Wejiga Kale ee Masiixa
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Noocyada
إن هوية الإله الذي تجلى ليسوع بعد خروجه من ماء العماد، تعلن عن نفسها من خلال الهيئة الرمزية التي تجلى بها، فإله العهد القديم لم يتجل في أسفار التوراة أبدا في هيئة حمامة، بل تجلى في ظواهر تمثل القوة والجبروت والغضب والانتقام، في عمود الدخان الذي كان يتقدم جماعة موسى في الصحراء نهارا، وعمود النار الذي كان يقودهم ليلا، وفي الأوبئة والأمراض التي أرسلها على المصريين، وفي النار الآكلة على جبل سيناء ودخانه يصعد كدخان الأتون، وفي الرعود والبروق عندما كان يعلن شريعته للشعب، وفي العاصفة وقصف الرعد عندما كان يخاطب أيوب، أما الحمامة فكانت في ديانات الشرق القديم رمزا للحب والخصب والعطاء، وكانت في عبادات الأسرار رمزا للانخطاف الروحي في لحظات الكشف والاستنارة، ومن خلالها أعلن إله يسوع عن نفسه كإله محبة لا إله غضب، محبة الإنسان ومحبة العالم: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3: 16-17).
وبالمقابل، فإن الذي اقتاد يسوع ليجربه في البرية، يعلن عن هويته من خلال قوله ليسوع بعد أن عرض عليه ممالك الأرض في لحظة من الزمن: «أجعل لك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك؛ لأنه سلم إلي وأنا أجعله لمن أشاء»، فهو الديميرج إله هذا العالم، الذي رفض يسوع السجود له، وأعلن انتهاء سلطانه على المؤمنين بالأب السماوي الأعلى: «اليوم دينونة هذا العالم، واليوم ينبذ سيد هذا العالم، فإذا رفعت من هذه الأرض جذبت إلى الناس أجمعين» (يوحنا 12: 31-32)، وأيضا: «لأن رئيس هذا العالم قد حكم عليه» (يوحنا 16: 11)، «لن أخاطبكم بعد الآن لأن سيد هذا العالم آت وليس له يد علي، وما ذلك إلا ليعرف العالم أني أحب الآب، وأعمل بما أوصاني الآب» (يوحنا 14: 30)، وفي مشهد المحاكمة أعلن يسوع أن كل سلطة دنيوية في هذا العالم تستمد قوتها من هذا الإله، قال له بيلاطس الوالي الروماني: «أما تكلمني؟ ألست تعلم أن لي سلطانا أن أصلبك وسلطانا أن أطلقك؟ أجاب يسوع: لم يكن لك سلطان علي ألبتة لو لم تكن أعطيت من فوق لذلك، الذي أسلمني إليك له خطية عظيمة» (يوحنا 19: 10-11).
إن الغنوصية هي النظام الديني الوحيد الذي يطابق بين الشيطان وإله هذا العالم، والشيطان الذي جرب يسوع في البرية ما هو إلا إله العهد القديم نفسه، ولقد فهم بولس الرسول، بعد ذلك، أكثر من غيره هوية المجرب عندما دعاه بإله هذا الدهر الذي يعمي بصيرة غير المؤمنين (2 كورنثة 4: 4)، مستخدما أحد ألقاب يهوه في العهد القديم، نقرأ في سفر إشعيا 40: 27: «إله الدهر، الرب خالق أطراف الأرض.» إن إله هذا الدهر هو الذي سلم يسوع إلى الصلب، جاهلا بقيمته الحقيقية، على ما قال به مرقيون، ولكن يسوع بموته على الصليب قد غلب العالم وإله هذا العالم: «ستعانون الشدة في العالم، فاصبروا لها، فقد غلبت العالم» (يوحنا 16: 13).
بعد هذا الخيار المبدئي ليسوع هل تشف الأناجيل الأربعة عن أفكار غنوصية بسطها يسوع لتلاميذه؟ في الحقيقة، لقد بقيت في الأناجيل أقوال عديدة ليسوع تفصح عن خلفيته الفكرية، فيسوع لم يستخدم أيا من أسماء الإله التوراتي، أو صفاته أو ألقابه، في الإشارة إلى إلهه، بل دعاه دوما بلقب الآب، والآب السماوي، فهو أب ليسوع وأب للمؤمنين جميعا: «فاغفروا لكي يغفر لكم أيضا أبوكم الذي في السموات زلاتكم» (مرقس 11: 25)، «إن الأعمال التي أعملها باسم أبي تشهد لي» (يوحنا 10: 25)، «لأن لكم أبا واحدا هو الأب السماوي» (متى 21: 9)، «صلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك ... إلخ»، «فكونوا أنتم كاملين لأن أباكم الذي في السموات كامل» (متى 25: 48)، إن كل الآلهة السابقة على يسوع كان لها أسماء إلا إله الغنوصية الذي لم يدع باسم معين، وإنما أشاروا إليه بلقب الأب، والأب الأعلى، والأب النوراني، والإله الخفي ... إلخ، وهذا الإله الخفي هو إله يسوع.
