Urjanun Jadid
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Noocyada
Acosta
وكثيرين غيره قد لاحظوا (بعد بحث دقيق) أن هناك مدا عاليا في الوقت نفسه على شواطئ فلوريدا وعلى الشواطئ المقابلة لها لإسبانيا وأفريقيا، وكذلك يوجد جزر خفيض في الوقت نفسه، وليس العكس، أي ليس هناك جزر خفيض بشواطئ إسبانيا وأفريقيا عندما يكون هناك مد عال بشواطئ فلوريدا، ورغم ذلك فإذا أنعمت النظر في ذلك لوجدت أنه لا يبرهن على حركة صاعدة ولا يفند حركة أمامية، فمن الجائز أن يحدث أن تتحرك المياه قدما بينما تغمر كلا الشاطئين بمدة ماء في الوقت نفسه، بمعنى أن تلك المياه معرضة لقوة وضغط من اتجاه آخر، مثلما يحدث في الأنهار، حيث يحدث المد والجزر على كلتا الضفتين في الوقت نفسه رغم أن الحركة أمامية بشكل واضح، حركة المياه الداخلة إلى فم النهر من البحر؛ لذا فمن الممكن بالمثل أن تدفع مياه آتية بكتلة كبيرة من المحيط الهندي الشرقي وتنغمد في حوض البحر الأطلنطي، وبذلك تغمر كلا الجانبين في الوقت نفسه، علينا من ثم أن نسأل ما إذا كان هناك حوض آخر يمكن للمياه من خلاله أن تفيض وتنحسر في الوقت نفسه، وهناك المحيط الجنوبي الذي يطرح نفسه للتو، والذي لا يقل عن المحيط الأطلنطي، بل هو أعرض وأوسع مما هو مطلوب لهذا الأثر.
ها نحن أولاء قد وصلنا إلى «المثال الفاصل» في هذا الموضوع، إذا ما تبين على اليقين أنه عندما يكون هناك مد عال في الشاطئين المتقابلين لكل من فلوريدا وإسبانيا في المحيط الأطلنطي، هناك في الوقت نفسه مد عال في شواطئ بيرو وقرب البر الرئيسي للصين في البحر الجنوبي؛ لوجب علينا إذن بهذا «الشاهد الفاصل» أن نرفض القول بأن المد والجزر (موضوع البحث) يحدث بحركة أمامية، فليس ثمة بعد أي بحر أو مكان آخر حيث يمكن أن يكون ثمة انحسار أو جزر في الوقت نفسه، ويمكن أن نعرف ذلك على نحو مريح للغاية إذا ما سئل سكان بنما وليما (حيث المحيطان الأطلنطي والجنوبي يفصلهما برزخ صغير) عما إذا كان المد والجزر على جانبي البرزخ يحدثان في الوقت نفسه أم العكس هو ما يحدث، أي إن المد يكون على جانب عندما يكون الجزر على الجانب الآخر، هذا الحكم أو الرفض يبدو يقينيا إذا سلمنا بأن الأرض ثابتة، أما إذا كانت الأرض تدور فربما يكون الحال هو أن دوران الأرض ودوران مياه البحر غير متساويين (في السرعة والقوة)، فيترتب على ذلك ضغط عنيف يدفع المياه إلى أعلى في كومة والتي هي المد العالي، يعقبه سقوط المياه (عندما لا يسعها أن تظل مكومة) والذي هو الجزر، يتطلب هذا بحثا منفصلا، ولكن بناء على هذا الافتراض يظل صائبا بالمثل أنه يتعين أن يكون هناك جزر في مكان ما في الوقت ذاته الذي يوجد فيه مد عال في أماكن أخرى.
افترض أيضا أن الطبيعة محل البحث هي الحركة الثانية من الحركتين اللتين افترضناهما، أي حركة البحر ارتفاعا وهبوطا، إذا رفضنا بالفعل - بعد تفحص دقيق - الحركة الأمامية، فسيكون لدينا عندئذ تفرع ثلاثي في الطريق: فالحركة التي ترتفع بها المياه وتهبط في جزرها ومدها دون إضافة مياه أخرى تتدفق فيها، تمضي بالضرورة بطريقة من ثلاث طرق، فقد تتسبب من أن كتلة عظيمة من الماء تنفجر إلى أعلى من جوف الأرض ثم تغطس فيه مرة ثانية، أو من أن كمية الماء ثابتة بلا زيادة، ولكن هذه المياه نفسها تمد أو ترقق بحيث تشغل مكانا وبعدا أكبر، ثم تنكمش بعد ذلك، أو لأن الكمية والامتداد لا يزيدان ولكن المياه نفسها (هي هي من حيث الكم والكثافة والخفة) تعلو وتهبط بواسطة قوة مغناطيسية معينة من فوق تشدها وتجذبها من خلال الاتفاق،
58
ولندع جانبا الحركتين الأوليين ونقصر بحثنا (من فضلكم) على هذا الاحتمال الأخير، ولنجر البحث فيما إذا كان ثمة أي علو مثل هذا بالاتفاق أو بقوة مغناطيسية، فمن الواضح أولا أن المياه جميعا هي قابعة في خندق البحر أو قاعه لا يمكنها أن ترتفع معا في الوقت نفسه، إذ لن يكون هناك شيء يحل محلها في القاع، فإذا كان للماء أي ميل من هذا القبيل إلى الارتفاع فلسوف تصده قيود الطبيعة وتكبحه، أو (كما يقال) لكي تمنع حدوث فراغ، ولا يبقى إلا تفسير واحد، وهو أن المياه تعلو في مكان، ولهذا السبب تهبط وتنحسر في مكان آخر. والحق أنه سوف يترتب على ذلك بالضرورة أنه ما دامت القوة المغناطيسية لا يمكن أن تعمل على الكل، فإنها تعمل بشدة أكبر على المركز فترفع المياه في الوسط، وحين ترتفع المياه في الوسط تنحسر عن الأجناب وتتركها عارية مكشوفة.
