[مقدمات التحقيق]
تقديم [للدكتور بشار عواد معروف]
لأستاذنا العلامة الدكتور بشار عواد معروف بسم الله الرّحمن الرّحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) [الكهف].
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له- كلمة قامت بها الأرض والسموات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات- وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.
أما بعد، فإن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو «نوره المبين الذي أشرقت له الظّلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول فلا يغلق إذا غلّقت الأبواب، وهو الصراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنّزل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء؛ لا تفنى عجائبه، ولا تقلع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته، كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا زادها هداية وتبصيرا، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصّدور من أدوائها وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح حيّ على الفلاح «١»».
وقد أمرنا الله جل شأنه ورسوله بتلاوته وتعاهده وتدبّره والعمل به، فقال جل ثناؤه: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص]، وقال رسوله ﷺ «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» «٢»، وثبت عنه ﷺ أنه قال: «المؤمن الذي يقرأ القرآن
_________
(١) مستفاد من كلام الإمام ابن قيم الجوزية في مقدمته لمدارج السالكين ١/ ٧.
(٢) من حديث عثمان ﵁، أخرجه البخاري ٦/ ٢٣٦ (٥٠٢٧) و(٥٠٢٨)، وغيره، وانظر تمام تخريجه في تعليقنا على جامع الترمذي (٢٩٠٧).
1 / 5
ويعمل به، كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب» «١».
ولحكمة بالغة أنزل الله جل ثناؤه كتابه باللسان العربي المبين، وجعله المعجزة الكبرى لرسوله الكريم ﷺ، فكان أهل العربية من أحق الخلق بفهمه وتدبر معانيه ودلالاته، وهم أولى النّاس بدراسته.
وحين أزمع ابن خالي وخال أولادي الدكتور دريد حسن أحمد على مواصلة دراسته العليا في لغة القرآن قبل ما ينيف على عشرين عاما، كان متوجها بكليته إلى كتاب الله العزيز الذي كان شغوفا به وهو صغير، ولازمه حياته، كما هو شأن المسلم المؤمن العارف بمنزلة كتاب الله في هذا الدين القويم، لذلك سعى جهده وبذل وسعه في أن يتخصص بجانب من جوانبه، وهي القراءات، في دراسته الرسمية الماجستيرية، فاتفقت معه يومئذ على اختيار واحد من أبرز كتب القراءات المشهورة المعتصرة المختصرة التي عني بها طلبة هذا العلم على مدى العصور، وهو كتاب «الوجيز» لأبي عليّ الأهوازي، ليكون تحقيقه ودراسته موضوعا لدراسته، ورجوت صديقي العالم الجليل الأستاذ الدكتور حاتم صالح الضامن ليشرف عليه، فرحب جزاه الله خيرا ووظف خبراته التحقيقية الجمة في إعانته على ضبط النص، وتوضيح دلالاته وإرشاده إلى أفضل السّبل المؤدية إلى ذلك.
وحين بدأ العمل كنت أتابعه خطوة خطوة إيمانا مني بأهمية هذا الموضوع وخطورته، ودفعا لما قد يقع في النص من خلل، رجونا دائما أن نتجنبه، وتثبيتا لقدم المحقق وهو يومئذ لمّا يزل في مطلع حياته العلمية، فكان بحمد الله ثابت الجنان لم تزل به الأقدام، متأنيا متأتيا بعمله حتى ظهر بهيئة علمية بارعة وصفة نافعة تسرّ محبي كتاب الله العزيز وأهل العناية به.
وقد قدم الدكتور دريد لهذا النص بدراسة معمقة عن الكتاب ومؤلفه وقعت في فصلين، خصص الفصل الأول منهما لسيرة الأهوازي تناول فيه اسمه ونسبه، ومولده ونشأته، وعنايته بالقراءات وقراءته القرآن الكريم في سن مبكرة على شيوخ بلده. ثم رحلته إلى البصرة وقراءته بها منذ سنة ٣٨٣ هـ على مجموعة من متعيني القراء فيها، ثم رحلته إلى بغداد مرورا بالبطائح سنة ٣٨٦ هـ، وقراءته على العديد من شيوخ بغداد حتى سنة ٣٩١ هـ- حينما تركها متوجها إلى دمشق ليستقر بها بقية حياته. وعني بتتبع شيوخه الذين قرأ عليهم في هذه البلدان، وما استفاده منهم، وتناول عنايته بطلب الحديث وروايته. ثم تتبع إحصاء تلامذته من طلبة القراءات الذين انثالوا عليه من كلّ حدب وصوب ورتّبهم على حروف المعجم، ورجع في كلّ ذلك إلى مجموعة من المصادر المطبوعة والعديد من
_________
(١) من حديث أبي موسى الاشعري، أخرجه البخاري ٦/ ٢٣٤ (٥٠٢٠) وفي مواضع أخرى، ومسلم (٧٩٧).
1 / 6
المخطوطات. وتناول في هذا الفصل مؤلفات الأهوازيّ وتتبعها في مظانّها، وأشار إلى ما بقي منها ووصل إلى زماننا، وعني بتتبع رواة هذه الكتب تأكيدا لوجودها، وإشعارا بأهمّيتها في هذا العلم، فكانت حصيلة ما وقف عليه اثنين وعشرين كتابا. ثم ذكر وفاته، وختم الفصل ببيان منزلته العلمية، وأورد ما تعرّض له من حملة شديدة في
الحطّ عليه والطّعن به من قبل الأشاعرة، وفنّد كثيرا منها، وقوّم الرجل بما يستحقّه من منزلة بين المسهمين في هذا العلم.
أما الفصل الثاني فقد تناول فيه بالدراسة كتاب «الوجيز» فتكلّم على منهجه من حيث خطته وتبويبه مدعما ذلك بالأمثلة المدلّلة عليه. وتطرق إلى رواة «الوجيز» وأهميته فاستطاع- بحمد الله ومنّه- الوقوف على ثلاث روايات رئيسة له هي روايات: المصينيّ، وابن قيراط، وغلام الهرّاس، فتتبعها عبر العصور مستعينا بعدد ضخم ومتنوع من المصادر لم يزل الكثير منها مخطوطا. ثم انتقل إلى وصف النّسخة الخطّية وما ورد فيها من سماعات، وختم الفصل ببيان منهجه في تحقيق هذا الكتاب.
ومن المعلوم في بدائه علم تحقيق النصوص أن اعتماد نسخة خطية واحدة للنص عند تحقيقه يثير كثيرا من الصعوبات والمخاطر، لكن الدكتور دريد استطاع بفضل من الله ومنّة أن يتجاوز تلك المخاطر حين قام بمقابلة مادة الكتاب على أمهات كتب القراءات وغيرها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ومع كل هذا الذي قدّمت، فقد أعاد الدكتور دريد النّظر في الكتاب مستفيدا من خبرة السّنين الطويلة التي تصرّمت منذ تحقيقه الكتاب أول مرة. كما أعدت مراجعته وتدقيقه وتهيئته للطباعة حتى تجلّى بهذه الصّفة الرائقة التي نرجو الله سبحانه أن تعم بها فوائده، وترتجى منها عوائده.
إن ظهور هذا الكتاب من محبسه ونشره يقدم خدمة جلّى للدراسات القرآنية خاصة، ولغة القرآن عامة، فهو كتاب «وجيز» كما وصفه مؤلفه يسهل على طلبة العلم تتبعه وإدراكه من غير خوض في تفصيلات قد تكون قليلة الفائدة، وهو مما يفيد منه المختص والمتعلم لكتاب الله ﷿ من غير المختصين على حد سواء.
