ترجمة المؤلف
" قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان " (١)
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس البرمكي الإربلي الشافعي، ولد بإربل سنة ثمان وستمائة وسمع بها " صحيح البخاري " من أبي محمد بن هبة الله بن مكرم الصوفي وأجاز له المؤيد الطوسي وعبد المعز الهروي وزينب الشعرية. روى عنه المزي والبرزالي والطبقة، وكان فاضلًا بارعًا متفننًا عارفًا بالمذهب حسن الفتاوي جيد القريحة بصيرًا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة، فيه رياسة كبيرة، له كتاب " وفيات الأعيان " وقد اشتهر كثيرًا وله مجاميع أدبية. قد الشام في شبيبته وقد تفقه بالموصل على كمال الدين ابن يونس وأخذ بحلب عن القاضي بهاء الدين ابن شداد وغيرهما. ودخل مصر وسكنها مدة وتأهل بها وناب بها في القضاء عن القاضي بدر الدين السنجاري ثم قد الشام على القضاء في ذي الحجة سنة تسع وخمسين منفردًا بالأمر ثم أقيم معه في القضاء ثلاثة سنة أربع وستين وكان ذلك في جمادى الأولى جاء من مصر ثلاثة تقاليد لشمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الحنفي ولزين الدين عبد السلام الزواوي المالكي ولشمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر الحنبلي فلم يقبل المالكي ووافق الحنفي والحنبلي، وكان الحنفي قبل ذلك نائبا للشافعي، ثم إن الأمر من مصر ورد بإلزام المالكي وامتنع المالكي والحنبلي من أخذ الجامكية وقالا نحن في كفاية. قال شهاب الدين أبو
_________
(١) له ترجمة في الفرات ١، ١٠٠ وقضاة دمشق: ٧٦ وطبقات السبكي ٥: ١٤ والنجوم الزاهرة ٧: ٣٥٣ وشذرات الذهب ٥: ٣٧١. وهذه منقولة عن الوافي (الجزء السابع) .
1 / 1
شامة: ومن العجيب اجتماع ثلاثة من قضاة القضاة لقب كل واحد منهم شمس الدين في زمن واحد. واتفق أن الشافعي استناب نائبًا لقبه شمس الدين فقال بعض الأدباء الظرفاء:
أهل دمشق استرابوا ... من كثرة الحكام
إذ هم جميعًا شموس ... وحالهم في الظلام وقال أيضًا:
بدمشق آية قد ... ظهرت للناس عاما
كلما ازدادوا شموسا ... زادت الدنيا ظلامها ثم عزل عن القضاء سنة تسع وستين بالقاضي عز الدين ابن الصائغ، ثم عزل ابن الصائغ بعد سبع سنين به، وقدم من مصر فدخل دخولا لم يدخل غيره مثله من الاحتفال والزحمة وأصحاب البغال والشهود وكان يوما مشهودا وجلس في منصب حكمه وتكلم الشعراء. ولما قدم ابن خلكان إلى دمشق ثانيًا وكان لثامن سنة قال رشيد الدين الفارقي في ذلك:
أنت في الشام مثل يوسف في مص ... ر وعندي أن الكرام جناس
ولكل سبع شداد وبعد ال ... سبع عام يغاث فيه الناس وقال سعد الدين الفارقي:
أذقت الشام سبع سنين جدبا ... غداة هجرته هجرا جميلا
فلما زرته من أرض مصر ... مددت عليه من كفيك نيلا وقال ابن جعوان:
لما تولى قضاء الشام حاكمه ... قاضي القضاة أبو العباس ذو الكرم
من بعد سبع شداد قال خادمه ... ذا العام فيه يغاث الناس بالنعم وقال نور الدين ابن مصعب:
رأيت أهل الشام طرا ... ما فيهم قط غير راض
1 / 2
نالهم الخير بعد شر ... فالوقت بسط بلا انقباض
وعوضوا فرحة بحزن ... مذ أنصف الدهر في التقاضي
وسرهم بعد طول غم ... قدوم قاض وعزل قاض
فكلهم شاكر وشاك ... بحال مستقبل وماض قلت: بيتا رشيد الدين الفارقي خير هذه المقاطيع.
