العقل، ناشئ فى حجر الشريعة اليهودية، والمدنية الرومانية والحكمة اليونانية، غلب عليه الزهد والروحانية أن يأتى بتلك الوصايا الأدبية «١».
ونحن المسلمين لا نقول هذا ولا ذاك، وإنما يقولها الماديون الملحدون والعقليون، وألوف منهم ينسبون إلى المذاهب النصرانية.
وأما الوجه الثانى؛ وهو عقائد الدين وعباداته وآدابه وأحكامه، فلا يرتاب العقل المستقل الفكر غير المقلد لدين من الأديان أنّ عقائد الإسلام من توحيد الله وتنزيهه عن كل نقص، ووصفه بصفات الكمال، والاستدلال عليها بالدلائل العقلية والعلمية الكونية، ومن بيان هداية رسله، ومن عباداته وآدابه المزكية للنفس المرقية للعقل، ومن شريعة العدل، وحكمه الشورى المرقى للاجتماع البشرى. كل ذلك أرقى مما فى التوراة والأناجيل وسائر كتب العهد القديم والجديد، بل هو الإصلاح الذى بلغ به دين الله
أعلى الكمال، ويشهد بهذا علماء الإفرنج، وقد شرحناه من وجهة نظرنا ووجهة نظرهم فى مواضع من المنار والتفسير «٢»، وسيأتى بيانه.
ومن نظر فى قصص آدم ونوح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ويوسف من سفر التكوين، وسيرة موسى وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء فى سائر أسفار العهد القديم، ثم قرأ هذه القصص فى القرآن يرى الفرق العظيم فى الاهتداء بسيرة هؤلاء الأنبياء العظام.
ففي أسفار العهد القديم يرى وصف الله تعالى بما لا يليق به من الجهل والندم على خلق البشر والانتقام منهم، ووصف الأنبياء أيضا بما لا يليق بهم من المعاصى مما هو قدوة سوأى، من حيث يجد فى قصص القرآن من حكمة الله تعالى ورحمته وعدله وفضله وسننه فى خلقه، ومن وصف أنبيائه ورسله بالكمال، وأحاسن الأعمال، ما هو قدوة صالحة وأسوة حسنة تريد قارئها إيمانا وهدى، فأخبار الأنبياء فى كتب العهدين تشبه بستانا فيه كثير من الشجر والعشب والشوك، والثمار والأزهار والحشرات، وأخبارهم فى القرآن تشبه العطر المستخرج من تلك الأزهار، والعسل المشتار من جنى الثمار، ويرى فيه رياضا أخرى جمعت جمال الكون كلّه.
وندع هنا ذكر ما كتبه علماء الإفرنج الأحرار فى نقد هذه الكتب والطعن فيها، ومن أخصرها وأغربها كتاب (أضرار تعليم التوراة والإنجيل) لأحد علماء الإنكليز «٣»؛ وما فيها من مخالفة العلم والعقل والتاريخ، والقرآن خال من مثل ذلك.
_________
(١) على أن منهم من يعزو جلها إلى كونفوشيوس المشرع الصينى وإلى غيره من الحكماء الذين كانوا قبل المسيح ﵇.
(٢) آخرها (ص ٣٥٩ ج ١٠ تفسير المنار) وسنفرد له ملحقا من علاوات هذه الطبعة.
(٣) هو تشارلس واطس وطبع فى مطبعة (واطس وشركائه فى لندن) وترجم إلى العربية بمطبعة الموسوعات فى مصر سنة ١٣١٩ هـ- ١٩٠١ م.
1 / 44