ومما يزيد في قيمة هذا الكتاب ويعليها أن مؤلفه واحد من جهابذة هذا العلم، فهو «مقرئ أهل الشام بلا مدافعة معرفة وضبطا وعلو إسناد» كما وصفه الإمام الذهبي «١». وهو الذي «لم يلحقه أحد في هذا الشأن» كما عبّر عنه إمام عصره شمس الدين ابن الجزري «٢».
ولا بدّ لي أن أنوّه بعمل الدكتور دريد، فحق لمن يتقن عمله العلمي أن ينوّه بفضله،
_________
(١) تاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (مجلد أياصوفيا ٣٠٠٩ بخطه).
(٢) النشر ١/ ٣٥.
1 / 7
إذ هو أدعى له إلى السعي في تجديد الأمل بمزيد من إحسان العمل الذي يخدم به كتاب الله وقرّاءه، والمتشوقين إلى الاستزادة من معارفه. ويسعدني أن أقدمه لعشاق تراث أمتي ليتلقوه بما هو أهله من إحسان القدر وإيفاء الشّكر، وأسأل الله سبحانه أن يثيبنا على عملنا فيه ويجعله في صحائف أعمالنا، وأن يثبتنا بقوله الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه بمدينة السلام بغداد في غرة رجب سنة ١٤٢٢ هـ- أفقر العباد بشار بن عواد
1 / 8
الأهوازي وكتابه الوجيز
1 / 9
[مقدمة المحقق]
الفصل الأول سيرة الأهوازي
اسمه ونسبته:
هو أبو عليّ الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد بن هرمز بن شاهويه الأهوازي «١»، منسوب إلى الأهواز أو (الأحواز) «٢» الإقليم المشهور الواقع إلى الجنوب الشّرقيّ من البصرة، وإلى جنوب وجنوب غربي إيران حيث تفصله عنها سلسلة جبال لرستان من الشّمال وجبال البختيارية من الشّرق، فتكون هذه السّلاسل الجبلية الحدود الطّبيعية للهضبة الإيرانية. ويمثّل هذا الإقليم في الوقت نفسه الامتداد الشّرقي لمنطقة الهلال الخصيب التي تبدأ عند السّهول الفلسطينية وتمر بلبنان وسوريا والعراق فتكوّن القسم الشّمالي الشّرقي للوطن العربيّ والحاجز الطّبيعي بينه وبين المناطق غير العربية من آسيا. وقد تكوّنت أرضه الرسوبية من الترسّبات التي كوّنها نهر دجيل الأهواز «٣» وروافده الكثيرة، وهو النّهر الذي أطلق عليه الفرس اسم نهر (كارون) في العصر الحديث «٤».
وقد ارتبط تحرير الأهواز بتحرير منطقة البصرة، وكانت القبائل العربية في هذه المنطقة، ولا سيّما قبيلة بكر بن وائل، تقوم بغارات على الأطراف الغربية للامبراطورية السّاسانية قبل الإسلام، فاشتدّت هجماتها بعد انتصارها على الفرس في موقعة ذي قار المشهورة. وحينما تولّى عمر بن الخطّاب- ﵁ الخلافة أمر قادة جيوش
_________
(١) معجم الأدباء لياقوت: ٣/ ١٥٢، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة ٤٢٩ (مجلد أياصوفيا ٣٠٠٩ بخطه).
(٢) أطلق العرب عليه اسم الأحواز- بالحاء المهملة- وأصل الحوز في كلام العرب مصدر حاز الرجل الشيء يحوزه حوزا إذا حصله وملكه، قال ياقوت «فلما كثر استعمال الفرس لهذه اللفظة غيرتها حتى أذهبت أصلها جملة، لأنه ليس في كلام الفرس حاء مهملة، وإذا تكلموا بكلمة فيها حاء قلبوها هاءا فقالوا في حسن: (هسن)، وفي محمد: (مهمد) ثم تلقفها منهم العرب فقلبت منهم بحكم الكثرة في الاستعمال. وعلى هذا يكون الأهواز اسما عربيا سمي به في الإسلام» (معجم البلدان: ١/ ٤١٠)، وبهذا يقرر ياقوت الحموي بأن لفظة (أهواز) - بالهاء- هي لفظة عربية مستحدثة بعد الإسلام»، وقد شاعت في المصادر العربية، فلم نر بأسا من إثباتها.
(٣) سمي بدجيل تصغير (دجلة)، وأضيف إليه لفظ «الأهواز» تمييزا له عن دجيل دجلة الذي في أعلى بغداد (معجم البلدان: ٢/ ٥٥٥).
(٤) لم نجد اسم (كارون) في جميع الكتب الجغرافية العربية والفارسية في العصور الوسطى (انظر بلدان الخلافة الشرقية للسترنج: ٢٦٨).
1 / 11
البصرة بتحريرها، فتمّ تحريرها نهائيا في إمارة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعريّ على البصرة سنة ١٧ هـ، ولذلك ارتبطت إدارتها طوال العصور الإسلامية بالبصرة وأصبحت إقليما من أقاليمها «١».
وحين ازدهرت الحركة الفكرية في البصرة في صدر الإسلام تأثّرت بها الأهواز فكانت آنذاك «مشحونة بالعلماء والأئمة» «٢» ذكرت كتب الرّجال والتّراجم عددا كبيرا ممّن نسب إليها، ولكنّ الخراب بدأ يصيبها على إثر حركة الزّنج بحيث قال أبو سعد السّمعانيّ في القرن السادس الهجري: «قد خربت أكثرها وبقيت التلال ولم يبق منها إلا جماعة قليلة «٣».
مولده ونشأته:
نقل الحافظ أبو القاسم ابن عساكر «٤» وياقوت الحموي «٥» عن أبي عليّ الأهوازيّ أنه قال: ولدت في سابع عشر محرم سنة ٣٦٢، وكان مولده بالأهواز. على أنّ المصادر لم تسعفنا بشيء عن عائلته أو نشأته. والظّاهر أنّه كان من عائلة مغمورة، إذ لم نقف في كتب التّراجم على أحد من ذوي قرباه. ويبدو أنه تعلّم القراءة والكتابة في طفولته، وأنه عني منذ صغره بالقرآن الكريم، قال الذّهبيّ: «عني من صغره بالرّوايات والأداء» «٦».
عنايته بالقراءات:
بدأت عناية الأهوازي بالقراءات القرآنية في سنّ مبكرة، حيث وجدناه في سنة ٣٧٨ هـ-، وهو في السادسة عشرة من عمره، يقرأ القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بالهمز والإظهار وترك الهمز، وبترك الهمز مع الإظهار من قراءة أبي عمرو بن العلاء برواية أبي محمد اليزيديّ عنه على شيخه بالأهواز أبي الحسن علي بن الحسين بن عثمان بن سعيد الغضائريّ «٧» البغداديّ المقرئ «٨». وكان أبو الحسن الغضائريّ البغداديّ قد قرأ على أبي
_________
(١) انظر: تاريخ خليفة بن خياط: ١١٧ - ١١٨، ١٢٧، ١٣١، ١٣٥، وفتوح البلدان للبلاذري: ٣٣٦، وتاريخ الطبري: ٤/ ٧٢ فما بعد، وتحرير الأحواز في صدر الإسلام للدكتور بشار عواد معروف (آفاق عربية، السنة السادسة، العددان: ٣ - ٤، بغداد ١٩٨٠).
(٢) أنساب السمعاني: ١/ ٣٩٢.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) تهذيب تاريخ دمشق لابن بدران: ٤/ ١٩٧.
(٥) معجم الأدباء: ٣/ ١٥٤، وقال الذهبي: في أول سنة ٣٦٢ (تاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ من مجلد أياصوفيا ٣٠٠٩)، وهو ينقل من تاريخ دمشق لابن عساكر.
(٦) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٣٤٣.
