فقالت: وما حاجة الراحل إلى جنيات البحر بالطعام البشري؟ - لكي تقويك في الطريق إلى البحر.
ثم تنبهت إلى أمر فسألتني: هل يكون خادمك هنا في النهار؟ - ثقي أني سأدفع له أجرته في الباب وأقول له : إني مسافر ولن أعود. - بل قل له أن يعود غدا. فلماذا تتركه؟ - أما اتفقنا على السفر معا إلى دار جنيات البحر؟ - لا لا. افتكرت أنه لا يليق بي أن ترى جثتي مع جثة شخص آخر، ولا سيما إذ لا علاقة لي بهذا الشخص. - صدقت. لا يليق. إذن أعدك أني أدعهم يرون جثتي في شاطئ آخر بعيد. - ولماذا تفرط بنفسك وما زلت في شرخ شبابك؟ - ولماذا أنت يا سيدتي تفرطين بشبابك وأنت في الدور الملائكي السامي؟
فتململت وقالت: هذه مسألة أرجو أن تتحاشاها. ثم هل تعرفني من قبل؟ - كلا يا سيدتي. وما زلت لا أعرفك. - حسنا. أود ألا تبحث عن هويتي بتاتا. - لا أبحث. ثقي أني لا أخالف لك أمرا. - في أي حي نحن الآن؟ - في حي كذا.
فقال الثاني على الفور: في أي حي منزلك؟
فقال الأول: هذا السؤال مثل قولك: ما اسمك ومنزلك وصفتك ... إلخ.
فقال الثاني: عذرا يا سيدي. لقد وقع مني هذا السؤال سهوا بسبب تسلسل الحديث. إن حكايتك يا سيدي مؤثرة، ثم ماذا؟ - فقالت: أخاف أن يعرف بي الجيران.
فقلت لها: لا أعرف أحدا منهم ولا يعرفني أحد. وإذا شئت فننتقل من هنا بعدئذ. - متى بعدئذ؟ في النهار لن أخرج من هنا. وفي الليل إلى الصخور.
فقلت: صدقت. لم يبق من العمر إلا يوم.
فقالت: ولكني مستغربة لماذا تريد أن تغرق نفسك؟ - عندي سبب يوجب الانتحار يا سيدتي. - أينتحر شاب مثلك مستقل حر يستطيع أن يفعل ما يشاء؟
فقلت متوسما حسن المستقبل: هل أستطيع أن أجبر شخصا على أن يحبني؟ - إذن قصتك قصة حب. - وهل ينتحر الرجل لغير الحب يا سيدتي. - ولماذا تجبر شخصا على حبك؟ - لأني أحبه. - ولماذا تحب من لا يحبك؟ - ليس هذا في اليد يا سيدتي. الحب سلطان لا يقدر أن يعصاه إنسان. - وهل إذا لم تحبك من تحبها تنتحر لأجلها؟ - لا. لست أنتحر لأجلها بل أنتحر لأني جربت كل علاج لكي أنساها أو أبغضها أو أشفى من حبها فلم أجد علاجا ناجعا غير الانتحار. - إذن ما زلت تحبها حتى الآن. - كلا يا سيدتي. بل بقيت أحبها إلى أن رميت بنفسي في البحر، ثم عدت منه فإذا بي شفيت من حبها. - حسنا. إذن لماذا تزمع أن تغرق نفسك الليلة القادمة في البحر؟ - لأني أصبت بحب آخر أصعب من الحب الأول.
Bog aan la aqoon