نصت المصادر على أن اسم مؤلف هذا الكتاب هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العليمي ( 1 ) المقدسي الحنبلي أبو اليمن مجير الدين العمري المنتهي نسبه إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب ( 2 ) ولد بالقدس عام 860 ه وما أن بلغ مرحلة التعلم حتى تعهده أبوه بالرعاية والتوجيه حيث تنص الرواية بأنه تفقه على والده وأخذ عنه جملة من العلوم ( 3 ) واختلف على جماعة من أهل الفضل والعلم للاستفادة والتحصيل أشار إليهم في كتابه هذا ' الأنس الجليل ' وهم - 1 الشيخ تقي الدين عبد الله بن إسماعيل القرقشندي ( 4 ) 2 _ قال مجير الدين ' وقد عرضت عليه ملحة الأعراب في ثاني جمادى الأولى سنة ست وستين وثمانمائة بمنزله بجوار المدرسة الصلاحية ولي دون ست سنين وهو أول شيخ عرضت عليه وتشرفت بالجلوس بين يديه وأجازني بالملحة بسنده _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) العليمي نسبة إلى جده سيدي علي بن عليل المشهور بعلي بن عليم ( 2 ) مختصر طبقات الحنابلة - محمد جميل الشطي 73 / ط دمشق الترقي 1339 ه ( 3 ) نفس المصدر والصفحة ( 4 ) شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر عبد الله بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ تقي الدين إسماعيل القرقشندي المقدسي الشافعي سبط الحافظ أبي سعيد العلائي ولد بالقدس عام 783 ه واشتغل في صغره على والده وغيره وسمع المشائخ وأجاز جمع من العلماء والحفاظ ثم أفتى ودرس وحدث وسمع عليه جمع كبير انتهت إليه الرياسة بالقدس وعظم عند المسؤولين توفى سنة 867 ه راجع ترجمته في هذا الكتاب 1 / 19 - 190 / 2 المتصل إلى المصنف وبغيرها من كتب الحديث الشريف وما يجوز روايته وكتب والدي الإجازة بخطه وكتب الشيخ خطه الكريم عليها ' ( 1 ) 2 - الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر العميري ( 2 ) قال مجير الدين ' وقد عرضت عليه في حياة الوالد قطعة من كتاب المقنع في الفقه واجازني في شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ثم لما توفي الوالد لازمته للاشتغال فكنت اقرأ عليه في المقنع واحضر مجلس وعظه ودرسه بالمسجد الأقصى وحصلت الإجارة منه غير مرة خاصة وعامة ' ( 3 ) 3 - الفقيه علاء الدين علي بن عبد الله بن محمد الغزي المقري الحنفي ( 4 ) قال مجير الدين ' وقد قرأت عليه القرآن - ولي نحو عشر سنين - بمكتب باب الناظرة فأقرأني من سورة الأنبياء إلى الفاتحة ثم كررت ختم القرآن عليه مرات كثيرة وقرأت بعضه عليه برواية عاصم وأحضرني مجلس شيخنا ابن عمران _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) هذا الكتاب 189 / 2 ( 2 ) الحافظ العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن القاضي زين الدين عمر العميري الشافعي ولد سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالقدس اشتغل ودأب وحصل وأخذ الحديث عن الحافظ ابن حجر ولقي جماعة من أهل العلم وأخذ عنهم وباشر الحكم بالقدس نيابة عن القاضي شهاب الدين قاضي الخليل وكان حافظا فصيحا له مشاركة في كثير من العلوم توفي عام 890 ه ودفن بالقدس راجع ترجمته في هذا الكتاب 203 / 2 ( 3 ) هذا الكتاب 203 / 2 ( 4 ) الفقيه علاء الدين علي بن محمد الغزي المقري الحنفي المعروف ( بابن قاموا ) ذكر أنه لما نزل الأشرف برسباي إلى آمد سنة ست وثلاثين وثمانمائة كان مراهقا حفظ القرآن العظيم وتلى بالسبع على العلامة شمس الدين بن عمران وغيره أقام ببيت المقدس دهرا وأدب به الأطفال وسمع الحديث واقرأ القرآن وكان - لسماع الحديث واعتنى بتحصيل الإجارة لي منه ' ( 1 ) 4 - الشيخ كمال الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبى شريف ( 2 ) قال مجير الدين ' عرضت عليه في حياة الوالد رحمه الله قطعة من كتاب المقنع في الفقه على مذهب الإمام أحمد ثم عرضت عليه مرة ثانية ما حفظت بعد العرض الأول واجازني في شهور سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وحضرت بعض مجالسه من الدروس والإملاء بالمدرسة الصلاحية وحضرت كثيرا من مجالسه بالمسجد الأقصى الشريف قبل رحلته إلى القاهرة وبعد قدومه إلى بيت المقدس _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ - جيد الحفظ له سريع القراءة توفى عام تسعين وثمانمائة ه بالقدس راجع ترجمته في هذا الكتاب 237 / 2 ( 1 ) هذا الكتاب 237 / 2 ( 2 ) شيخ الإسلام كمال الدين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي سبط قاضي القضاة شهاب الدين أبي العباس أحمد العمري المالكي المشهور ( بابن عوجان ) ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بمدينة القدس ونشأ بها ودرس في المدارس العلمية وحفظ القرآن وأذن له في التدريس سنة أربع وأربعين وثمانمائة ورحل إلى القاهرة في هذه السنة وأخذ عن العلماء هناك وكتب له ابن حجر إجازة ووصفه بالفاضل البارع الأوحد ومن سنة 846 نظم وأنشأ ودرس وأفتى ودامت له الأمور وأصبح يشار له بالبنان في الأوساط العلمي وذكره المؤرخون إلى عام 90 ه وله شعر رقيق منه في بيت المقدس أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا فتلك رباع الانس في زمن الصبا وما زلت من شوقي إليها مواصلا سلامي على تلك المعاهد والربا راجع ترجمته في هذا الكتاب 377 - 382 / 2 وحصلت الإجازة منه غير مرة خاصة وعامة ' ( 1 ) 5 - قاضي القضاة نور الدين علي بن إبراهيم المالكي المصري ( 2 ) قال مجير الدين ' وقد قرأت عليه قطعة من آخر كتاب الخرقي في فقه مذهب الإمام رضي الله عنه قراءة بحث وفهم ثم قرأت عليه قطعة من أول المقنع قراءة بحث وفهم فكان يقرر العبارة تقريرا حسنا لعل كثيرا من أهل المذهب لا يقرره وقرأت عليه في النحو ولازمت مجالسه وترددت إليه كثيرا وحصل لي منه غاية الخير والنفع ولكن اخترقته المنية بسرعة قبل بلوغ المراد منه ' ( 3 ) 6 - شمس الدين أبو مساعد محمد بن عبد الوهاب ( 4 ) قال مجير الدين ' وقد عرضت عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأجازني ' ( 5 ) _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) هذا الكتاب 382 / 2 ( 2 ) قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم البدر شي البحري المالكي المصري من أهل العلم له معرفة تامة بالعربية وعلم الفرائض والحساب والحديث الشريف باشر نيابة الحكم بالقاهرة له مصنف في النحو وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا ويكثر من التلاوة نشر العلم وانتفع به الطلبة توفى عام 878 ه بالقدس راجع ترجمته في هذا الكتاب 251 / 2 ( 3 ) هذا الكتاب 251 / 2 ( 4 ) الشيخ العلامة المحقق شمس الدين أبو مساعد محمد بن عبد الوهاب الشافعي من أعيان علماء بيت المقدس وكان يستفيد به الناس فائدة عظيمة توفي عام 873 ه بالطاعون راجع ترجمته في هذا الكتاب 191 - 192 / 2 ( 5 ) هذا الكتاب 192 / 2 7 - الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري ( 1 ) قال مجير الدين ' وقد عرضت عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه بالزاوية الختنية سنة 873 ه واجازني بما يجوز له روايته ' ( 2 ) 8 - الشيخ المقرى المحدث شمس الدين محمد بن موسى بن عمران الغزي الحنفي ( 3 ) قال مجير الدين ' وقد سمعت عليه صحيح البخاري بقراءة القاضي _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن زين الدين عبد الرحمن الأنصاري الخليلي الشافعي ولد عام 819 ه ببلدة الخليل لقي جماعة من أهل العلم والفضل وأخذ عنهم رحل إلى القاهرة وأخذ الحديث عن ابن حجر والفقه عن تقي الدين أبي بكر ابن قاضي شهبه وأذن له في الإفتاء والتدريس وباشر في نيابة الحكم عن القاضي برهان الدين بن جماعة ثم ترك الحكم وصار من أعيان علماء بيت المقدس وعاد من القاهرة عام 888 إلى مسقط رأسه الخليل وأقام بها متصديا لاشتغال الطلب إلى أن وافته المنية عام ثلاث وسبعين وثمانمائة ه راجع ترجمته في هذا الكتاب 206 - 207 / 2 ( 2 ) هذا الكتاب 206 / 2 ( 3 ) الشيخ العلامة المقري المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن موسى ابن عمران الغزي المقدسي الحنفي شيخ القراء بالقدس ولد عام 794 بغزة سمع الحديث على الحافظ شمس الدين الجزري وأخذ عنه علم القراءات وأجازه وكان رجلا صالحا ملازما لقراء القرآن انتفع به الناس وتخرج عليه جماعة وعرف هذا الفن معرفة جيدة وكان قنوعا طارحا التكلف ولم يبق في القدس شيخ متقن لفن القراءة سواه وكان شيخا بهي المنظر توفى سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة راجع ترجمته في هذا الكتاب 229 - 230 / 2 شهاب الدين بن عبيد الشافعي في سنة 871 ه واجازني بروايتة وبرواية غيره من الأحاديث العشارية والمسلسل بالأولية وما يجوز له وعنه روايته ' ( 1 ) 9 - الشيخ محمد بن محمد بن أبى بكر السعدي ( 2 ) قال الشطي ' ورحل سن 880 ه إلى القاهرة وأقام بها عاكفا عل طلب لعلم ولزم قاضي الحنابلة بالديار المصرية بدر الدين محمد بن أبي بكر السعدي أقام تحت نظره وتفقه عليه ولقد اكرم مثواه ومكث بالديار المصرية نحو عشر سنين ' ( 3 ) هؤلاء هم طليعة أساتذته وشيوخ أجازته وعلى هذا الضوء يمكن تقسيم مراحل تحصيله العلمي إلى قسمين قسم يختص بالقدس ونكاد نستفيد من مجموع ما قدمناه أن تلك المدة محدد لعام 880 ه وتحصيله بين المسجد الأقصى والمدرسة الصلاحية واختلف فيها على عدد من الأعلام ذكرنا أهمهم وقسم يختص بالقاهرة ويحدد بنحو عشر سنين حيث تنص المصادر على عودته إلى القدس عام 889 ه وكان أهم أساتذته هو ابن أبي بكر السعدي وبعد عودته من القاهرة ولى قضاء القدس ولعله بقي في مركزه حتى وفاته _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) هذا الكتاب 2 / 230 ( 2 ) محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي قاض من فقهاء الحنابلة من أهل القاهرة