(٧) منسوب إلى الغضارة وهو إناء يؤكل فيه الطعام، والنسبة إلى عمله، كما في أنساب السمعاني: ٩/ ١٥٥.
(٨) انظر: المخطوطة، الورقة ٦ ب، ومعرفة القراء للذهبي: ٢/ الترجمة ٢٥٧ وتاريخ الإسلام، الورقة ١٩٥ (مجلد أحمد الثالث ٢٩١٧/ ١٠)، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٢٠٥.
1 / 12
بكر أحمد بن موسى بن مجاهد التّميميّ «١»، وأبي عيسى أحمد بن حمدان الفرائضيّ المقرئ «٢»، وأحمد بن فرح «٣» المفسّر، وسعيد بن عبد الرّحيم الضّرير، وأبي الحسن بن شنبوذ «٤»، وأحمد بن سهل الأشنانيّ «٥»، ومحمد بن إبراهيم الأهناسيّ، والقاسم بن زكريا المطرز «٦»، وعبد الله بن هاشم الزّعفراني «٧»، وغيرهم.
ومع أنّ شمس الدّين ابن الجزري ذكر أنّ الغضائري هو أقدم شيخ «٨» له إلا أننا وجدناه في السّنة نفسها يقرأ القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة عبد الله بن كثير- رواية قنبل عنه- على شيخ عربي من بني عجل هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عبيد الله بن إسماعيل التّستريّ نزيل الأهواز «٩»، وهو ممّن قرأ على أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد أيضا «١٠»، وأحمد بن محمد بن عبد الصّمد الرازيّ «١١»، وأحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب الرازيّ «١٢»، والهيثم بن الخضر الطّوسيّ «١٣»، وأبي العباس الفضل بن محمد الأنصاريّ «١٤»، وأبي بكر محمد بن أحمد الرّمليّ الدّاجوني «١٥»، وغيرهم.
إنّ القراءة بالرّوايات في مثل هذا العمر المبكّر تدلّ على أنّ عائلته قد وجّهته منذ صغره إلى العناية بالكتاب العزيز، فوجد ذلك هوى في نفسه على ما دلت عليه سيرته فيما بعد فتوجّه اليه بكليته.
كما قرأ أبو عليّ ببلدة الأهواز- في هذه المدة تقريبا- القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة حمزة بن حبيب الزّيات- رواية سليم عنه- على شيخه أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل الجبي المتوفى بالأهواز سنة
_________
(١) المخطوطة، الورقة ٧ أ.
(٢) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢١٨.
(٣) بالحاء المهملة. وذكر ابن الجزري في ترجمته أن قراءته على الغضائري بعيدة جدا. (غاية النهاية:
١/ الترجمة ٤٣٧).
(٤) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٢٠٥.
(٥) انظر غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٥٧.
(٦) معرفة القراء للذهبي: ١/ الترجمة ١٤١، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٤ (مجلد أحمد الثالث ٢٩١٧/ ٩) وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٥٨٨.
(٧) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٨٩٨.
(٨) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٢٢٠٥.
(٩) انظر المخطوطة، الورقة ٣ أ، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٥٨، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٥٩٧.
(١٠) المخطوطة، الورقة ٣ أ.
(١١) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٥٩٧.
(١٢) معرفة القراء: ١/ الترجمة ١٨٥.
(١٣) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٢٥٨.
(١٤) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٥٦٨.
(١٥) معرفة القراء: ١/ الترجمة ١٨٤، وهو منسوب الى داجون من قرى الرملة.
1 / 13
٣٨١ هـ- «١». وكان أبو الحسين الجبي قد قرأ على أحمد بن فرح المفسر سنة ٣٠٠ هـ-، وعلى أحمد بن محمد الرّازيّ، وابن شنبوذ، وأبي بكر الدّاجونيّ، والحسين بن إبراهيم صاحب ابن جبير، والخضر بن الهيثم، ومحمد ابن موسى الزّينبيّ، ومحمد بن عبد الله الرّازيّ، وعبد الله بن عمر بن كثير الهمذانيّ، ومحمد بن أحمد بن عمران بن رجاء، وأبي بكر محمد بن الحسن النقّاش، ومحمد بن أحمد الشعيري، وهبة الدّين بن جعفر، وأحمد بن عبد الصّمد الرّازيّ، وأحمد بن محمد بن عثمان القطّان، وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز البخاري «٢»، وعبد الله بن محمد بن هاشم الزّعفرانيّ «٣»، وأبي الحسن عليّ بن العباس البجليّ الكوفيّ «٤»، وقرأ على الإمام محمد بن جرير الطّبريّ سنة ٣٠٨ هـ- «٥».
رحلته إلى البصرة:
وعلى الرّغم من الضّعف الذي أصاب الحركة الفكرية في البصرة منذ حركة الزّنج التي أدّت إلى تدمير الكثير من أجزائها ورحلة العديد من العلماء عنها، لكنّها بقيت تمثّل أكبر مركز في جنوب العراق، لذلك وجدنا الأهوازيّ أول من يتجه إليها وهو في مطلع شبابه، فتشير النصوص إلى وجوده فيها سنة ٣٨٣ هـ- حيث قرأ في تلك السّنة القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة نافع- رواية قالون عنه- على شيخه أبي الحسن علي ابن الحسن بن عليّ بن عبد الحميد السّميساطيّ «٦» المعروف بالثّغري الواسطي البزّاز الخطيب المقرئ المعروف «٧».
وفي هذه السنة أيضا قرأ القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة نافع- رواية ورش عنه- «٨» وبقراءة الكسائي- رواية أبي عمرو الدّوريّ عنه- «٩» على شيخه محمد بن أحمد ابن محمد بن عبد الله بن يعقوب بن عليّ العجليّ اللالكائيّ المقرئ الشّيخ المتصدّر الذي قرأ على أحمد بن نصر الشّذائيّ وأبي الأشعث محمد بن حبيب الجاروديّ وأبي الفرج أحمد بن محمد بن الحسن البرمكيّ الدّينوريّ الصّائغ المعروف بالرّصّاص «١٠».
_________
(١) أنساب السمعاني: ٣/ ٢٠٤، ومشتبه الذهبي: ١٤٠، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٣١٨، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين: ١/ الورقة ١٢٢ (نسخة دار الكتب الظاهرية). وقد تكرر على الذهبي في معرفة القراء فذكره مرتين من غير أن ينتبه إلى ذلك: ١/ الترجمة ٢٥٦، والترجمة ٢٦٢.
(٢) انظر غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٨٧٩.
(٣) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ١٨٩٨.
(٤) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٢٢٣٨.
(٥) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٣١٨.
(٦) ويقال فيه الشمشاطي- بالمعجمتين- (انظر التعليق على النص، الورقة ٢ أ).
(٧) المخطوطة، الورقة ٢ أ، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢١٩٠.
(٨) المخطوطة، الورقة ٢ ب.
(٩) المخطوطة، الورقة ٦ أ.
(١٠) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٩٥، وانظر: ١/ الترجمة ٥٠٦.
1 / 14
وفي سنة ٣٨٣ أيضا قرأ الأهوازيّ بالبصرة القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة يعقوب- رواية روح بن عبد المؤمن بن قرّة البصري عنه- على شيخه أبي عبيد الله
محمد بن محمد بن فيروز بن زاذان الكرجي «١» كما نصّ على ذلك في مقدمة كتابه هذا «٢». وأبو عبيد الله الكرجي شيخ جليل مقرئ، قرأ على أحمد بن عبد الله بن عيسى الهاشميّ، ومحمد ابن الحسن بن يونس الكوفيّ، وأبي العباس محمد بن يعقوب بن الزّبرقان، وأبي بكر محمد بن هارون التّمّار، والحسن بن الحباب، وعبد الله بن مخلد بن شعيب، وعبد الله بن محمد بن العباس المدنيّ «٣»، ومحمد بن جرير الطبريّ «٤»، ومحمد بن عمير الهمذانيّ «٥»، وغيرهم «٦». ولا نعلم يقينا إن كان الأهوازيّ قرأ عليه القرآن الكريم بقراءة حمزة بن حبيب الزّيات- رواية خلّاد عن سليم عنه- في البصرة أيضا أو في مكان آخر إذ لم ينصّ المؤلّف على ذلك «٧».
