Wahamka Joogtada ah
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Noocyada
12
انتهج مارتن هيدجر المنهج الفينومينولوجي فأسس فلسفة في الوجود الكلي أو الأنطولوجيا تقوم على تحليل الوجود المتعين المفرد (الدازاين)
Dasein
بوصفه مدخلا لمبحث الكينونة ذاتها مختلطا بها ومشتركا معها في الحدود. وأول ما يتصف به هذا الوجود المتعين المفرد هو «الوجود في العالم». هذا هو القوام الوجودي الأساسي للكائن البشري. يجب أن نفهم «الوجود في العالم» كظاهرة واحدة غير مجزأة؛ فالوجود الإنساني ليس راقدا في العالم رقود حصاة على الشاطئ، ولا هو سابح فيها سبح سمكة في البحر. بل هو معطى في سياق العالم ... مخلوط بالعالم، بحيث يجد في متناوله الأشياء التي يستطيع أن يتناولها ويتخذها أدوات، ويجد نفسه في ذات الوقت محددا بالأشياء التي يجب أن يعاني منها. يترتب على هذا القوام الأساسي للكائن الإنساني نتائج بعيدة الأثر، أهمها انتفاء الثنائية التقليدية بين الذات والموضوع، تلك الثنائية التي استهلها أفلاطون وعمقها ديكارت وكرسها تكريسا نهائيا فبقيت صدعا في الفكر الغربي وعائقا عطل علم النفس قرونا عدة. الوجود الإنساني إذن ممزوج بعالم «مضروب» به، بحيث إن هناك عنصرا من العالم داخلا في صميم وجودنا.
ويتصف الوجود الإنساني أيضا بأنه انبثاق وصيرورة؛ فالإمكان هو جوهر الوجود الإنساني. فما الإنسان على الحقيقة إلا ممكناته. الإنسان مشروع نفسه على الدوام؛ ومن ثم فالمستقبل هو اللحظة الجوهرية في وجوده. أن يعيش المرء تعني أن يتولى امتلاك مشروع وجوده الخاص، أن يكون مشدودا بهدف مستقبلي هو الذي يملي عليه ما يفعله هنا والآن، أن يعي ذاته لا بما كانه أو بما هو عليه، بل بما يمكن أن يكونه ... أن ينطلق في اتجاه نفسه الحقيقية ... أن يعلو على ذاته ... أن يتخطاها إلى أقصى ما تسمح له ممكنات وجوده. هذا البعد الوجودي هو ما يسميه هيدجر «العلو» أو «التجاوز»
transcendence .
يقول سارتر: «إن الإنسان خارج نفسه دائما، وهو بامتداده خارج ذاته وإضاعة نفسه خارج ذاته يوجد! بوسع الإنسان أن يوجد بأن يسعى وراء أهداف متعالية؛ فالإنسان كائن متعال بطبعه، يتجاوز ذاته ويعامل الأشياء معاملة مرجعها هذا العلو (التجاوز). إنه إذن في صميم العلو ... وهو كإنسان لن يحقق وجوده الإنساني باتجاهه نحو ذاته، بل بتجاوزه لذاته وسعيه نحو غايات خارج ذاته. بهذه الطريقة وحدها يحرر ذاته ويحقق وجوده كإنسان.»
13 •••
صفوة القول: إن الماهوية تذهب إلى أن الكائنات تولد على خواص ثابتة محددة دائمة هي التي تشكل ماهيتها أو تعريفها، بينما تزعم الوجودية أن الناس تولد بغير تعريف محدد، وأن على الفرد أن يضفي المعنى على حياة خلو في صميمها من المعنى، وأن يبدع ماهيته من خلال الفعل الحر والالتزام المسئول.
تذهب الماهوية إلى أن الحياة لها معنى صميم وغاية مسبقة وعلى الفرد أن «يعثر» على هذا المعنى وتلك الغاية، بينما تنكر الوجودية ذلك وتضع على عاتق الفرد أن «يبتكر» معنى حياته وغايتها، ويخلق ماهيته بنفسه، تهيب الماهوية بالتفكر والاستبطان لاكتشاف الماهية القائمة من الأصل، بينما تهيب الوجودية بالفعل الذي يسبغ الغاية على حياة لا معنى لها بحد ذاتها ولا غاية.
Bog aan la aqoon