12

ربما كان سيستمتع كلود بالعروض الهزلية الكبيرة والوقحة إلى حد ما التي يثري بها السيد ويلر الحياة اليومية، لو لم يكن هو مؤلفها. ولكنه رغب من أعماق أعماقه أن يكون والده هو الأكثر احتراما، كما هو بلا شك الأوسم والأذكى في المجتمع. إضافة إلى ذلك، كان كلود لا يتحمل التهكم كثيرا. إنه كان يحس به قبل أن يصيبه؛ أي إنه عندما كان يراه قادما كان يستبقه. لاحظ السيد ويلر هذه السمة فيه لما كان صبيا يافعا، ونعتها بالفخر الزائف، وتعمد أن يثير حفيظة مشاعر كلود كي يقوي قلبه، كما فعل مع والدته التي كانت تخشى كل شيء إلا الكتب المدرسية ولقاءات الصلاة لما تزوجها في البداية. كانت لا تزال متحيرة بنحو أو بآخر، ولكنها تغلبت على أي مشاعر خوف منه، أو من العيش معه منذ زمن بعيد. لقد تقبلت كل شيء في زوجها باعتبارها جزءا من ذكوريته الخشنة، وكانت تفخر بذلك بأسلوبها الهادئ.

لم يغفر كلود لوالده قط بعضا من مداعباته السمجة. ففي يوم حار من أيام الربيع حينما كان صبيا مشاغبا في الخامسة من عمره، وكان يلعب داخل المنزل وخارجه، سمع والدته تتوسل إلى السيد ويلر أن ينزل إلى البستان ويقطف عناقيد الكرز من شجرة محملة بالثمار. تذكر كلود أنها استمرت في التذمر قائلة إن عناقيد الكرز عالية ولا تستطيع الوصول إليها، وحتى لو حصلت على سلم فسيؤلم ظهرها استخدامه. كان السيد ويلر ينزعج دائما إن أشارت زوجته إلى أي ضعف جسدي تعاني منه، خاصة إذا اشتكت من ظهرها. نهض وخرج. ثم عاد بعد برهة. نادى مبتهجا وهو يمر من المطبخ: «كل شيء على ما يرام الآن يا إيفانجلين. لن يسبب لك الكرز أي مشكلات. يمكنك أنت وكلود الذهاب وجمع ثماره بمنتهى السهولة.»

ارتدت السيدة ويلر قبعتها الشمسية واثقة، وأعطت كلود دلوا صغيرا، وأخذت هي واحدا كبيرا، ثم ذهبا إلى البستان عبر تل المراعي، وكان هذا البستان مسيجا في الأرض المنخفضة بجانب النهير. لقد حرثت الأرض في ذلك الربيع كي تحتفظ بالرطوبة، وظل كلود يركض سعيدا في أحد الأخاديد عندما نظر إلى أعلى، ورأى مشهدا لن يستطيع أن ينساه أبدا. رأى شجرة الكرز الجميلة ذات القمة الدائرية المليئة بالأوراق الخضراء والثمار الحمراء، وقد قطعها والده بالمنشار! كانت تقبع على الأرض بجانب جذعها النازف. وبصرخة واحدة، تحول كلود إلى شيطان صغير. رمى دلوه المصنوع من القصدير بعيدا، وأخذ يقفز في المكان وهو يصرخ ويضرب الأرض الرخوة بحذائه ذي المقدمة النحاسية، حتى قلقت والدته عليه أكثر من قلقها على الشجرة.

صاحت: «يا ولدي، يا ولدي، إنها شجرة والدك. له الحق الكامل في قطعها إن أراد. وكثيرا ما قال إن الأشجار كثيفة هنا. ربما هذا أفضل للأشجار الأخرى.»

صاح كلود: «إنها ليست كذلك! إنه أحمق لعين، أحمق لعين!» وزمجر وظل يقفز ويركل، وكاد أن يخنقه الغضب والكراهية.

جثت والدته على ركبتيها بجانبه. «كلود، توقف! أفضل أن تقطع كل أشجار البستان على أن أسمع منك هذه الكلمات.»

بعد أن هدأته، جمعا الكرز وعادا إلى المنزل. وعدها كلود بألا يتفوه بكلمة، ولكن لا بد أن والده لاحظ نظرات الغضب التي كان يوجهها الصبي الصغير تجاهه طوال العشاء، وكذلك تعبير الاحتقار البادي على وجهه. وحتى ذلك الحين، كان يعرف كيف يكبح شفتيه المرنتين عن التعبير عن الصورة المكنونة بداخله. لعدة أيام بعد ذلك، كان يذهب كلود إلى البستان ويشاهد الشجرة وهي تضعف أكثر وتذبل وتموت. قال في نفسه لا بد أن الله سيعاقب من تجرأ وفعل بها ذلك.

المزاج الحاد والاضطراب الجسدي كانا من أبرز الصفات في كلود عندما كان صبيا صغيرا. كان رالف مطيعا، وبدت حنكته في الابتعاد عن المشكلات في وقت مبكر. وحيث إنه كان هادئا في أسلوبه، فقد كان بارعا في إثارة المتاعب، ولا يصعب عليه إقناع أخيه الأكبر - الذي كان لا يتوقف عن البحث عن شيء يفعله - لتنفيذ خططه. وعادة ما كان يمسك كلود لا غيره متلبسا بالجرم. ولما كان رالف يجلس على بساطه على الأرض هادئا ومتأملا، كان يهمس إلى كلود بأنه ربما يكون من المبهج الصعود وأخذ الساعة من فوق الرف، أو تشغيل ماكينة الخياطة. ولما كبرا وبدآ يلعبان خارج المنزل، كان يكفيه أن يلمح إلى كلود أنه خائف كي يحرضه على لمس فأس مغطاة بالثلج بلسانه، أو القفز من أعلى سطح السقيفة.

لم تكن متاعب الطفولة المعتادة في الريف كافية بالنسبة إلى كلود؛ فكان يفرض على نفسه عقوبات واختبارات جسدية. فكلما أحرق إصبعه اتبع نصيحة ماهيلي وقرب يده من الموقد حتى «يخرج النار من إصبعه». وفي أحد الأعوام، ذهب إلى المدرسة طوال الشتاء بسترته بغية أن يشد من عضده. كانت أمه تحكم أزرار معطفه، وتضع وعاء العشاء في يده وتجعله ينطلق في طريقه إلى المدرسة. وبمجرد أن يبعد عن أنظار من في المنزل، كان يخلع معطفه ويلفه تحت إبطه، وينطلق مسرعا بطول حافة الحقول المغطاة بالثلوج حتى يصل إلى سور المدرسة لاهثا ومرتجفا، ولكنه كان سعيدا بنفسه بشدة.

5

Bog aan la aqoon