والظاهر أنّ الأهوازيّ بقي في البصرة إلى سنة ٣٨٥ هـ في الأقل وهي السنة التي قرأ فيها القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة حمزة بن حبيب الزّيات- رواية الضّبي عنه- على شيخه أبي بكر محمد بن أحمد بن عليّ الباهليّ البصريّ الصّناديقيّ النجّار في مسجده بالبصرة «٨»، وهو شيخ قد قرأ على محمد بن أحمد بن إسماعيل الأدميّ «٩»، والقاسم بن زكريا المطرّز، وأبي بكر الدّاجونيّ الكبير، وعمر بن محمد الكاغدي، وأبي سلمة عبد الرّحمن بن إسحاق الكوفيّ «١٠»، ومحمد بن الرّبيع بن سليمان الجيزيّ «١١»، وعبد الله
_________
(١) بفتح الكاف والراء نسبة إلى الكرج وهي بلدة من بلاد الجبل بين أصبهان وهمذان.
(٢) الورقة ٧ ب.
(٣) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٤٣٢.
(٤) المصدر نفسه: ٢/ الترجمة ٢٨٨٦.
(٥) المصدر نفسه: ٢/ الترجمة ٣٣٣٧.
(٦) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٦٠، وغاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٤٣٢.
(٧) المخطوطة، الورقة ٧ ب وقد قال الذهبي في ترجمة أبي عبيد الله الكرجي: «ذكر الأهوازي أنه قرأ على هذا الشيخ بالأهواز بروايات» (معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٦٠) لكنه لم يحدد الروايات التي قرأها. وقال شمس الدين ابن الجزري في ترجمته: «قرأ عليه أبو علي الأهوازي بالبطائح سنة ست وثمانين وثلاث مائة»، (غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٤٣٢)، فلعلهما نقلا ذلك من غير هذا الكتاب مع احتمال حصول الوهم، لكن تحديد ابن الجزري لتاريخ القراءة وموضعها يعطي لروايته قوة، ولا يبعد تحوله إلى البطائح القريبة من البصرة في هذه المدة وقد فعل ذلك شيخ الأهوازي محمد بن أحمد العجلي اللالكائي الذي قرأ عليه الأهوازي في البصرة سنة ٣٨٣ هـ- ثم وجدناه في البطائح سنة ٣٨٦ هـ- كما سيأتي.
(٨) المخطوطة، الورقة ٥ ب.
(٩) انظر غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٠٦.
(١٠) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٦٣.
(١١) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٦٠.
1 / 15
ابن محمد بن صالح السّلميّ «١»، وغيرهم.
وفي البصرة أيضا قرأ الأهوازيّ القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة الكسائيّ- رواية أبي الحارث عنه- على شيخه أبي الحسن محمد بن عبد الرحيم بن إسحاق بن عوّاد الأسيدي البصري «٢». كما قرأ فيها على شيخه أبي القاسم عبد الله بن نافع بن هارون العنبريّ، وهو شيخ روى القراءة عن أحمد بن فرح المفسّر، وأحمد بن عليّ بن وهب «٣»، وأبي بكر أحمد بن الحسن بن هارون بن محمد العوقي «٤»، وأبي بكر أحمد بن محمد بن علي بن إسحاق الصّيدلانيّ «٥»، وأبي عثمان سعيد بن عبد الرّحيم المؤدب «٦»، ومحمد بن عمر بن أيوب القلوسي «٧»، وغيرهم.
ولعل الأهوازيّ قرأ بالبصرة أيضا على شيخه أبي الحسين عليّ بن أحمد بن عثمان الهجري المقرئ، قال ابن الجزري في ترجمته: «شيخ قرأ على معتّب بن محمد بن يوسف المقرئ، قرأ عليه أبو علي الاهوازيّ ونسبه وكنّاه» «٨».
رحلته إلى البطائح:
توجّه الأهوازيّ بعد أن قرأ على شيوخ البصرة إلى البطائح، وهي عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة خرج منها عدة من العلماء المعنيين بالقراءات القرآنية «٩»، فوجدناه فيها سنة ٣٨٦ هـ-، قال ابن الجزري في ترجمة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب بن علي العجليّ اللالكائيّ: «صاحب تلك القصيدة الرّائية عارض بها قصيدة أبي مزاحم الخاقانيّ، رواها عنه الأهوازيّ في البطائح سنة ست وثمانين وثلاث مائة، وأولها:
_________
(١) غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٨٧٥.
(٢) المخطوطة، الورقة ٦ أ، وغاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣١٣٠، وأنظر أيضا: غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٣٤٢.
(٣) غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٩٢٢.
(٤) منسوب إلى العوقة محلة بالبصرة، (وانظر غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٩٧).
(٥) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٥٧٢.
(٦) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ١٩٢٢.
(٧) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٣٠٩، والقلوسي بضم القاف واللام منسوب إلى القلوس جمع قلس وهو الحبل الذي يكون في السفينة.
(٨) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٢١٥٢، وقد قال في ترجمته معتب بن محمد بن يوسف المقرئ: «لا أعرفه» (غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٦٢٧)، فهذا شيخ لم يذكره غير الأهوازي على ما يظهر.
(٩) انظر: أنساب السمعاني: ٢/ ٢٣٩ - ٢٤٠، ومعجم البلدان لياقوت: ١/ ٦٦٨ - ٦٧٠، وذيل تاريخ مدينة السلام لابن الدبيثي، الورقة ٢٢٠ (من مجلد باريس ٥٩٢٢)، والتاريخ المجدد لمدينة السلام لابن النجار، الورقة ١٩٦ (من مجلد دار الكتب الظاهرية بدمشق)، وعقد الجمان للعيني:
١٦/ الورقة ٦٠٠ - ٦٠١.
1 / 16
لك الحمد يا ذا المنّ والجود والبرّ ... كما أنت أهل للمحامد والشّكر «١»
وفي البطائح أيضا قرأ الأهوازيّ على شيخه أبي الحسن أحمد بن عبد الرّحيم بن يعقوب الفسوي وهو شيخ مقرئ قرأ على أبي جعفر أحمد بن محمد بن حمدون السّرخسي «٢».
ولعله قرأ بالرّوايات في هذه السنة بالبطائح على شيخه أبي عبيد الله محمد ابن محمد بن فيروز بن زاذان الكرجي «٣».
رحلته إلى بغداد:
وكان لا بدّ لهذا الشّاب المتحرّق في طلب العلم أن تتوق نفسه إلى الرحلة إلى عاصمة الدّنيا العربية الإسلامية وموئل الحضارة ومعدن العلم والعلماء مدينة السّلام بغداد لطلب الأسانيد العالية ومذاكرة علمائها في هذا الفنّ الجليل الذي ملك عليه قلبه وروحه.
والظاهر أنه توجّه إلى بغداد بعيد سنة ٣٨٦ هـ-، وكان فيها يقينا قبل شهر صفر سنة ٣٨٨ هـ-، وهو تاريخ وفاة شيخه أبي الفرج محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن العباس بن ميمون الشّنبوذي البغدادي «٤»، فقد قرأ عليه الكتاب العزيز من أوله إلى خاتمته بقراءة عاصم بن أبي النّجود- رواية أبي بكر ابن عيّاش عنه- «٥»، وبقراءة يعقوب- رواية رويس عنه «٦» -.
