال أكثر شيوعا. وساعد التحضر أيضا في حدوث انصهار بين ديانات مختلفة. فلم يعد كافيا أن يتمسك شعب ما بالآلهة التي كانت لديه منذ آلاف السنين: فقد كان مطلوبا آلهة جديدة، وفلسفات جديدة لتسويغ عبادتها.
Bog aan la aqoon