وليست هذه المناظرة على الحقيقة - إن صح أن نسميها مناظرة - إلا نضالا بين مذهبين، وحربا بين مدرستين؛ مدرسة الكوفيين، ومدرسة البصريين أساتيذهم، ممثلتين في شخصي الكسائي زعيم علماء النحو في الكوفة، وشيخ مدينة السلام، وسيبويه زعيم علماء النحو في البصرة، وتلميذ الخليل بن أحمد بن سيد أهل الأدب - كما كانوا يلقبونه - وقد لعبت الأهواء من سياسة وغيرها في تغليب رأي الكسائي على رأي سيبويه.
4 •••
على أن فضل سيبويه ذائع - رغم انتصار الكسائي عليه - وكتابه الذي ألفه في النحو لم تبل جدته إلى اليوم، ولا يزال كتاب نحو وأدب معا، وأسلوبه في أعلى طبقات البلاغة، وقد كان المبرد يقول لمن يريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه: «هل ركبت البحر!» تعظيما لشأنه. وكان الزجاج
5
يقول: «إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة.»
وقال الجرمي:
6 «أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه.».
7
وقال المازني: «من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح.» •••
وقد كتب سيبويه هذا الكتاب الخالد في الوقت الذي كان فيه الكسائي منصرفا إلى المناصب والاتصال بالخليفة، والدعاية لنفسه بأنه العالم الفذ الذي استنفذ خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب، وأن هذا زيادة على ما حفظه، إلى آخر هذه الدعاوى الفارغة التي لا يعنى بها المنصرفون إلى العلم حقا، والتي هي أشبه بالإعلانات التجارية، وهذا أسلوب فذ في الدعاية لجأ إليه الكسائي - في جملة ما لجأ - للوصول إلى الشهرة.
Bog aan la aqoon