وكان من الطبيعي أن يتوجه الأهوازيّ إلى هذا الأستاذ الإمام في القراءات، فهو ممّن رحل ولقي الشيوخ وأكثر عنهم، وعمّر، فعلت أسانيده، حيث ولد سنة ٣٠٠ هـ-،
_________
(١) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٩٥.
(٢) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٩٦، وانظر ترجمة السرخسي أيضا: ١/ الترجمة ٥١٣، وقد نص ابن الجزري في ترجمة الأهوازي أنه قرأ عليه بالبطائح، ولكنه أخطأ فسماه محمدا، أو هو من غلط الطبع (١/ الترجمة ١٠٠٦).
(٣) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٤٣٢، وراجع تعليقنا قبل قليل.
(٤) مع أن بعضهم قال بوفاته في أواخر سنة ٣٨٧، وإن كان ما ذكرناه هو المرجح عند أهل العلم بالتاريخ، انظر: تاريخ الخطيب: ٢/ ٩٢، وأنساب السمعاني: ٧/ ٣٩٥، والمنتظم لابن الجوزي: ٧/ ٢٠٤، وإرشاد الأريب لياقوت: ٦/ ٣٠٤، واللباب لابن الأثير: ٢/ ٣٠، ومعرفة القراء للذهبي: ١/ الترجمة ٢٥٢، وتاريخ الإسلام، الورقة ١٩٨ (أيا صوفيا ٣٠٠٨)، وتذكرة الحفاظ: ٣/ ١٠٢٠، والعبر: ٣/ ٤٠، وميزان الاعتدال: ٣/ ٤٦١ - ٤٦٢، والوافي بالوفيات للصفدي: ٢/ ٣٩، وغاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٠١، ونهاية الغاية، الورقة ٢٠٦، والنجوم الزاهرة: ٤/ ١٩٩، وطبقات المفسرين للسيوطي: ٣٧، وطبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٥٤ - ٥٧، وشذرات الذهب: ٣/ ١٢٩، وإنما قيل له الشنبوذي لأنه قرأ على ابن شنبوذ وتلمذ له كما في أنساب السمعاني وغيره.
(٥) المخطوطة، الورقة ٤ ب.
(٦) المخطوطة، الورقة ٧ ب.
1 / 17
وأخذ القراءة عرضا بالروايات عن مجموعة كبيرة من أساتذة هذا الشأن منهم: ابن مجاهد، وإبراهيم بن عرفة نفطويه، وابن الأخرم الدّمشقيّ، ومحمد بن هارون التّمار، وأبو بكر الأدميّ، وأبو مزاحم الخاقانيّ، وأبو بكر النقّاش، وغيرهم.
قال الدّاني: «مشهور نبيل، حافظ، ماهر، حاذق، كان يتجوّل في البلدان «١». وقال الخطيب البغداديّ: «سمعت أبا الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصّيرفي يذكر أبا الفرج الشّنبوذيّ، فعظّم أمره، ووصف علمه بالقراءات وحفظه للتفسير» «٢».
والظاهر أنه بقي مقيما ببغداد إلى أواخر سنة ٣٩١ هـ- حينما غادرها إلى الشام «٣»، وقد قرأ ببغداد في هذه المدة على مجموعة من شيوخها في القراءات منهم:
١ - أبو الفرج المعافى بن زكريا النّهروانيّ الجريري «٤»، الإمام العلّامة المشهور صاحب التّصانيف المشهورة المتوفى سنة ٣٩٠ هـ- «٥».
قال الخطيب: «وكان من أعلم النّاس في وقته بالفقه والنّحو واللّغة وأصناف الأدب» «٦». وقال ابن الجزري: «أخذ القراءة عرضا عن أبي الحسن بن شنبوذ، وبكّار، وأبي مزاحم الخاقانيّ، والخضر بن الحسين الحلواني، أخذ القراءة عرضا عنه:
عبد الوهاب بن علي، ومحمد بن عمر النّهاونديّ، وأحمد ابن مسرور، وأبو علي الأهوازيّ ...» «٧».
٢ - أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير بن هارون البغداديّ الكتانيّ المقرئ المحدّث الثّقة المعروف بابن كوجك المتوفى سنة ٣٩٠ هـ- «٨».
ولد سنة ٣٠٠ هـ-، وعرض على أبي بكر بن مجاهد، ومحمد بن جعفر الحربي
_________
(١) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٥٢.
(٢) تاريخ الخطيب: ٢/ ٩٢. وقد أساء الدارقطني القول فيه، ولكن وثقه غير واحد، منهم أبو العلاء، الهمذاني وناهيك به.
(٣) معجم الأدباء: ٣/ ١٥٢، وتاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩) ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٣٤٣.
(٤) إنما قيل له الجريري لأنه كان على مذهب الإمام محمد بن جرير الطبري.
(٥) ترجمته في تاريخ الخطيب: ١٥/ ٣٠٨، وطبقات الشيرازي: ٩٣، ومعجم الأدباء: ٧/ ١٦٢، وإنباه الرواة للقفطي: ٣/ ٢٩٦، ووفيات الأعيان: ٥/ ٢٢١، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٠٨ (أيا صوفيا ٣٠٠٨، والعبر: ٣/ ٤٧، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة ٢٤٩، ومرآة الجنان: ٢/ الورقة ٤٤٣ - ٤٤٤، والبداية والنهاية لابن كثير: ١١/ ٣٢٨، وشذرات الذهب: ٣/ ١٣٤ وغيرها.
(٦) تاريخ الخطيب: ١٥/ ٣٠٨.
(٧) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣٦٢٣، وانظر: نهاية الغاية، الورقة ٢٧٦.
(٨) تاريخ الخطيب: ١٣/ ١٣٨، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٨٣، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٠٧ (أيا صوفيا ٣٠٠٨)، والعبر: ٣/ ٤٦، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٣٨٢، وشذرات الذهب: ٣/ ١٣٤.
1 / 18
وسمع الحروف من إبراهيم نفطويه، وسمع كتاب «السّبعة» من ابن مجاهد. وقد وثّقه الخطيب البغداديّ، وذكر أنه كان ينزل بالكرخ عند نهر الدّجاج «١»، وكان له مسجد هناك يقرئ به «٢»، وفي هذا المسجد قرأ عليه الأهوازيّ القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة عبد الله بن كثير- رواية البزّي عنه- «٣».
٣ - أبو الحسن علي بن إسماعيل بن الحسن بن إسحاق البصريّ القطّان المعروف بالخاشع الأستاذ المشهور المتوفى بحدود سنة ٣٩٠ هـ-، قال الإمام شمس الدين الذهبيّ في «تاريخ الإسلام» - بخطّه-: «أحد من عني بالقراءات ورحل فيها، قرأ بمكة على أبي بكر محمد بن عيسى بن بندار صاحب قنبل، وبأنطاكية على الأستاذ إبراهيم بن عبد الرّزاق، وبغيرها على محمد بن عبد العزيز بن الصباح، وأحمد بن محمد بن بقرة، ومحمد بن عبد الله «٤» الرازيّ صاحب الحسين بن عليّ الأزرق. وتصدّر للإقراء ببغداد، قرأ عليه أبو عليّ الأهوازيّ، وأبو نصر أحمد بن مسرور، وأبو بكر محمد بن عمر بن زلال النهاونديّ» «٥». وقال في «معرفة القرّاء الكبار»: «أقرأ ببغداد مدة واشتهر ذكره، وطال عمره، وصنف في القراءات، وبقي إلى حدود التّسعين وثلاث مائة» «٦».