ولد عام 836 ه ودرس وولي قضاء القضاة بالديار المصرية وألف كتبا منها الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد مخطوط قال السخاوي كتب بخطه من تصانيفه أشياء واستكتب كذلك توفى فجأة عام 900 راجع ترجمته ( الضوء اللامع 58 / 9 وشذرات الذهب 366 / 7 والأعلام 281 / 7 ) ( 3 ) مختصر طبقات الحنابلة 73 ولقد وصفته الرواية بأنه كان فطنا يحب العلم من صغره ذكي مجد وإذا ما عدنا إلى ادعائه بأنه عرض على شيخه تقي الدين إسماعيل القرقشندي المقدسي ملحة الإعراب وهو دون الست سنين وأجازه الشيخ بالملحة لسنده المتصل إلى المصنف وبغيرها من كتب الحديث وما يجوز له روايته نستطيع أن نتأكد بأن هذا الإنسان كان يتمتع بقابلية خاصة ونضوج مبكر أهله كل ذلك لأن يكون موضع عناية أساتذته وهو صبي لم يتجاوز الحلم وكيفما كان فقد واصل تحصيله وتتبعه العلمي على يد أساتذة معروفين بالفضل والكمال بحيث عرف بالأوساط العلمية بمكانة مقدرة ولقد خلف نتاجا يدل على فضل وسعه اطلاع وهو 1 - فتح الرحمن في تفسير القرآن في مجلدين هكذا أسماه الزركلي ( 1 ) اما بقية المصادر فأشارت إلى أنه له تفسير جليل على القرآن العظيم يشبه القاضي البيضاوي ( 2 ) 2 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد قال جرجي زيدان توجد منه نسخة في الخزانة التيمورية في مجلدين عدد صفحاتها 523 وهو مرتب على سني الوفاة ( 3 ) 3 - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر ذكره الحاجي جلبي ووصفه الشطي بأنه تاريخ جليل ابتدأ فيه من سيدنا آدم إلى سنة 896 ه مرتبا عل السنين ذاكرا فيه الحوادث العجيبة والوقائع الغريبة على وجه الاختصار ( 4 ) _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) الأعلام 108 / 4 ( 2 ) مختصر طبقات الحنابلة 74 ( 3 ) مختصر طبقات الحنابلة 74 والأعلام 108 / 4 وتاريخ آداب اللغة العربية 198 / 3 ( 4 ) كشف الطنون 305 / 1 ومختصر طبقات الحنابلة 74 والأعلام 108 / 4 4 - إتحاف الزائر وأطواف المقيم المسافر ذكره البغدادي وقال الجلي اتحاف الزائر وأطراف المقيم المسافر - للشيخ أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي البغدادي ثم الدمشقي المتوفي سنة 613 ه ' ( 1 ) 5 - الإنس الجليل بتاريخ القدس والخليل وبعض المصادر تسميه الأنيس الجليل وهو الكتاب الذي يدور حديثنا حوله في الفصل الثالث من هذا البحث ولم تشر لنا المصادر المختصة بأن مؤلفاته قد طبعت عدى كتاب ' الأنس الجليل ' وقد اختلف في تاريخ وفاته فالشطي لم يعثر على تاريخ وفاته ويقول ' ولعله كان في أوائل القرن العاشر ' بينما نرى اغلب المصادر التي تترجمه تذهب إلى أن وفاته كانت عام 928 ه وقسم قليل يرى أنها عام 927 ه ( 2 ) من مجموع ما قدمناه عن حياة المؤلف نستطيع أن نجزم بأن المؤلف من الأعلام الذين يتمتعون بمقدرة لائقة من الفضيلة والكمال _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) هداية العارفين 544 / 7 ومعجم المؤلفين - لكحالة 177 / 5 وكشف الظنون 6 / 1 ( 2 ) مختصر طبقات الحنابلة 74 ومعجم المطبوعات 358 ومعجم المؤلفين 177 / 5 وهداية العارفين 544 / 1 وتاريخ آداب اللغة العربية 198 / 3 والأعلام 108 / 5 2 - ولقد اجمع المترجمون لحياة مجير الدين العليمي بأن كتاب ' الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ' من مؤلفاته وانه في مقدمة ما دبجته براعته ضمنه خلاصة تواريخ القدس الشريف وبلدة الخليل مثوى سيدنا إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كما أضاف إليه نبذة من الحوادث والوفيات وما يتعلق به من ذكر الملوك والكبراء والقضاة والعلماء حتى عام 900 ه - كما سيمر علينا في عرض منهجه وقد تحدث المؤلف عن طبيعة مؤلفه بقوله ' فهذا مختصر استخرت الله تعالى في جمعه وسألته المعونة لي بفضله في ترتيب وضعه عن لي أن أجمعه من كتب المتقدمين واهذب ألفاظه من فوائد المؤرخين وتراجم الأعيان على وجه الاختصار فاستعنت بالله سبحانه فيما قصدته ' ( 1 ) ولقد كتب عدد من الأعلام في تاريخ القدس الشريف ممن سبقوا مجير الدين فخلفوا من نتاجهم ثروة علمية كانت هي المنبع الرئيسي لكتاب ' الأنس الجليل ' كما قال هو ويمكننا أن نضع قائمة تقريبية لأولئك الذين كتبوا في هذا المضمار من جميع جوانبه واعتقادي أننا نستطيع أن نقيم الكتاب عل ضوئها وهم حسب التسلسل الزمني 1 - الواقدي أبو عبد الله محمد بن عمر ( 2 ) فقد تحدث عن تاريخ القدس _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) هذا الكتاب 1 - 2 / ط الثانية ( 2 ) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المعروف ب ( الواقدي ) ولد بالمدينة عام 130 ه واتصل ببني العباس واصبح قاضيا عندهم من أقدم مؤرخي - فتوجه في كتابه ( فتوح الشام ) الذي طبع عدة مرات 2 - اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب ( 1 ) الكاتب والمؤرخ المعروف أورد باكرا للقدس في كتابه المعروف ب ( تاريخ اليعقوبي ) المطبوع في المطبعة الحيدرية من النجف الأشرف وغيرها 3 - الطبري أبو جعفر محمد بن جرير ( 2 ) المؤرخ والمفسر الشهير جاء من تاريخه ( تاريخ الأمم والملوك ) ذكر للقدس ومن تولاه وبناه _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ الإسلام قال ابن النديم خلف الواقدي بعد وفاته ستمائة قمطر كتبا كل قمطر منها حمل رجلين وكان له غلامان مملوكان يكتبان الليل والنهار مات ببغداد عام 207 ه وله مؤلفات عديدة راجع ترجمته في ( تذكر الحفاظ 317 / 1 ووفيات الأعيان 506 / 1 وتاريخ بغداد 3 - 21 / 3 وميزان الاعتدال 110 / 3 وتهذي بالتهذيب 363 - 368 / 9 والفهرست لابن النديم 98 / 1 واعيان الشيعة 170 - 178 / 40 ) ( 1 ) أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب المعروف مؤرخ جغرافي كثير الأسفار من أهل بغداد صنف كتبا جيدة توفي عام 284 ه وخلف مؤلفات قيمة منها تاريخه المشهور وكتاب البلدان وغيرهما راجع ترجمته في ( معجم الأدباء 5 / 153 وإيضاح المكنون - للبغدادي 1 / 219 و 2 / 279 وأعيان الشيعة 330 - 10 / 366 ومعجم المطبوعات 1948 والاعلام 90 - 1 / 91 ومعجم المؤلفين 1 / 161 ) محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري مؤرخ شهير ومفسر جليل وفقيه ضليع ولد في آمل طبرستان عام 224 ه واستوطن بغداد وتوفى فيها عام 310 ه قال ابن الأثير أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ وفي تفسيره ما يدل على علم غزير عرض عليه القضاء فامتنع له مؤلفات تدل على سعة اطلاع وغزارة علم راجع ترجمته في ( تذكرة الحفاظ 351 / 2 ووفيات الأعيان - 4 - ابن البطريق سعيد بن البطريق ( 1 ) مؤرخ مسيحي أورد للقدس ذكرا في كتابه ( نظم الجوهر - أو التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق في معرفة التواريخ ) المطبوع في ليدن 5 - الاصطخري إبراهيم بن محمد الفارسي ( 2 ) عالم جغرافي ورحالة تطرق لحديث القدس في كتابه ( مسالك الممالك ) المطبوع في ليدن 6 - المسعودي علي بن الحسين ( 3 ) من مشاهير المؤرخين ذكر القدس وولاتها _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 456 / 1 وطبقات السبكي 135 - 140 / 2 وروضات الجنات 163 - 165 ورجال المامقاني 90 - 91 / 2 وشذرات الذهب 260 / 2 ) ( 1 ) سعيد بن البطريق طيب مؤرخ من أهل مصر ولد بالفسطاط عام 263 ه وأقيم بطريركا في الإسكندرية توفى عام 328 ه وله مؤلفات عديدة راجع ترجمته في ( طبقات الأطباء 86 / 2 وحسن المحاضرة - للسيوطي 113 / 1 ومعجم المؤلفين 221 / 4 وآداب اللغة العربية 200 / 2 ) ( 2 ) إبراهيم بن محمد الفارسي أبو إسحاق الاصطخري الكرخي نشأ باصطخر ( في إيران ) وقام بسياحة طاف بها بلاد العرب وبعض بلاد الهند ووصفته المصادر بأنه جغرافي رحالة من العلماء لم تكن مصادر علم البلدان موفورة في عصره فألف كتابيه ' صورة الأقاليم ' و ' مسالك الممالك ' توفى عام 346 ه راجع ترجمته في ( هداية العارفين 6 / 1 ودائرة المعارف للبستاني 744 / 3 ودائرة المعارف الإسلامية 256 / 2 ومعجم المطبوعات 453 والأعلام 58 / 1 ) 2 - علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي من أعلام التاريخ ومن مشاهير الرحالين ومن الباحثين المقدرين من أهل بغداد أقام بمصر وتوفي فيها عام 346 ه له مؤلفات عديدة منها مروج الذهب وأخبار الزمان وغير ذلك من المؤلفات القيمة راجع ترجمته في ( فوات الوفيات 45 / 2 ولسان - في كتابه ( التنبيه والإشراف ) المطبوع 7 - المقدسي محمد بن أحمد ( 1 ) من مشاهير الرحلة والجغرافيين تناول ذكر القدس في كتابه ( أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) المطبوع في ليدن 8 - ابن عساكر علي بن الحسن ( 2 ) أورد فتوحات بيت المقدس وتعرض لتراجم بعض رجاله في كتابه ( تاريخ ابن عساكر ) طبع قسم منه 9 - أسامة بن منقذ ( 3 ) من العلماء الشجعان والمؤرخين ذكر حروبه _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ - الميزان 224 / 4 وطبقات الشافعية 307 / 2 والنجوم الزاهرة 315 / 3 وتذكرة الحفاظ 70 / 3 والفهرست لابن النديم 154 / 1 وأعيان الشيعة 198 213 / 41 والذريعة إلى تصانيف الشيعة 347 / 3 ) ( 1 ) محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء البشاري الحنفي المقدسي شمس الدين أبو عبد الله ولد بالقدس عام 366 ه ولع في الاسفار فطاف أكثر بلاد الإسلام وعرفته المصادر بأنه رحالة جغرافي مات نحو سنة 380 ه وقالوا عنه إنه امتاز بكثرة ملاحظاته وسعة نظره له مؤلفات في فنه تدل على أهمية راجع ترجمته في ( معجم المطبوعات 1773 والأعلام 203 / 6 ) ( 2 ) علي بن الحسن بن هبة الله أبو القاسم ثقة الله ابن عساكر الدمشقي ولد بدمشق عام 499 ه كان محدث الديار الشامية ومن أعيان فقهاء الشافعية وقالت عنه الراوية بأنه مؤرخ حافظ رحالة توفي بدمشق