Unveiling the Truth and Righteousness regarding the Ruling of Hijab
إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب
Daabacaha
مطبعة سفير
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
٩٢
إظهار الحق والصواب
في حكم الحجاب
والتبرج، والسفور، والخلوة بالمرأة الأجنبية، وسفرها بدون محرم، والاختلاط
في ضوء الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح
تقديم معالي العلامة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
تأليف الفقير إلى اللَّه تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Bog aan la aqoon
تقديم معالي العلامة الشيخ الدكتور: صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه وبعد: فقد تصفحت رسالة (إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب) والسفور، وما يَتْبَعُ ذلك من مسائل تتعلق في حماية المرأة من دعوات الغربيين والمستغربين، فوجدت هذه الرسالة، والحمد للَّه، مفيدة في موضوعها، وشاملة لكُلّ متطلبات الموضوع، فجزى اللَّه مؤلفها: الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني خير الجزاء، ونفع بما كتب.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
في ٦/ ١١/ ١٤٣٢هـ
1 / 2
المقدمة
إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة في «إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب، والتبرج، والسفور، وخلوة الأجنبي بالمرأة، وسفر المرأة بدون محرم، والاختلاط»، وقد قسمتها إلى مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: الحجاب.
المبحث الثاني: التبرج.
المبحث الثالث: السفور.
المبحث الرابع: الخلوة بالمرأة.
المبحث الخامس: سفر المرأة بدون محرم.
المبحث السادس: شبه دعاة السفور، والرد عليها.
المبحث السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في الحجاب والسفور.
المبحث الثامن: الاختلاط
1 / 3
واللَّه أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وينفع به من انتهى إليه، وأن يجعله حجةً لنا، لا حجةً علينا؛ فإنه ﷿ خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وصلى اللَّه وسلّم، على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
المؤلف أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في عصر الأحد الموافق ٩/ ٨/١٤٣٢هـ
1 / 4
المبحث الأول: الحجاب
المطلب الأول: التعريفات: الحجاب، والجلباب، والنقاب، والخمار، والاعتجار، والمقنعة، والبرقع، ودرجات الحجاب
أولًا: تعريف الحجاب لغة وشرعًا:
١ - الحجاب لغة: السِّتْرُ، يقال: حَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْبًا وحِجابًا، وحَجَّبَه: سَترَه، وقد احْتَجَبَ، وتحَجَّبَ إِذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ، وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ ... والحاجِبُ: البَوَّابُ صِفةٌ غالِبةٌ، وجمعُه: حَجَبةٌ، وحُجَّابٌ ... وحَجَبَه أَي مَنَعَه عن الدخول.
والحِجابُ اسمُ ما احْتُجِبَ به، وكلُّ ما حالَ بين شيئين حِجابٌ، والجمع: حُجُبٌ لا غير، وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ (١) معناه: ومن بينِنا وبينِك حاجِزٌ في النِّحْلَةِ والدِّين، وهو مثل قوله تعالى: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ (٢) إِلاَّ أَنَّ معنى هذا: لا نُوافِقُك في مذهب، [ويقال]: واحْتَجَبَ المَلِكُ عن الناس، ومَلِكٌ مُحَجَّبٌ ... وكُلُّ شيءٍ مَنَع شيئًا فقد حَجَبَه، كما تحْجُبُ الإِخْوةُ الأُمَّ
_________
(١) سورة فصلت، الآية: ٥.
(٢) سورة فصلت، الآية: ٥.
1 / 5
عن فَريضَتِها؛ فإِن الإِخْوة يحْجُبونَ الأُمَّ عن الثُّلُثِ إِلى السُّدُسِ.
والحاجِبانِ: العَظْمانِ اللَّذانِ فوقَ العَيْنَينِ بِلَحْمِهما وشَعَرهِما: صِفةٌ غالِبةٌ، والجمع حَواجِبُ، وقيل: الحاجِبُ: الشعَرُ النابِتُ على العَظْم، سُمِّي بذلك؛ لأَنه يَحْجُب عن العين شُعاعَ الشمس.
وقولُه في حديثِ الصلاةِ: «حِين توارَتْ بالحِجابِ» (١): الحِجابُ ههنا: الأُفُقُ، يريد حين غابَتِ الشمسُ في الأُفُق، واسْتَتَرَتْ به، ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّى توَارَتْ بِالحِجَابِ﴾ (٢)، وغير ذلك (٣).