وقد صرّح الأهوازيّ في كتابه هذا بأنه قرأ القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بالهمز والإظهار وبترك الهمز والإدغام وبالإظهار وترك الهمز بقراءة أبي عمرو بن العلاء- رواية شجاع بن أبي نصر البلخيّ عنه «٧».
٤ - أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطّبريّ ثم البغداديّ المالكيّ العدل الثّقة المتوفى ببغداد سنة ٣٩٣ هـ- «٨».
كان أحد أساتذة الإقراء المشهورين ببغداد، ولد سنة ٣٢٤ هـ-، وقدم بغداد
_________
(١) تاريخ الخطيب ١٣/ ١٣٨.
(٢) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٣٨٢.
(٣) المخطوطة، الورقة ٣ ب.
(٤) في غاية النهاية: «عبيد الله» مصحف.
(٥) الورقة ٢٦٥ (أياصوفيا ٣٠٠٨).
(٦). ١/ الترجمة ٢٦١، وانظر: غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢١٧٥، والعجيب أن أبا بكر الخطيب لم يترجمه في تاريخ مدينة السلام فيستدرك عليه. كما لم يذكره الأستاذ العلامة فؤاد سزكين في المصنفين في القراءات من كتابه «تاريخ التراث العربي» مع نص الذهبي على تصنيفه.
(٧) المخطوطة، الورقة ٧ أ.
(٨) تاريخ الخطيب: ٦/ ٥١٠، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٢٠ (أيا صوفيا ٣٠٠٨)، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٨٥، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٥، والنجوم الزاهرة: ٤/ ٢٠٩، وشذرات الذهب:
٣/ ١٤٢، ووقع اسمه في المطبوع من غاية النهاية: «إبراهيم بن أحمد بن إسحاق»، وهو خطأ لا ريب فيه إذ لم نعرف في أجداده من اسمه «إسحاق»، وهي كنيته فكأنها اشتبهت عليه، وما أثبتناه من تاريخ الخطيب، وهو العليم به، ومن خط الإمام الذهبي في «تاريخ الإسلام» وفيهما الكفاية.
1 / 19
وسكنها، وصار شيخ الشّهود العدول بها، وقال الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام»: «قرأ لقالون على أبي الحسين بن بويان، وقرأ لأبي عمرو على أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الولي والحسن بن محمد الفحام، وقرأ لعاصم على أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد النّقّاش، وقرأ لحمزة على أبي بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم صاحب إدريس الحدّاد، وقرأ لحمزة أيضا على أبي عيسى بكّار بن أحمد وأبي الحسن محمد بن عبد الله بن مرّة الطّوسيّ» «١». وقال الخطيب: «وكان كريما سخيا، مفضلا على أهل العلم، حسن المعاشرة، جميل الأخلاق، وداره مجمع أهل القرآن والحديث، وكان ثقة» «٢».
وقد صرّح الأهوازيّ في كتابه هذا بأنه قرأ عليه القرآن الكريم من أوله إلى خاتمته بقراءة عاصم بن أبي النّجود- رواية حفص بن سليمان عنه- «٣».
٥ - أبو مسلم محمد بن أحمد بن عليّ بن حسين الكاتب البغداديّ المتوفى بمصر سنة ٣٩٩ هـ- «٤».
ولد سنة ٣٠٥ هـ-، وروى القراءات سماعا عن أبي بكر بن مجاهد، ومحمد بن أحمد ابن قطن، وعلي بن أحمد بن بزيع. وسمع من جماعة، ودخل المغرب، وسكن مصر بأخرة، قال الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام»: «روى عنه الحافظ عبد الغني، وأبو عمرو الدّاني، ورشأ بن نظيف، وأبو علي الأهوازيّ» وذكر غيرهم «٥».
٦ - ولعلّه قرأ بها على شيخه أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى الحربيّ، فالحربية من محالّ بغداد كما هو معروف، قال ابن الجزري: «شيخ روى القراءة عن أحمد ابن عبد الرّحمن الولي، قرأ عليه أبو عليّ الأهوازيّ ونسبه وكناه» «٦».
قلت: وممّا يؤيد كونه بغداديا أنّ شيخه أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل الولي شيخ بغدادي معروف توفي سنة ٣٥٥ هـ- «٧».
٧ - ولعلّه قرأ ببغداد على شيخه أبي بكر أحمد بن محمد بن سويد الباهليّ المؤدب، قال ابن الجزري: «روى القراءة عرضا عن عليّ بن سعيد بن ذؤابة، روى القراءة عنه أبو عليّ
_________
(١) الورقة ٢٢٠ (من مجلد أياصوفيا ٣٠٠٨ بخطه).
(٢) تاريخ الخطيب: ٦/ ٥١١.
(٣) المخطوطة، الورقة ٥ أ.
(٤) تاريخ الخطيب: ٢/ ١٦٨، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٤٩ - ٢٥٠ (أياصوفيا ٣٠٠٨)، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٨٦، وميزان الاعتدال: ٣/ ٤٦١، والوافي بالوفيات: ٢/ ٥٢، وغاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٥٦.
(٥) تاريخ الإسلام، الورقة ٢٥٠ (أياصوفيا ٣٠٠٨).
(٦) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٩٦.
(٧) انظر: تاريخ الخطيب ٥/ ٤١٠، وتاريخ الإسلام، الورقة ١٨ (أحمد الثالث ٢٩١٧/ ١٠)، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٢٧، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٨٨.
1 / 20
الأهوازيّ «١»، فابن الجرزي وإن لم يصرّح بمكان قراءة الأهوازيّ عليه أو ينسبه إلى بغداد، فمن المحتمل جدا أنّ هذا الشّيخ بغدادي، فشيخه أبو الحسن علي بن سعيد بن الحسن بن ذؤابة بغدادي معروف «٢»، فضلا عن أنّ ابن الجزري ذكر في ترجمة أبي العباس أحمد بن سهل الأشنانيّ البغداديّ الثّقة المشهور المتوفى سنة ٣٠٧ هـ- ببغداد أنه من شيوخ أبي بكر أحمد بن محمد بن سويد الباهليّ شيخ الأهوازي «٣».
٨ - وقرأ ببغداد أيضا على شيخ يقال له عبد العزيز بن هاشم بن عبد العزيز الخراسانيّ «٤».
٩ - وقرأ بها أيضا على شيخ يقال له عبد القدّوس بن محمد بن أحمد البغداديّ «٥»، وهو ممّن قرأ على أبي العباس أحمد بن سهل بن الفيروزان الأشنانيّ البغداديّ المقرئ المشهور «٦».
رحلته إلى الشّام واستقراره بها:
وفي ذي الحجّة من سنة ٣٩١ وصل الأهوازيّ إلى دمشق «٧» وهو في التاسعة والعشرين من عمره، فقرأ على الكثير من شيوخها كان من أبرزهم وأكثرهم أهمية شيخه أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن هلال بن عبد العزيز السّلميّ الجبني «٨» الأطروش، شيخ القرّاء بدمشق والمتوفى سنة ٤٠٧ هـ- على الصحيح «٩».
قال الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام»: «قرأ على أبيه وعلى أبي الحسن محمد ابن النّضر ابن الأخرم، وجعفر بن حمدان بن سليمان النّيسابوريّ، وأحمد بن محمد بن الفتح النّجاد، وأبي بكر بن أبي حمزة إمام مسجد باب الجابية وأحمد بن عثمان السّبّاك. قرأ عليه علي بن الحسن الرّبعيّ، وأبو علي الأهوازيّ، ورشأ بن نظيف، وأبو العباس بن مردة الأصبهانيّ. وانتهت إليه الرئاسة في قراءة ابن عامر، قرأها على جماعة من أصحاب هارون
_________
(١) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٥٤١.
(٢) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢١٢، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٢٢٦.
