وأجيب بأن هذا النزق هو دليل الحيوية، فالمعرى كان يناضل نضال الأحياء.
وما أعيب على غير التناقض في فهم الرحمة، فهو كان يعطف على جميع المخلوقات إلا الإنسان، ولو أنه دخل في معركة مع الطير أو الحيوان لنظم في ثلبها مجموعة أعنف من اللزوميات.
كانت نظرات أبي العلاء إلى المجتمع نظرات عوام لا خواص، وأنا أرتاب كل الارتياب في أن يكون هذا الرجل حاول التوفيق بين سيطرة المقادير وضعف الناس، وأكاد أجزم بأنه لم يدرك خطر العسف، عسف الحاكم الذي يبيح فتح الحانات ثم يعاقب الناس على الشراب.
أما آراؤه في الزهد والزهاد فهي أضاحيك، وهي تشهد بأنه لم يعرف الزهد، لأنه كان في سريرة نفسه يؤمن بأن الناس لا يزهدون إلا مخادعين أو مرائين، ولعله لم يزهد إلا خداعا، أو رياء. بل لعله جهل كيف لطف الله به حين حجب بصره عن أسباب الشهوات، فلو أن الله كان حفظ عليه نور العيون لعرف أن الفضائل لا تشق ولا تصعب إلا على من يقارعون فتن الوجود. لو أن أبا العلاء كان مبصرا لرحم الناس. لو أن أبا العلاء كان مبصرا لعرف صدق الحكمة التي تقول: «القابض على دينه كالقابض على الجمر». لو أن أبا العلاء كان مبصرا لعرف أن الرجل لا يستطيع البعد عن مواطن الشبهات إلا حين تكون عزيمته أرزن من الجبال.
لو أن أبا العلاء كان مبصرا لعرف أن الناس لا ينخدعون لمظاهر الفتون لاهين أو لاعبين.
من أنت والإنسانية يا أبا العلاء؟ من أنت والإنسانية حتى تفضحها بذلك الكتاب الذي اسمه اللزوميات؟
أيها الرجل العظيم! إني أرثى لك وأعطف عليك، فقد حرمتك الأقدار من نعمة الجهاد في سبيل الفضيلة، حرمتك الأقدار من أسباب الشهوات فلم تكتب لك صفحة واحدة في كتاب الجهاد.
وكيف يحتاج إلى جهاد النفس من يحبس نفسه في بيته ولا يأكل غير البقول؟
كيف يحتاج إلى جهاد النفس من يقضي الدهر ولا تقع عينه على وجه جميل؟
كيف يحتاج إلى جهاد النفس من لا تذوق روحه صهباء الوجود؟
Bog aan la aqoon