Urjanun Jadid
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Noocyada
25
فبعد أن كرس جهدا كبيرا في دراسة الحجر المغناطيسي وملاحظته توجه للتو إلى تلفيق فلسفة كاملة أخضعها لموضوعه الأثير. ••• (55) أما أكبر الفروق بين العقول وأكثرها جذرية في مجال الفلسفة والعلوم، فهو أن بعض العقول أقدر وأميل إلى ملاحظة الفروق بين الأشياء، وبعضها الآخر إلى ملاحظة التشابهات بينها، فالعقول المدققة الدءوبة بوسعها تثبيت الانتباه وتركيزه فترات طويلة على كل فارق طفيف، أما العقول الرصينة الاستدلالية فبوسعها التفطن إلى أخف التشابهات وأعمها والمضاهاة بينها، وكلا الصنفين من العقول عرضة للشطط، سواء بالتشبث بالفروق التافهة أو بخيالات التشابه. ••• (56) ثمة عقول أشربت بإعجاب لا حدود له بالقديم، وعقول أخرى مغرمة بالجديد، وقلما نجد من يقف موقفا متوازنا فلا يبخس القدماء إنجازاتهم الصائبة ولا يزدري الإسهامات الوجيهة للمحدثين، وهذا خسران مبين للعلوم والفلسفة، فهذه ليست أحكاما مستبصرة بل مجرد ولوع بالقديم أو بالجديد، أما الحقيقة فينبغي ألا تلتمس في حظوة زمن بعينه، فهذا أمر غير مضمون، بل في ضوء الطبيعة والتجربة، وهو شيء أزلي، علينا إذن أن نجتنب مثل هذه الأهواء ونعيذ فكرنا أن ينساق إليها. ••• (57) إن ملاحظة الطبيعة والأجسام في أجزائها البسيطة من شأنها أن تكسر الفهم وتشتته، في حين أن ملاحظة الطبيعة والأجسام في تكوينها الكلي وبنيتها المركبة من شأنه أن يذهل الفهم ويوهنه، وهذا التمييز نراه في أوضح صورة عند مقارنة مدرسة ليوسيبوس وديمقريطس
26
بغيرها من الفلسفات، فهذه المدرسة مشغولة بالجزئيات بحيث أغفلت البنية إلى حد كبير، بينما المدارس الأخرى منبهرة بمشاهدة البنية فلا تكاد تنفذ إلى بساطة الطبيعة. ينبغي إذن أن نتناوب هذين الصنفين من الملاحظة، بحيث نجعل الفهم ثاقبا وشاملا في الوقت نفسه، ونتلافى العيوب المذكورة لكل من الطريقتين والأوهام التي تنجم عنها. ••• (58) كذا فليكن الحذر في الملاحظة، الكفيل بنفي أوهام الكهف، تلك الأوهام التي تنشأ في معظمها من غلو في التركيب أو شطط في التقسيم، ومن التحيز لعصور تاريخية بعينها، ومن كبر موضوعات الملاحظة أو صغرها،
27
وبصفة عامة: فعلى كل دارس للطبيعة أن ينظر بارتياب إلى كل ما يفتن عقله ويأخذ بلبه، وأن يجعل ذلك همه الأكبر في هذا الصنف من البحث؛ كيما يحفظ ذهنه صافيا ومتوازنا. ••• (59) غير أن «أوهام السوق»
idola fori
28
هي أكثر الأوهام إزعاجا، تلك الأوهام التي انسربت إلى الذهن من خلال تداعيات الألفاظ والأسماء؛ ذلك أن الناس يظنون أن عقلهم يتحكم في الألفاظ، بينما الحقيقة أيضا أن الألفاظ تعود وتشن هجوما مضادا على الفهم، وهذا ما جعل الفلسفة والعلوم مغالطة وعقيمة؛ لأن الألفاظ تكونت في معظمها لكي تلائم قدرة العامة من الناس، وهي تحدد الأشياء بخطوط تقسيم تسهل على الذهن العامي، وحالما أراد ذهن أكثر حدة أو ملاحظة أكثر تدقيقا أن تغير هذه الخطوط لتلائم التقسيمات الأصوب للطبيعة فإن الألفاظ تعترض الطريق وتقاوم التغيير، ومن ثم تنتهي الحوارات الرفيعة والجليلة - في كثير من الأحيان - إلى خلافات حول ألفاظ وأسماء؛ ولذا فمن الأسلم (اقتداء بحذر علماء الرياضيات) أن نبدأ منها ونضفي عليها النظام باستخدام التعريفات، إلا أن مثل هذه التعريفات لا يمكنها أن تعالج هذا الخلل إذا كان موضوع الدراسة هو الطبيعة والمادة؛ لأن التعريفات نفسها تتكون من ألفاظ والألفاظ تولد ألفاظا؛ ولذا فإن علينا أن نلجأ إلى شواهد محددة وإلى تسلسلها المطرد ونظامها، كما سنذكر حالا عندما نعرض للمنهج والطريقة فيما يتصل بتكوين التصورات والمبادئ. ••• (60) هناك نوعان من الأوهام تفرضهما اللغة على الفهم، وهما إما أسماء لأشياء لا وجود لها (فإلى جانب الأشياء التي تفتقر إلى أسماء؛ لأنها لم تلاحظ بعد، هناك أيضا أسماء تفتقر إلى أشياء؛ لأنها وليدة افتراضات خيالية لا تناظرها أشياء في الواقع)، وإما أسماء لأشياء موجودة ولكنها مختلطة وغير محددة؛ لأنها انتزعت من الأشياء على عجل ودون تدقيق، من الصنف الأول لفظ
fortune
Bog aan la aqoon