Wejiga Kale ee Masiixa
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Noocyada
غار رؤساء الأراكنة من آدم بعد أن رأوا تفوقه عليهم ذكاء وفهما ومعرفة، فصنعوا قالبا من عناصر المادة الكثيفة، وهي الماء والتراب والنار والهواء، وحبسوا آدم فيه، فصار كائنا ماديا فانيا مثل بهائم البرية، ولكن قبس النور بقي في داخله، بعد ذلك أخذ يلدابوث آدم وأسكنه في الجنة، ثم صنع من جوهره امرأته حواء، وأمرهما أن يأكلا من كل ثمر الجنة عدا ثمرة شجرة المعرفة، وذلك خوفا من أن تتفتح أعينهما ويعرفا أصلهما النوراني في عالم الروح الأعلى، ولكن الأب النوراني أشفق على الإنسان، فأرسل رسولا من لدنه في هيئة الصقر، وقف على شجرة المعرفة وزين لهما الأكل منها. وفي نص غنوصي آخر هو: «طبيعة الأراكنة»
7
يلجأ المؤلف إلى استخدام عنصر الحية، الوارد في قصة التكوين التوراتية، فالرسول الذي يمثل مبدأ العرفان، يظهر للزوجين في هيئة الحية ويحرضهما على الأكل من ثمر الشجرة، ليتحرك العرفان الغنوصي في داخلهما. قالت الحية: أحقا قال لكما أن تأكلا من ثمر الشجر كله عدا ثمر شجرة معرفة الخير والشر؟ فقالت المرأة: ليس هذا فحسب، وإنما قال لنا ألا نمسها، وأننا في اليوم الذي نأكل منها موتا نموت. فقالت الحية: لن تموتا، بل يوم تأكلان منها تنتفح أعينكما وتكونان مثل الآلهة تعرفان الخير والشر. قال هذا وانسحب من جسد الحية التي عادت كائنا عاديا من كائنات الأرض، عند ذلك أخذت المرأة من ثمر الشجرة فأكلت وأعطت زوجها فأكل معها، فانفتحت أعينهما على قصورهما الإنساني، وعلى النور الداخلي أيضا، وهو النور الذي سيقود ذريتهما إلى التحرر من سلطة إله هذا العالم، وإلى الخلاص من دورة الحياة والموت، والالتحاق بالعالم النوراني الذي صدرت عنه الأرواح، وعندما يبلغ سعي الإنسانية نحو الخلاص أوجه، سوف يهبط المسيح ليظهر في هيئة يسوع الناصري، فيرفع عن الناس لعنة الشريعة، التي أبقتهم في حجب الجهل، وينقذهم من صاحب هذه الشريعة ومن العالم المادي الناقص.
يشكل الإنسان نقطة المركز في التصورات الكونية الغنوصية، على ما يتضح من أسطورة التكوين التي أوردناها أعلاه، ومن غيرها من النصوص الغنوصية التي تدور حول الأفكار نفسها، والفكرة الرئيسية هنا هي علاقة التماثل بين الإله الأعلى وبين الجوهر الروحاني الإنساني، وأكثر من ذلك فإن الإنسان قد صنع على صورة الله، فالله الذي لا تحده صورة أو شكل يحب إذا أراد اتخاذ صورة في الملأ الأعلى، عالم المثل، أن يتخذ صورة إنسان، فهو المنزه عن أي صورة ما، وبنفس الوقت هو الإنسان الكامل الأعلى، وبهذه الصورة أطل من البليروما السماوية (الملأ الأعلى)، فانعكست صورته على صفحة الماء، وأعطت النموذج الذي صنع منه الأراكنة الإنسان الأول، فالإنسان الأرضي نسخة عن الإنسان الكامل السماوي، ويحمل أيضا في طبيعته الجوهرية قبسا من نور الله وروحه؛ ولهذا فإنه متفوق على الديميرج الذي صنعه في كل شيء، وقادر في النهاية على التخلص من سلطته، مقتفيا أثر يسوع الذي قال قبل أن يسلم إلى الصلب: «لن أخاطبكم بعد الآن؛ لأن سيد هذا العالم آت، وليس له يد علي» (يوحنا 14: 30)، وأيضا: «لأن رئيس هذا العالم قد حكم عليه» (يوحنا 16: 11)، وأيضا: «ستعانون الشدة في هذا العالم، فاصبروا لها، لقد غلبت العالم» (يوحنا 16: 33).
من هنا، فإن عملية خلق الإنسان بالنسبة إلى الأركون الأعظم سوف تتكشف في المستقبل عن نتائج كارثية بالنسبة له. وفي هذا يقول أحد نصوص نجع حمادي على لسان الأب النوراني: «لقد صنع «الأركون» الإنسان على صورتي، ولكنه لم يتبين القوة التي في داخله، ولم يعرف النتائج المدمرة لخياره هذا.»
8
كل هذا يجعل من الثنوية الغنوصية فلسفة وجودية إنسانية تبتدئ عند الإنسان وتنتهي عنده، وما العالم إلا نتاج عرضي لا قيمة له لا بالنسبة لعالم الألوهة ولا بالنسبة لعالم الإنسان، وهو آيل إلى التآكل والزوال من خلال عملية تفكك داخلي لا علاقة للأب النوراني بها، فالله لا علاقة له بالعالم إلا من خلال الإنسان، ابنه الروحاني، وهو معني بخلاصه وعودته إلى بيته.
فالغنوصية ديانة خلاص، وكل مفاهيمها وتصوراتها الكونية تتلخص أخيرا في مفهوم واحد عن التحرر والانعتاق، والصراع الرئيسي الذي يخوضه الإنسان هو صراع بين العرفان الذي يقود إلى الخلاص، وبين الجهل الذي يبقيه في دورة الميلاد والموت. من هنا، فإن الحكمة الشهيرة المنقوشة على جدار معبد دلفي، والمؤلفة من كلمتين فقط هما: «اعرف نفسك» تتخذ أهمية مركزية في كل النظم القائمة على العرفان، فلقد استخدمتها المدرسة الأفلاطونية وفسرتها بمعرفة النفس الإلهية في الداخل، وكذلك الهرمزية التي نقرأ في إحدى رسائلها الثلاث عشرة، وهي رسالة بيوماندريس، ما يلي: «إن الله الأب الذي جاء منه الإنسان، هو نور وحياة، فإذا عرفت أنه نور وحياة، وأنك صدرت عنه، فسوف تستعاد إلى الحياة مرة أخرى.»
9
وفي كتاب «توما المناضل» (أو المكافح) يقول يسوع لتوما: «إن من لم يعرف نفسه لم يعرف شيئا، ولكن من عرف نفسه حقق معرفة بأعماق الكل.»
Bog aan la aqoon