Urjanun Jadid
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Noocyada
وغيره - بالرياضيات، التي عليها أن تضع حدودا فحسب للفلسفة الطبيعية، لا أن تنشئها أو تخلقها، إنما الأمل في نتائج أفضل معقود على فلسفة طبيعية خالصة غير مشوبة. ••• (97) لم يوجد أحد حتى الآن هو من صحة العزم وصرامة الفكر بحيث أخذ نفسه بأن ينفض عنه جميع النظريات والأفكار الشائعة، ويستخدم عقله من جديد - مطهرا نزيها - في دراسة الجزئيات، هكذا تأتى أن يكون الفهم البشري الذي لدينا مجرد خليط مضطرب وكتلة فجة مجبولة من كثير من السذاجة والمصادفة والأفكار الطفولية التي تشربنا فيها صغرنا.
ولكن إذا جاء شخص ناضج السن، ذو فهم غير معاق وعقل مبرأ من التحيز، وانكب من جديد على الخبرة والجزئيات، فإن آمالا أكبر ستنعقد عليه، وفي هذه المهمة أبشر نفسي بمصير مماثل للإسكندر الأكبر، ولا يتهمني أحد بالغرور حتى يسمع القصة؛ لأن الشيء الذي أعنيه يهدف إلى محو كل غرور. يتحدث إسكينيز
Aeschines
73
عن الإسكندر ومآثره هكذا: «نحن بالتأكيد لا نعيش حياة الفانين، بل ولدنا لهذا: لأن تتحدث عنا الأجيال القادمة وتشيد بمعجزاتنا.» كما لو أنه يعد بطولات الإسكندر إعجازية، إلا أنه في العصر الذي تلا هذا نظر تيتوس ليفيوس إلى المسألة نظرة أفضل وأعمق، قائلا في الإسكندر ما معناه: «لم يفعل شيئا أكثر من أنه كانت لديه الشجاعة لاحتقار التوافه.» وأحسب أن الحكم نفسه سوف ينسحب علي في العصور القادمة: أنني لم أفعل أشياء عظيمة، بل - ببساطة - أسبغت قيمة أقل على الأشياء التي تعد مهمة، في الوقت نفسه - كما قلت آنفا - لا أمل إلا في ميلاد جديد للعلم، أي تشييده باطراد من الخبرة وبنائه من جديد، الأمر الذي لن يجرؤ أحد (في اعتقادي) على الجزم بأنه قد عمل حتى الآن أو خطر ببال. ••• (98) أما عن أسس الخبرة (إذ ينبغي أن نركز التفكير عليها) فقد ظلت حتى الآن إما لا وجود لها أو ضعيفة جدا، ولم يحاول أحد، أو يتم له، الحصول على مجموعة أو مخزون من الجزئيات حقيق من حيث العدد أو النوع أو الوثوق أن يزود العقل بمعلومات، أو واف على أي نحو من الأنحاء، إذ على العكس من ذلك تقبل أهل العلم (الكسالى الخاملون في الحقيقة) - في بناء فلسفتهم وتأييدها - روايات عن الخبرة أشبه بالإشاعات والأراجيف وأعطوها وزن الأدلة المشروعة، ولك أن تتخيل مملكة أو دولة تسير مستشاريها وشئونها بناء على أقاويل الشارع لا بناء على خطابات وتقارير من السفراء والمراسلين ذوي المصداقية، هذا بالضبط هو نوع الإدارة الذي أدخل في الفلسفة فيما يتعلق بالخبرة، لا يحتوي التاريخ الطبيعي على شيء تم بحثه كما ينبغي، لا شيء محقق، لا شيء محصى، لا شيء موزون، لا شيء مقيس، وكل ما غمض والتبس كملاحظة فهو خادع ومضلل كمعلومة، ومن يستغرب هذا القول ويظنه شكوى غير منصفة (فأرسطو - وهو نفسه رجل عظيم جدا ومدعوم من ملك عظيم جدا - ألف تاريخا دقيقا للحيوان، وغيره ممن يعملون بجد أكثر وصخب أقل قد أضافوا إضافات كثيرة، وسواهم قد ألفوا تواريخ ضافية وملاحظات عن النباتات والمعادن والمتحفرات)، من يقل ذلك فهو لم يفهم ما نحن بصدده على نحو صحيح، فرق بين تاريخ طبيعي مؤلف من أجل ذاته وبين تاريخ طبيعي يحصل لتزويد الذهن بمعلومات من أجل أن يؤسس فلسفة، فهما يختلفان من وجوه عديدة، ولكن أهم وجوه الاختلاف أن الأول يحوي تنويعات الأجناس الطبيعية فحسب بدون تجارب الفنون الميكانيكية، ومثلما أنه في مجال السياسة لا تنكشف شخصية الإنسان الحقيقية وخفايا عقله