وقال العلامة الفيومي: «حَجَبَهُ حجبًا، من باب قتل: منعه، ومنه قيل للستر: «حِجَابٌ»؛ لأنه يمنع المشاهدة، وقيل للبواب: حَاجِبٌ؛ لأنه يمنع من الدخول، والأصل في الحِجَابِ: جسم حائل بين جسدين، وقد استعمل في المعاني، فقيل: «العَجْزُ حِجَابٌ» بين الإنسان ومراده، و«المَعْصِيَةُ حِجَابٌ» بين العبد وربه ...» (٤).
فعلى ما تقدم يكون الحجاب لغة: الستر: وهو كل ما حال بين شيئين، سواء كان هذا الستر جدارًا أو غيره، أو عباءة أو غيرها.
وهو مصدر يدور معناه لغة: على الستر، والحيلولة، والمنع (٥).
_________
(١) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة «حجب».
(٢) سورة ص، الآية: ٣٢.
(٣) انظر: لسان العرب، لابن منظور، فصل الحاء، باب الباء، ١/ ٢٩٨.
(٤) المصباح المنير، مادة «حجب»، ١/ ١٢١.
(٥) حراسة الفضيلة لبكر أبو زيد، ص ٢٧.
1 / 6
٢ - الحجاب شرعًا: ورد عدة تعريفات شرعية للحجاب على النحو الآتي: قيل: هو ما تلبسه المرأة من الثياب والعباءة، وما اتخذته من حوائل بينها وبين الرجال الأجانب (١).
قال اللَّه تعالى: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ (٢) أي ساترًا، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ (٣) أي من وراء ساتر يمنع الرؤية، وقوله ﷿: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ (٤) أي سور، وقول اللَّه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ (٥) أي من حيث لا يراه، وقال ﷿: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ (٦) أي عن ربهم مستورون، فلا يرونه ﷿.
وقيل: «الحجاب: لباس شرعي سابغٌ، تستتر به المرأة المسلمة؛ ليمنع الرجال الأجانب من رؤية شيء من بدنها» (٧).
وقيل: «الحجاب: هو ساتر يستر الجسم فلا يشف، ولا يصف» (٨).
_________
(١) انظر: معجم لغة الفقهاء للروَّاس، ص ١٥٣.
(٢) سورة مريم، الآية: ١٧.
(٣) سورة الأحزاب، الآية: ٥٣.
(٤) سورة الأعراف، الآية: ٤٦.
(٥) سورة الشورى، الآية: ٥١.
(٦) سورة المطففين، الآية: ١٥.
(٧) حجاب المرأة المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، للدكتور محمد فؤاد البرازي، ص ٣٠.
(٨) إعداد المرأة المسلمة، ص ١٠٦، وعودة الحجاب، لمحمد القدم، ص ٧٠.
1 / 7
وقيل: «الحجاب: حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها» (١).
وقيل: «الحجاب لفظ ينتظم جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع الإسلامي من حيث علاقتها بمن لا يحلُّ لها أن تظهر زينتها أمامهم» (٢).
وقيل: «ما تلبسه المرأة من الثياب لستر العورة عن الأجانب» (٣).
وقيل: ستر المرأة جميع بدنها بما يمنع الأجانب عن رؤية شيء من بدنها، وزينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس والبيوت (٤).
وقيل: «ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه، والكفان، والقدمان، وستر زينتها المكتسبة بما يمنع الأجانب عن رؤية شيء من ذلك ...» (٥).
والتعريف المختار: الحجاب شرعًا: ما يستر جميع بدن المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب: من لباسٍ واسعٍ سابغٍ يغطي جميع بدنها ووجهها، أو حائل يحول بينها وبينهم، ويمنع رؤية شيء من بدنها.
_________
(١) فصل الخطاب، للشيخ أبي بكر الجزائري، ص ٢٦، وعودة الحجاب لمحمد المقدم، ص ٧٠.
(٢) عودة الخطاب لمحمد المقدم، ص ٧١.
(٣) معجم لغة الفقهاء، للروَّاس، ص ١٥٣.
(٤) حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص ٢٧.
(٥) المرجع السابق، ص ٢٩.