(٣) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٥٧، وانظر: تاريخ الخطيب ٥/ ٣٠٠، وتاريخ الإسلام، الورقة ٣٠ (أحمد الثالث ٢٩١٧/ ٩)، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ١٥٤، ونهاية الغاية، الورقة ١٥، وشذرات الذهب: ٢/ ٢٥٠.
(٤) غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٠٠٦. ولم أقف له على ترجمة.
(٥) غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٠٠٦.
(٦) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٢٥٧.
(٧) تهذيب تاريخ دمشق: ٤/ ١٩٧، ومعجم الأدباء: ٣/ ١٥٢، وتاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أيا صوفيا ٣٠٠٩).
(٨) كان أبوه يؤم بمسجد تل الجبن بدمشق، فقيل له: الجبني.
(٩) ذيل موالد العلماء ووفياتهم للكتاني، وفيات سنة ٤٠٨، ومعرفة القراء: ١/ الترجمة ٣٠٣، وتاريخ الإسلام، الورقة ٨٢ (أياصوفيا ٣٠٠٩) وغاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٩٣، وطبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٧٠ - ٧١.
وقد ذكر الكتاني وفاته سنة ٤٠٨، وذكر الأهوازي أن وفاته في السابع من ربيع أول سنة ٤٠٧، كما نص عليه الذهبي في «تاريخ الإسلام» وصححه ابن الجزري ورجحه على قول الكتاني.
1 / 21
الأخفش «١»».
ولذلك عني الأهوازيّ بأخذ قراءة ابن عامر عنه، فذكر في كتابه هذا أنّه قرأ القرآن من أوله إلى خاتمته بقراءة ابن عامر- رواية عبد الله بن ذكوان، وهشام بن عمّار عنه- سنة ٣٩٣ هـ- «٢».
وكان الأهوازيّ معجبا بشيخه أبي بكر السّلميّ إعجابا شديدا، فقد نقل العلّامة شمس الدّين ابن الجزري في «غاية النهاية» من كتاب «الاتضاح» لأبي علي الأهوازيّ قوله فيه: «وما خلت دمشق قطّ من إمام كبير في قراءة الشّاميين يسافر إليه فيها، وما رأيت بها مثل أبي بكر السّلميّ، من ولد أبي عبد الرحمن السّلميّ، إماما في القراءة ضابطا للرّواية قيّما بوجوه القراءات يعرف صدرا من التّفسير ومعاني القراءات، قرأ على سبعة من أصحاب الأخفش، له منزلة في الفضل والعلم والأمانة والورع والدّين والتقشّف والفقر والصّيانة» «٣».
وقرأ الأهوازيّ بدمشق على أبي الحسين محمد بن أحمد بن خلف بن أبي المعتمر الرّقيّ المعروف بابن الفحّام المتوفى بالرقة سنة ٣٩٩ هـ-. وقد ذكر الذهبيّ «٤» وابن الجزريّ «٥» أنّ ابن الفحّام أخذ القراءة عرضا عن زيد بن علي ابن أبي هلال وعليه عمدته، وأنّه نزل دمشق في أيام العبيديين، فكان يتشيّع، ووصفه أبو عمرو الدّاني بالخير والفضل والزّهد والتقشّف. وذكرا أنّ أبا عليّ الأهوازي روى عنه القراءة عرضا.
وقرأ بها أيضا على إمام جامع دمشق ومقرئه أبي الحسن علي بن داود بن عبد الله الدّارانيّ القطّان المتوفى سنة ٤٠٢ هـ-. وهو إمام مقرئ ضابط متقن محرر زاهد ثقة. قرأ القرآن الكريم بالرّوايات على طائفة منهم: أحمد بن عثمان ابن السّبّاك، وأبو الحسن ابن الأخرم وهو آخر من روى عنه في الدّنيا. قال الكتّانيّ: «كان ثقة انتهت إليه الرئاسة في قراءة الشّاميين ... حضرت جنازته في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربع مائة» «٦». وذكر الإمامان الذّهبيّ «٧» وابن الجزري «٨» أنّ الأهوازيّ قرأ عليه بدمشق.
كما قرأ بها على شيخه أبي الفرج الهيثم بن أحمد بن محمد بن سلمة القرشيّ الشّافعيّ الدّمشقيّ المعروف بابن الصّباغ إمام مسجد سوق اللؤلؤ بدمشق، وهو ممّن أخذ
_________
(١) تاريخ الإسلام، الورقة ٨٢ (أياصوفيا ٣٠٠٩ بخطه).
(٢) المخطوطة، الورقة ٤ أ.
(٣) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٩٣.
(٤) تاريخ الإسلام، الورقة ٢٥٠ (أياصوفيا ٣٠٠٨).
(٥) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٢٧٨٩.
(٦) ذيل موالد العلماء ووفياتهم، وفيات سنة ٤٠٢.
(٧) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٩٥، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٠ (أياصوفيا ٣٠٠٩).
(٨) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٢١٨، وانظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر: ٢١٤ - ٢١٧، ونهاية الغاية، الورقة ١٥٥، وشذرات الذهب: ٣/ ١٦٤.
1 / 22
القراءات عرضا عن أبي الفرج الشّنبوذيّ وأبي الحسن عليّ بن محمد بن إسماعيل الأنطاكيّ، وتوفي بدمشق سنة ٤٠٣ هـ- «١».
ولعلّه قرأ بدمشق على أحمد بن محمد بن إدريس الخطيب ببلد منبج، قال ابن الجزري: «قرأ على أبي بكر النّقّاش، وأبي طاهر بن أبي هاشم. قرأ عليه أبو عليّ الأهوازيّ» «٢».
وقد وقفنا على عدد من شيوخه، لكننا لم نعرف مواطنهم أو المكان الذي قرأ فيه الأهوازيّ عليهم وهم:
١ - أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن خالد، أبو الحسن المقرئ.
قال ابن الجزري: «شيخ قرأ على أحمد بن محمد بن الحسن البرمكيّ، قرأ عليه أبو عليّ ابن الأهوازي ونسبه وكنّاه» «٣».
٢ - أحمد بن محمد بن عبدون بن عمرويه، أبو الحسن الصيدلاني القاضي الشّافعيّ.
قال ابن الجزري: «شيخ معمر. أخذ القراءة عن النّقّاش، وهبة الله بن جعفر، وأحمد بن كامل بن خلف. أخذ عنه عرضا أبو علي الأهوازيّ. قلت: إن يكن ابن عبدوس، فقد قال فيه الحاكم: كان من علماء الشّافعيين مات في شهر رمضان سنة خمس وثمانين «٤» وثلاث مائة» «٥».
٣ - عليّ بن محمد بن عبد الله بن عبد الصّمد، أبو الحسن الورّاق.
قال ابن الجزري: «شيخ قرأ على هبة الله بن جعفر وأبي بكر النّقّاش، قرأ عليه أبو عليّ الأهوازيّ» «٦».
٤ - محمد بن عبد الله بن القاسم بن إبراهيم، أبو بكر الخرقيّ.
قال ابن الجزري: «شيخ قرأ على أبي بكر بن سيف «٧»، وأحمد بن عبد الله بن ذكوان،
_________
(١) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٣٠٩، وتاريخ الإسلام، الورقة ٣٦ (أياصوفيا ٣٠٠٩) وغاية النهاية:
٢/ الترجمة ٣٧٩٣.
(٢) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٤٨٧، وقد يكون رحل إليه إلى بلده منبج؟!
(٣) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٤٨٨، وانظر ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن البرمكي: ١/ الترجمة ٥٠٦.
