المقتضي بناء على عدم جريان الاستصحاب فيه.
فالأول مجرى الاستصحاب ، وعلى الثاني إما يكون عالما بحقيقة التكليف أعم من أن يكون عالما بجنسه دون نوعه كما لو علم بوجوب هذا أو حرمة ذاك ، أو علم بأن هذا إما واجب وإما حرام ، ومن أن يكون عالما بالجنس والنوع معا كما لو علم بأن الواجب إما هذا وإما ذاك ، أو لا يكون عالما بحقيقة التكليف الذي هو الإلزام فضلا عن نوعه ، فالثاني مجرى البراءة ، والأول إما يمكن فيه الاحتياط أولا ، فالأول مجرى الاحتياط كما لو علم بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر ، أو علم بوجوب الظهر أو الجمعة مثلا وكان الوقت واسعا لهما ، والثاني مجرى التخيير كما لو علم بالوجوب أو الحرمة في شيء واحد أو علم بوجوب الظهر أو الجمعة مثلا ولم يسع الوقت إلا لأحدهما.
فإن قلت : إن المقسم وهو المكلف الملتفت أعم من المجتهد والمقلد والحال أن بعض الأقسام مختص بالمجتهد كما في الأمارات والاصول ؛ فإن الأمارات حجيتها مختصة بالمجتهد لوضوح عدم قدرة المقلد على الاستنباط ، وما سوى الاستصحاب من الاصول أيضا واضح اختصاصها بالمجتهد ؛ لتوقف إجرائها في مواردها على الفحص عن البيان والدليل وعدم الظفر به ، وليس الفحص من شأن المقلد.
وكذا الكلام في الاستصحاب في الكليات ؛ فإن إجرائه أيضا يتوقف على اليأس عن الدليل بعد الفحص عنه ، وأما في الجزئيات وإن كان المجتهد والمقلد فيها على السواء إلا أن المقصود بالبحث في هذا الفن هو القسم الأول ولا يبحث عن الاستصحاب في الجزئيات إلا استطرادا.
لا يقال : كيف يختص مثل ذلك بالمجتهد والحال أن نظره فيها حجة على المقلد ، ولو كان العمل بمقتضاها من الشئون الخاصة به لم يكن للمقلد فيها حظ وإن كان بتقليد المجتهد ، كما هو الحال في سائر المختصات به كالقضاء والإفتاء وحفظ مال الغائب ؛ فإنها وظيفة المجتهد وهو المخاطب بها خاصة وليس للمقلد تصدي هذه الامور وإن كان بالتقليد عن المجتهد.
Bogga 356