وعن ابن عباس ﵄ قال١: "إن مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور، عرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، ففي كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء؛ فذلك قوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ ٢" رواه عبد الرزاق وابن المنذر والطبراني والحاكم ٣.
قال ابن القيم ﵀ لما ذكر هذه الأحاديث وما في معناها قال: فهذا تقدير يومي، والذي قبله تقدير حولي، والذي قبله تقدير عمري عند تعلق النفس به، والذي قبله كذلك عند أول تخليقه وكونه مضغة، والذي قبله تقدير سابق على وجوده لكن بعد خلق السموات والأرض، والذي قبله تقدير سابق على خلق السماوات والأرض ٤ بخمسين ألف سنة. وكل واحد من هذه التقادير كالتفصيل من التقدير السابق. وفي ذلك دليل على كمال علم الرب وقدرته وحكمته وزيادة تعريفه الملائكة وعباده المؤمنين بنفسه وأسمائه. ثم قال: فاتفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد؛ ولهذا لما سمع بعض الصحابة ذلك قال: ما كنت بأشد اجتهادا مني الآن. وقال أبو عثمان النهدي لسلمان: لأنا بأول الأمر أشد فرحا مني بآخره، وذلك لأنه إذا كان قد سبق له من
_________
١ لفظ (إن مما خلق الله لوحا محفوظا) من مخطوطة الحصين.
٢ سورة الرحمن آية: ٢٩.
٣ هذا نص الحديث كما ورد في مخطوطة الحصين.
٤ هذا نص مخطوطة الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وهو المطابق لما في "شفاء العليل" في مسائل "القضاء والقدر والحكمة والتعليل" لابن القيم.
1 / 246