(٤) في الأصل: «وثلاثين» وهو تحريف فاحش، والتصحيح من تاريخ الإسلام للذهبي، الورقة ١٧٦ (أيا صوفيا ٣٠٠٨). وعبارة الحاكم نقلها السبكي في طبقاته الوسطى، وهو أحمد بن محمد بن عبدوس ابن حاتم الفقيه أبو الحسن الحاتمي الطرائفي (راجع التعليق على الطبقات الكبرى: ٣/ ٤٦ - ٤٧).
(٥) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٥٦٦.
(٦) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٣٢١.
(٧) هو عبد الله بن مالك بن عبد الله بن يوسف بن سيف، أبو بكر التجيبي المصري النجاد المتوفى سنة ٣٠٧ (غاية النهاية: ١/ الترجمة ١٨٥٢، ونهاية الغاية، الورقة ١٢٣).
1 / 23
وأحمد بن محمد الرازيّ، وإبراهيم بن أحمد الحجبيّ. قرأ عليه أبو عليّ الأهوازيّ، ولا يعرف إلا من جهته. وقد انفرد عن أبي بكر بن سيف، عن الأزرق، عن ورش بعدم البسملة في أول الفاتحة. ذكر ذلك عنه الأهوازيّ، ولا يصحّ ذلك عن ورش ولا غيره» «١».
٥ - محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو بكر الأدميّ.
قال ابن الجزري: «شيخ قرأ عليه أبو عليّ الأهوازيّ عن قراءته على أحمد ابن عليّ ابن عيسى الكوفي» «٢».
وقال في ترجمة أبي العباس أحمد بن عليّ الكوفيّ: «روى القراءة عن إبراهيم بن نصر الرّازيّ عن خلّاد. قرأ عليه محمد بن عبد الله بن إبراهيم الأدمي شيخ الأهوازي» «٣».
٦ - محمد بن يوسف بن محمد بن إسحاق، أبو عبد الله الخراسانيّ المقرئ.
قال ابن الجزري: «صاحب تلك القصيدة الرّائية في مدح أهل القرآن، رواها عنه أبو علي الحسن بن عليّ الأهوازي (ثم ذكر منها خمسة أبيات وقال:) والقصيدة نحو سبعين بيتا أحسن فيها، كان في أواخر الأربع مائة» «٤».
عنايته بطلب الحديث وروايته:
لم تقتصر عناية الأهوازي بالقراءات فحسب، بل عني بطلب الحديث منذ عهد مبكر، فرواه وحدّث به عن جماعة كثيرة «٥»، وقال الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام»: «وقد روى الحديث عن نصر بن أحمد بن الخليل المرجّى، وعبد الجبّار بن محمد الطّلحيّ، وأبي حفص الكتانيّ «٦»، وهبة الله بن موسى الموصليّ، والمعافى بن زكريا النّهروانيّ «٧»، وعبد الوهّاب بن الحسن الكلابيّ، وتمام بن محمد الرّازيّ، وأبي مسلم محمد بن أحمد الكاتب «٨»، وخلق يطول ذكرهم» «٩».
وروى عنه من أعلام المحدّثين: أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغداديّ المتوفى سنة ٤٦٣ هـ-، وأبو سعد إسماعيل بن عليّ الرازيّ السّمان المتوفى سنة ٤٤٥ هـ-، وأبو زكريا عبد الرّحيم بن أحمد البخاريّ المتوفى سنة ٤٦١ هـ-، وأبو محمد عبد العزيز بن
_________
(١) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣١٧٢، وانظر معرفة القراء: ١/ الترجمة ٢٥٩، ونهاية الغاية، الورقة ٢٤٥.
(٢) غاية النهاية: ٢/ الترجمة ٣١٤٣.
(٣) المصدر نفسه: ١/ الترجمة ٣٩١.
(٤) غاية النهاية: ١/ الترجمة ٣٥٥٧.
(٥) تهذيب تاريخ دمشق: ٤/ ١٩٧.
(٦) أخذ عنه القراءات أيضا كما مر بنا.
(٧) مثله.
(٨) مثله.
(٩) الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩).
1 / 24
أحمد التّميميّ الكتانيّ الدّمشقيّ المتوفى سنة ٤٦٦ هـ-، وأبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسيّ النابلسيّ شيخ الشّافعية بالشّام والمتوفى سنة ٤٩٠ هـ-، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنّائي المتوفى سنة ٥١٠ هـ-، وأبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسينيّ الدّمشقيّ المعروف بالنّسيب المتوفى سنة ٥٠٨ هـ-، وكلّهم أخذوا عنه بدمشق «١».
ومهما قيل عن عنايته بالحديث النّبوي الشّريف فإنّه لم يبلغ فيه مبلغه في القراءات، مع قول الذّهبيّ: «وله تواليف في الحديث» «٢»، لكنّ كتابه الذي ألّفه في «الصّفات»
واعتمد فيه على الرّوايات الحديثية قد انتقد عليه انتقادا شديدا كما سيأتي بيانه.
تلاميذه:
اتّخذ الأهوازيّ دمشق سكنا له وبقي فيها إلى حين وفاته وكان قد استكمل علمه على رأس الأربع مائة وهو بحدود الثامنة والثلاثين من عمره، فانتصب للإقراء وإفادة الطّلبة بدمشق من بعد سنة أربع مائة وقسم من شيوخه ما زالوا أحياء يقرءون «٣»، فانثال عليه طلبة القراءات من كلّ حدب وصوب، فقرأ عليه الجمّ الغفير، ذكرت المصادر بعضهم وسكتت عن كثير ممّن لم يتميزوا منهم «٤»، وإليك ما وقفنا عليه منهم مرتبين على حروف المعجم:
١ - أحمد بن الحسين بن أحمد أبو بكر المقدسيّ القطّان المقرئ، المتوفى سنة ٤٦٨ هـ-.
كان أحد من جرد العناية في طلب القراءات، فقرأها على أبي عليّ الأهوازيّ بدمشق وغيره. أخذ عنه أبو بكر محمد بن الحسين المزرفي «٥» البغداديّ المتوفى سنة ٥٢٧ هـ- «٦».
٢ - أحمد بن عليّ بن محمد بن يحيى بن الفرج، الشّيخ أبو نصر الهاشميّ البصريّ ثم البغداديّ المقرئ المعروف بالهبّاري وبالعاجي والمتوفى بعد سنة ٤٩٠ هـ-.
ولد سنة ٣٩٦ هـ- ورحل في طلب القراءات، فقرأ على أبي عليّ الأهوازي بدمشق
_________
(١) انظر: تهذيب تاريخ دمشق: ٤/ ١٩٧، ومعجم الأدباء: ٣/ ١٥٢ - ١٥٣، وتاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩) وغيرها من مصادر ترجمته، وراجع «تاريخ الإسلام» في وفيات المذكورين.
(٢) تاريخ الإسلام، الورقة ٤٢٩ (أياصوفيا ٣٠٠٩).
(٣) انظر معرفة القراء: ١/ الترجمة ٣٤٣.
(٤) لا شك أن مثل هذا العالم وغيره من العلماء قد أقرءوا مئات من الطلبة طوال حياتهم العلمية، ولكن الكثير من هؤلاء الطلبة لا يستمرون في حياتهم العلمية أو لا ينتصبون للعلم فلا تذكرهم كتب التراجم لعدم وجود ما يبرر ذكرهم. وإنما تذكر الكتب من استمر في الدراسة والعطاء فيما بعد وإن كان قليلا.
(٥) المزرفي: بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها الفاء منسوب إلى المزرفة قرية بالقرب من بغداد ما زالت معروفة.
(٦) معرفة القراء: ١/ الترجمة ٣٧٦، وتاريخ الإسلام، الورقة ٢٤٧ (أحمد الثالث ٢٩١٧/ ١١)، وغاية النهاية: ١/ الترجمة ٢٠٤.
1 / 25