وقد رأينا مما سبق أن الضمير يكشف عما في أنفسنا من مبادئ القانون الأدبي فلا يمكن والحالة هذه أن يخطئ ولا يمرن ولا يربى ولا يمكن أن يعد مسئولا عن أحكامنا الأدبية أو شعورنا؛ لأنه ليس إلا كشافا، وظيفته الإبانة فإذا أخطأنا في الحكم فما يكون الخطأ من الضمير ولكن من سوء ما فسرنا به المبادئ التي يبين عنها الضمير ومن خطأ في تطبيقها.
فيرى الافتطاريون أن الضمير إذن: (1)
افتطاري؛ أي يحكم مباشرة كما تحكم حاسة البصر والسمع وغيرهما؛ ولذلك فهو لا يحتاج إلى تهذيب بما أن الحق والباطل معروفان بالغريزة. (2)
لا يمكن تحليله إلى أصول أولية. (3)
عام؛ أي أنه موجود في الناس كافة. وأنه خلقي كسائر قوانا العقلية.
ولكن هذا الضمير في نظر الأنانيين والنفعيين هو الشعور بالألم الذي يسببه سوء السلوك؛ أي شعور الإنسان أنه بما أساء جدير باللوم أو العقاب لو تكشف الأمر للناس، وبما أننا نحاول تحصيل اللذة واجتناب الألم فالضمير إنما يتخير اللاذ ويتجنب المؤلم، وأنه ليس إلا شعورا بما يهم الذات.
فضميرنا على هذا هو صدى الرأي العام في نفوسنا أو صورة منبعثة منه عليها.
أهل هذا الرأي يرون أن الناس تحكم علينا قبل أن نحكم نحن على أنفسنا على أن الأمر على النقيض من ذلك؛ لأننا نمدح أو نذم أنفسنا بصرف النظر عن مدح الناس أو ذمهم إيانا، وإننا بشعورنا بصوابنا أو خطأنا نعبر عما يحكم الناس به على أعمالنا.
وعلى هذا الرأي أيضا ينبغي أن نشعر بالأسف والوخز لأي خطأ في سلوكنا ولو كان تافها لا للخطأ الأدبي وحده نظرا إلى أن ضمائرنا قد تتهمنا بالجرم والناس ترضى عنه أو ترتاح لعمل والناس تأباه.
فالضمير على هذا الاعتبار هو دستور أحكامنا الأدبية الثابت، فمبدأه ومنتهاه في ذات الفرد وحده ولكنه يستمد سلطته من تلك المفتطرات الأدبية أو المبادئ التي يكشف لنا عنها.
Bog aan la aqoon