1 / 8
ثانيًا: تعريف الجلباب لغةً واصطلاحًا:
١ - الجلباب في اللغة: قال ابن منظور: «الجِلْبابُ: القَمِيصُ. والجِلْبابُ: ثوب أَوسَعُ من الخِمار، دون الرِّداءِ، تُغَطِّي به المرأَةُ رأْسَها وصَدْرَها، وقيل: هو ثوب واسِع، دون المِلْحَفةِ، تَلْبَسه المرأَةُ، وقيل: هو المِلْحفةُ. قالت: جَنُوبُ أُختُ عَمْرٍو ذي الكَلْب تَرْثِيه:
تَمْشِي النُّسورُ إليه وهي لاهِيةٌ ... مَشْيَ العَذارَى عليهنَّ الجَلابِيبُ
وقيل: هو ما تُغَطِّي به المرأَةُ الثيابَ من فَوقُ، كالمِلْحَفةِ؛ وقيل: هو الخِمارُ، وفي حديث أُم عطيةَ: «لِتُلْبِسْها صاحِبَتُها من جِلْبابِها» (١) أَي إِزارها.
وقد تجَلْبَب، قال يصِفُ الشَّيْب:
حتى اكْتَسَى الرأْسُ قِناعًا أَشْهَبا ... أَكْرَهَ جِلْبابٍ لِمَنْ تجَلْبَبا
وفي التنزيل العزيز: ﴿يُدْنِينَ علَيْهِنَّ من جَلابِيبِهِنَّ﴾ (٢) قال ابن السِّكِّيت: قالت العامرية: الجِلْبابُ: الخِمارُ، وقيل: جِلْبابُ المرأَةِ: مُلاءَتُها التي تَشْتَمِلُ بها، واحدها جِلْبابٌ، والجماعة جَلابِيبُ، وقد تَجلْبَبَتْ؛ وأَنشد:
_________
(١) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (جلب)، والحديث أخرجه مسلم، برقم ٨٩٠، ويأتي تخريجه.
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٥٩.
1 / 9
والعَيْشُ داجٍ كَنَفا جِلْبابه
وقال آخر:
مُجَلْبَبٌ من سَوادِ الليلِ جِلْبابا
ابن الأَعرابي: الجِلْبابُ: الإِزارُ.
قال أَبو عبيد: قال الأَزهريّ: معنى قول ابن الأَعرابي الجِلْبابُ الإِزار لم يُرِدْ به إِزارَ الحَقْوِ ولكنه أَراد إِزارًا يُشْتَمَلُ به فيُجَلِّلُ جميعَ الجَسَدِ وكذلك إِزارُ الليلِ وهو الثَّوْبُ السابِغُ الذي يَشْتَمِلُ به النائم فيُغَطِّي جَسَدَه كلَّه وقال ابن الأَثير أَي ليَزْهَدْ في الدنيا وليَصْبِرْ على الفَقْر والقِلَّة والجِلْبابُ أَيضًا الرِّداءُ وقيل هو كالمِقْنَعةِ تُغَطِّي به المرأَةُ رأْسَها وظهرها وصَدْرَها والجمع جَلابِيبُ» (١).
وقال الحافظ ابن حجر: «الجِلباب - وهُو بِكَسرِ الجِيم، وسُكُون اللاَّم، وبِمُوحَّدَتَينِ بَينهما أَلِفٌ - قِيلَ: هُو المقَنعَة، أَو الخِمار، أَو أَعرَضُ مِنهُ، وقِيلَ: الثَّوب الواسِع يَكُون دُون الرِّداءِ، وقِيلَ: الإِزار، وقِيلَ: المِلحَفَة، وقِيلَ: المُلاءَة، وقِيلَ: القَمِيص» (٢).
وقال الزبيدي: «والجِلْبَابُ، كَسِرْدَابٍ، و(الجِلِبَّابُ) كَسِنِمَّارٍ مثَّلَ به سيبويهِ ولم يُفَسِّرْه أَحدٌ، قال السيرافيّ: وأَظُنُّه يعْنِي الجِلْبَاب،
_________
(١) لسان العرب، مادة: (جلب).
(٢) فتح الباري، ١/ ٤٢٤، وانظر: المجموع شرح المهذب، ٣/ ١٧٢، ومشارق الأنوار عن صحاح الآثار، ١/ ٤٠٣.
1 / 10
وهو يُذَكَّر ويُؤَنَّثُ: (القَمِيصُ) مُطْلَقًا، وخَصَّه بعضُهم بالمُشْتَمِلِ على البدَنِ كُلِّه، وفَسَّره الجوهريُّ بالمِلْحَفَةِ، قاله شيخُنا».
