85

والمختار كما عرفت أن مفاد الصيغة بالانصراف الإطلاقي هو الإرادة المطلقة المسماة بالوجوب ، وحينئذ فلا بد من حمل الصيغة عند عدم القرينة عليها في جميع المقامات من دون حاجة إلى إحراز مقدمات الحكمة كما هو واضح.

نعم لا بد من إحراز كون الكلام صادرا بفرض التفهيم لا على وجه العبث واللغو وهو أصل عقلائي موجود في كل كلام صادر من المتكلم العاقل الشاعر ، والدليل على ذلك أنه لا يصير حجة العبد المخالف للأمر في قبال قول المولى : ألم أقل لك افعل كذا؟ عند العرف والعقلاء أن يعتذر بعدم إحراز كون الأمر واردا في مقام البيان ، أو يعتذر بأن الصيغة موضوعة للأعم ولم يقم قرينة على خصوص الوجوب.

ويجري نظير هذا النزاع في القضية المسورة بالكل فإنه قدسسره ذهب إلى أن كلمة «كل» موضوعة لاستيعاب تمام أفراد المراد من مدخولها ؛ فإن كان المراد هو المقيد فهو لاستيعاب أفراد المقيد ، وإن كان هو المطلق فهي لاستيعاب أفراد المطلق فهذه الكلمة إنما هي نافعة فيما إذا احرز بمقدمات الحكمة كون المراد هو المطلق ؛ ضرورة أنه لو لم يحرز ذلك احتمل أن يكون المراد هو المقيد ويكون الاستيعاب متعلقا بأفراده ، مثلا لو قيل : أكرم كل رجل ، فلا شك أن مفاد لفظ الرجل هو الطبيعة اللابشرطية المقسمية ، فكلمة «كل» إنما هي مفيدة فيما إذا احرز كون المراد من اللفظ مطلق الرجل ، لا فيما إذا احتمل أن يكون هو الرجل الطويل أو العالم.

وذكر ذلك في حاشيته على الرسائل عند حمل مطلقات أخبار الشك بعد المحل على باب الصلاة ؛ لكونه المتقين منها فذكر ما حاصله : إن قلت : مقتضى قوله عليه السلام : «كلما خرجت من شيء ودخلت في شيء آخر فشكك ليس بشيء» هو العموم بالنسبة إلى كل باب ، فالجواب أنه إذا لم يحرز أن يكون المراد من مدخول الكل هو المطلق وكان المتيقن منه باب الصلاة فالعموم المستفاد من لفظ الكل إنما هو بالنسبة إلى هذا الباب لا غير.

والمختار أن كلمة «كل» قد وضعت لأن يستوعب تمام ما لمدخولها من الأفراد ، ومفاد المطلق وإن كان هو الطبيعة اللابشرطية المقسمية ، لكن أفراد المقيد كما يكون

Bogga 88