وطوايا ضميره إلا عندما يكون في أزمة، كذلك الحال مع الطبيعة: إن أسرار الطبيعة تكشف عن نفسها تحت مشاكسات الفن أسرع مما تكشف إذا تركت لحال سبيلها، ومن ثم فنحن لا نؤمل في فلسفة طبيعية إلا بعد أن يجمع التاريخ الطبيعي (الذي هو قاعدتها وأساسها) على نحو أفضل، وليس قبل ذلك. ••• (99) ومع وفرة التجارب الميكانيكية فقليلة جدا هي التجارب التي تضيء الفهم وتعينه على أفضل نحو، فالفني الميكانيكي - الذي لا يعنيه بحال استكشاف الحقيقة - قلما يوجه ذهنه أو يمد يده إلى أي شيء غير ذي نفع له في عمله، غير أن تقدم العلوم لا أمل في أن يتحقق ما لم يكتسب التاريخ الطبيعي ويراكم الكثير من التجارب التي هي غير ذات نفع في ذاتها، ولكنها - ببساطة - تساعد على اكتشاف العلل والمبادئ (القوانين)، وقد أطلقت على هذه التجارب
Experimenta Lucifera (تجارب النور، التجارب المضيئة)؛ لأميزها عن تلك التي أسميها
Expermenta Fructifera (تجارب الثمار، تجارب المنفعة والنتائج)، لمثل هذا النوع من التجارب خاصية وطبيعة مدهشة، إنها لا تخدع ولا تخيب على الإطلاق، فلما كانت تجرى لا لتحصيل ثمرة ما بل لكشف العلة الطبيعية لشيء ما، فإنها تلبي الغاية منها بنفس القدر أيا كان ما تسفر عنه ما دامت قد حسمت السؤال.
74 ••• (100) ولكن إذا كان علينا أن نبحث عن مخزون أكبر من التجارب ونحصل عليه، وعن تجارب من صنف مختلف عما أجريناه حتى الآن، فإن لزاما علينا أيضا أن ندخل منهجا مختلفا تماما ونظاما وعملية لمواصلة الخبرة والتقدم بها، فالخبرة التي تترك لتجول في مضمارها مرخاة العنان هي مجرد تحسس في الظلام (كما قلنا آنفا)، وهي تدهش ولا تخير، أما عندما تمضي الخبرة قدما بقواعد محددة
75
بنظام مطرد ودون انقطاع، سيكون لنا أن نعقد آمالا أكبر على العلوم. ••• (101) ولكن حتى بعد أن نحصل على هذا المخزون، من التاريخ الطبيعي والخبرة، الضروري لعمل الفكر أو للعمل الفلسفي، يظل الفكر عاجزا تماما عن أن يشتغل على هذه المادة بنفسه وبالاتكاء على ذاكرته، فشأنه في هذا كشأن من يريد أن يستظهر حسابات روزنامة ويحتفظ بها في ذاكرته، ورغم ذلك فما زال التأمل يقوم حتى الآن بدور أكبر من دور التدوين (التسجيل) في أعمال الاستكشاف، ولم تدون تجارب حتى الآن في صحائف، غير أن علينا ألا نقبل بأي طريقة للكشف بغير تدوين، وحين يدخل في الكشف نظام التدوين، وتتعلم الخبرة أن تقرأ وتكتب، سيكون لنا أن نعقد آمالا أكبر. ••• (102) وفضلا عن ذلك، فما دام هناك عدد هائل وجيش من الجزئيات، وما دام هذا الجيش مبعثرا منتشرا بطريقة تشتت الفهم وتربكه، فلا ينبغي أن نأمل كثيرا في المناوشات والتحرشات الضئيلة والحركات العابرة المضطربة من جانب الفكر، ما لم ننظم كل الجزئيات التي تتعلق بموضوع البحث ونصفها بواسطة قوائم للكشف ملائمة وجيدة التنظيم ومفعمة بالحياة (إن شئت)، فيشرع العقل عندئذ في العمل على هذه الخلاصات المنظمة من الوقائع التي تقدمها هذه القوائم. ••• (103) ولكن بعد أن نكون قد وضعنا أمام أعيننا هذا المخزون من الجزئيات على النحو المنظم القويم، ينبغي ألا نمضي مباشرة إلى بحث واستكشاف جزئيات أو أعمال جديدة، أو على الأقل إذا فعلنا ذلك فينبغي ألا نقر هناك قانعين بذلك، فرغم أننا لا ننكر أنه بعد أن توضع جميع التجارب لجميع الفنون وتنظم وتتاح أمام ملاحظة وحكم شخص واحد يكون انتقال التجارب من فن لآخر سببا لاكتشاف أشياء جديدة من شأنها أن تفيد المجتمع والجنس البشري من خلال ما أسميه
Bog aan la aqoon