وقد ركز يسوع على ثنائية النور والظلمة اللذين يرمزان إلى الأب النوراني الأعلى، والإله الديميرج سيد العالم المادي الكثيف والمظلم، قال يسوع: «أنا نور العالم، من يتبعني لا يخبط في الظلام، بل له نور الحياة» (يوحنا 8: 12)، «من سار في النهار لا يعثر لأنه يرى نور هذا العالم، ومن سار في الليل يعثر لأنه ليس فيه نور» (يوحنا 11: 9)، «النور باق معكم وقتا قليلا، فامشوا ما دام لكم النور مخافة أن يدرككم الظلام؛ لأن الذي يمشي في الظلام لا يدري أين يسير، آمنوا بالنور ما دام لكم النور فتكونوا أبناء النور» (يوحنا 12: 35-36)، «جئت إلى العالم نورا، فمن آمن بي لا يقيم في الظلام» (يوحنا 12: 46)، «النور يشرق في الظلمات ولا تغشاه الظلمات ... الكلمة هو النور الحق الذي ينير كل إنسان» (يوحنا 1: 5-9).
وفي مقابل ملكوت الرب الذي يؤسسه يهوه على الأرض في نهاية الزمن، فإن مملكة إله يسوع لا تنتمي إلى هذا العالم، فعندما سأله بيلاطس في المحاكمة: أنت ملك اليهود؟ أجاب يسوع: «ليست مملكتي من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم لدافع عني رجالي لكي لا أسلم إلى اليهود، ولكن مملكتي ليست من هنا» (يوحنا 18: 36)، هذا الملكوت لن يتأسس في زمن مقبل يسعى إليه تاريخ الإنسان، بل هو حاضر هنا والآن في داخل المؤمن، سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله، فأجابهم: «إن مجيء ملكوت الله لا يستدل عليه بشيء، ولا يقال ها هو ذا هنا، أو ها هو ذا هناك، فإن ملكوت الله هو فيكم» (لوقا 17: 20-21).
كما استخدم يسوع مصطلحات غنوصية واضحة عندما تحدث عن غربة المؤمنين في هذا العالم، قال يسوع: «ستعانون الشدة في هذا العالم، فاصبروا لها، لقد غلبت العالم» (يوحنا 16: 33)، «إن أبغضكم العالم فاعلموا أنه قد أبغضني قبل أن يبغضكم، لو كنتم من هذا العالم لأحب العالم من كان منه، ولكن العالم أبغضكم لأنكم لستم منه» (يوحنا 15: 18-20)، «بلغتهم كلامك فأبغضهم العالم؛ لأنهم ليسوا من هذا العالم، كما أني لست من هذا العالم» (يوحنا 17: 14)؛ لهذا فإن يسوع إنجيل يوحنا لم يأت ليدين العالم، كما هو الحال في الأناجيل الثلاثة الإزائية، بل ليخلص العالم: «ما جئت لأحكم على العالم بل لأخلص العالم» (يوحنا 12: 47)، وهذا الخلاص هو في طبيعته هروب من عالم فاسد لا أمل في إصلاحه؛ لأنه واقع تحت سلطان الظلمة: «من أحب حياته هلك، ومن كره حياته في هذه الحياة الدنيا حفظها للحياة الأبدية» (يوحنا 12: 25)، والحياة الأبدية تبدأ عندما تنكشف البصيرة على الحقائق السرية، عندها يولد الإنسان ولادة جديدة، ولادة من الأعلى الروحاني لا من الأسفل المادي: «ما من أحد يمكنه أن يرى ملكوت الله إلا إذا ولد من عل ... إلا إذا كان مولودا من الماء والروح، فمولود الجسد يكون جسدا، ومولود الروح يكون روحا» (يوحنا 3: 3-6).
هذا وبإمكاننا استكمال صورة يسوع الغنوصي اعتمادا على إنجيل توما الذي اعتبر بمثابة الإنجيل الخامس على الرغم من عدم ضمه إلى أسفار العهد الجديد، وذلك بسبب قربه الشديد إلى إنجيل يوحنا، واحتوائه على عدد كبير من أقوال ليسوع وردت في الأناجيل الرسمية. يعود تاريخ تدوين هذا الإنجيل إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، أي إلى وقت قريب من تاريخ تدوين إنجيل يوحنا، وقد عد بين الأناجيل الغنوصية على الرغم من عدم إغراقه في الغنوصية، وما ذلك إلا لتركيزه على عدد من الأفكار الغنوصية مثل معرفة النفس والبحث عن الله في الداخل، لا يحتوي النص على سيرة حياة يسوع التقليدية، وإنما على مجموعة من أقواله المتفرقة التي دونها المؤلف من غير أن يذكر المناسبة في قولها، وهو يبتدئ بالقول: «هذه هي الكلمات السرية (أو الخفية) التي قالها يسوع الحي»، وبما أن كلمات يسوع هذه قد دونت لكي يطلع عليها كل من يشاء، فإن صفة السرانية هنا لا تعني الخفاء المادي، بل سرانية المعاني وخفاءها على علوم الظاهر؛ ولهذا فقد تابع المؤلف قائلا: «إن من يتوصل إلى تأويل هذه المعاني لا يذوق الموت»، ومن ناحية أخرى فإن السرانية هنا تدل على أن هذه الأقوال لم تعلن للعامة، وإنما أعلنت للخاصة فقط.
قال يسوع في إنجيل توما: «ألقيت على العالم نارا، وإني لأرقبه حتى يضطرم» (الفقرة 10)،
47
Bog aan la aqoon