34

تصنع بايليس نبرة عدم مبالاة وكأنه يفكر في تلك الأشياء كل يوم: «كنت أفكر في الذهاب معا إلى هناك ونأخذ معنا جلاديس وإنيد. حالة الطرق جيدة للغاية.»

احتج كلود قائلا: «القيادة إلى المنزل ستكون صعبة، في ذلك الوقت المتأخر من الليل.» بالطبع قصد بايليس أن يقود كلود الجمع في سيارة السيد ويلر الكبيرة ذهابا وإيابا. لم يستخدم بايليس سيارته الكاديلاك اللامعة مطلقا على الطرق الوعرة وفي الرحلات الطويلة. «أظن أن أمي ستوفر لنا مكانا نبيت فيه، ولا حاجة إلى العودة بالفتاتين إلى منزلهما حتى صباح الأحد. سأحصل على التذاكر.» «الأفضل أن ترتب الأمر مع الفتاتين. بالطبع سأوصلك بالسيارة إذا أردت الذهاب.»

تملص منه كلود وخرج متمنيا أن يهتم بايليس بشأن أمر تودده بنفسه ولا يقحمه فيه. كان بايليس لا يستطيع التمييز بين النغمات المختلفة، ولا شك أنه كان لا يرغب في الذهاب إلى الحفل، وكان لا يعرف هل إنيد رويس ستهتم بالذهاب إليه أم لا. جلاديس فارمر كانت أفضل موسيقية في فرانكفورت، وعلى الأرجح كانت سترغب في الذهاب إلى الحفل.

كان كلود وجلاديس صديقين قديمين - منذ أيام المدرسة الثانوية - على الرغم من أنهما لم ير أحدهما الآخر كثيرا لما كان يذهب إلى الكلية. وفي هذا الخريف، طلب بايليس من كلود عدة مرات أن يذهب معه إلى مكان ما في يوم الأحد ثم كان يتوقف كي يأخذ جلاديس. لم يحب كلود ذلك. وعلى أي حال، اشمأز لما علم بنية بايليس في الزواج من جلاديس. كانت تعيش جلاديس ووالدتها في فقر مدقع؛ ولذلك كان بايليس على الأرجح سينجح في إتمام مشروع الزواج في النهاية، رغم أنه يبدو حتى الآن أنها لا تبدي ترحيبا كبيرا بذلك. كان يرى أن الزواج من بايليس لن يكون أمرا سهلا بالنسبة إلى أي امرأة، ولكن جلاديس كانت الفتاة الوحيدة في المدينة التي ما كان ينبغي له الزواج منها. إنها شديدة التبذير رغم فقرها الشديد. وعلى الرغم من أنها كانت تدرس في مدرسة فرانكفورت الثانوية مقابل ألف ومائتي دولار في العام، كانت تلبس ملابس أجمل من الفتيات الأخريات فيما عدا إنيد رويس التي كان والدها ثريا. كانت المناقشات والانتقادات توجه إلى قبعاتها وأحذيتها المصنوعة من الجلد المدبوغ الجديدة عاما بعد الآخر. قال الناس إنها إن تزوجت من بايليس ويلر، فسرعان ما ستصدم من الواقع المر. تمنى البعض لها التعرض لتلك الصدمة، في حين لم يتمن البعض الآخر ذلك. بالنسبة إلى كلود، توقف عن زيارة منزل السيدة فارمر المبهج منذ أن بدأ بايليس الذهاب إلى هناك. لقد أصيب بخيبة أمل في جلاديس. وعندما كان يستاء من شخص، نادرا ما كان يتوقف كي يفكر في شعوره. لقد كان يتحاشى الشخص والتفكير في الشخص، وكأنه مصدر إزعاج بالنسبة إليه.

17

نوى السيد ويلر أن يبقى في المنزل حتى الربيع، ولكن أرسل رالف خطابا يقول فيه إنه يواجه مشكلات مع رئيس العمال؛ ولذا اضطر والده إلى أن يعود إلى المزرعة في شهر فبراير. بعد مغادرته بأيام قلائل، هبت عاصفة جعلت يتحدث الناس عنها لمدة عام قادم.

بدأ الثلج يهطل قرب الظهيرة في يوم عيد الحب؛ إذ كان ثلجا ناعما وكثيفا ورطبا يتدفق على هيئة موجات، ويعلق بكل ما يقابله. في وقت لاحق من العصر، هبت الرياح وبدأت تيارات الهواء في اقتلاع كل سقيفة أو شجرة أو سياج أو حتى أجمة من الأعشاب الطويلة. ولما نظرت السيدة ويلر بقلق من خلف نوافذ غرفة الجلوس، لم تر غير موجات من الثلج الأبيض الناعم التي حجبت المنزل المرتفع عن بقية العالم.

وجد كلود ودان، اللذان كانا في الحظيرة يقومان ببعض التدابير لحماية الماشية من سوء الأحوال الجوية، الهواء كثيفا جدا لدرجة يصعب معها التنفس، وامتلأت آذانهما وفاهاهما وأنفاهما بالثلج، الذي التصق أيضا بوجهيهما. كان الثلج يذوب باستمرار على ملابسهما، ولكنه كان يغمرهما من أخمص قدميهما إلى رأسيهما بينما كانا يعملان؛ فلم ينفضاه من عليهما. لم يكن الهواء باردا، بل بلغ درجة أقل قليلا من التجمد. عندما دخلا من أجل العشاء، تدافعت تيارات الثلج على المنزل حتى غطت الإطارات السفلية لنوافذ المطبخ؛ وبينما كانا يفتحان الباب، سقط حائط هش من الثلج من خلفهما. هرعت ماهيلي ومعها المقشة والدلو كي تكنسه. «أهي عاصفة مروعة يا سيد كلود؟ أعتقد أن السيد إرنست المسكين لن يأتي الليلة، أليس كذلك؟ لا تشغل بالك يا عزيزي؛ سأنزح تلك المياه. أسرع وارتد ملابس جافة واستحم، وإلا ستصاب بنزلة برد. خزان السخان مليء بالمياه الساخنة من أجلك.» دائما ما كانت تبتهج ماهيلي بالأحوال الجوية الاستثنائية.

قابلت السيدة ويلر كلود أعلى السلم. سألت قلقة: «أثمة خطر من تعرض العجول الموجودة بطول النهير للتجمد؟» «لا، فكرت في ذلك. سقناها جميعا إلى الحظيرة مباشرة وأغلقنا البوابات. لا أعلم ما يجري عند النهير الآن. ملابسي كلها مبتلة. أظن أنني سأتبع نصيحة ماهيلي وأستحم إذا أمكن تأخير العشاء قليلا من أجلي.» «ضع ملابسك أمام باب الحمام وسأحاول أن أجففها لك.» «نعم، من فضلك. سأحتاج إليها غدا. لا أريد أن أتلف سروالي المصنوع من القماش المضلع. عليك كذلك، يا أمي، أن تطلبي من دان تغيير ملابسه. فملابسه مبتلة ومشبعة بالبخار بشدة، ولا تصلح للجلوس على الطاولة بها. أخبريه إن اضطر أحد إلى الخروج بعد العشاء، فسأخرج أنا.»

أسرعت السيدة ويلر في النزول على السلم. كانت تعلم أن دان يفضل الجلوس في ملابس مبتلة طوال المساء على أن يتكبد عناء تغيير ملابسه. حاول التسلل من خلفها إلى مسكنه خلف غرفة الغسيل، وبدا حزينا عندما سمع ما أرادته منه.

Bog aan la aqoon