فعمل الإعراب: هو تفكيك الجملة - بعد أن وجدت - وعمل الإنشاء هو خلق تلك الجملة قبل أن توجد، هذا يفهمك مواقع الكلمات ووظيفتها؛ فيفكك أوصال الجمل للوصول إلى غرضك، وذلك يعلمك كيف تنشئ الجمل إنشاء من العدم لتؤدي المعاني المطلوب أداؤها منك، هذا هدم وذلك بناء، أو - بعبارة أخرى - هذا يمثل الفناء وذلك يمثل الخلق.
واعلم أنك - إذا عنيت بالنحو والإعراب وما إليهما، وشغلت نفسك بمراعاة مواقع الفاعل والمفعول، ونحو ذلك من كل جملة أثناء الكتابة؛ التوى عليك القصد وفسد المعنى، وجاءت كتابتك آية من آيات المسخ والتكلف والتشويه، ووقفت تلك القواعد التي تحسبها معينة لك - عقبة كأداء في سبيل نجاحك وتفوقك في الإنشاء.»
الطالب : «شد ما أدهشني يا سيدي الأستاذ! لقد كنت - إلى هذه اللحظة - أرى قواعد النحو والصرف أكبر معين لي على إدراك طلبتي!»
المدرس : «إنك إذا أتقنت النحو والصرف وصلت إلى نتيجة أخرى، وهي تعرف صحة الجمل، وتمييز الخطأ والصواب فيما تقرأه من الكلام، ولكن هذا كله لا يفيدك في تنظيم أغراضك، ولا يعدل من طريقة تفكيرك وكتابتك، بل أنا أقول لك: إن انشغال بالك بالنحو والصرف، وانصرافك إلى التفكير فيهما - أثناء الكتابة - قد يضرانك أشد الضرر، وربما جعلاك حذرا خائفا تتوقع الخطأ في كل جملة تكتبها أو تقولها.»
الطالب : «إذن يجدر بي أن ألقي بكتب النحو والصرف، وأن أركن إلى نفسي ما دمت في غير حاجة إليها!»
المدرس : «إنك - إن فعلت ذلك - ارتكبت أشنع الخطأ؛ فإن لهذه الكتب فائدة كبيرة، وحاجتك إليها شديدة - على شرط أن تستعملها في مكانها ووقتها الملائمين - ولكن هذه الكتب - بعد ذلك - لا تجدي في الإنشاء، ولا علاقة لها بضعفك أو تفوقك في هذا الفن، لأن النحو شيء والإنشاء شيء آخر!» •••
الطالب : «فبماذا إذن أسترشد، وبأي دليل أهتدي للوصول إلى غايتي في فن الإنشاء؟»
المدرس : «ليس لك إلا مرشد واحد، وهو انتهاج طريق الكتاب الممتازين، والإكثار من مطالعة كتاباتهم، وتفهم أسلوبهم الرصين وعباراتهم الرشيقة، أمامك رجال الفكر العربي، وأساطين الكتاب الممتازين - في مختلف العصور - فاقرأ كلامهم واستوعب كتابتهم؛ فإنك بذلك واصل إلى بغيتك.»
الطالب : «ألا يتفضل سيدي الأستاذ بذكر نخبة يختارها لي من أقوال الكتاب الذين يعنيهم؟»
المدرس : «إنهم كثيرون، وإني أذكر لك من هؤلاء الكتاب - على سبيل المثال - ابن المقفع، وأبا الفرج الأصبهاني، وعلي بن عبد العزيز الجرجاني، وعبد الحميد.
Bog aan la aqoon