59
ها نحن قد وصلنا أخيرا إلى «شاهد فاصل» في هذا الموضوع، إذا وجد أثناء الجزر يكون سطح المياه في البحر أكثر تقوسا واستدارة، إذ ترتفع المياه في وسط البحر وتنحسر في الأطراف وهي الشواطئ، وأنه أثناء المد يكون نفس السطح أكثر استواء وانبساطا إذ تعود المياه إلى وضعها السابق. يمكننا إذن بهذا «الشاهد الحاسم» أن نقبل بالتأكيد فكرة الارتفاع بواسطة القوة المغناطيسية، وإلا فإن علينا أن نرفضها كليا، وبميسورنا تبيان ذلك باستخدام خيوط سبر في المضايق، أي تبيان ما إذا كان الماء أعلى وأعمق تجاه مركز البحر أثناء الجزر مما هو أثناء المد، مع ملاحظة أنه إذا صح ذلك، فإن الحقيقة (على عكس ما يعتقد) هي أن المياه تعلو في الجزر ولا تهبط إلا في المد؛ كيما تغطي الشواطئ وتغمرها.
وافترض بالمثل أن الطبيعة محل البحث هي حركة الدوران التلقائية، وبخاصة ما إذا كانت الحركة اليومية التي تطلع بها الشمس والنجوم في نظرنا وتغور هي حركة دوران حقيقية في السماء أم هي حركة ظاهرية في السماء ولكنها حركة حقيقية في الأرض، قد يكون لدينا «شاهد فاصل» في هذا الموضوع كما يلي: إذا وجدنا في المحيط حركة من الشرق إلى الغرب مهما كان ضعفها وبطؤها، وإذا وجدنا نفس الحركة على نحو أسرع قليلا في الهواء، وبخاصة داخل المنطقة الاستوائية حيث يسهل رصدها لأن محيطها أكبر، وإذا وجدنا الحركة نفسها في المذنبات الدنيا، وهي الآن في هيئة قوية وحيوية، وإذا وجدنا الحركة نفسها في الكواكب، وإن على نحو محصص ومدرج بحيث كلما قصرت مسافتها من الأرض كانت أبطأ، وكلما بعدت كانت أسرع، وتكون أسرع ما تكون في سماء النجوم. إذن علينا بالتأكيد أن نعترف بحقيقة الحركة اليومية في السماء، وأن ننكر حركة الأرض، إذ سيكون واضحا أن الحركة من الشرق إلى الغرب تمضي خلال الكون وتقوم على توافق الكون كله، وأنها تبلغ أقصى سرعتها في أعالي السماء، وتخفت بدرجات حتى تهن وتتوقف في النقطة غير المتحركة، أي الأرض.
لنفترض أيضا أن الطبيعة محل الدراسة هي حركة الدوران الأخرى التي كثيرا ما تحدث عنها الفلكيون، وهي الحركة المقاومة والمضادة للحركة اليومية، أي الحركة من الغرب إلى الشرق، التي يعزوها الفلكيون القدامى إلى الكواكب وإلى سماء النجوم أيضا، ولكن كوبرنيقوس وتلاميذه يعزونها كذلك إلى الأرض، ولكن لنسأل: هل ثمة أي حركة من هذا القبيل في الطبيعة؟ أم هي بالأحرى شيء مختلق ومفترض من أجل اختصار الحساب وتيسيره، ومن أجل تلك الفكرة الجميلة التي تفسر الحركات السماوية بواسطة الدوائر التامة؟ فهذه الفكرة عن السماء لم يثبت بأي حال أنها صادقة أو حقيقية، لا بإخفاق كوكب في العودة في حركته اليومية إلى نفس النقطة من الكرة السماوية ولا بالتفاوت بين أقطاب دائرة البروج وأقطاب الأرض، وهما الشيئان اللذان شجعا فكرة هذه الحركة؛ فالظاهرة الأولى تفسر أفضل تفسير بافتراض أن النجوم الثابتة تسبق الكواكب وتتركها وراءها، والثانية بافتراض حركة في خطوط حلزونية، فيكون التفاوت في العودة والانحدار نحو المنطقة الاستوائية تعديلات للحركة اليومية الواحدة وليس حركات معاكسة أو حركات حول أقطاب مختلفة. إن من المؤكد تماما لو أننا اتخذنا للحظة وجهة نظر الإنسان العادي (ونفضنا يدنا من أوهام الفلكيين والمدرسيين الذين دأبوا على مناوأة الحس المشترك بلا داع، وشغفوا بكل ما هو مبهم) أن الحركة تبدو للحس المشترك كالذي وصفته، والذي مثلته مرة على هيئة آلة مكونة من أسلاك حديدية.
Bog aan la aqoon