بعد إلقاء هذه المحاضرات ظهر في بيروت ضمن منشورات المكتبة العصرية كتاب جديد لولي الدين يكن بعنوان «عفو الخاطر»، وقد نشره الأستاذ أمين نخلة عن نسخة كان قد نسخها عن الأصل المكتوب بخط المؤلف، وكان هذا الأصل مودعا عند الأستاذ فؤاد مغبغب ناشر كتاب التجاريب لولي الدين، وقد استعاره منه الأستاذ أنطون الجميل قبل وفاته بقليل لينسخه، وتوفي دون أن يرده، فلم يعثر عليه بعد ذلك. «وعفو الخاطر» يضم طائفة من القطع النثرية والشعرية التي لم يتضمنها الديوان، فيما عدا مقطوعة واحدة مكررة وهي الخاصة «بالكلب جوجو» ص49 من «عفو الخاطر» وص119 من الديوان.
والطريف في هذا الكتاب الجديد أنه يغاير مغايرة تامة كافة مؤلفاته الأخرى؛ وذلك لأنه يعتبر من الأدب الخالص، أو ما يمكن أن يسمى بالفن للفن، فلا علاقة له بالسياسة أو الاجتماع، ومن ثم لا محل فيه للأدب الملتزم، وإنما هو قطع ومقطوعات نثرية وشعرية منمقة قصد منها إلى الجمال الأدبي وطلاوة التصوير وأناقة الأسلوب، وهي وإن سميت «بعفو الخاطر» إلا أنها تعتبر في الواقع من قبيل الأدب المنمق.
وفي العناوين التي اختارها لمقطوعاته ما ينم عن معدنها مثل: «زهرة على شط نهر» و«القلم المكسور» و«نكبة باريس» و«أيا ليتني» و«الأنفة» و«الزهرة» ... إلخ.
وها هو مثال مما جاء في هذا الكتاب نأخذه من قطعة «زهرة على شط نهر» ص32: «حمراء صافية ذات أرج يملأ الروح، كأنها بسمة على ثغر ملك، أو قطرة دم من فؤاد معذب، تناولتها بأناملي وقسوت عليها بالقطف، وشممتها فمازج روحي روحها ... باعدت ما بين موردها العذب ومنبتها الطيب حرصا على جمال ليس لي منه إلا الإعجاب به، فكأنه خلق لأصفه، وكأني خلقت لأعنى به، الله يأبى أن يبقى فؤاد الشاعر في دعة، ويأبى سبحانه أن يظل خاطره في سكون.»
وظاهر من هذه الأسطر وأمثالها أن ولي الدين قد جارى في كتابتها روحا رومانسية عامة كانت سائدة في ذلك العصر عند كتاب مثل المنفلوطي وجبران ومي، وهذه ليست الروح الأصيلة التي تميز بها ولي الدين يكن، وحللناها في الصفحات السابقة، ورأينا أكبر خاصية لها في تلك الانفعالات الفكرية العنيفة التي انبثقت عن اهتماماته السياسية والاجتماعية، وهي تلك الاهتمامات التي طغت على كتاباته وعلى حياته، بحيث يعتبر «عفو الخاطر» جدولا صغيرا رقراقا إلى جوار تيار أدبه العام الصاخب العاتي.
Bog aan la aqoon