Wahat Cumr
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Noocyada
القاهرة 1999م
الفصل الأول
لندن
1
عندما حلقت بي الطائرة المصرية أول مرة فوق مدينة لندن، أفقت من الغفوة التي غلبتني بعد سهر الليلة السابقة، وفتحت عيني لأرى من النافذة الضيقة سحابات قليلة، خفيفة وشفافة ومتباعدة، يسطع عليها ضوء الشمس، ويلوح فيما بينها على الأرض ما يشبه البستان الكثيف، تقوم في أرجائه بيوت منخفضة متناثرة ضئيلة الجرم، يضرب لونها إلى الحمرة، فتصورت أننا ما زلنا في الريف بعيدا عن قلب المدينة؛ إذ كنت أتوقع ناطحات سحاب أو قل بعض المباني السامقة التي أصبحت علما على الحواضر الغربية، ولكن الطائرة حومت مرتين في دائرتين متسعتين، وكانت تزداد اقترابا كل مرة من الأرض، دون أن تظهر المباني السامقة، ثم اخترقت السحاب وبدأت الهبوط، فازدادت ملامح البستان وضوحا، فأيقنت أننا سنهبط في الريف المحيط بلندن.
كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهرا، وكان اليوم يوم الأربعاء 12 مايو 1965م والمطار حافل بالناس، وعلى الجدران لافتات تحمل سهاما توجه القادمين إلى الأماكن الخاصة بكل فئة، ووجدت السهام التي أتبعها تحدد الفئة التي أنتمي إليها (مع بعض ركاب الطائرة) وهي فئة الأجانب (
ALIENS ) تمييزا لهم عن أبناء البلد، وانتهى مساري إلى شباك فحص جوازات السفر، فدفعت إلى الموظف الجالس فيه بجواز سفري ووقفت أنتظر.
كان الجواز يقول إن من حقي السفر إلى ليبيا فقط، وكنت أخشى أن يسألني الموظف عن دلالة ذلك، وخفت أن أتلعثم في قص القصة؛ إذ كان من حق طالب البعثة استخراج جواز سفر، وكانت لوائح مصلحة الجوازات والجنسية آنذاك تقضي بعدم استخراج جواز سفر إلا إذا نص فيه على البلد المسموح بالسفر إليها، ولم تكن الموافقة على سفري إلى لندن قد صدرت من مكتب الأمن، فوضع المسئولون ليبيا باعتبارها الدولة المأمونة الوحيدة آنذاك، وعندما أنهيت إجراءات الأمن الخاصة بالسفر إلى بريطانيا كتب الموظف في الجواز الذي ما زلت أحتفظ به «أضيفت إنجلترا بمعرفة المصلحة».
كيف أشرح للموظف ذلك كله بالإنجليزية؟ وهل تراه يدرك أن مسألة الأمن لا تعني أنني قد أكون خطرا على الأمن؟ وهل تراه يفهم العبارة الخاصة «بإضافة» إنجلترا مع أنها البلد الذي تقدمت بطلب السفر إليه دون غيره؟ ولكن خوفي لم يطل؛ إذ كان الموظف شابا باسم المحيا، انتهى من تسجيل بيانات الجواز بقلم في يده، قبل شيوع استخدام آلات التصوير وبعدها الكمبيوتر، ثم سألني عن مقصدي فقلت له «الدراسة»، ولم تبد الدهشة على وجهه بل بدا مطمئنا واثقا من صدق ما أقول، وعندما طرح المزيد من الأسئلة عن الشاعر الإنجليزي الذي تخصصت فيه (وهو وليم وردزورث)
William Wordsworth
Bog aan la aqoon