وكان كريما جوادا ممدوحا فيه ستر وحلم وعفو، وحكايته في ذلك مشهورة. ثم عزل بابن الصائغ ودرس بالأمينية إلى أن مات عشية نهار السبت سادس عشرين شهر رجب سنة إحدى وثمانين بالنجيبية النورية وشيعة الخلائق.
أنشدني من لفظه لنفسه شهاب الدين أحمد بن غانم كاتب الإنشاء يرثي قاضي القضاة شمس الدين:
يا شمس علوم في الثرى قد غابت ... كم نبت عن الشمس وهي ما [إن] نابت
لم تأت بمثلك الليالي أبدا ... إما قصرت عنه وإما هابت وكان وجيه الدين محمد بن سويد صاحبه وكان يسومه قضاء أشغال كثيرة ويقضيها، فحضر في بعض الأيام ورام منه أمرًا متعذرا فاعتذر، فقال: ما يكون الصاحب صاحبًا حتى يعرق جبينه مع صاحبه في جهنم، فقال القاضي: بلى يا وجيه الدين، صرنا معك قشلمشا وما ترضى. ويقال إنه عمل تاريخا للملك الظاهر ووصل نسبه بجنكزخان، فلما وقف عليه قال: هذا يصلح أن يكون وزيرًا، اطلبوه، فطلب وبلغ الخبر الصاحب بهاء الدين ابن حنا فسعى في القضية إلى أن أبطل ذلك، وناسى السلطان عليه، فبقى في القاهرة يركب كل يوم ويقف في باب القرافة ويمشي قدام الصاحب إلى أن يوصله بيته، وافتقر حتى لم يكن له غير البغلة لركوبه، وكان له عبد يعمل بابا ويطعمه، والشيخ بهاء الدين ابن النحاس يؤثره، ومع ذلك فلا يحنو عليه الصاحب ولا يحن إلى الإحسان إليه، حتى فاوضه الدوادار وقال له: إلى متى يبقى هذا على هذه الحالة فجهز إلى مكانه بدمشق على القضاء. وحضر إليه وهو بالقاهرة عز الدين
1 / 3
محمد بن شداد بكتب فقارس من الغور وانتقالها إلى الظاهر وقد ثبتت عليه بالشام وطلب منه الإشهاد عليه بما فيها لتثبت بمصر، قال: كيف اشهد علي قال: يأذن لك قاضي القضاة ابن رزين. فقال: لو كنت موليًا ما كنت آذن له، أفأكون مولى من جهته هذا لا يكون أبدًا. واطلع الظاهر على ذلك فعظم عنده وتحقق شرف نفسه. وأمر له بدر الدين بيليك الخزندار تلك الأيام بألفي درهم ومائة إردب قمح فأبى من قبولها وتلطف معه مع القاصد، فقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ولم يقبل وأصر على الامتناع مع الفاقة الشديدة. وكان له ميل إلى بعض أولاد الملوك وله فيه الأشعار الرائقة، يقال إنه أول يوم جاء إليه بسط له الطرحة وقال: ما عندي أعز من هذه، طأ عليها، ولما فشا أمرهما وعلم به أهله منعوه من الركوب فقال:
يا سادتي إني قنعت وحقكم ... في حبكم منكم بأيسر مطلب
إن لم تجودوا بالوصال تعطفًا ... ورأيتم هجري وفرط تجنبي
لا تمنعوا عيني القريحة أن ترى ... يوم الخميس جمالكم في الموكب
لو كنت تعلم يا حبيبي ما الذي ... ألقاه من ألمٍ إذا لم تركب
لرحمتني ورثيت لي من حالةٍ ... لولاك لم يك حملها من مذهبي
قسمًا بوجهك وهو بدر طالع ... وبليل طرتك التي كالغيهب
وبقامةٍ لك كالقضيب ركبت في ... أخطارها في الحب أصعب مركب
وبطيب مبسمك الشهي البادر ال ... عذب النمير اللؤلؤي الأشنب
لو لم أكن في رتبة أرعى لها ال ... عهد القديم صيانة للمنصب
لهتكت ستري في هواك ولذ لي ... خلع العذار ولو ألح مؤنبي
لكن خشيت بأن تقول عواذلي ... قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي
فارحم فديتك حرقة (١) قد قاربت ... كشف القناع بحق ذياك النبي
لا تفضحن محبك الصب الذي ... جرعته في الحب أكدر مشرب أخبرني من لفظه القاضي جمال الدين عبد القاهر التبريزي قال: كان الذي
_________
(١) في الأصل: خرقة.