ثم ذكر ما أوردناه عن ابن منظور، ثم قال:
«وقال تعالى: ﴿يُدْنِينَ عليْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ (١).
وقِيل: هو ما تُغطَّى بهِ المرْأَةٌ، أَو هو ما تُغطِّي به ثِيابَها مِن فَوْقُ كالمِلْحَفةِ، أَو هو الخِمارُ، كذا في المحكم، ونقلَه ابنُ السِّكِّيت عن العامِريَّة، وقيل: هو الإِزارُ، قاله ابنُ الأَعرابيّ، وقد جاءَ ذِكرُه في حدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ (٢).
وقيل: جِلْبابُها: مُلاءَتُها تَشْتمِلُ بِها، وقال الخَفاجِيُّ في العِناية: قِيل: هو في الأَصْلِ المِلْحَفَةُ، ثم اسْتُعِير لِغَيْرِهَا منَ الثِّيَابِ.
ونَقَلَ الحافظُ ابنُ حَجرٍ في المُقَدَّمة عن النَّضْرِ: الجِلْبَابُ: ثَوْبٌ أَقْصرُ مِنَ الخِمَارِ، وأَعْرضُ منه، وهو المِقْنَعَة، قاله شيخُنا، والجمْعُ جَلاَبِيبُ.
وقَدْ تَجَلْبَبْتُ، قال يَصِفُ الشَّيْبَ:
حتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعًا أَشْهَبَا ... أَكْرَهَ جِلْبَابٍ لِمَنْ تَجَلْبَبا
وقال آخَرُ:
مُجَلْبَبٌ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ جِلْبَابَا
_________
(١) سورة الأحزاب، الآية: ٥٩.
(٢) مسلم، برقم ٨٩٠، ويأتي تخريجه.
1 / 11
والمتأمل في المعاني يجد أنَّ «الإزار»، و«المُلاءة»، و«الرداء» ألفاظ متعددة لمسمَّىً واحدٍ هو: «الجلباب» كما أوضحه «شيخ الإسلام ابن تيمية» بقوله: «الجلباب: هو الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره: «الرداء»، وتسميه العامة: «الإزار»، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها» (١) اهـ.
لهذا نجد «ابن الأثير» يقول: «والجلباب: الإزار والرداء، وقيل: الملحفة، وقيل: هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها، وجمعه جلابيب».
ثم قال بعد ثلاثة أسطر: «ومنه حديث أم عطية: لتُلبِسَها صاحبتها من جلبابها، أي إزارها» (٢). اهـ.
فهذه المعاني المختلفة للجلباب - وإن اختلفت ألفاظها - فإنها تدل جميعها على غطاء جميع البدن بما في ذلك الوجه والكفان.
قال برهان الدين البقاعي ﵀: «والجلباب: القميص، وثوب واسع دون المِلحفة تلبسه المرأة، والملحفة: ما سَتَر اللباس، أو الخمار، وهو كل ما غطَّى الرأس.
وقال البغوي: الجلباب: الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال حمزة الكرماني: قال الخليل: كل ما تستتر به
_________
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية، ٢٢/ ١٠٩ - ١١١.
(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر، ١/ ٢٨٣.
1 / 12
من دثار وشعار وكساء فهو جلباب، والكل يصح إرادته هنا، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي يديها ورجليها، وإن كان ما يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها، وإن كان المراد ما دون المِلحفة فالمراد ستر الوجه واليدين» (١). ا. هـ.
٢ - الجلباب في الاصطلاح:
ذكر النووي ﵀ معاني الجلباب المتعددة في اللغة، ثم قال: «وقال آخرون: هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها، وهذا هو الصحيح، وهو مراد الشافعي ﵀، والمصنف والأصحاب هنا، وهو مراد المحاملي وغيره بقولهم: هو الإزار، وليس مرادهم الإزار المعروف الذي هو المئزر» (٢). ا. هـ.
وعَرَّفه ابن حزم بقوله: «والجلباب في لغة العرب التي خاطَبنا بها رسول اللَّه ﷺ، هو ما غَطَّى جميع الجسم لا بعضه» (٣) ا. هـ.
وإليه ذهب القرطبي حيث قال: «والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن».
_________
(١) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، ١٥/ ٤١١ - ٤١٢.
(٢) المجموع شرح المهذب، ٣/ ١٧٢.
