يُغَيِّرُ ألوانَ الليالي على العِدى ... بِمَنشورةِ الراياتِ مَنْصورَةِ الجُّنْدِ
قال أبو الفتح: أي عادة الليالي السواد فإذا سارت عساكره والنيران معها إما للاستضاءة أو لإحراق بلاد أعاديه زال سواده وتغير لونه.
قال أبو القاسم: ليس للاستضاءة والإحراق فائدة ولا عرف في الشعراء وإنما معنى البيت قول مسلم بن الوليد:
إذا غَزَا بَلَدًا سارَتْ عَساكِرُهُ ... كالليل أنْجُمُهُ الخِرْصانُ والأَسَلُ
وإنما عنى المتنبي أنه يشق ظلمة الليل ويجوب سواده بلألاء الحديد ملبوسه ومسنونه.
وقال المتنبي:
إذا ارْتَقَبوا صُبْحًا رَأَوْا قَبْلَ ضَوْئِهِ ... كَتائِبَ لا يَردى الصَّباحُ كما تِرْدي
قال أبو الفتح: هذا البيت تفسير الذي تقدمه وشبهها بالصباح لسرعتها وانتشارها.
قال أبو القاسم: ليس بين البيت وبين ما تقدمه مناسبة بل كل واحد منفرد بذاته قائم بمعناه. ومعنى البيت إذا بايت ابن العميد الأعداء فراقبوا الصبح خائفين وقوع الغارات عليهم رأي الأعداء قبل انفجار الصبح كتائب تنتشر زحفًا وجمعًا والعرب تتغاوَ صباحًا وتتنادى عشاءً، ويقولون هم فرسان الصباح ومصابيح العشي، قالت الخنساء:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشمس صَخْرًا ... وَأذْكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمْسِ
وقال المتنبي: سَيْفُ الصدود على أعلى مقلَّدِهِ قال أبو الفتح في الفسر الكبير: المصراع الثاني من هذا البيت ساقط ولم أقرأه في ديوانه، قال أبو القاسم أنشدني الدهم من الرواة بديار ربيعة ومضر، والشام، وشيراز، مصراع هذا البيت وهو:
سيفُ الصدودِ عليَّ أعلى مُقلّدهِ ... ولَحْظُهُ منهُ أدنى من مُجَرَّدِهِ
وقال المتنبي:
وَأجفَلَ بالفراتِ بذو نُمَير ... وَزَأرُهُمُ الذي زَأروا خُوارُ
فَهُمْ حِزَقٌ على الخابورِ صَرعى ... بهم من شُرْبِ غيرهم خُمارُ
قال أبو الفتح: أي قصد غيرهم فظنوا أنه أرادهم فأجفلوا بين يديه فتقطعوا.
قال أبو القاسم: ليس معنى البيت ما أراده وإنما أراد أن بني نمير صالوا صولة الأسد جرأة وإقدامًا فلما لاقيتهم سقتهم سوق البقر انسلالًا منك ومخافة لبأسك كما قال في أخرى:
ألَمْ يَحذروا مَسْخَ الذي يَمْسَخُ العِدى ... وَيجعَلُ أيدي الأُسْدِ أيدي الخَرانِقِ
وقال في أخرى:
أُسْدٌ فَرائِسُها الأسودُ يقودُها ... أسدٌ تصيرُ لهُ الأُسودُ ثَعالِبا
والبيت الثاني أنه أراق دماءهم فهو شاربهما وهم مطروحون بالعراء كمن به الخمار. فأما الخمار فإنما قالته العرب من لفظ الخمر واشتققته منه ولم يقولوا به نباذ كما قالوا به خمار لأن النبيذ ليس من كلام العرب. وضموا الخاء من خمار لأنه جار مجرى الأدواء كالصداع والزكام ولم يشذ عن هذا الباب إلا حرفه رواه أبو عمرو الشيباني بالفتح وهي السواف لداء يصيب الإبل والأصمعي يرويه بضم السين وأنشد:
أفي نابينِ نَالهُما سُوافٌ ... تَأَلَّتْ طَلَّتي ليسَتْ تَنامُ
وأما الحران والخلاء فأعطوه الكسرة وهي للعيوب. وأما الفتحة فجعلوها للمصادر كالذهاب لكثرتها في الكلام. والخمر اشتقاقها من ثلاثة أشياء قال أبو عبيد لأنها تخامر النفوس أي تخالطها ومنه خامرني الهم. وقال غيره سميت خمرًا لأنها تخمر العقول أي تسترها والخمرة السجادة لأنها تخمر مكانها أي تستره وإليه يرجع معنى الخمار لمقنعة النساء. وأنشد الأصمعي في كتاب الأبيات.
وداهيةٍ جَرَّها جارِمٌ ... جَعَلْتَ رِداءَكَ فيها خِمارا
أي جللت بسيفك رؤوس القوم بالضرب، وقد أخذ هذا المعنى بعض المحدثين وكشفه فقال:
سَقَيْتَ سِمامَ الرُّقْشِ بالبيضِ فَحْلَها ... وَجَلَّلَتْهُ بالبأسِ والصّارِمِ الهندي
وقيل في الخمر إنها لذكاء رائحتها وطيبها من الخمرة وهي الرائحة الطيبة.
وقال المتنبي:
كأنّ شعاع الشمس فيهِ ... ففي أبصارنا عنهُ انكسارُ
قال أبو القاسم: قول المتنبي ليس ينكشف به المعنى ولا ينشرح له الصدر وهو مما استبشع منه. وأنشد الأصمعي في كتاب الأبيات لبعض العرب يذهب مذهب الشنآن والبغضاء إلا أن البيت ليس عليه مزيد في جودة اللفظ واتساق النظم ووضوح المعنى وهو:
1 / 13