1 / 4
يهواه القاضي شمس الدين هو الملك المسعود وكان قد تيمه حبه فكنت أنام عنده في العادلية فتحدثنا في بعض الليالي إلى أن راح الناس من عنده فقال لي: نم أنت، وألقي علي فروة، وقام يدور حول البركة في بيت العادلية، ويكرر هذين البيتين إلى أن أصبح وتوضأ. والبيتان المذكوران:
أنا والله هالك ... آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي ... قد أقامت قيامتي ويقال إنه سأل بعض أصحابه عما يقوله أهل دمشق عنه فاستعفاه فألح عليه فقال: يقولون إنك تكذب في نسبك وتأكل الحشيشة وتحب الغلمان. فقال: أما النسب والكذب فيه فإذا كان ولا بد منه فكنت أنتسب إلى العباس أو إلى علي بن أبي طالب أو إلى أحد الصحابة، وأما النسب إلى قوم لم يبق لهم بقية وأصلهم فرس مجوس فما فيه فائدة. وأما الحشيشة فالكل ارتكاب محرم وإذا كان ولا بد فكنت أشرب الخمر لأنه ألذ. وأما محبة الغلمان فإلى غد أجيبك عن هذه المسألة. قال قطب الدين البونيني: سمعت من يذكر إنما خرج له النسب إلى البرامكة أبو شامة، وليس كذلك. ووقفت على مجلدة من " تاريخ إربل " لوزيرها شرف الدين وقد ذكر وفاة ابن عم قاضي القضاة وقد نسبه إلى البرامكة ولعل ذلك قبل خروجه من إربل. وذكره الصاحب كمال الدين في " تاريخ حلب " ونسبه إلى البرامكة.
ومن شعره:
وسرب ظباء في غدير تخالعوا (١) ... بدور بأفق الماء تبدو وتغرب
يقول عذولي والغرام مصاحبي ... أما لك عن هذي الصبابة مذهب
وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى ... فقلت له: ذرهم يخوضوا ويلعبوا ومنه مضمنًا:
كم قلت لما أطلعت وجناته ... حول الشقيق الغض دوحة آس
_________
(١) الفوات: تخالهم.
1 / 5
لعذاره (١) الساري العجول بخده ... ما في وقوفك ساعة من باس ومنه:
لما بدا العارض في خده ... بثرت قلبي بالنعيم المقيم
وقلت هذا عارض ممطر ... فجاءني فيه العذاب الأليم ومنه على ما قيل:
انظر إلى عارضه فوقه ... لحاظه ترسل منها الحتوف
تشاهد (٢) الجنة في وجهه ... لكنها تحت ظلال السيوف ومنه:
ولما أن تفرقنا ... وحالت نوب الدهر
رأيت الشهد لا يحلو ... فما ظنك بالصبر ومنه:
وما سر قلبي منذ شطت بم النوى ... نعيم ولا لهو ولا متصرف
ولا ذقت طعم الماء إلا وجدته ... سوى ذلك الماء الذي كنت أعرف
ولم أشهد اللذات إلا تكلفا ... وأي سرور يقتضيه التكلف ومنه:
أحبابنا لو لقيتم في إقامتكم ... من الصبابة ما لا قيت في ظعني
لأصبح البحر من أنفاسكم يبسًا ... والبر من أدمعي ينشق بالسفن ومنه:
تمثلتم لي وبالبلاد (٣) بعيدة ... فخيل لي أن الفؤاد لكم مغنى
وناجاكم قلبي على البعد والنوى ... فأوحشتم لفظًا وآنستم معنى
_________
(١) الفوات: أعذاره.
(٢) الفوات: تعاين.
(٣) الفوات: والديار.