(٣) المحلى، ٣/ ٢١٢.
1 / 13
ثم أيَّدَ ذلك بقوله: «وفي صحيح مسلم عن أم عطية، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لِتُلْبِسْها أختها من جلبابها» (١).
والتعريف المختار: «الجلباب: هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها، تستر جميع بدنها وملابسها، ووجهها، وتبدي عينًا واحدة، أو العينين فقط».
وعلى هذا يكون الجلباب فوق الدرع والخمار؛ لقول عائشة ﵂: «لا بدَّ للمرأة من ثلاثة أثواب تصلِّي فيهنّ: درعٌ، وجلبابٌ، وخمارٌ، وكانت عائشة تحلُّ إزارها فتجلبب به» (٢).
وقال ابن عمر ﵄: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ، فَلْتُصَلِّ فِي ثِيَابِهَا كُلِّهَا: الدِّرْعُ، وَالْخِمَارُ، وَالْمِلْحَفَةُ» (٣).
ثالثًا: تعريف النقابِ لغةً واصطلاحًا:
١ - النقاب في اللغة: قال ابن منظور: «النِّقابُ: القِناع على مارِنِ الأَنْفِ، والجمع نُقُبٌ، وقد تَنَقَّبَتِ المرأَةُ، وانْتَقَبَتْ، وإِنها لَحَسَنة النِّقْبة، بالكسر.
_________
(١) الجامع لأحكام القرآن، ٣/ ٣٧٢، والحديث أخرجه مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، ٢/ ٦٠٥، برقم ٨٩٠.
(٢) أخرجه ابن سعد، ٨/ ٤٨ - ٤٩، وصحح الألباني إسناده على شرط مسلم، في الحجاب، ص ٦٢.
(٣) ابن أبي شيبة في المصنف، وصحح سنده الألباني في الحجاب، ص ٦٢، وانظر: فتح الباري، ١/ ٤٢٤.
1 / 14
والنِّقابُ: نِقابُ المرأَة. التهذيب: والنِّقابُ على وُجُوهٍ؛ قال الفراء: إِذا أَدْنَتِ المرأَةُ نِقابَها إِلى عَيْنها، فتلك الوَصْوَصَةُ، فإِن أَنْزَلَتْه دون ذلك إِلى المَحْجِرِ فهو النِّقابُ، فإِن كان على طَرَفِ الأَنْفِ، فهو اللِّفَامُ» (١).
وقد ذكر الزَّبيدي نحو هذا، ثم قال: «وفي حديث ابن سِيرِين: النِّقاب مُحْدَثٌ، أَراد: أَنَّ النساءَ ما كُنَّ يَنْتَقِبْنَ، أَي يَخْتَمِرْن. قال أَبو عبيد: ليس هذا وجهَ الحديث، ولكنِ النِّقابُ عند العرب هو الذي يبدو منه مَحْجِرُ العين، ومعناهُ: أَنَّ إِبداءَهُنَّ المَحَاجِرَ مُحْدَثٌ، إِنما كان النِّقابُ لاصِقًا بالعين، وكانت تَبْدُو إِحدى العينين، والأُخْرَى مستورة. والنِّقابُ لا يبدو منه إِلا العينان، وكان اسمه عندهم الوَصْوَصَةَ، والبُرْقُعَ، وكان من لباسِ النساءِ، ثم أَحْدَثْنَ النِّقابَ بعدُ» (٢).
وجاء في المعجم الوسيط: النِّقابُ: القِناعُ تجعله المرأةُ على مارنِ أنفِها تستر بها وجهها» (٣).
وسمي النقاب نقابًا لأنّ فيه نَقبين على العينين تنظر المرأة منهما (٤).
_________
(١) لسان العرب، مادة: (نقب).
(٢) تاج العروس، مادة: (نقب). وانظر: النهاية لابن الأثير، ٥/ ١٠٣.
(٣) المعجم الوسيط، مادة: (نقب).
(٤) فتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود، ١/ ١٣٣.
1 / 15
٢ - النقاب في الاصطلاح: عَرَّفَ الحافظُ ابن حجر النقاب بقوله: «الخمارُ: الذي يُشدُّ على الأنف، أو تحت المحاجر» (١).
وقال السِّندي: «والنقابُ معروف للنساء، لا يبدو منه إلا العينان» (٢).
