بين خروفين:
"اجتمع ليلة الأضحى خروفان من أضاحي العيد، فتكلما؛ فماذا يقولان؟ ".
هذا هو الموضوع الذي استخرجه أصغر أولادي "الأستاذ" عبد الرحمن، وسألني أن أكتب فيه للرسالة، وهو أصغر قرائها سنًّا، ترُفّ عليه النَّسمة الثالثة عشرة من ربيع حياته* بارك الله له فيها حاضرة ومقبلة.
ولأستاذنا هذا كلمة هي شعاره الخاص به في الحياة، يحفظها لتحفظه، فلا يميل عن مدرجتها، ولا يخرج من معناها، وهي هذه الكلمة العربية: "كالفرس الكريم في مَيْعَة حضْرِه١، كلما ذهب منه شوط جاء شوط". فهو يعلم من هذا أن كرم الأصل في كرم الفعل، ولا يغني شيء منهما عن شيء؛ وأن الدم الحر الكريم يكون مضاعف القوة بطبيعته، عظيم الأمل بهذه القوة المضاعفة، نَزَّاعًا إلى السبق بمقدار أمله العظيم، مترفعًا عن الضعف والهُوَينا بهذا النزوع، متميزًا في نبوغ عمله وإبداعه باجتماع هذه الخصال فيه على أتمها وأحسنها. فمن ثم لا يرمي الحر الكريم إلا أن يبلغ الأمد الأبعد في كل ما يحاوله، فلا يألو أن يبذل جهده إلى غاية الطاقة ومبلغ القدرة، مستمدًّا قوة بعد قوة، محققًا السحر القادر الذي في نفسه، متلقيًا منه وسائل الإعجاز في أعماله، مرسلًا في نبوغه من توهج دمه أضواء كأضواء النجم، تُثبت لكل ذي عينين أنه النجم لا شيء آخر.
ولما قدم إليَّ "الأستاذ" موضوعه في هذا الوزن المدرسي -وأظنه قد نزعته حاجة مدرسية إليه- قلت: حبا وكرامة. وها أنا ذا أكتبه منبعثًا فيه "كالفرس الكريم في ميعة حضره". ولعل الأستاذ حين يقرؤه لا يثوّر فيه علامات كثيرة بقلمه الأحمر!
اجتمع ليلة الأضحى خروفان من الأضاحي في دارنا: أما أحدهما فكبش
_________
* كان ذلك في عام ١٩٣٤.
١ هذا كما يقال بالعامية: في عز جريه.
1 / 54