1 / 6
وقال في ملاح أربعة يلقب أحدهم بالسيف:
ملاك بلدتنا بالحسن أربعة ... بحسنهم في جميع الخلق قد فتكوا
تملكوا منهج العشاق وافتتحوا ... بالسيف قلبي ولولا السيف ما ملكوا ومنه:
أي ليل على المحب أطاله ... سائق الظعن يوم زم جماله
يزجر العيس طاويًا يقطع المه ... مه عسفًا وسهوله ورماله
أيها السائق المجد ترفق ... بالمطايا فقد سئمن الرحاله
وأنخها هنيهة وأرحها ... قد براها السرى وفرط الكلاله (١)
لا تطل سيرها العنيف فقد بر ... ح بالصب في سراها الإطاله
وتركتم وراءهم حلف وجد ... نادبًا في محلكم أطلاله
يسأل الربع عن ظباء المصلى ... ما على الربع لو أجاب سؤاله
ومحال من المحيل جواب ... غير أن الوقوف فيها غلاله
هذه سنة المحبين يبكو ... ن على كل منزل لا محاله
يا ديار الأحباب لا زالت الأد ... مع في ترب ساحتيك مذاله (٢)
وتمشى النسيم وهو عليل ... في مغانيك ساحبًا أذياله
أين عيش مضى لنا فيك ما أس ... رع عنا ذهابه وزواله
حيث وجه الشباب طلق نضير ... والتصابي غصونه مياله
ولنا فيك طيب أوقات أنس ... ليتنا في المنام نلقي مثاله
وبأرجاء جوك الرحب سرب ... كل عين تراه تهوى جماله
من فتاة بديعة الحسن ترنو ... من جفون لحاظها مغتاله
ورحيم الدلال حلو المعاني ... تتثنى أعطافه مختاله
ذي قوام تود كل غصون ال ... بان لو أنها تحاكي اعتداله
وجهه في الظلام بدر تمام ... وعذاراه حوله كالهاله
_________
(١) الفوات: فرط السرى والكلاله.
(٢) الفوات: مساله.
1 / 7
ومن ذلك:
كأنني يوم بان الحي عن إضم ... والقلب من سطوات البين مذعور
ورقاء ظلت لفقد الإلف ساجعة ... تبكي عليه اشتياقًا وهو مأسور
يا جيرة الحي هل من عودة فعسى ... يفيق من نشوات الشوق مخمور
إذا ظفرت من الدنيا بقربكم ... فكل ذنب جناه الدهر مغفور وله في الدوبيت شيء كثير من أحسنه قوله:
في هامش خدك البديع القاني ... أسرار هوى لكل (١) صب عان
قد خرجها الباري فما أحسنها ... من حاشية بالقلم الريحاني وقوله:
روحي بك يا معذبي قد شقيت ... في جنب رضاك في الهوى ما لقيت
لا تعجل بالله عليها فعسى ... أن تدركها برحمة إن بقيت وقوله:
يا سعد عساك تطرق الحي عساك ... قصدًا فإذا رأيت من حل هناك
قل صبك ما زال به الوجد إلى ... أن مات غرامًا أحسن الله عزاك وكتب إليه السراج الوراق لغزًا في مئذنة:
يا إمامًا له ضياء ذكاء ... يتلاشى له ضياء ذكاء
ما مسمى بالرفع يعرب والنص ... ب وإن كان مستقر البناء
علم مفرد فإن رفعوه ... رفعوه عمدًا لأجل النداء
أنثوه ومنه قد عرف التذكي ... ر فانظر تناقض الأشياء
وهو ظرف فأين من فيه ظرف ... ليجلي من هذه العمياء فأجاب (٢):.
_________
(١) الفوات: تصحيح غرام كل.
(٢) بياض في الأصل بقدر ثلاثة أسطر.
