235

أبطلنا القول بالجواز عقلا والامتناع عرفا في المبحث المتقدم.

الثالث : ربما يقال بتعميم ملاك النزاع للنهي التحريمي والتنزيهي والنفسي والغيري والأصلي والتبعي ، والمراد بالأصلي ما كان مدلولا بالدلالة الاستقلالية المطابقية ، وبالتبعي ما كان مدلولا بتبع الدلالة على شيء آخر كما يستفاد من قوله : انصب السلم ، مطلوبية الكون على السطح انتقالا من المعلول إلى العلة.

أقول : الحق عدم كون التنزيهي محلا للنزاع ، ووجهه أن المفروض كون العنوان من حيث الذات مشتملا على المصلحة الوجوبية المانعة من النقيض ، وهذه المصلحة لا تزاحمها إلا المفسدة التحريمية المانعة من النقيض أيضا ، لا المفسدة الكراهية الغير المانعة عنه المشوبة بالرخصة في الفعل ؛ فإن هذه لا يعقل أن تصير مزاحمة للجهة الوجوبية ومسقطة لها عن التأثير.

وبعبارة اخرى : الجهة الكراهية تقتضي كون الفعل خلاف الأولى وهو غير مناف للعبادية ، وإنما المنافي لها كونه معصية ، ولهذا تراهم يسمون العبادات التي تعلق بها النهي التنزيهي بالعبادات المكروهة ؛ فإن معنى ذلك أنها صحيحة ، غاية الأمر كونها أقل ثوابا ، ولم يعهد القول بفسادها من أحد حتى من القائلين بأن النهي في العبادات موجب للفساد ، فهذا دليل على خروج النهي التنزيهي عن تحت هذا النزاع.

وأما النهي النفسي التبعي فلا إشكال في دخوله في حريم النزاع كالأصلي بلا فرق ، وكذا الغيري أصليا كان أو تبعيا ، وإن كان ربما يتوهم خروجه استنادا إلى أنه لا عقاب على مخالفة مقدمات الواجب وأنها لا توجب البعد عن ساحة المولى ، فمبغوضيتها غير مؤثرة ، فليست بمانعة عن العبادية.

ولكنه مندفع بأن مقدمة الواجب وإن كان لا يوجب مخالفتها عقابا مستقلا عليها بمعنى أنه لو كان لواجب مقدمات عديدة ، فترك تلك المقدمات لا يوجب عقابات متعددة بعددها ، إلا أنه لا شبهة في إيجابها العقاب والبعد عن ساحة المولى من جهة ترك ذيها.

Bogga 238