عام 571 ه له مؤلفات عديدة في مقدمتها تاريخه الكبير راجع ترجمته في ( وفيات الأعيان 335 / 1 والبداية والنهاية 294 / 12 وطبقات الشافعية 273 / 4 وتاريخ ابن الوردي 87 / 2 ومرآة الزمان 100 / 1 ودائرة المعارف الإسلامية 237 / 1 والأعلام 82 / 5 ) ( 3 ) أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيرازي أبو المظفر مؤيد الدولة ولد بشيراز عام 488 ه وسكن دمشق - لبيت المقدس ومشاهداته فيها في كتابه ( الاعتبار ) المطبوع 10 - العماد الاصبهاني محمد بن محمد ( 1 ) من أكابر الكتاب واعلام التاريخ ذكر تاريخ القدس وفتوحاته في كتابه ( الفتح القسي في الفتح المقدسي ) المطبوع 11 - ياقوت الحموي ( 2 ) من المؤرخين المعروفين أورد للقدس ذكرا مفصلا في كتابه ( معجم البلدان ) المطبوع _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ - وانتقل إلى مصر وقاد عدة حملات على الصليبيين في فلسطين من الأمراء ومن العلماء الشجعان له تصانيف في الأدب والتاريخ مات في دمشق عام 584 ه راجع ترجمته في ' ( تاريخ ابن عساكر 400 / 2 والبداية والنهاية 331 / 12 ووفيات الأعيان 63 / 1 ومعجم الآباء 188 - 245 / 5 ودائرة المعارف الإسلامية 79 / 2 والإعلام 282 / 1 ) ( 1 ) محمد بن محمد صفي الدين ابن نفيس الدين حامد أبو عبد الله المعروف ب ( عماد الدين الكاتب ) الاصبهاني مؤرخ عالم بالأدب من أكابر الكتاب ولد باصبهان عام 519 ه وقدم إلى بغداد حدثا فتأدب وتفقه فلمع اسمه في أوساطها وقلد عدة مناصب كبيرة في الدولة ثم رحل إلى دمشق فاستخدم عند السلطان نور الدين في ديوان الإنشاء وتنقل في مناصب بعدها بنى مدرسة عرفت باسمه ' العمادية ' وتوفي بها عام 597 ه راجع ترجمته في ( وفيات الأعيان 74 / 2 ومرآة الزمان 504 / 8 وتاريخ ابن الوردي 117 / 2 والمختصر المحتاج 122 وحسن المحاضرة 270 / 1 والروضتين 144 / 1 ) ( 2 ) ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي أبو عبد الله شهاب الدين مؤرخ من أئمة الجغرافية ومن أعلام اللغة والأدب أصله من الروم ولد عام 574 ه له مؤلفات عديدة في طليعتها معجم البلدان ومعجم الأدباء توفي عام 626 ه راجع ترجمته في ( وفيات الأعيان 210 / 2 ومرآة الجنان 59 - 63 / 4 ومعجم المطبوعات 1941 وآداب اللغة العربية 88 / 2 والأعلام 157 / 9 ) 12 - ابن الأثير علي بن محمد ( 1 ) المؤرخ الشهير تطرق لذكر تاريخ القدس وبنائه في كتابه ( التاريخ الكامل ) المطبوع 13 - أبو شأمة عبد الرحمن بن إسماعيل ( 2 ) مؤرخ محدث ذكر ولاة القدس في كتابه ( الروضتين في أخبار الدولتين - النورية والصلاحية ) المطبوع 14 - ابن العبرى أبو الفرج ( 3 ) مؤرخ سرياني مستعرب اورد _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري أبو الحسن عز الدين ابن الأثير المؤرخ الشهير من العلماء في النسب والأدب ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر عام 555 ه وسكن الموصل وتجول في البلدان وعاد إلى الموصل فكان منزله مجمع الفضلاء والأدباء وتوفى بها عام 630 ه في مقدمة مؤلفاته تاريخه الكامل الذي طبع عد مرات راجع ترجمته في ( وفيات الأعيان 347 / 1 وطبقات الشافعية 127 / 5 ومفتاح السعادة 206 / 1 وتاريخ أبي الفداء 854 / 3 ) ( 2 ) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي أبو القاسم شهاب الدين أبو شأمة مؤرخ محدث باحث أصله من القدس مولده في دمشق عام 599 ه وبها منشأه ووفاته عام 665 ه تولى مشيخة دار الحديث الاشرفية ودخل عليه اثنان في صورة مستفتين فضرباه ضربا مبرحا تمرض على أثره ومات معلولا منها له مؤلفات عديدة منها ( الروضتين في أخبار الدولتين - النورية والصلاحية ) مطبوع راجع ترجمته في ( فوات الوفيات 1 252 وبغية الوعاة 397 والبداية والنهاية 13 250 وطبقات الشافعي 5 61 ونفح الطيب 1 46 ومعجم المطبوعات 317 والأعلام 4 70 ) ( 3 ) غريغوريوس بن هارون بن توما الملطي أبو الفرج المعروف بابن العبرى ولد في ملطية سنة 613 ه وفر إلى إنطاكية مع أبيه مؤرخ سرياني مستعرب توفي سنة 685 ه ونقل إلى الموصل ودفن بها وقالت المصادر أنه خلف - للقدس ذكرا في كتابه ( تاريخ مختصر الدول ) المطبوع 15 - ابن فضل لله العمري ( 1 ) من المعروفين بخطوط الأقاليم والبلدان أورد ذكرا للقدس في كتابه ) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ) المطبوع 16 - ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد ( 2 ) ذكر فتوح القدس وأخباره وبناءه وولاته في كتابه ( التاريخ الكبير - المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب - ) المطبوع مرتين _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ - 35 مصنفا في علوم مختلفة راجع ترجمته في ( دائرة المعارف الإسلامية 1 226 واللؤلؤ المنثور 411 - 430 ومعجم المطبوعات 339 والأعلام 308 - 5 309 ومعجم المؤلفين 39 - 8 40 ) ( 1 ) أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العمري شهاب الدين مؤرخ ضليع حجة في معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان عارف بأخبار رجال عصره وتراجمهم غزير المادة واسع الاطلاع ولد عام 700 ه بدمشق ونشأ بها وتوفى فيها عام 749 ه له مؤلفات متعددة قيمة راجع ترجمته في ( فوات الوفيات 1 7 وتاريخ ابن الوردي 2 354 والدرر الكامنة 1 331 والنجوم الزاهرة 10 334 وشذرات الذهب 6 160 وحسن المحاضرة 1 329 ومعجم المؤلفين 2 204 ) ( 2 ) عبد الرحمن بن محمد بن محمد ابن خلدون أبو زيد ولي الدين الحضري الاشبيلي الفيلسوف المؤرخ الاجتماعي البحاثة ولد باشبيلية عام 732 ه تنقل في البلدان وتولى القضاء فيها في المذهب المالكي توفى بالقاهرة فجأة عام 808 ه له مؤلفات تدل على سع افقه راجع ترجمته في ( الضوء اللامع 4 145 والعبر 7 379 ونفح الطيب 4 414 وشذرات الذهب 4 83 ودائرة المعارف الإسلامية 1 152 ومعجم المطبوعات 95 - 97 والأعلام 4 106 ) 17 - المقريزي أحمد بن علي ( 1 ) المؤرخ المصري المعروف تطرق لذكر هذا البيت المقدس وملوكه في كتابه ( السلوك لمعرفة الملوك ) وقد طبع 18 - ابن شاهين غرس الدين خليل ( 2 ) مؤرخ شهير من المماليك ذكر خطط القدس في كتابه ( زبدة كشف الممالك ) المطبوع في باريس 19 - ابن تغري بردي ( 3 ) من المؤرخين المشهورين أورد ذكرا لتاريخ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) أحمد بن علي بن عبد القادر أبو العباس الحسيني العبيدي تقي الدين المقريزي مؤرخ الديار المصرية أصله من بعلبك ونسبته إلى حارة المقارزة ولد عام 766 ه ونشأ بها ونال مراتب مرموقة في الدولة وأصبح شخصي لامعة مات في القاهرة عام 845 ه وصفته المصادر بأنه عمدة المؤرخين وعين المحدثين مؤلفاته قيمة تدل على مقدرة علمية وتاريخية وسعة أفق راجع ترجمته في مقدمة كتاب النقود الإسلامية طبع النجف التبر المسبوك للسخاوي 21 وحسن المحاضرة 266 / 1 والبدر الطالع 79 / 1 وآداب اللغة العربية 175 / 3 والأعلام 172 / 1 ) ( 2 ) غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المعروف بابن شاهين أمير من المماليك اشتهر بمصر كان من المولعين بالبحث وله تصانيف ونظم ولد ببيت المقدس عام 813 ه وتعلم بالقاهرة وتولى مناصب رسمية فيها وتوفى بطرابلس سنة 873 ه ذكرت الرواية بأن له نحو ثلاثين مصنفا راجع ترجمته في ( الضوء اللامع 195 / 3 وهداية العارفين 353 / 1 والخطط التوفيقية 68 / 8 ومعجم المطبوعات 133 والأعلام 367 / 2 ) ( 3 ) يوسف بن تغرى بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي أبو المحاسن جمال الدين مؤرخ بحاثة مولده بالقاهرة عام 813 ووفاته فيها أيضا عام 874 ه له مؤلفات تدل على تأدب وتفقه وولع بالتاريخ في طليعتها موسوعته التاريخية ' النجوم الزاهرة ' راجع ترجمته في ( النجوم الزاهرة 9 - 28 / 1 - القدس وولاته وفتحه في كتابه ( النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة ) مطبوع 20 - شمس الدين السيوطي ( 1 ) خص ذكر القدس وأهمية هذا البيت الشريف بكتابه ( إتحاف الاخصا بفضائل المسجد الأقصى ) المطبوع 21 - مجير الدين العليمي في كتابه ( الأنس الجليل ) والذي نحن بصدد تقديمه وعلى ضوء هذه القائمة التي قدمناها نستطيع أن نستنتج أمرين مهمين عن هذا الكتاب هما أولا - أن هذه المنابع التي ذكرناها - وقد تكون هناك غيرها - لم تتناول موضوع القدس وما يتعلق به بصورة خاصة وإنما جاء الحديث عنه بصورة عامة وواحدا من المواضيع التي عالجتها تلك الكتب عدى كتاب ' إتحاف الاخصا بفضائل المسجد الأقصى ' وفيما يبدو لي أن الكتاب خاص بالموضوع نفسه ويؤسفني إني لم أطلع على الكتاب أما كتاب ' الفتح القسي في الفتح القدسي ' وإن لم يكن مخصصا لهذا الموضوع فحسب غير أن حديث القدس وما يتصل به قد أخذ قسما كبيرا منه وهنا تظهر مزية كتاب ' الأنس الجليل ' إذ أن الكتاب بجزئية قد كرس في الموضوع نفسه ولم يخرج عن الصدد ثانيا - أن كتاب ' الأنس الجليل ' جاء حصيلة هذه المجموع المجموعة القيمة _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ - والضوء اللامع 305 / 10 وشذرات الذهب 317 / 7 ودائرة المعارف الإ سلامية 396 / 1 وآداب اللغة العربية 180 / 3 والأعلام 295 / 9 ) ( 1 ) محمد بن شهاب الدين أحمد بن علي بن عبد الخالق المنهاجي المعروف ب ( شمس الدين السيوطي ) نبغ في حدود سنة 875 ه ولم نطلع على ترجمته بأكثر من هذا له كتاب وهو ( إتحاف الاخصا بفضائل المسجد الأقصى ) راجع ( معجم المطبوعات 1085 - 1086 ) من المصادر التي تناولت حديث القدس وتاريخه من جميع جوانبه مضافا إلى أن مؤلفه هو من تلك المنطقة ومعلوماته مبتنية على الدراسة المعمقة والاطلاع شخصي والمعلومات التاريخية الشخصية وعلى أساس هذين الجانبين جاء الكتاب بعيدا عن كل شائبة وعن الزيادات المخلة وعن الاستنتاجات المرتجلة 3 - وإذا عدنا إلى الكتاب