1 / 8
قال شمس الدين أحمد بن المنير في قاضي القضاة المذكور:
ليس شمس الضحى كأوصاف شمس الدي ... ن قاضي القضاة حاشا وكلا
تلك مهما علت محلا ثنت ظ ... لا وهذا مهما علا مد ظلا
1 / 9
تحقيق الكتاب
بين عامي ١٨٣٥ و١٨٥٠، قام الأستاذ فردينند وستنفيلد بنشر كتاب «وفيات الأعيان» في اثني عشر جزءًا، وخصص الجزء الثالث عشر لاختلاف القراءات وللزيادات في النسخ المختلفة وللفهارس العامة. وقد اعتمد في طبعته هذه على النسخ الآتية:
١ - النسخة " أ ": وهي من مخطوطة بليدن نسخ القسم الأعظم منها لورسباخ من مخطوطة كان يملكها شولتز وأخيرًا اشترتها مكتبة جوتنجن سنة ١٩١٧؛ وتتألف من ست مجلدات متوسطة الحجم من قطع الربع وفيها بعض صفحات خالية. وكان ما نسخه لورسباخ منها جيدًا مساويًا مساويًا للأصل في دقته.
٢ - النسخة " ب ": وهي من غوطا، وتشمل ما يقارب نصف الكتاب وتنتهي بترجمة أبي محمد عبد الملك بن هشام وتعد من اقدم المخطوطات إذ أنها كتبت بعد وفاة المؤلف باثنتى عشرة سنة إذ في آخرها: " كتب هذا الكتاب في مساء الأحد لثلاث بقين من جمادى الأول سنة ٦٩٣، وكتبه العبد الفقير أبو الرحى ابن أبي الحسن بن يوسف ابن أبي الرحى بن سعيد الاسرائيلي بدمشق المحروسة عن اصل يملكه القاضي علاء الدين علي بن شمس الدين محمد بن غانم كاتب الديوان ". وهذه النسخة التي كان يملكها القاضي علاء الدين نسخت سنة ٦٩٢ بخط تاج الدين معتوق بن سعد الاسعردي السميساطي وعلى النسخة تملكات مؤرخة آخرها سنة ١٠٣٦، وعلى الصفحة الأولى منها ترجمة لابن خلكان مأخوذة من كتاب " تذكرة النبيه " لحسن بن حبيب الكلبي، وعلى هوامشها حواش وتعليقات لبعض العلماء تتفاوت في قيمتها.
٣ - النسخة " ج ": وهي من برلين، كتبت بخط دقيق وجاءت في مجلد
1 / 10
واحد يشمل الكتاب كله وتاريخ نسخها سنة ١٠٨٣، فهي حديثة نسبيا كما أن تراجمها كثيرا ما تكون موجزة.
٤ - النسخة " د ": وهي من برلين أيضًا وتقع في أربعة أجزاء إلا أن الجزء الرابع فيها ناقص، وهي من أشد النسخ إسهابا في الترجمات ومن أكثرها عدد تراجم وكثيرا ما يختلف ترتيب التراجم فيها عن النسخ الأخرى وقد كتب الجزء الثاني منها سنة ١١٢٦هـ وفي آخر الجزء الثالث عبارة هامة يذكر فيها المؤلف أنه ترك القاهرة لأنه عين قاضيا بدمشق ولهذا توقف عن إتمام الكتاب.
٥ - النسخة " هـ ": وهي مخطوطة أخرى من غوطا وتاريخ نسخها ١٢٠١.
وقد اختار الأستاذ وستنفيلد الاعتماد على نسخة " ب " لأنها أقدم النسخ وخاصة حين تتفق معها نسخة أخرى، ولم يكن يفارق قراءة " ب " إلا إذا اتفقت فيها النسخ الأخرى دونها، ويقول أن " ب " و" د " تتفقان كثيرا في القراءة بينما تتفق " أ " و" ج " في قراءة أخرى.
وبعد أن مضى شوطا في العمل، اعتمد على مخطوطات أخرى منها " ف "، التي تمثل نسخة لبعض أصدقاء المحقق نسخها بخطه عن أصل في باريس. ثم حصل على نسخة ثالثة من غوطا - رقم ٤١٧ - وهي قطعة ناقصة من أولها وآخرها إلا أنها قديمة جيدة الخط والقراءة وهي تكمل النسخة " ب "، ويقول أنه لم يستطع الحصول على جميع المخطوطة عند تحقيقه الكتاب وإنما قرأ معضمها وقيد الخلاف بينها وبين سائر المخطوطات.