وعرَّفه شهاب الدين القسطلاني بقوله: «هو: الخمار الذي تشده المرأة على الأنف أو تحت المحاجر، فإن قرب من العين حتى لا تبدو أجفانها فهو الوصواص - بفتح الواو، وسكون الصاد الأولى- فإن نزل إلى طرف الأنف فهو اللِّفام - بكسر اللام، وبالفاء- فإن نزل إلى الفم، ولم يكن على الأرنبة منه شيء فهو اللِّثام - بالمثلثة» (٣).
وبالرجوع إلى معاني «النقاب» في اللغة، وتعريفاته عند علماء الشرع، يمكن تعريفه بقولنا: «النقاب: هو الخمار الذي تشده المرأة على الأنف، أو تحت المحاجر، تستر به وجهها، ولا يبدو منه إلا عيناها»، فهو بهذا الاعتبار خاص بالوجه لا غير.
_________
(١) فتح الباري، ٤/ ٥٣.
(٢) حاشية السندي على النسائي، ٥/ ١٣٣.
(٣) إرشاد الساري، ٣/ ٣١٢، والزرقاني على الموطأ، ٢/ ٢٣٣. ونقله عنه الكاندهلوي في أوجز المسالك، ٦/ ١٩٤، والمحشَّى بحاشية كشف المغطَّى عن وجه الموطأ، ص ٣٣٤، لمحمد إشفاق الرحمن الكاندهلوي، لكن من غير أن يعزوه لأحد.
1 / 16
رابعًا: تعريف الخمارِ لغة واصطلاحًا:
١ - الخمار في اللغة: قال ابن منظور: «الخِمَارُ للمرأَة وهو النَّصِيفُ.
وقيل: الخمار ما تغطي به المرأَة رَأْسها، وجمعه أَخْمِرَةٌ، وخُمْرٌ، وخُمُرٌ، والخِمِرُّ - بكسر الخاء والميم، وتشديد الراء- لغة في الخمار.
عن ثعلب، وأَنشد:
ثم أَمالَتْ جانِبَ الخِمِرِّ
والخِمْرَةُ: من الخِمار كاللِّحْفَةِ من اللِّحَافِ، يقال: إِنها لحسنةُ الخِمْرَةِ.
وفي المثل: إِنَّ الْعَوَانَ لا تُعَلَّمُ الخِمْرَةَ، أَي إِن المرأَة المجرّبة لا تُعَلَّمُ كيف تفعل، وتَخَمَّرَتْ بالخِمار واخْتَمَرَتْ: لَبِسَتْه.
وخَمَّرَتْ به رأْسَها: غَطَّتْه.
وفي حديث أُم سلمة: «أَنه ﷺ كان يمسح على الخُفِّ والخِمار» (١)؛ أَرادت بالخمار العمامة لأَن الرجل يغطي بها رأْسه كما
_________
(١) ذكره صاحب النهاية في غريب الحديث والأثر، ٢/ ١٤٨، مادة (خمر)، وقال: «أراد به العمامه لأن الرجل يُغَطّي بهِا رأسَه كما أن المرأه تغطِّيه بخمارها».
1 / 17
أَن المرأَة تغطيه بخمارها» (١).
وذكر الزبيدي نحو ذلك، وفيه:
«قِيل: كُلُّ ما سَتَرَ شَيْئًا فَهْو خِمَارُه، ومنه خِمَارُ المَرْأَةِ تُغَطِّي به رَأْسَها، جمعه: أَخْمِرَةٌ، وخُمْرٌ - بضم فسكون- وخُمُرٌ بضَمَّتَين ...
وتَخَمَّرَتْ بِه أَي الخِمَار، واخْتَمَرتْ: لَبِسَتْه، وخَمَّرتْ به رَأْسَها: غَطَّتْه، والتَّخْمِيرُ: التَّغْطِيَة. وكُلُّ مُغَطًّى ومُخَمَّرٌ» (٢).
ويُسمَّى الخمار بالنصيف، فيقال: «وقد نَصَّفَتِ المرأَةُ رأْسها بالخمار، وانتَصَفَت الجارية، وتَنَصَّفت: أَي اختمرت، ونصَّفْتها أَنا تَنْصيفًا، ومنه الحديث في صفة الحور العين: «ولَنَصِيفُ إحداهن على رأْسها خير من الدنيا وما فيها» (٣)، وهو الخِمار، وقيل: المِعْجَر .. [والاعتجار في لغة العرب: هو لف الخمار على الرأس مع تغطية الوجه] (٤)، وقال أَبو سعيد: النصِيف ثوب تتجلَّل به المرأَة فوق ثيابها كلها، سُمِّيَ نصيفًا لأَنه نصَفٌ بين الناس وبينها، فحَجز أَبصارهم عنها» (٥).
