وقد افتقد سليم وكليم كوخه ومعيشته فوجدا أنه يعيش في أشد الحالات، ورب يوم لا يتناول فيه غير كسرة خبز أسود يصنعه من دقيق يعجنه، ويشويه على النار، أو قطعة من لحم الوحوش (المعتدية) التي يصطادها، وكان يمر عليه في زمن الثلج والشتاء عدة أيام مخبوءا في كوخه الحقير لا يخرج منه لتراكم الثلج عليه في ذلك الجبل، وكان قد تعود احتمال البرد كالحيوانات، فإذا ذاب الثلج قليلا زحف من كوخه وخرج على الثلوج يسير عليها زلقا لا مشيا، كأنه سائح فوق ثلوج القطبين.
فأشفق كليم وسليم أشد إشفاق على ذلك الرجل الذي يعيش في شيخوخته هذه المعيشة القاسية، فصارا يفكران في سبيل لنفعه، وقبل توديعه عرضا عليه نقودا وسألاه ماذا يتمنى، فرد النقود بعظمة ضاحكا، وقال: ماذا أفعل هنا بالمال؟! أما حاجتي فهي أن لا تطلقا النار في مملكتي على أحد إلا إذا كان ظالما معتديا، وإلا اضطررت إلى تأديبكما.
فأخبره حينئذ سليم وهو يضحك في نفسه أنهما لم يطاردا الذئب إلا لأنه هجم عليهما تلك الليلة في الأرز. فقال له الشيخ: إنني أعرف هذا الوحش وهو يسمى (أبا اليد الحمراء) فسأؤدبه قريبا.
هوامش
الفصل الثاني عشر
الجميع في الأرز
ونزل سليم وكليم من رأس القضيب بعد أن وعدا ذلك الشيخ التعيس بأن يعودا إليه لزيارته ما داما مقيمين في الأرز.
وفيما هما منحدران أخذا يتحدثان في أمر هذا الرجل، فقال سليم: لم تبق لدينا شبهة في أنه مجنون، ولكن هل رأيت كيف أن جنونه منصرف إلى أهم مسألة؟ فقال: أي مسألة تعني؟ فقال: مسألة رفع الظلم والضغط عن الناس، فهو يسمي (الوحش) كل عاطفة رديئة تحمل الحي على إضرار حي آخر، والاعتداء عليه طمعا في الفائدة لنفسه، فيا للحكمة والفلسفة في أفواه المجانين! وعندي أن هذا الرجل لم يدرك هذه الحقيقة إلا بالاختبار والمصائب، فيظهر أنه كان تعيسا جدا في حياته، في وطنه كما قال، حتى انصرف جنونه إلى هذه الجهة. فقال كليم: سننبش ذلك في زيارتنا الثانية.
وما قرب الرفيقان من حرش الأرز حتى سمعا ضجة شديدة، وأبصرا الناس جماهير جماهير حول الحرش وداخله، وكانوا بين فتيان وفتيات ورجال ونساء، وهم يبلغون نحو ألف شخص.
فعجب الرفيقان من ذلك، ولما وصلا إلى الحرش دخلا بين الناس، واستخبرا الخبر فعلما ما يلي:
Bog aan la aqoon