ولولا ذلك لحصرت كل انتباهك وقواك في حاسة البصر، ففطنت إلى حيلتنا، ولكن أقوالنا تقسم انتباهك، وتضطرك إلى الإصغاء والنظر في آن واحد، فتتقاسم قواك حاستان لا حاسة واحدة.
وقد دلتني تجاربي على أنه أسهل على الإنسان أن يخدع النظر من أن يخدع الأذن؛ فإن أكثر الناس يستطيعون أن يضبطوا حاسة النظر كما يريدون.
ومن الغريب المدهش في الأفراد أننا نجد من السهل علينا جدا أن نخدع المتعلمين ونرى خداعهم أيسر من خداع العامة، ويرجع ذلك إلى تعمق العالم في نظرياته العلمية التي درسها لاستنباط فكرة غريبة يعلل بها غرابة ما رآه، أما الفرد العادي فإنه لجهله النظريات العلمية تجده يفكر دائما تفكيرا عاديا بسيطا، وقد يهتدي بذلك إلى الحقيقة.
ولهذا السبب عينه نتحاشى ونجبن عن اللعب أمام الأطفال؛ لأن عقل الطفل يتشكك بمجرد رؤيته شيئا لا يفهمه فيصعب علينا خداعه.
وبهذه المناسبة أذكر ما حدث لي مع المستر «روزفلت»، فقد كنا عائدين معا من لندن على باخرة واحدة، ولم يكن قد أعلن من قبل عزمه على السفر، ولا عن اسم السفينة التي أزمع أن تقله، ولكني حين ذهبت لابتياع تذكرة أخبرني الكاتب أن المستر «روزفلت» مرافقي في هذه السياحة؛ فسرني ذلك بالطبع، وعلمت أنهم بلا شك سيدعونني لإظهار بعض مدهشاتي أمامه، فعزمت في هذه المرة على إبداء شيء طريف لهذا السيد.
وكان المستر «روزفلت» قد رسم خريطة وبين فيها اكتشافاته، وأرسلها إلى إحدى الصحف الإنجليزية، وأمر أن تنشر بعد أن تقلع السفينة بثلاثة أيام، ولم يعلم أحد بأمر هذه الخريطة إلا المستر «روزفلت» وشخص واحد، أو شخصان فقط، فاعتزمت أخذ صورة منها لأفاجئه بها.
أما كيفية حصولي على نسخة منها فأرجو أن يعفيني القارئ من ذكره، وحسبي أن أؤكد له أنني حصلت على نسخة منها بسهولة.
وفي اليوم التالي طلب إلي أن أعرض عليهم بعض الألعاب، وأن أجيب عن بعض الأسئلة، وقد كنت متحققا من أن بعض الحاضرين سيطلب إلي أن أرسم الخريطة التي فيها اكتشاف المستر روزفلت، ولم يخطئ ظني؛ فقد سألني المستر «تيدي» - والضحك ملء فيه - نفس هذا السؤال، وهو واثق من أنه قد عثر على أمر لن أهتدي إلى حله، ولما شرعت في رسمها جحظت عيناه وظهر عليه من الدهشة والاستغراب والعجب ما لم أره على أحد في حياتي قط ثم اندفع إلي قائلا: «ويلك يا خبيث! ذلك أقصى ما يصل إليه عجائبي من الإغراب والحذق!»
2
وأنت حين تأتي بما يعده الناس مستحيلا
Bog aan la aqoon