وقد كان علماء الدين الإسلامي متغطرسين مفرطين في التعصب الأعمى، والطمع في إحراز القوة، فلم يشاءوا أن يرأسهم أحد في المملكة، فأما في زمن هشام (788-796) - خلف عبد الرحمن - فقد رأوه أميرا وفق ما يتمنون، إذ كانت تقواه وورعه مما لا يدع لهم مجالا للكلام، وكان على شاكلتهم فاهتم بشئونهم. وأما الحكم (896-822) فقد كان أقل منه مراعاة لهم. نعم إنه أكرم رجال الدين وبجلهم، ولكنه أراهم في الوقت نفسه أنه لن يسمح لهم بالتدخل في الشئون السياسية مطلقا؛ فنقموا عليه - وعلى رأسهم يحيى بن يحيى الشرس - وأجابوه بالتهديد والإهانات، واستثاروا جمهور قرطبة، ولا سيما الصابئين - وكانوا في الجزء الجنوبي من المدينة وهو المسمى بالربض - ليقوموا في وجه ذلك الظالم وجنوده السفهاء، وفي ذات يوم من أيام رمضان (198ه) (مايو سنة 814) وجد الحكم نفسه وقد أقصيت عنه حاشيته وحاصره الغوغاء الصاخبون في قصره، ولكن شجاعته لم تفارقه، وقد أنجاه من مأزقه الخطر الذي كان فيه، برودته وإسراع جيشه المدرب لإنقاذه. وكان نصيب تلك الضاحية الثائرة أن دكها دكا، ونفى من سلم من القتل من أهلها إلى بلاد بعيدة، وبلغ عددهم نحو ستين ألف نسمة، والحق أن المجرمين الأصليين لم يقعوا تحت طائلة العقاب.
ثم كف الحكم عن اضطهاد رجال الدين الحانقين الذين شعروا بأنهم يستطيعون أن يصلوا منه باللين إلى ما أخفقوا في الحصول عليه بالقوة، وإذ كان أغلبهم من العرب أو البرابرة، فقد بثوا الدعوة الشديدة في الناس لاحترام الحكم، فأعاد إليهم قوتهم في الحال.
وفي زمن عبد الرحمن الثاني (822-852) أدار دفة السياسة الملية يحيى بن يحيى زعيم الثورة بنفسه، وتولى توزيع مناصب القضاء كما أراد.» ا.ه •••
هذا هو الجزء الذي تناول فيه الأستاذ نيكلسون الكلام عن الإسلام في إسبانيا، ولما كنا لا نستطيع مناقشته في كل ما قاله، لكثرة الأغراض الأخرى التي نريد الكلام عنها، فإنا نكتفي بمناقشة أهم تلك النقط الآن، وحسبنا أن نلقي بنظرة سريعة على ما قاله:
فأما أسلوبه فهو دائما لا يتغير؛ أسلوب موجز حافل بالمعاني كما رأيتم، وكما ترون في كل ما ننقله لكم عنه، وأما النتائج التي نخرج بها من هذه القطعة فإننا نسوقها ممزوجة بآراء غيره من المؤرخين، مع إبداء ملاحظاتنا على أهمها إيجازا للكلام، فنقول: يتبين لنا مما مر ما يلي:
أولا:
قوة نفوذ الفقهاء وهيمنتهم التامة على عقول العامة.
ثانيا:
رغبتهم الشديدة في الاستئثار بكل شيء، والتداخل في كل أمور المملكة تقريبا.
ثالثا:
Bog aan la aqoon