ويبدو من هذا العرض أن طبعة وستنفيلد تمثل تلفيقا بين هذه المخطوطات العديدة في عدد التراجم لأنه ليست هناك نسخة من النسخ المذكورة قد استوفت ذلك العدد كاملًا. وقد انتهى عدد تراجم الكتاب في هذه الطبعة إلى ٨٦٥ ترجمة، إلا أن بعضها لم يذكر منه إلا الاسم ولم يكتب المؤلف عنه شيئا من الخبر. ويبدو أن هذه العملية التلفيقية أمر لا معدا عنه لأن النسخ الخطية من الكتاب كثيرة جدا ولسنا نعلم أيها يمثل المرحلة الأولى في التأليف وأيها يمثل المرحلة الأخيرة وأيها هو الواقع بين المرحلتين؛ ولهذا آثرت إبقاء ما أختاره وستنفيلد على حاله واستأنست في مراجعة عمله بمخطوطتين:
1 / 11
١ - النسخة " م ": وهي نسخة المتحف البريطاني - رقم ١٥٠٥ التكملة ٦٠٧ - وتحتوي التراجم من أول الكتاب وحتى آخره حرف الميم، تشبه أن تكون مسودة أولية للمؤلف لأن تراجمها شديدة الإيجاز وهي تنقص عددا كبيرا من التراجم التي وردت في النسخ الاخرى.
٢ - النسخة " ط ": وهي أيضا في المتحف البريطاني وتحمل رقم ٦٠٨/١٢ وتمثل الجزء الرابع من كتاب " الوفيات " وقد كتب على الورقة الأولى منها: " هذا الجزء فيه التكملة التي ألحقها بحرف الياء رحمة الله تعالى على مصنفه ورضوانه " وهي تقع في ١٥٣ ورقة، وفي آخرها: " تم الجزء الرابع من وفيات الأعيان وبه يتم الكتاب ". وتاريخ نسخها الخامس عشر من شهر رمضان المعظم قدره سنة ٩٩١، والتراجم فيها لا تعتمد الإيجاز كما هي حال القطعة السابقة.
وقد جرى عملنا في تحقيق الجزئين الأولين بالاعتماد على طبعة وستنفيلد ونسخة " م "، ولهذا أثبت فروق القراءات بين النسخ في حواشي هذين الجزئين. ولما كانت نسخة " د " من أكثر النسخ زيادات، فقد أدرجت في المتن من زياداتها ما لا يخل بالسياق العام في التراجم، وأرجأت ما كان صورة أخرى فيها وجعلته ملحقا بآخر كل جزء. وتنتهي هذه الزيادات الملحقة التي أثبتها وستنفيلد في آخر الجزء الثاني. وأحيانا أشرت إلى بعض الزيادات التي وردت في " أ " و" ج " إذا كانت ذات أهمية واضحة. أما زيادات " ف " فإني لم أعتمدها في هذه الطبعة لأنه من التجوز أن تعد " ف " أصلا معتمدا.
وقد قدرت أن يجيء هذا الكتاب في سبعة أجزاء، وأن يكون الجزء الثامن خاصًا بالفهارس المفصلة، وأنا أتوقع أن يكون اعتمادي في الأجزاء الأخرى بعد الثاني على مخطوطات جديدة بالإضافة إلى المخطوطة " ط ". وعند الحصول على ما يسعف في تحقيق هذا الكتاب من مخطوطات جديدة، ستتم الإشارة إلى ذلك تباعا، وسيدرج في الجزء الثامن ترجمة تفصيلية للمؤلف ودراسة لكتاب " وفيات الأعيان " وإني لأرجو أن أوضح هنالك شيئا من طبيعتي التأليف المتدرج الذي جرى عليه المؤلف في كتابه هذا.
1 / 12
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بوافر الشكر إلى كل من الصديقين العزيزين: الأستاذ الدكتور يوسف فإن أس على مساعدته في توضيح المقدمات اللاتينية التي كتبها وستنفيلد في مطالع الأجزاء الاثني عشر؛ والأستاذ الدكتور وليد عرفات الذي تفضل فأرسل إلي فلمين مصورين عن نسختي المتحف البريطاني. ويطيب لي أيضًا في إخراج هذا الكتاب أثناء تغيبي عن بيروت في رحلة علمية طويلة.
