مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠) [آل عمران: ١٨ - ٢٠].
ارتقاء البشر المادى، وهبوطهم الأدبى، وحاجتهم إلى الدين:
إن من المعلوم اليقينى الثابت بالحواس أن علوم الكون المادية تثب فى هذا العصر وثوبا يشبه الطفور، وتؤتى من الثمار اليانعة بتسخير قوى الطبيعة للإنسان ما صارت به الدنيا كلها كأنها مدينة واحدة، وكأنّ أقطارها بيوت لهذه المدينة، وكأنّ شعوبها عشائر وفصائل لأمة واحدة فى هذه البيوت (الأقطار) يمكنهم أن يعيشوا فيها إخوانا متعاونين، سعداء متحابين، لو اهتدوا بالدين.
وإنّ من المعلوم اليقينى أيضا أن البشر يرجعون القهقرى فى الآداب والفضائل على نسبة عكسية مطّردة لارتقائهم فى العلوم المادية واستمتاعهم بثمراتها، فهم يزدادون إسرافا فى الرذائل، وجرأة على اقتراف الجرائم، وافتنانا فى الشهوات البهيمية، ونقض ميثاق الزوجية، وقطيعة وشائج الأرحام، وعقوق الوالدين، ونبذ هداية الأديان، حتى كادوا يفضّلون الإباحة المطلقة على كل ما يقيد الشهوات من دين وأدب وعرف وعقل بل رجع بعضهم إلى عيشة العرى فى أرقى ممالك أوروبا وأمريكا علما وحضارة، كما يعيش بعض بقايا الهمج السذج فى غابات إفريقية وبعض جزائر البحار النائية عن العمران.
وإنّ من المعلوم اليقينى أيضا أنّ الدول الكبرى لشعوب هذه الحضارة أشدّ جناية عليهم وعلى الإنسانية من جنايتهم على أنفسهم- بإغرائها أضغان التنافس بينهم، وباستعمالها جميع ثمرات العلوم ومنافع الفنون فى الاستعداد للحرب العالمة التى تدمر فى أشهر أو أيام معدودة صروح العمران التى شيّدتها العصور الكثيرة، وتفنى الملايين فيها من غير المحاربين
1 / 7