نفسه لنلقي عليه أضواء تكشف لنا جوانبه الجديرة البحث والاهتمام نراها لا تتجاوز ما يلي 1 - منهج المؤلف في عرض كتابه 2 - الأسباب والدوافع التي بعثته لوضع هذا الكتاب ومن هذين الجانبين نستطيع أن نقيم الكتاب ومدى أهميته أولا - منهج المؤلف في عرض الكتاب _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ونستطيع أن نحدد منهج المؤلف في كتابه هذا بالنقاط التالية أولا - عرض لتاريخ بيت المقدس يتضمن أسماء هذه المدينة وابتداء بنائها وما وقع فيها من الأخبار والإنباء حتى عام 900 ه ثانيا - ذكر الانبياء والرسل الذين لهم أثر في هذا المسجد حتى رسول الإنسانية النبي الأعظم محمد ( ص ) وما رافقته من أحداث هامة بالنسبة لهذا البيت المقدس أمثال الإسراء وتحويل القبلة ثالثا - عرض لذكر الخلفاء والولاة الذين فتحوا أو أشادوا في هذا البلد من صدر الإسلام حتى نهاية التاريخ المحدد للكتاب وحوادث الإفرنج وحروبهم رابعا - عرض لذكر أعيان التابعين والعلماء والزهاد ممن دخلوا بيت المقدس سواء كانوا زائرين أو مستوطنين خامسا - تقديم صورة موجزة عن تاريخ مدينة الخليل وما حولها من المشاهد والأماكن المعد للزيارة سادسا - ترجمة أعيان ملوك الإسلام الذين تولوا الحكم في البيت المقدس والخليل وما فعلوه من الخيرات والميراث سابعا - ترجمة عدد من أعيان البلدتين من المذاهب الأربعة ومن ولي فيهما المناصب الحكمية والوظائف الدينية مضمنا هذه التراجم أهم الحوادث والأخبار التي ترافقها ثامنا - يختم الكتاب بترجمة الملك الأشرف أبي النصر قايتباي وأهم مشاريعه الثقافية وفي مقدمتها مدرسته ثم يتعرض لترجمة كمال الدين أبي المعالي محمد بن أبي شريف الشافعي - رئيس مشيختها - وهو أحد أساتذة المؤلف - ولسنا مبالغين إذا ادعينا أن هذا الكتاب بهذا المنهج الضخم يكاد يكون أوسع مؤلف كتب في تاريخ هذه المدينة المقدسة سواء من الكتب الخاصة أو المصادر التاريخية العامة التي تناولت تاريخ هاتين المدينتين خاصة وأن المؤلف هو ممن تلك الديار وممن تثقف في أوساطها وعانى بؤسها ونعيمها وتذوق حلوها ومرها لهذا كله فهو أمكن من غيره في إعطاء الصور الواضح المعالم عنها وأقدر على استخلاص النتائج والحقائق من بين ثنايا الحوادث والأخبار التي مر بها تاريخ البلدين وقد جاء هذا المنهج ياسلوب سهل وعرض جميل بعيدا عن التكلف والتعقيد مبوبا في أحسن تبويب الأساليب والدوافع لوضع الكتاب لعل الأسباب والدوافع التي تحدث عنها المؤلف نفسه في تأليف هذا الكتاب معطيا هذا الجانب الهام فهو يقول وإنما دعاني لذلك أن غالب بلاد الإسلام قد اعتنى بها الحفاظ وكتبوا بتاريخها مما يفيد أخبارها الواقع في الزمن السابق وبيت المقدس على شيء من ذلك الذي يختص به وإنما ذكروا في التواريخ أشياء في أماكن ورأيت الأنفس متشوق إلى شيء من هذا النمط الذي قصدت فعله العلماء كتب شيئا يتعلق بالفضائل فقط وبعضهم تعرض لذكر الفتح وعمار بني أمي وبعضهم ذكر الفتح الصلاحي واقتصر عليه ولم يذكر بعده وبعضهم كتب تاريخا تعرض فيه لذكر بعض جماع من أعيان مما ليس فيه كبير فائدة فأحببت ن أجمع بين ذكر البناء والفضائل وتراجم الأعيان وذكر بعض الحوادث المشهور ليكون تاريخا كاملا سبحانه وتعالى المسؤول وهو المسؤول أن يمن علي بتيسير إتمامه ' ( 1 ) ومع ضخامة الكتاب وتوسعه في تنوع مواضيعه فقد صرح المؤلف كتابه بأنه كان قد ابتدأ في جمعه في الخامس عشر من شهر ذي الحج 9 ه وفرغ من ترتبه وجمعه في دون أربع أشهر رغم العوارض التي صرفت عن الاستمرار في مشروعه مد شهر لم يكتب فيها شيئا ( 2 ) _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) هذا الكتاب 5 / 1 ( 2 ) نفس المصدر 383 / 2 وكان من المنتظر أن يكون الكتاب بهذه السرعة مرتجلا خفيف الوزن ولكنه برغم ذلك كله فإنه كتاب قيم ممتع يدل على سع إطلاع وبعد في التاريخ ولذا فلا نخشى إن ادعينا أنه من المصادر القيمة في بابه ويؤكد هذا المعنى ما قاله بعض الكتاب عنه ' وظني انه لم يصنف في مثله مثله ولم يوجد في بابه نظيره ' ( 1 ) ورغم أن الكتاب طبع مرة واحدة في المطبعة الوهبية بمصر في عام 1283 ه في مجلدين عدد صفحاته 712 صفح بقطع الوسط فقد ترجم إلى الفرنسي - نظرا لأهميته - قام بترجمته الأستاذ هنري سوفار وطبع في باريس عام 1876 م ( 2 ) وصرحت بعض المصادر بوجود نسخ مخطوط من هذا الكتاب في أكثر مكاتب أوروبا وكذلك توجد منه نسخ مخطوطة في دار الكتب المصرية تقع في 440 صفح ( 3 ) ولقد مر عل طبع الكتاب قرن واحد ونفذ من الأسواق في ظرف هذه المد الطويلة لهذا فكر الأخ الفاضل الشيخ محمد كاظم الكتبي أن يعيد طبعه ثاني في سلسل مطبوعات ( مكتبة الحيدرية ) وبصورة بسيطة ليوفره لدى المسلمين نظرا لما للكتاب من أهمي خاصة بالنسبة لمدينة القدس في الوقت الحاضر وهي تمر بدون خطير قد وضع الصهاينة الغاصبون يد الاحتلال على معالم هذه المدينة المقدسة فبلة المسلمين الأولى ومهبط الوحي ومثوى الأنبياء _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ ( 1 ) الفوائد البهية في تراجم الحنفية 168 / هامش 1 ( 2 ) معجم المطبوعات 358 ( 3 ) تاريخ آداب اللغة العربية 198 / 3 لقد شاء الأخ الناشر أن يعيد للأذهان المسلم تاريخ هذه المدينة المقدسة بطبعه هذا الكتاب وتداوله بين الناس ويشعر الضمير الإنساني المسلم بأن المسلمين الذين يسكنون هذه البقعة الطاهرة هم الآن يرزحون تحت كابوس الاحتلال الصهيوني الغادر فلا بد من أن يستيقظ العالم الإسلامي من غفوته ويعمل على محو العار من عاتقه وذلك بتحرير هذه البقع الطاهرة من برائن اليهودية التي تضمر الحقد الأسود للإسلام والمسلمين من يوم ' خيبر ' وليس من السهل عل أمة تشعر بالكرامة أن تتناسى ماضيها الزاهر وتتغاضى عن مجدها العظيم وهي في قوتها وعزتها فلابد لها من جولة حاسمة لتطهر المدينة المقدس من الأرجاس الصهاين لترابط حاضرها بماضيها وتتم سجل التاريخ بالدم والتضحية وما النصر إلا من عند الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتفضل على خلقه بفتح أبواب الرحمة المحسن إلى أهل الملة الحنيفية بترادف الخير والنعمة الذي يسر لمن إختاره لنصرة دينه أسباب علو الهمة وأنعم على عبيده سكان البيت المقدس بما منحهم من الإقامة به وكشف عنهم الغمة أحمده سبحانه على ما من به علينا من المجاورة للمسجد الشريف الأقصى وأشكره على مننه التي كثرت فلا تعد ولا تحصى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفعال لما يريد وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي نصر به دينه وقمع به كل جبار عنيد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين أيد الله بهم الإسلام فمهدوا قواعد الدين من بعده وقاموا بنصرته أعظم قيام صلاة وسلاما دائمين إلى أن نلقاه إن شاء الله بدار السلام ( أما بعد ) فهذا مختصر استخرت الله تعالى فيجمعه وسألته المعونة لي بفضله في ترتيب وضعه يتضمن تاريخ البيت المقدس الذي هو على التقوى مؤسس وقص السيد الجليل سيدنا إبراهيم الخليل وأبنائه السادة الكرام وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهذب الفاظه من فوائد المؤرخين واذكر ما يتعلق ببيت المقدس من ابتداء أمره وبنائه وما وقع من أخباره وأبنائه ممن لدن آدم عليه السلام عصرنا هذا وهو آخر عام تسعمائة من هجرة النبي المصطفى خير الأنام وأضيف إلى ذلك نبذة ممن الحوادث والأخبار وتراجم الأعيان على وجه لاختصار فاستعنت بالله سبحانه فيما قصدته وتوكلت عليه في تيسير ما تصورته وشرعت في ذلك طالبا من الله التوفيق والمن بالهداية لأقوم طريق فأذكر ولا نبذة يسيرة من تفسير أول سورة الإسراء أو أسماء المسجد الأقصى وبيت المقدس وما ورد من الخلاف في ابتداء أمره ثم اذكر أول ما خلق الله سبحانه وتعالى من مخلوقاته إلى حين خلق آدم ثم اذكر سيدنا آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء إلى سيدنا إبراهيم ونبذة يسيرة من أخبارهم ثم اذكر قصة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ومولده ونبوته نبذة من سيرته ومعجزاته وأولاده الكرام وهجرته وبناء الكعبة المشرفة وقصة لذبيح وشراء المغارة ووفاته وبناء السور السليماني المحيط بقبره و كونه صار مسجدا وذرعه طولا وعرضا واذكر صفة المسجد وما هو مشتمل عليه وترتيب قبور الأنبياء عليهم السلام ثم اذكر نبذة من أخبار السماط الكريم ونظامه ثم اذكر ما بعد إبراهيم من الأنبياء إلى سيدنا موسى وأخيه هارون عليهما السلام ثم اذكر السبب في ملك سيدنا داود عليه السلام ونبذة يسيرة من سيرته واهتمامه بناء المسجد الأقصى الشريف بإذن الله تعالى ثم أذكر عمارة سيدنا سليمان عليه السلام لمدينة القدس والمسجد الأقصى وما كان عليه من الصفات والعجائب نبذة من سيرة سيدنا سليمان ثم اذكر تخريبة على يد بخت نصر والسبب فيه ثم اذكر عمارته الثانية على يد كورش ملك الفرس واذكر من كان من الأنبياء من بعد سيدنا سليمان إلى سيدنا يونس عليهم السلام ثم اذكر مولد سيدنا زكريا ويحيى وعيسى بن مريم عليهم السلام ونزول المائدة على عيسى وصعوده إلى السماء ونبذة من سيرته ثم اذكر خراب بيت المقدس الثاني على يد طيطوش زوال دولة اليهود ثم اذكر عمارته الثالثة ثم اذكر مولد سيد الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين ونبذة من سيرته الشريفة وقصة المعراج وما وقع له ليلة الإسراء بالمسجد الأقصى الشريف وهجرته وبناء مسجده الشريف وتحويل القبلة من صخرة بيت المقدس إلى المسجد الحرام ونبذة من أخباره وغزواته ووفاته صلى الله عليه وسلم ثم اذكر نبذة من فضائل المسجد الأقصى وما ورد فيه ثم اذكر الفتح العمري الذي يسره الله تعالى على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعمارته على يديه ومن دخله من أعيان الصحابة واستوطنه واذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان بالقدس الشريف ثم اذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة الشريفة وبناء المسجد الأقصى وما وقع في ذلك واذكر طرفا من أخبار عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وما وقع له مع الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك وهدم الكعبة وبناءها مرة بعد أخرى ونبذة من أخبارها وذرع المسجد الحرام طولا وعرضا وعدد أبوابه ومنابره ثم اذكر جماعة من أعيان التابعين والعلماء والزهاد ممن دخل بيت المقدس زائرا ومستوطنا قبل استيلاء الإفرنج عليه ثم اذكر تغلب الافرنج واستيلائهم على بيت المقدس بعد ذلك لضعف دولة الفاطمين وسوء تدبيرهم ثم اذكر الفتح الصلاحي الذي يسره الله تعالى على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته وما وقع له من الغزوات ونبذة من سيرته ووفاته ثم اذكر ما وقع بعده من تسليم القدس للإفرنج وانتزاعه منهم مرة بعد أخرى لوقوع الخلف بين ملوك بني أيوب ثم اذكر صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا وذرعه طولا وعرضا وكذلك صحن الصخرة الشريفة وارتفاع القبة ثم اذكر غالب ما في بيت المقدس من المدارس والمشاهد مما هو مجاور لسور المسجد الأقصى وغيره وأسماء من عرفته من الواقفين للمدارس وما اطلعت عليه من تواريخ أوقافهم ثم أذكر ما بظاهر بيت المقدس من عين سلوان وعين المقذوفات وبئر أيوب وطول زيتا وقبر مريم والساهرة وبيت لحم و رملة فلسطين ولد وغير ذلك ثم أذكر نبذة من أخبار مدينة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وما فيها وما حولها مما اشتهر من المشاهد والأماكن المقصودة للزيارة وأذكر لاقطاع التميمي ثم أذكر جماعة من أعيان ملوك الإسلام ممن تولى على بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل عليه السلام وفعل فيهما الخير من أنواع البر والعمارة ثم أذكر ما تيسر من أعيان علماء البلدتين من المذاهب الأربع ومن ولى فيهما لمناصب الحكمية والوظائف الدينية ومن عرف منهم بالزهد والصلاح وأذكر من تراجمهم نبذة مما اطلعت عليه من الحوادث والأخبار مما لا يخلو من فائدة إن شاء الله تعالى ثم أختم الكتاب بذكر ترجمة ملك العصر والزمان مولانا السلطان الملك لأشرف أبو النصر قايتباي نصره الله تعالى وأذكر مدرسته الشريفة الشريفة وأنها من محاسن بيت المقدس لا سيما كونها في المسجد الأقصى الشريف وهي آخر مدرسة بنيت فيه واذكر ابتداء ولايته السلطنة وأحوال بيت المقدس وأحوال بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام في أيامه واذكر سبب بناء مدرسته وتولية مشيختها شيخ الإسلام الشيخ كمال الدين أبي المعالي محمد بن أبي شريف الشافعي أدام الله نفع بعلومه وأذكر تاريخ مولده وأسماء مصنفاته وما تيسر من ترجمته وإجتهد في إيجاز لفظ هذا الكتاب حسب الإمكان طالبا للاختصار ( وسميته بالأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ) وإذا من الله بأكماله كان تاريخا للقدس والخليل خاصة ولغيرهما عامة فإنه يكون فيه تاريخ المساجد ثلاثة وغيرها فالكعبة المشرفة ذكرها بالنسبة إلى ذكر قصة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بالنسبة إلى ذكره الشريف غير ذلك من الحوادث بالنسبة لارتباط الأخبار بعضها ببعض وحين عزمي على رفعه لم أقصد ذلك وإنما قصدت ذكره ما يتعلق بالقدس والخليل فقط فتأملت ما قصدت معه فرأيت الحال يتطرق إلى ذكر جميع ذلك لأمور لا يخفى على من تأمل على رؤسها فاستيقظ النمرود من منامه فزعا خائفا مرعوبا فقص رؤياه على آزر فخاف آزر على نفسه منه وقال إنما ذلك لكثرة عبادتي لها وكان نمرود بليدا جبانا فرضى بقول آزر وسكت ثم بدا له الدخول إلى البلد فلما دخلها دخل آزر على الأصنام وكان هو القيم لها فلما وقع نظره عليها تساقطت عن كراسيها فسجد آزر حين رأى ذلك وانطقها الله تعالى وقالت يا آزر جاء الحق وزهق الباطل ووافي نمروذ ما كان يحذره فدخل آزر بيته وكان قد توهم في زوجته إنها حامل فلما رآها وهي نشطة سألها عن حالها فقالت إن الذي كان ببطني لم يكن ولدا وانما كان ريحا وقد تصرف عني فصدقها على ذلك وألقى الله تعالى على نمروذ النسيان لامر إبراهيم فكانت أمه تتوجه إلى الغار في كل ثلاثة أيام مرة لترى حال ولدها فتراه في احسن هيئة فتوجهت إليه مرة فرأت الوحوش والطيور على باب المغارة فخافت واضطربت وظنت أن ولدها قد هلك فلما دخلت عليه وجدته بخير وعافية وهو جالس على فراش من السندس وهو مدهون مكحول بأحسن حال فلما رأت ذلك منه ازدادت فيه محبة وعظمته وعلمت ان له شانا عظيما وان له ربا يحرسه ويتولاه فنظرت إليه فوجدته يمص في أصابعه فوجدت يخرج له من إصبع لبن ومن إصبع عسل ومن إصبع سمن ومن إصبع ماء صلوات الله وسلامه عليه وكان يشب شبا لا يشبه أحدا من الغلمان يومه كالشهر وشهره كالسنة ولم يمكث في الغار سوى خمسة عشر شهرا وتكلم فقال لامه يوما يا آماه من ربي ؟ قالت انا فقال لها ومن ربك ؟ فقالت له أبوك قال فمن رب أبى ؟ قالت نمروذ قال فمن رب نمروذ ؟ فلطمته لطمة وقالت له اسكت فسكت ورجعت إلى زوجها وقالت له يا آزر أرأيت الغلام الذي يتحدث به انه يغير دين أهل الأرض ؟ قال لا قالت انه هو ابنك ثم أخبرته بأمره وبمكانه فاتاه أبوه ونظره وفرح به وقال له أنت ولدي ؟ فقال إبراهيم نعم يا أبت ثم قال إبراهيم يا أبتاه من ربي ؟ قال أمك قال فمن رب أمي ؟ قال أنا قال فمن ربك ؟ قال نمروذ والله يعلم إني لم أقصد بذلك الفخر ولا أن يقال إني من جملة المصنفين لعلمي بحقيقة حالي في التقصير وأن بضاعتي في العلم مزجاة وإنما دعاني لذلك أن غالب بلاد الإسلام قد اعتنى بها الحفاظ وكتبوا ما يتعلق بتاريخها مما يفيد أخبارها الواقعة في الزمن السابق وبيت المقدس لم أطلع له على شيء من ذلك يختص به وإنما ذكروا في التواريخ أشياء في أماكن متفرقة ورأيت الأنفس متشوقة إلى شيء من هذا النمط الذي قصدت فعله فإن بعض العلماء كتب شيئا يتعلق بالفضائل فقط وبعضهم تعرض لذكر الفتح العمري وعمارة بني أمية وبعضهم ذكر الفتح الصلاحي واقتصر عليه ولم يذكر ما وقع بعده وبعضهم كتب تاريخا تعرض فيه لذكر بعض جماعة من أعيان بيت المقدس مما ليس فيه كبير فائدة فأحببت أن أجمع بين ذكر البناء والفضائل والفتوحات وتراجم الأعيان وذكر بعض الحوادث المشهورة ليكون تاريخا كاملا والله سبحانه وتعالى المسئول وهو المأمول أن يمن علي بتيسير إتمامه وكما وفقني لبدايته يعينني على إكماله وختامه وأن ينفعني والمسلمين بما فيه أنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ( نبذة يسيرة من تفسير أول سورة الإسراء وذكر أسماء المسجد الأقصى ) قال الله تعالى في كتابه العزيز - بعد قوله تعالى وهو أصدق القائلين - بسم الله الرحمن الرحيم ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير ) قال المفسرون رضي الله تعالى عنهم سبحان هي تنزيه الله تعالى عن كل سوء ووصفه بالبراءة من كل نقص وتكون سبحان بمعنى التعجب أسرى بعبده ليلا أي سيره والعبد هو محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلف في ذلك أحد من الأمة من المسجد الحرام يعني مكة إلى المسجد الأقصى هو مسجد بيت المقدس الذي باركنا حوله يعني بالأنهار والأشجار والأثمار قال فمن رب نمرود ؟ فلطمه لطمة كادت ان تخرج عينيه وقال له اسكت وذلك قوله تعالى ( ^ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ) ثم ان إبراهيم قال لامه يوما أخرجيني من الغار فأخرجته عشاء فلما خرج نظر وتفكر في خلق السماوات والأرض ثم قال ان الذي خلقني ورزقني ويطعمني ويسقيني لربي ما لي إله غيره ثم نظر إلى السماء فرأى كواكبها ورأى كوكبا فقال هذا ربي ثم اتبعه بصره حتى غاب وهو ينظر إليه فلما غاب قال لا احب الآفلين وهذا يدل على كمال عقله وعلمه إذ الآفل لا يجوز أن يكون إلها ثم رأى القمر بازغا قال هذا ربي فاتبعه بصره حتى غاب فسئمه وقال ان لا احب الآفلين ورجع بفكره متوجها إلى ربه وقال ( لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين ) ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لئن لم يهدني ربي ان الهداية والتوفيق بيده سبحانه ثم طلعت الشمس فقال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت سئمها وتوجه إلى ربه بقلب سليم ووجه وجهه للحق بالصدق واليقين ونادى على قومه بالشرك المبين ( وقال يا قوم إني بري مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) فنقله الله تعالى من علم اليقين إلى عين اليقين ثم إن أباه ضمه إليه فشب شبابا حسنا ولم يزل صلى الله عليه وسلم مجملا في جميع أحواله حتى أكرمه الله تعالى بما أكرمه من الآيات البينات والكرامات الباهرات ثم البسه خلعة الخلة وجعله من أولي العزم من الرسل وجعله أبا الأنبياء وتاج الأصفياء ونصرة أهل الأرض وشرف أهل السماء وكان مولده عليه السلام بكوثا من إقليم بابل من ارض العراق على ارجح الأقوال وكان آزر أبو إبراهيم يصنع الأصنام ويغطيها لإبراهيم لبيعها فكان إبراهيم يقول من يشتري ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب فيه رؤسها وقال لها اشربي استهزاء بقومه وبما هم فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها في قومه وأهل قريته فحاجه قومه في دينه فقال لهم وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله باركنا حوله فلسطين والأردن ويأتي ذكر فلسطين فيما بعد إن شاء الله تعالى وأما الأردن فهو نهر الشريعة المذكور في قوله تعالى ( أن الله مبتليكم منبهر ) وهو بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملة وتشديد النون وقال أبو القاسم السهيلي قوله الذي باركنا حوله يعني الشام والشام بالسريانية الطيب سميت بذلك لطيبها وخصبها وقيل باركنا حوله بمقابر الأنبياء وقيل غير ذلك وقيل سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء وقبلتهم