والله أسأل أن يعينني على إتمام الأجزاء الباقية منه بمنه وكرمه.
بيروت في ٣ آب (أغسطس) ١٩٦٨
إحسان عباس
1 / 13
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الفقير إلى رحمة الله تعالى شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، الشافعي، رحمه الله تعالى:
بعد حمد الله تفرد بالبقاء، وحكم على عباده بالموت والفناء، وكتب لكل نفس أجل لا تجاوزه عند الانقضا، وسوى فيه بين الشريف والمشروف والأقوياء والضعفاء، أحمده على سوائغ النعم وضوافي الآلاء، حمد معترف بالقصور عن إدراك أقل مراتب الثناء، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في جميع الآناء، راجٍ رحمة ربه في الإصباح والإمساء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء، وأكرم الأصفياء، والداعي إلى سلوك المحجة البيضاء، صلى الله عليه وعلى آله السادة النجباء، صلاة دائمة بدوام الأرض والسماء، ورضي الله عن أزواجه وأصحابه البررة الأتقياء.
هذا مختصر في التاريخ، دعاني إلى جمعه أني كنت مولعًا بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولي النباهة وتواريخ (١) وفياتهم وموالدهم (٢)، ومن جمع منهم كل عصر فوقع لي منهم شيء حملني على الاستزادة وكثرة التتبع، فعمدة إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، وأخذت من أفواه الأئمة (٣) المتقنين (٤) له ما لم أجده في كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندي منه مسودات
_________
(١) ب ج: وتاريخ.
(٢) ج: ومواليدهم.
(٣) أ: في المشايخ.
(٤) في نسخة: المتقدمين.
1 / 1
كثيرة في سنين عديدة (١)، وغلق على خاطري بعضه فصرت إذا احتجت إلى معاودة شيء منه لا أصل إليه إلا بعد التعب في استخراجه، لكونه غير مرتب، فاضطررت إلى ترتيبه، فرأيت على حروف المعجم أيسر منه على السنين، فعدلت إليه، والتزمت فيه تقديم من كان أول اسمه الهمزة، ثم من كان ثاني حرف من اسمه الهمزة أو ما هو أقرب إليها، على غيره، فقدمت إبراهيم على أحمد لأن الباء أقرب إلى الهمزة من الحاء، وكذلك فعلت إلى آخره، ليكون أسهل للتناول (٢)، وإن كان هذا (٣) يفضي إلى تأخير المتقدم وتقديم المتأخر في العصر (٤) وإدخال من ليس من الجنس بين المتجانسين، لكن هذه المصلحة أحوجت إليه (٥) .
ولم أذكر في هذا المختصر أحدًا من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا من التابعين ﵃، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم، وكذلك الخلفاء: ولم أذكر أحدًا منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب، لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم ونقلت عنهم، أو كانوا في زمني ولم أرهم، ليطلع على حالهم من يأتي بعدي.
ولم اقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من أحواله بما وفقت عليه، مع الإيجاز كيلا يطول الكتاب، أثبت وفاته ومولده إن قدرت عليه، ورفعت نسبه على ما ظفرت به، وقيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة ليتفكه به متأمله ولا يراه مقصورًا على أسلوب واحد فيمليه، والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفننًا.
_________
(١) أ: كثيرة.
(٢) هذه رواية أد، وفي النسخ الأخرى: إلى التناول.
(٣) ب ج هـ: ذلك.
(٤) د: في بعض العصر.
(٥) د: تدعو إليه.
1 / 2
وبعد أن صار كذلك لم يكن بد من استفتاحه بخطبة وجيزة للتبرك بها؛ فنشأ من مجموع ذلك هذا الكتاب، وجعلته تذكرة لنفسي. وسميته كتاب " وفيات الأعيان، وأبناء أبناء الزمان، مما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان " ليستدل على مضمون الكتاب بمجرد العنوان.
فمن وقف عليه من أهل الدراية بهذا الشأن ورأى فيه خللًا فهو المثاب في إصلاحه بعد التثبيت فيه، فإني بذلت (١) الجهد في التقاطه من مظان الصحة، ولم أتساهل في نقله ممن لا يوثق به، بل تحريت فيه حسبما وصلت القدرة إليه.