_________
(١) لسان العرب، مادة (خَمَرَ)، ٤/ ٢٥٧ - ٢٥٨.
(٢) تاج العروس، مادة (خَمَرَ).
(٣) أخرجه أبو نعيم في الحلية، ١/ ٢٤٥. وهو في البخاري: بلفظ: «وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، كتاب الجهاد والسير، باب الحور البعين وصفتهن، برقم ٢٧٩٦.
(٤) ما بين المعقوفين من النهاية في غريب الحديث والأثر، ٣/ ١٨٥.
(٥) لسان العرب، لابن منظور، مادة: نصف، ٩/ ٣٣٢.
1 / 18
٢ - الخمار في الاصطلاح: قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لقول أم المؤمنين عائشة ﵂: يَرحَم اللَّه نِساء المُهاجِرات الأول، لما أنزل اللَّه: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (١) شققن مروطهن فاختمرن بها».
قوله: «(فاختَمَرنَ) أَي غَطَّينَ وُجُوهَهُنَّ؛ وصِفَةُ ذَلِكَ: أَن تَضَع الخِمار عَلَى رَأسها، وتَرمِيَهُ مِنَ الجانِب الأَيمَن عَلَى العاتِق الأَيسَر، وهُو التَّقَنُّع.
قالَ الفَرّاء: كانُوا فِي الجاهِلِيَّة تُسدِل المَرأَة خِمارها مِن ورائِها، وتَكشِف ما قُدّامها، فَأُمِرنَ بِالاستِتارِ» (٢).
وقال الحافظ ابن حجر أيضًا في كتاب (الأشربة) عند تعريف الخَمْر: «ومِنهُ خِمار المَرأَة لأَنَّهُ يَستُر وجهها» (٣).
وقيل: الخمار ما تغطي به المرأة رأسها، ووجهها، وعنقها، وجيبها، وسُمّي: الغدفة، ومادة «غدف» أصل صحيح، يدل على سِتْرٍ وتغطية، يقال: أغدفت المرأة قناعها: أي أرسلته على وجهها» (٤).
_________
(١) سورة النور، الآية: ٣١.
(٢) فتح الباري، ٨/ ٤٩٠.
(٣) فتح الباري، ١٠/ ٤٨.
(٤) حراسة الفضيلة، ص ٣٠.
1 / 19
وباستقراء معاني «الخمار» في اللغة، وتحديداته في الاصطلاح، يمكننا أن نقول في تعريفه:
«هو ما تغطي به المرأة رأسها ووجهها، تستتر به عن أعين الرجال الأجانب».
خامسًا: تعريف الاعتجار لغة واصطلاحًا:
١ - الاعتجار لغة: «المعجر، والعجِارُ: ثوب تَلُفُّه المرأَة على استدارة رأْسها، ثم تَجَلبَبُ فوقه بجلِبابِها، والجمع المَعاجرُ، ومنه أُخِذَ الاعَتِجارُ: وهو لَيُّ الثوب على الرأْس من غير إِدارة تحت الحنَك، وفي بعض العبارات: الاعْتِجارُ: لَفُّ العمامة دون التَّلَحِّي ...
والعِجْرة - بالكسر-: نوع من العِمَّة، يقال: فلان حسَنُ العِجْرة.
قال ابن منظور: «عن النبي ﷺ أَنه دخل مكة يوم الفتح مُعْتَجِرًا بعمامةٍ سَوْداءَ، المعنى أَنه لَفَّها على رأْسه ولم يَتَلَحَّ بها» (١).
وقال الإمام ابن الأثير ﵀: «الاعْتِجارُ بالعَمامة: هو أن يَلُفَّها على رَأسِه ويَرُدّ طَرَفها على وجْهِه ولا يَعْمل منها شيئًا تحت ذَقْنِه ...».
وقال ﵀: «وفي حديث عُبيد الله بن عَدِيّ بن الخِيار: «جاء
_________
(١) لسان العرب، لابن منظور، مادة: (عجر)، ٤/ ٥٤٤، والحديث عند الطبري في تهذيب الآثار، ١/ ٦٥، وأخبار مكة، للفاكهي، ٥/ ٢١٥.
1 / 20