قال أبو القاسم: معنى البيت يا من يحب قوامي بالأمر الذي هم به والعلا التي أطلبها ما بال السيف معلقًا بغير قتل ولا جرح لأن من يطلب ما طلبه يخوض الدماء ويركب الغمرات، وما ذكره أبو الفتح في القيام وترك الأسفار ليس يذهب على المبتدئين لأنه يقال المسافر وضده المقيم وفي كتب الفقه في المسح على الخفين لمسافر يوم وليلة وللمقيم ثلاث أيام ولياليها. وأما القيام فله في العربية معنيان يقال قمت قيامًا إذا نهضت عقيب الجلوس وقمت بالأمر إذا توليته وأعنقته ورجل قائم بالأمر وقيم وقوام منه قول الله تعالى) الرجال قوامون على النساء (، وأنشد أبو سعيد السيرافي عن أبي بكر بن مجاهد عن سلمة في كتاب الأبيات:
وأربعة قامت على غير أرجل ... قيام امرئ في الناس ليس بذي عتبة
فأبدت فيها كي يقال مؤبد ... وملت على جنب فعرضت في جنب
فقوله قامت على غير أرجل أي قامت بالأمر وتولته هذا كما يقال سعى فلان إذا ذهب وسعى إذا قام بالمر واعتنق حلًا يدبرها ما قال زهير: سعى بعدهم قوم فلم يدركوهم وقال الآخر:
أسعى على جل بني مالك ... كل امرئ في شأنه ساع
وذكر الفراء في القوم أنهم جمع قائم وأنشد أبو محلم صاحب الطاهرية:
طاف من سلمى خيال ... منع النوم الرفادا
قال في تفسيره: إن النوم جمع نائم مثل قائم قوم صائم وصوم.
قال المتنبي:
وضاق الأرض حتى كان هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلًا
قال أبو الفتح: أراد إذا رأى غير شيء محفول به ومفكر فيه، قد جاء للعرب نحو ذلك يقولون: إنك ولا شيئًا سواء، والتسوية لا تقع إلا بين شيئين فصاعدًا فكأنه قال إنك وشيئًا لا يعبأ به سواء ونحوه قول الله سبحانه) خلقتك من قبل ولم تك شيئا (أي شيئًا مذكورًا، وذلك أن المعدوم عندنا يسمى شيئًا.
قال أبو القاسم: الهارب والمنهزم شتى الرأي متوزع القلب يرى ما لا يرى ويسمع ما لا يسمع ولو كان هناك شيء في الحقيقة موجودًا وظنه رجلًا لكان الآمن والخائف في رؤيته سواء ومنه قول جرير:
وابنُ المراغة عَائِذ من خَوْفِنَا ... بالوَسْمِ مَنْزِلَةَ الذلِيل الصّاغر
يَخْشَى الرِّيَاحَ بأن تَكُونَ طليعةً ... أوْ أن تكون به عقوبةُ بادر
قال المتنبي: لَوْ كَانُ يُبْلِي السَّرطَ تَحْرِيكٌ بَلِي قال أبو الفتح: أي هو في النحول والضمر كالسوط وهو مستحب في الكلب، فكما أن تحريك السوط لا يؤثر فكذلك عدو هذا الكلب لا ينال منه ولا ينقصه.
قال أبو القاسم: ليس يعني جسم الكلب ولا يصفه وإنما يصف ذنب الكلب فلذلك شبهه بالسوط، وأول القطعة:
ذِي ذَنَبٍ أجْرَد غَيْر أعْزَل ... كَأنَّهُ من جسمهِ بمَعْزِلِ
لو كانَ يُبْلِي الّسَّوْط تحريكٌ بَلِي قال المتنبي:
أنْتَ نقيضُ اسمِهِ إذاَ اختلف ... فَوَاضِبُ الهِنْدِ وَالقَنَا الذُّبُلُ
قال أبو القاسم: قول المتنبي أنت نقيض اسمه كان اسم الممدوح بدر بن عمار والبدر يسمى لتمام دائرته وامتلائها كالبدرة لتمام العدد ومنتهاه، وضده المحاق لتمحق دائرته ونقصانها أي إذا توسطت الحرب محقت الأعداء قتلًا وأسرًا.
وقال المتنبي:
وإنِّي لتَعدُو بِي عَطَايَاك في الوَغَى ... فَلاَ أنَا مَذْمُوم أنْتَ نَادِمُ
على كلّ طيَّار إليها بِرِجْلِه ... إذَا وَقَعَتْ فِي مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِم
قال أبو الفتح: أي عدوه في سرعة طيران الطائر، وفيه طرف من قول القائل:
جاء كلمع البرق جاشَ ماطره ... تَسبحُ أُولاهَ وَيَطْفُو آخِره
مَا إنْ يَمَسُّ الأرضَ إلاّ حَافِرهُ قال أبو القاسم: المعنى مخفى بحاله وإنما معناه أنك مما قدت إلي في عطاياك من الخيل تعدو بي في الحروب فلا أنا مذموم بالجبن والخور ولا أنت نادم على عطاياك لحسن بلائي وغنائي. والبيت الثاني وهو على كل طيار إليها برجله ليس بينه وبين قول الراجز مشابهة. ومعنى الطيار المسرع ومنه.
طَارُوا إليه زَرَافَاتِ وَوُحْدَانَا
1 / 18