وكان ترتيبي له في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة بالقاهرة المحروسة مع شواغل عائقة، وأحوال عن مثل هذا متضايقة، فليعذر الواقف عليه، وليعلم أن الحاجة المذكورة ألجأت إليه، لا أن النفس تحدثها الأماني من الانتظام في سلك المؤلفين بالمحال، ففي أمثالهم السائرة " لكل عمل رجال " ومن أين لي ذلك والبضاعة من هذا العلم قدر منزور، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، حرسنا الله تعالى من التردي في مهاوي الغواية، وجعل لنا من العرفان بأقدارنا أمنع وقاية، بمنه وكرمه، آمين.
_________
(١) ج: قد بذلت.
1 / 3
حرف الهمزة
1 / 23
فراغ
1 / 24
(١)
إبراهيم النخعي
أبو عمران، وأبو عمار، إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة (٢) بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع، الفقيه، الكوفي، النخعي؛ أحد الأئمة المشاهير، تابعي رأي عائشة ﵂ ودخل عليها، ولم يثبت له منها سماع [وكان إبراهيم إذا طلبه إنسان لا يحب أن يلقاه خرجت الخادم فقالت اطلبه في المسجد؛ وقال آخر: كنا إذا خرجنا من عند إبراهيم يقول: إن سئلتم عني فقولوا لا ندري أين هو، فإنكم إذا خرجتم لا تدرون أين أكون] (٣) . توفي سنة ست وقيل خمس وتسعين للهجرة، وله تسع وأربعون سنة، وقيل: ثمان وخمسون سنة، والأول أصح. ولما حضرته الوفاة (٤) جزع جزعًا شديدًا، فقيل له في ذلك، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه إنما أتوقع رسولًا يأتي علي من ربي إما بالجنة، وإما بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي (٥) إلى يوم القيامة.
وأمه مليكة بنت يزيد بن قيس النخعية، أخت الأسود بن يزيد النخعي، فهو خاله ﵁.
ونسبته إلى النخع - بفتح النون والخاء المعجمة وبعدها عين مهملة - وهي قبيلة كبيرة من مذحج باليمن. واسم النخع جسر بن عمرو بن علة بن خالد ابن مالك بن أدد، وإنما قيل له النخع لأنه انتخع من قومه: أي بعد عنهم،
_________
(١) راجع في ترجمته ابن حبان: ١٠١ وابن سعد ٦: ٢٧٠ - ٢٨٤، وقال ابن سعد أجمعوا على أنه توفي سنة ٩٦، وروى أنه نيف على خمسين سنة.
(٢) د: ابن ذهل بن ربيعة.
(٣) ما بين معقفين في كل موضع زيادة من نسخة د، إلا أن يذكر غير ذلك.
(٤) د: ولما اختصر.
(٥) أد: في صدري.
1 / 25
وخرج منهم خلق كثير، وقيل في نسبه غير هذا، هذا هو الصحيح، نقلته من جمهرة النسب لابن الكلبي.
٢ - (١)
أبو ثور صاحب الشافعي
أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي صاحب الإمام الشافعي ﵁ وناقل الأقوال القديمة عنه؛ وكان أحد الفقهاء الأعلام والثقات المأمونين في الدين، له الكتب المصنفة في الأحكام جمع فيها بين الحديث والفقه، وكان أول اشتغاله بمذهب أهل الرأي، حتى (٢) قدم الشافعي العراق فاختلف إليه واتبعه ورفض مذهبه الأول، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي لثلاث بقين من صفر سنة ست وأربعين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب الكناس (٣)، رحمه الله تعالى. وقال أحمد بن حنبل: هو عندي في مسلاخ سفيان الثوري، أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة.
٣ - (٤)
أبو إسحاق المروزي
أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي الفقيه الشافعي؛ إمام
_________
(١) انظر طبقات السبكي ١: ٢٢٧ وتاريخ بغداد ٦: ٦٥.
(٢) د: إلى أن.
(٣) د: الكماس، والصواب ما أثبت في المتن.
(٤) تاريخ بغداد ٦: ١١.
1 / 26