كان السيد سميث العجوز هو القس في ذلك الوقت - وهو رجل طيب كثيرا ما تزعجه زوجته السريعة الغضب المزاجية - واعتاد أن تستقر عيناه على إنيد رويس الصغيرة؛ إذ كان يرى فيها مثالا ل «الأنوثة المسيحية الفاضلة والجميلة»، على حد تعبيره. كلود الذي كان في فصل الأولاد الذي يوجد عبر الممر، اعتاد مضايقتها ومحاولة تشتيت انتباهها، ولكنه كان يحترم جديتها.
لما كانا يلعبان معا، كانت تتسم بالعقلانية ولا تتذمر إذا تعرضت للأذى، ولم تتقدم البتة بطلب لإعفائها لكونها فتاة من أي نشاط صعب. كانت هادئة، حتى في اليوم الذي وقعت فيه في ماء سد الطاحونة وأخرجها هو منها؛ فبمجرد أن استعادت أنفاسها ولفظت المياه الطينية، مسحت وجهها بتنورة فستانها الداخلية الصغيرة المبتلة، وجلست ترتعش وتقول مرارا وتكرارا: «أوه يا كلود، كلود!» الآن، بات يعتبر حوادث كتلك مهمة وموحية.
عندما بدأ كلود يسترجع قواه، عادت إليه بقوة بالغة. شعر أن الدم بدأ يتدفق بقوة في عروقه بينما كان جسده لا يزال ضعيفا؛ ولذا صدمه اندفاع الحيوية هذا. غردت الرغبة في العيش مرة أخرى داخل شرايينه، بينما كان جسده غير مستقر بعد. اجتاحته موجات الشباب وتركته منهكا. لما كانت إنيد معه، لم تكن هذه المشاعر قط بتلك القوة؛ ربما وجودها الفعلي أعاد إليه توازنه، تقريبا. تلك الحقيقة لم تربكه؛ إنه يعزوها إلى شيء جميل في طبيعة الفتاة؛ صفة بالغة الجمال والرقة لدرجة أنه لا يجد اسما لها.
في الأيام الأولى من تعافيه، لم يفعل شيئا سوى الاستمتاع بحركة الحياة التي بدأت تدب في أوصاله. أصبح التنفس متعة جسدية رقيقة. وفي الليالي التي كانت طويلة جدا بحيث طال سهره فيها، كان يبتهج بتخيل نفسه مستلقيا على سحابة تسبح على مهل في السماء. في أعماق هذا الاسترخاء، كان يبدأ التفكير في إنيد مثل ألم عذب وحارق، وكان كلود ينجرف بعد ذلك في عمق الظلام خلف مشاعر لا يستطيع ردعها أو التحكم بها. ما دام قادرا على الحرث أو جمع القش أو العمل بجد في حقل القمح، فإنه سيد؛ ولكنه الآن فاجأته نفسه. كان هناك توافق بينه وبين إنيد، وقد جاءت من أجله، وما كان ليدعها تتركه مطلقا. لا ينبغي أبدا أن تعرف كم يشتاق إليها. لن تدرك بسرعة ولو قدرا ضئيلا مما كان يكنه تجاهها؛ إنه كان يعلم ذلك. وسيستغرق هذا وقتا طويلا. ولكن سيصبر عليها صبرا جميلا، ويغدق عليها حنانا فياضا. المفترض أن يتألم هو، لا هي. حتى في أحلامه، لم يوقظها البتة، ولكنه أحبها وهي ساكنة وغير واعية مثل التمثال. كان سيغدق عليها الحب حتى تلين وتتغير من دون أن تعلم السبب.
أحيانا، عندما كانت تجلس إنيد بجانبه من دون ريبة في شعوره تجاهها، تتسلل حمرة سريعة إلى وجهه، ويشعر بالذنب تجاهها، ويصبح وديعا ومتواضعا كما لو أنه يجب أن يستجدي عفوها على فعل اقترفه. كثيرا ما كان يسعد عندما تذهب وتتركه بمفرده حتى يفكر فيها. حضورها وهبه العقلانية، ومن أجل ذلك ينبغي أن يكون ممتنا. عندما يكون معها، يظن أنها ستكون الشخص الذي ستصحح من مسلكه في هذا العالم وتجعله يتكيف مع الحياة. لقد تسبب في إزعاج والدته وإحباط والده، لكن زواجه سيكون أول شيء طبيعي ونابع من الإحساس بالواجب ومتوقع يقوم به. إنه سيكون بداية رجاء الخير والشعور بالرضا؛ إنه سيعيد إليه روحه، كما يقول المزمور الذي كثيرا ما كانت تكرره أمه. لا يكاد يشك في استعداد إنيد للاستماع إليه. وعلى الأرجح اعتبر أصدقاؤها تفانيها تجاهه في مرضه بمنزلة رغبة من جانبها في الخطبة إليه.
5
كانت رحلة كلود الأولى إلى فرانكفورت هدفها قص شعره. وبعد مغادرة صالون الحلاقة، ذهب إلى مكتب جايسون رويس؛ ويفوح منه عطر، مستخلص من أوراق شجرة الميريقة وشراب الرم، وضعه له الحلاق. بعدما أغلق السيد رويس خزنته، التفت وسلم على الشاب. «مرحبا كلود، سررت برؤيتك هنا مرة أخرى! لا يمكن أن يؤثر المرض كثيرا في مزارع شاب قوي مثلك. الأمر يختلف مع كبار السن. كنت سأذهب الآن لألقي نظرة على البرسيم الحجازي المزروع جنوب النهر. تعال معي.»
خرجا إلى السيارة المكشوفة التي تقف بجوار الرصيف؛ ولما كانا يتجولان بالسيارة بين حقول الحبوب اليانعة، كسر كلود حاجز الصمت. «أظن أنك تعرف سبب مجيئي إليك يا سيد رويس، أليس كذلك؟»
هز الرجل العجوز رأسه. كان مشغول البال وعابسا منذ انطلاقهما.
أردف كلود بنبرة يتخللها الخجل: «حسنا، لا أظن أنك ستفاجأ لو قلت إن قلبي منشغل بإنيد. لم أقل لها شيئا حتى الآن، ولكن إذا لم تمانع، فسأحاول إقناعها بالزواج بي.»
Bog aan la aqoon