141

وعلى هذا فالتكليف بالوضوء غير متوجه إلى جميع المكلفين ، بل هم على صنفين ، فمنهم من لا يغترف ومنهم من يغترف ، فالتكليف به متوجه إلى الصنف الثاني دون الأول ، ومن المعلوم أن التكليف بالوضوء بهذا الوجه لا يقتضي الاغتراف ولا عدمه ، بل المكلف بالخيار ، فإن شاء اغترف حتى يدخل في صنف من يغترف وإن شاء لم يغترف حتى يدخل في الصنف الآخر.

ويمكن الخدشة فيه بأنه لا شك في أن كون المكلف متصفا بالعنوان الانتزاعي أعني : كونه ممن يغترف لا يوجب رفع التكليف عن منشأ الانتزاع أعني : نفس الاغتراف في حقه ؛ ضرورة أنه لم يسلب عنه في تلك الحال الاختيار بالنسبة إلى الاغتراف وعدمه ، وإنما يسلب بعد حصول الاغتراف ، فقبله يكون التكليف بتركه ثابتا في حقه على وجه الإطلاق ، ثم التكليف بالوضوء المفروض اشتراطه بالوصف الانتزاعي الحاصل بالفعل ثابت في عرض ذلك التكليف أيضا على وجه الإطلاق ؛ لحصول شرطه ، فيعود إشكال اجتماع الضدين والتكليف بما لا يطاق.

نعم يمكن تصحيح الوضوء مع حرمة الاغتراف بدون التنافي على القول بالترتب في باب تزاحم الواجبين الذين أحدهما أهم من الآخر ، والمراد بالترتب تعلق أمرين بشيئين لا يمكن جمعهما على وجه يكون أحدهما في طول الآخر بأن يتوجه التكليف بالأهم على وجه الإطلاق ، وبغير الأهم على وجه الاشتراط بمخالفة التكليف الأول ، لا بمعني أن يكون التكليف الثاني ثابتا بعد ارتفاع التكليف الأول بعصيانه ، بل بمعنى اشتراطه بفرض مخالفة التكليف الأول.

مثلا من يتمكن من إنقاذ أحد الغريقين من عالم وجاهل في خمس دقائق يتوجه إليه التكليف بإنقاذ العالم في هذه الدقائق الخمس بلا شرط ، وبإنقاذ الجاهل في نفس هذه الدقائق أيضا مشروطا بفرض ترك إنقاذ العالم.

وكذا فيما نحن فيه يتوجه التكليف بترك الاغتراف بلا شرط ، وبالوضوء مشروطا بفرض حصول الاغتراف ، وهذا من المواضع التي يكون الشرط فيها مقارنا للعمل كمثال العدو المتقدم ، وعلى هذا فيرتفع التنافي من بين التكليفين بحيث

Bogga 144