ومهبط الملائكة والوحي وفيه يحشر الناس يوم القيامة وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام وقيل كان هذا أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم للزيارة مكة في الأرض يعظم للزيارة وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث وروي أنه سمي الأقصى لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئا ولا ينقص وقوله تعالى ( ^ والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ) روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أقسم ربنا جل جلاله بأربعة أجبل فقال والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين قال التين طور سيناء مسجد دمشق والزيتون طور زيتا مسجد بيت القدس وطور سينين حيث كلم الله موسى عليه السلام وهذا البلد الأمين جبل مكة ومن أسماء بيت المقدس أيليا بهمزة مكسورة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء آخر الحروف ثم ألف ممدودة ككبرياء وحكى فيها القصر ومعناه بيت الله المقدس وبيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف أي المكان المطهر من الذنوب واشتقاقه من القدس وهي الطهارة والبركة فمعنى بيت المقدس المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب ويقال المرتفع المنزه عن الشرك والبيت المقدس بضم الميم وفتح الدال المشددة أي المطهر وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وبيت القدس بضم الدال وسكونها لغتان أتحاجوني في الله وقد هداني للتوحيد والحق ولا أخاف ما تشركون به وذلك انهم قالوا له احذر الأصنام فأنا نخاف إن تمسك بسوء من خبل أو جنون لسبك إياها فقال لهم لا أخاف ما تشركون به إلا إن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما _ أي أحاط علمه بكل شيء _ أفلا تتذكرون ثم لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ان يدعو قومه إلى التوحيد دعا أباه فلم يجبه ودعا قومه وفشا أمره واتصلت أخباره بنمروذ وهو ملك تلك البلاد ثم جاهد إبراهيم قومه بالبراءة مما كانوا يعبدون واظهر دينه وقال ( افرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وإباؤكم الأقدمون فانهم عدو لي إلا رب العلمين ) فقالوا له فمن تعبد أنت قال رب العالمين قالوا نحن ربنا نمروذ قال ( أنا عبد الله الذي خلقني فهو يهديني والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني والذي يميتني ثم يحييني والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكما والحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبى انه كان من الضالمين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) قال ففشا ذلك الخبر في الناس حتى بلغ النمروذ فدعاه إليه وقال يا إبراهيم أرايت الملك الذي بعثك وتدعو الناس إلى عبادته وتذكر عظيم قدرته ما هو فقال له إبراهيم هو ربي الذي يحيي ويميت فقال نمروذ أنا احيي وأميت قال إبراهيم كيف تحيي وتميت قال اخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي فاقتل أحدهما فاكون قد أمته ثم أعفو عن الأخر فاتركه فاكون قد أحييته قال فانتقل إبراهيم إلى حجة أخرى اعجز فان حجته كانت لازمة لانه أراد بالإحياء أحياء الميت فكان له ان يقول فاحي من أمت إن كنت صادقا فانتقل إلى حجة أخري أوضح من الأولي ( فقال إبراهيم إن الله ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر ) أي تحير واندهش وانقطعت حجته ومن أسماء بيت المقدس ورشلم بشين معجمة وتشديد اللام ويروى بالمهملة وكسر اللام ويروى شلم ومعناه بالعبرانية بيت السلام وصهيون بكسر الصاد المهملة ويقال لمسجد بيت المقدس الزيتون ولا يقال له الحرم وقد اختلف في أول من بنى مسجد بيت المقدس قبل داود عليه السلام فروى بعض العلماء أن أول من بناه الملائكة بأمر الله تعالى ويقال أن الذي بناه إسرافيل عليه السلام وقد روى المحدثون عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا ؟ قال المسجد الحرام قال قلت ثم أي ؟ قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما ؟ قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصل فإن الفضل فيه وقد روى أن الملائكة بنوا المسجد الحرام قبل خلق آدم بألفي عام فكانوا يحجونه قال الإمام أبو العباس القرطبي يجوز أن يكون بناه يعني مسجد بيت المقدس الملائكة بعد بنائها البيت المعمور بإذن الله تعالى وظاهر الحديث يدل على ذلك والله أعلم ومن العلماء من قال بني مسجد بيت المقدس آدم عليه السلام ومنهم من قال أسسه سام بن نوح عليهما السلام ومنهم من قال أول من بناه وأرى موضعه يعقوب بن إسحاق عليهما السلام روى أن أباه إسحاق أمره أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأمره أن ينكح من بنات خاله فلما توجه إلى خاله لينكح ابنته أدركه الليل في بعض الطريق فبات متوسدا حجرا فرأى فيما يرى النائم أن سلما منصوبا إلى باب من أبواب السماء والملائكة تعرج فيه وتنزل فأوحى الله إليه إني أنا الله لا إله إلا أنا وقد ورثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك من بعدك ثم أنا معك أحفظك حتى أدرك إلى هذا المكان فأجعله بيتا تعبدني فيه فهو بيت المقدس وقد تأول بعض العلماء معنى الحديث الشريف الوارد أن بناء المسجد الأقصى كان بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة على أن المراد به بناء يعقوب عليه السلام لمسجد بيت المقدس بعد بناء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الكعبة الشريفة والله أعلم ولما أراد إبراهيم عليه السلام ان يرى قومه ضعف الذي كانوا عليه وضعف الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى وعجزها إلزاما للحجة عليهم فجعل ينتظر لذلك فرصة إلى أن حضر عيد لهم وكان لهم في كل سنة عيد يخرجون إليه ويجتمعون فيه وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فيسجدون لها ثم يعودون إلى منازلهم فلما كان ذلك العيد قال آزر أبو إبراهيم لإبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا فخرج معهم فلما كان في بعض الطريق ألقى نفسه وقال اني سقيم فقعد ومضوا وهو صريع فلما مضوا نادى في أخرهم وقد بقي ضعفاء الناس _ ( تالله لاكيدن أصنامكم بعد إن تولوا مدبرين ) فسمعوا كلامه ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين أيدي الآلهة وقالوا إذا رجعنا تكون قد باركت الآلهة في طعامنا فنأكله فلما نظر إبراهيم عليه السلام إلى الأصنام والى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم _ على طريق الاستهزاء _ ( ألا تأكلون ) ؟ فلم يجبه أحد منهم فقال لهم ( مالكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين ) وجعل يكسرهم بفاس في يده حتى لم يبق منهم إلا الصنم الكبير فعلق الفاس في عنقه ثم خرج فذلك قوله تعالى ( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ) فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتم ورأوا أصنامهم جذاذا إلا كبيرا لهم ( قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين ) _ أي المجرمين _ قال الذين سمعوا كلام إبراهيم _ حيث قال وتالله لا كيدن أصنامكم بعد إن تولوا مدبرين _ سمعنا فتى يذكرهم يعيبهم ويسبهم يقال له إبراهيم وهو الذي نظن انه فعل هذا بآلهتنا فبلغ ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه قالوا ( فأتوا به على أعين الناس _ أي ظاهرا _ لعلهم يشهدون ) عليه انه الذي فعله كرهوا ان يأخذوه بغير بينة فلما أتوا به ( قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا ) والحديث الشريف المتقدم وهذه الأقوال تدل على أن بناء داود وسليمان عليهما السلام إياه لما كان على أساس قديم لا إنهما المؤسسان له بل هما مجددان وكل قول الأقوال الواردة في بناء المسجد الأقصى لا ينافي الآخر فإنه يحتمل أن يكون الملائكة أولا ثم جدده آدم عليه السلام ثم سام بن نوح عليهما السلام ثم يعقوب بن إسحاق عليهما السلام ثم داود وسليمان عليهما السلام فإن كل نبي منهم بينه وبين الآخر مدة أن يجدد فيها البناء المتقدم قبله والقول بأن سام نوح أسسه ظاهر فإن سام بن نوح هو الذي اختط مدينة بيت المقدس وبناها وكان ملكا عليها فلا يبعد أن يكون في المسجد حين بنائه المدينة ولكن يحمل على تجديده للبناء القديم لا تأسيسه والله اعلم وأما مدينة القدس فكانت أرضها في ابتداء الزمان صحراء بين أودية وجبال خالية لا بناء فيها ولا عمارة فأول من بناها واختطها سام بن نوح عليهما السلام وكان ملكا عليها وكان يلقب مليكيصادق بفتح الميم وسكون اللام وكسر الكاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الصاد المهملة وبعدها ألف ثم دال مهملة مكسورة فيها قاف ومعناه بالعبرانية ملك الصدق ومما حكي في أمر بناء القدس في تواريخ الأمم السالفة أن مليكيصادق نزل في بيت المقدس وقطن بكهف من جبالها يتعبد فيه واشتهر أمره حتى بلغ ملوك الأرض من هم بالقرب من أرض بيت المقدس وبالشام وسدوم وغيرهما وعدتهم اثنا عشر فحضروا إليه فلما رأوه وسمعوا كلامه اعتقدوه وأحبوه حبا شديدا ودفعوا مالا ليعمر به مدينة القدس فاختطها وعمرها وسميت بروشليم وتقدم أن معناه عمرانية بيت السلام فلما انتهت عمارتها اتفقت الملوك كلهم أن يكون مليكيصادق عليها وكنوه بأبي الملوك وكانوا بأجمعهم تحت طاعته واستمر حتى مات بها يأتي ذكر مولده ووفاته عند ذكر والده نوح ان شاء الله تعالى ولما بنيت مدينة بيت المقدس كان محل المسجد في وسطها وهو صعيد واحد صخرة الشريفة قائمة في وسطه حتى بناه داود ثم سليمان كما سنذكر إن شاء الله تعالى غضب من ان تعبدوا معه هؤلاء الصغار وهو اكبر منهم فكسرهم وأراد إبراهيم عليه السلام بذلك إقامة الحجة عليهم فذلك قوله تعالى ( فاسألوهم إن كانوا ينطقون ) حتى يخبروا من فعل بهم ذلك روى أبو هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكذب إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث كاذبات ثنتان منهن في ذات الله عز وجل قوله اني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله لسارة هذه أختي وليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله وانما إطلاق الكذب علي هذا تجوز ويجوز ان يكون الله تعالى قد أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبخهم والاحتجاج عليم كما إذن ليوسف عليه السلام حيث أمر مناديه فقال لاخوته ( أيتها العير إنكم لسارقون ) ولم يكونوا سرقوا فرجعوا إلى أنفسهم أي تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم فقالوا ما نراه إلا كما قال إنكم أنتم الظالمون يعني بعبادتكم من لا يتكلم ثم نكسوا على رؤسهم أي ردوا إلى الكفر بعد ان اقروا على أنفسهم بالظلم ( وقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) فكيف نسألهم ؟ فلما اتجهت الحجة عليهم لإبراهيم عليه السلام قال ( أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ) ان عبد تموه ولا يضركم ان تركتم عبادته ( أف لكم _ أي نتنا لكم وقذرا لكم _ ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ) فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب ( قالوا احرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) أي ان كنتم ناصرين لها فلما جمع نمروذ قومه لإحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا بنيانا كالحضيرة قيل طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملؤه من الحطب وأوقدوا فيه النار ليطرحوه فيه فلم يطيقوا لشدة حر النار ان يقربوها ولا علموا كيف يلقوه فيها فجاء إبليس وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه ثم عمدوا إلى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فرفعوه عل رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه في المنجنيق ( ذكر أول ما خلق الله سبحانه وتعالى ) قال ابن عباس رضي الله عنهما أول ما خلق الله تعالى اللوح المحفوظ فحفظه بما كتب الله فيه مما كان ويكون لا يعلم ما فيه إلا الله عز وجل وهو من درة بيضاء دفتاه ياقوتتان حمراوان وهو في عظم لا يوصف وخلق الله قلما من جوهرة طولها مسيرة خمسمائة عام مشقوق السن ينبع منه النور كما ينبع من أقلام أهل الدنيا المداد ثم نودي القلم أن اكتب فاضطرب من هول النداء حتى صار له ترجيع كترجيع الرعد ثم جرى في اللوح بما هو كائن وما هو فاعله في الوقت الذي يفعله إلي يوم القيامة فامتلأ اللوح وجف القلم سعد من سعد وشقي من شقي وخلق الله الماء ثم خلق الله من بعد ذلك درة بيضاء في عظم السماوات والأرضين ثم نادها الرب سبحانه وتعالى فاضطربت وذابت من هول النداء حتى صارت ماء يموج بعضها في بعض ثم نودي أن أسكن فاستقر وهو ماء صافي لا كدر فيه ولا موج ولا زبد ( خلق العرش والكرسي والريح ) ثم خلق الله تعالى العرش والكرسي من جوهرتين عظيمتين ووضعهما على تيار الماء قال الله تعالى ( وكان عرشه على الماء ) قال ابن عباس رضي الله عنهما كل صانع بني الأساس فإذا تم يتخذ عليه السقف وإن الله تعالى خلق السقف أولا ثم خلق الأساس لأنه خلق العرش قبل السماوات والأرضين ثم خلق الله الريح وجعل لها أجنحة لا يعلم كثرتها إلا الله وأمرها أن تحتمل هذا الماء وكان العرش على الماء والماء على الريح ثم خلق الله حملة العرش وهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أخر فذلك قوله مقيدا مغلولا والقوة في النار فكانت عليه بردا وسلاما ولما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن المياه وقال يا ابر أهيم أن أردت أن اخمد لك النار أخمدتها فقال لا ثم أتاه خازن الرياح وقال له ان شئت طيرت لك النار في الهواء فقال إبراهيم عليه السلام لا حاجة لي بكم حسبي الله ونعم الوكيل ولما القي في النار كان ابن ستة عشر سنة وقد مدحه الله في كتابه العزيز بقوله تعالى ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) والكلمات التي ابتلاه الله بها من اجل شرائع الإسلام واعز ما امتحن به أهل الإيمان ولذلك مدحه الله تعالى بقوله ( وإبراهيم الذي وفى ) ومعنى النوفية هو الإتمام لما طلب به في دينه وماله ونفسه وولده فأتم الجميع على الوجه المطلوب ولما صنع له نمروذ المنجنيق وألقاه في النار ظهر تحقيق الابتلاء وصدق الولاء وذلك انه لما نزل به من عدوه ما نزل ووضع في المنجنيق استغاثت الملائكة قائلة يا رب هذا خليلك قد نزل به من عدوك ما أنت اعلم به فقال الله تعالى لجبريل اذهب إليه فان استغاث بك فأغثه وإلا فاتركني وخليلي فتعرض له جبريل وهو يقذف به في لجة الهواء إلى النار وقال له هل لك من حاجة فقال أما إليك فلا وأما إلى الله فبلي قال جبريل فسل ربك فقال إبراهيم حسبي من سؤالي علمه بحالي ولم يستعن بغير الله ولا جنحت همته لما سوى الله تعالى بل استسلم لحكمه مكتفيا بتدبيره عن تدبير نفسه فاثنى الله تعالى عليه بقوله ( وإبراهيم الذي وفى ) فقال الله تعالى للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ونجاه من النار قال كعب الاحبار رضي الله عنه فجعل كل شي يطفئ عنه النار إلا الوزغ فانه كان ينفخ في النار قال الثعلبي رضي الله فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها وسماها فويسقة وعن علي رضي الله عنه انه قال أن البغال كانت تتناسل وكانت تعالى ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) وهم في عظم لا يوصفون ثم خلق الله حول العرش حية محدقة به رأسها من درة بيضاء وجسدها من ذهب وعيناها قوتتان لا يعلم عظم تلك الحية إلا الله تعالى فالعرش عرش العظمة والكبرياء الكرسي كرسي الجلال أو البهاء لأن الله تعالى لا حاجة له إليهما فقد كان قبل تكوينهما لا على مكان ( خلق الأرضين والجبال والبحار ) لما أراد الله خلق الأرضين أمر الريح أن تضرب الماء بعضه في بعض فلما اضطرب ازبدا وارتفعت أمواجه وعلا بخاره فأمر الله الزبد أن يجمد فصار يابسا فهو الأرض فدحاها على وجه الماء في يومين فذلك قوله تعالى ( ^ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) ثم أمر تلك الأمواج فسكنت فهي الجبال فجعلها عماد الأرض وذلك قوله تعالى ( ^ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم فلولاها لماجت الأرض بأهلها ) وعروق هذه الجبال متصلة بعروق جبل قاف وهو الجبل المحيط بالأرض ثم خلق الله تعالى سبعة أبحر فأولها محيط بالأرض وراء جبل قاف وكل بحر منها محيط بالبحر الذي تقدمه وأما هذه البحار التي على وجه الأرض فإنها بمنزلة الخليج لها وفي تلك البحار من الخلائق والدواب ما لا يعلم عدد إلا الله تعالى وخلق الله تعالى هذه البحار وما فيها من الدواب في اليوم الثالث ثم خلق الله تعالى أرزاقها وقدرها في اليوم الرابع وذلك قوله تعالى ( ^ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) وهي سبع أرضين كل أرض تلي الأخرى وكانت الأرض تموج بأهلها كالسفينة تذهب وتجيء لأنه لم يكن لها قرار فأهبط الله ملكا ذا بهاء عظيم وقوة وأمره الله أن يدخل تحتها فيحملها على منكبه فأخرج الله له يدا في المشرق ويدا في المغرب فقبض على أطراف الأرض وأمسكها الدواب في نقل الحطب لنار إبراهيم فدعا عليها إبراهيم فقطع الله نسلها وقال بعض العلماء لو لم يقل الله سبحانه ' وسلاما ' لأهلكه بردها انه لم يبق في ذلك الوقت نار تشتعل بمشارق الأرض ولا بمغاربها إلا خمدت إنها المعنية بالخطب وكان إبراهيم حين وضع في المنجنيق ورمي به جردت عنه ثيابه ولم يترك روى السراويل فقصد بعض السفهاء ان ينزع السراويل عنه فشلت يداه وكان بقيود فتلقاه جبريل عليه السلام ولم يضره ألم الهوى فلما استقر علي الأرض إذ ذاك جمر احمر تتلهب وتتوقد فلم يؤثر فيه شي من حرارتها وظهر للناظرين الأرض التي سقط عليها مخضرة مونقة وجليسه جليس صالح حسن الوجه كأحسن ما رآه راء ثم ألبسه قميصا من ثياب الجنة وفك قيده وآنسه جليسه ربك يقرئك السلام ويقول لك أما علمت إن النار لا تضر أحبابي ؟ لخليل عليه السلام حسبي الله ونعم الوكيل وكان عليه السلام أول من جرد ثيابه في سبيل الله تعالى فلذلك كساه الله المحل قميصا من الجنة وادخر له كسوة يكتسي بها أول الخلق يوم القيامة لك وهو بمشهد من الخلق ينظرون إليه فلما رآه قومه وقد أكرمه الله بما به آمن بالله جمع كثير في السر خوفا من نمروذ وخرج إبراهيم من مكانه وهو يمشي وفارقه جبريل عليه السلام فأقبل نحو فأرسل إليه نمروذ يسأله عن كسوته وعن رفيقه فقال له انه ملك أرسله في وقص عليه قصته فقال له نمروذ ان إلهك الذي تعبده لا له عظيم مقرب قربانا إليه وذلك لما رأيت من عوته وقدرته فيما صنع بك حين أبيت عبادته فقرب أربعة آلاف بقرة ثم احترم إبراهيم بعد ذلك وكف عنه وقد عذب الله النمرود بإرسال البعوض عليه وعلى حاشيته وجيوشه فأكلت ولم وشربت دماءهم وتركتهم عظاما ودخلت واحدة منها في منخر الملك نمروذ ثم لم يكن لقدميه قرار فخلق الله له صخرة مرتفعة من ياقوتة خضراء وأمرها حتى دخلت تحت قدمي الملك فاستقرت أقدام الملك عليها ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق الله للصخرة ثورا عظيما صفته لا يحيط بها إلا الله تعالى لعظمها وامره أن يدخل تحتها فحملها على ظهره وقيل على قرونه ثم لم يكن للثور قرار فخلق الله له حوتا عظيما لا يقدر أحد أن ينظر إليه لعظمه ولبروق عينيه وأمره الله تعالى أن يصير تحت قوائم الثور واسم هذا الحوت بهموت ثم جعل قراره على الماء وتحت الماء والهواء الظلمة والأرضون كلها على منكبي الملك والملك على الصخرة والصخرة على الثور والثور على الحوت والحوت على الماء والماء على الهواء والهواء على الظلمة ثم انقطع علم الخلائق بما تحت الظلمة ( العقل ) ثم خلق الله تعالى العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي منك بك آخذ وبك أعطي وعليك أنيب وبك أعاقب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العاقل هو الصادق الطويل صمته الذي يسلم الناس من شره فإن الله تعالى يدخله الجنة وإن الله تعالى ليعاقب العاقل يوم القيامة بما لا يعاقب به الجاهل وإن الجاهل هو الكاذب بلسانه الخائض فيما لا يعنيه وإن كان قارئا أوكاتبا ثم قال ما تزين العبد بزينة أحسن من العقل وما من شيء أقبح من الجهل فالعقل ما يحصل به التمييز وهو بعض العلوم الضرورية وهو غريزة نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه والمشهور عنه إنه في الدماغ وفاقا للحنفية وعند أصحاب أحمد والشافعي والأطباء أن محله القلب وله اتصال بالدماغ قال أصحاب أحمد العقل يختلف فعقل بعض الناس أكثر فلبثت في منخرة أربعمائة سنة عذب الله تعالى فكان رأسه بالمرازب في تلك المدة كلها حتى أهلكه الله تعالى بها وسلط الله على مدينة كوثا الزلازل حتى خربت قال الثعلبي رضي الله عنه لما حاجة إبراهيم في قال نمرود إن كان ما تقوله حقا فلا انتهي حتى اعلم ما في السماوات فبني صرحا عظيما ببابل ورام الصعود منه إلى السماء لينظر إلى إله إبراهيم عليه السلام واختلف في طول الصرح في السماء فقيل خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان ثم عمد إلى أربعة أفراخ من النسور فأطعمها اللحم والخبز حتى كبرت ثم قعد في تابوت ومعه غلام له قد حمل القوس والنشاب معه وجعل لذلك التابوت بابا من أعلاه وبابا من أسفله ثم ربط التابوت بأرجل النسور وغلق اللحم علي عصى فوق التابوت ثم خلى عن النسور فطارت النسور طمعا في اللحم حتى أبعدت في الهواء وحالت الريح بينها وبين الطيران فقال لغلامه افتح الباب الأعلى فانظر ففتحه فإذا السماء كهيئتها وفتح الباب الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة ونودي أيها الطاغي أين تريد فعند ذلك أمر غلامه فرمى سهما فعاد السهم إليه وهو ملطخ بالدم فقال كفيت شر اله السماء واختلف في ذلك السهم بأي شي تلطخ فقيل سمكة في السماء من بحر معلق في الهواء وقيل أصاب طيرا من الطيور فتلطخ بدمه ثم أمر نمرود غلامه إن يصوب العصي وينكس اللحم ففعل ذلك فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال خفقان هبوط التابوت والنسور ففزعت وظنت انه قد حدث في السماء حادث أو إن الساعة قد قامت فذلك قوله تعالى ( وان كان مكرهم لتزول منه الجبال ) ثم أرسل الله تعالى على صرح نمروذ ريحا فألقت رأسه في البحر وانكفأت بيوتهم وأخذت نمروذ الرجفة وتبلبلت ألسن الناس حين سقط الصرح من الفزع فتكلموا بثلاث وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل لتبلبل الألسنة بها ( خلق الله السماوات وسكانها وصفة الملائكة وخلق الشمس والقمر ) قال ابن عباس رضي الله عنهما أمر الله تعالى البخار الذي علا من الماء أن الهواء فخلق الله تعالى منه السماء في يومين فكانت أرضا واحدة في يومين واحدة في يومين وما بينهما في يومين أيام ثم تفتقت السماء والأرض خوفا من صارت سبع سماوات وسبع أرضين وذلك قوله تعالى ( ^ أو لم يرى الذين كفروا السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ثم قال فقضاهن سبع سماوات في يومين من في كل سماء أمرها فالسماء الأولى من زبرجدة خضراء وسكانها ملائكة على صورة البقر والسماء الثانية من ياقوتة حمراء وسكانها ملائكة على صورة العقبان والسماء الثالثة من ياقوتة صفراء وسكانها ملائكة على صورة النسور والسماء الرابعة من فضة بيضاء وسكانها ملائكة على صورة الخيل والسماء الخامسة من ذهب وسكانها ملائكة على صورة الحور العين والسماء السادسة من درة بيضاء وسكانها ملائكة على صورة الولدان والسماء السابعة من نور يتلألأ وسكانها ملائكة عل صورة بني آدم وهؤلاء ملائكة لا يفترون عن التسبيح فذلك قوله تعالى ( ^ يسبحون الليل والنهار - - - ) فأفضلهم جبريل وهو الروح الأمين له ستة أجنحة في كل جناح مائة روح وله وراء ذلك جناحان أخضران ينشرهما ليلة القدر وجناحان ينشرهما عند ذو القرى والأجنحة كلها من أنواع الجواهر ويليه إسرافيل وهو ملك عظيم الشأن وله أربعة أجنحة جناح يسد به المشرق جناح يسد به المغرب والثالث يسد به ما بين السماء والأرض والرابع قد إلتثم به تحت الأرض السابعة ورأسه قد انتهى إلى أركان قوائم العرش وبين عينيه من جوهرة فإذا أراد الله أن يحدث في عباده أمرا أمر القلم أن يخط في اللوح واستجاب لإبراهيم عليه السلام جماعة من قومه حين رأوا صنع الله عز وجل من برد النار وغير ذلك من المعجزات فآمن به لوط وهو ابن أخيه و آمنت به سارة زوجته وقد ذكر المؤرخون والمفسرون قصة إبراهيم عليه السلام مع نمروذ وأخباره وما وقع له بأبسط من هذا والغرض في هذا الكتاب الاختصار والله المستعان ( ذكر هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام ) لما نجى الله تعالى خليله من نار النمروذ الجبار استجاب له رجال و آمن معه قوم على خوف من نمروذ وملأه ثم أن إبراهيم ومن كان آمن معه من أصحابه اجمعوا على فراق نمروذ وقومهم ( فقالوا لقومهم أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) ورحل هو وأهله ومن معه من قومه ونزلوا بالرها ثم سار إلى مصر ويقال إلى بعلبك وصاحبها يومئذ فرعون فذكر لفرعون حسن سارة وجمالها _ زوجة الخليل عليه السلام وهي ابنة عمه هاران _ فسئل إبراهيم عنها فقال هذه أختي _ يعني في الإسلام _ خوفا أن يقتله فقال له زينها و أرسلها إلى فأقبلت سارة إلى الجبار وقام إبراهيم يصلي فلما دخلت عليه وراها أهوى إليها أراد أن تناولها بيده فأيبس الله يده وجله فلما تخلى عنها أطلق الله يده ورجله فعاد إليها فصار له كالأولى حتى صار له ذلك مرارا وكان هذا تكرمة منه تعالى قال فأطلقها ووهبها هاجر وفي بعض الأخبار أن الله تعالى رفع الحجاب بين إبراهيم وبين سارة حتى ينظر إليها من وقت خروجها من عنده إلى وقت انصرافها كرامة لها وتطييبا لقلب إبراهيم عليه السلام ثم يدلي اللوح إلى إسرافيل فيكون بين عينيه ثم ينتهي الوحي إلى جبريل عليه السلام وهو أقرب من إسرافيل ومن وراء البيت المعمور ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى وفي السماء السابعة البحر المسجور وأما ملك الموت عزرائيل فسكنه في سماء الدنيا وقد خلق الله له عيونا بعدد من يذوق طعم الموت رجلاه في تخوم الأرض ورأسه في السماء العليا عند آخر الحجب ووجهه مقابل اللوح المحفوظ وهو ينظر إليه وكل الخلق بين عينيه ولا يقبض روح مخلوق إلا بعد أن يستوفي رزقه وينقضي أجله ( خلق الشمس والقمر ) ثم خلق الله الشمس والقمر فالشمس من نور عرشه والقمر من نور حجابه الذي يليه وأثنى الله تعالى عليهما فقال ( ^ وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) ثم وكل بهما جمعا من الملائكة يرسلونهما بمقدار ويقبضونهما بمقدار فذلك قوله تعالى ( ^ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) فما نقص من أحدهما زاد في الآخر وقال أهل التوراة ابتدأ الله تعالى الخلق في يوم الأحد انتهى في السبت فاستوى على العرش فيه فاتخذوا السبت عيدا وقالت النصارى وقع الابتداء في يوم الاثنين والانتهاء في الأحد ثم استوى على العرش فيه فاتخذوا الأحد عيدا قال ابن عباس رضي الله عنهما كان الابتداء في السبت والانتهاء يوم الجمعة سيد الأيام وهو عند الله أعظم من يوم الفطر ويوم الأضحية وفيه ستة فضائل فيه خلق الله آدم عليه السلام وفيه نفخ الروح فيه وفيه تاب الله عليه وفيه توفاه وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أعطاه الله إياه ما لم يكن حراما وفيه تقوم الساعة ( ذكر الجنة والنار وما فيهما ) ثم خلق الله الجنة وهي ثمان جنات أولها دار الجلال من اللؤلؤ الأبيض والسلام وهي من الياقوت الأحمر ثم جنة المأوى وهي من الزبرجد الأخضر جنة الخلد وهي من المرجان الأصفر ثم جنة النعيم وهي من الفضة البيضاء ثم الفردوس وهي من الذهب الأحمر ثم جنة دار القرار وهي من المسك ثم جنة عدن من الدر وهي مشرفة على الجنان لها بابان من ذهب بين كل مصراع كما بين السماء والأرض وبناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة بلاطها المسك وترابها العنبر ريشها الزعفران وقصورها اللؤلؤ وغرفها الياقوت وأبوابها الجوهر وفيها أنهار نهر الرحمة ونهر الكوثر وهو لنبينا صلى الله عليه وسلم ونهر الكافور ثم التسنيم السلسبيل ثم الرحيق وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى وللجنان ثمانية أبواب فيها من الحور العين ما لا يقدر على وصفهن إلا الذي خلقهن وأما جهنم فلها سبع أبواب أولها جهنم والثاني لظى والثالث الحطمة والرابع السعير والخامس سقر والسادس الجحيم والسابع الهاوية ولها سبع طباق أشجار من النار شوكها كأمثال الرماح الطوال تتلظى بالنيران وعليها ثمار نار في كل ثمرة حية تأخذ بأجفان عين الكافر وشفته تسقط لحمه إلى قدميه عقارب وأسود وذئاب وكلاب من نار وزبانية بأيديهم مقامع من نار وعليها تسعة عشر من الملائكة كما قال الله تعالى ( ^ لواحة للبشر عليها تسعة عشر ) وقال تعالى ( ^ عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ( ذكر الجن والجان وما كان من ابتداء أمرهم وعبادة إبليس ) روي عن وهب قال خلق الله نار السموم وهي نار لا حر لها ولا دخان ثم خلق الله منها الجان فذلك قوله تعالى ( ^ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) وخلق الله خلقا عظيما وسماه مارجا وخلق منه زوجه وسماها مرجة فواقعها ولدت الجان وولد للجان ولد فسماه الجن فمنه تفرغت قبائل الجن ومنهم إبليس جن وكان يلد من الجان الذكر والأنثى ومن الجن كذلك توأمين فصاروا سبعين وقربه إليهم وكان من شأنه ما نص الله عز وجل في كتابه العزيز وسنذكر ملخص القصة عند ذكر سيدنا إسحاق عليه السلام فمضى إبراهيم معهم إلى قرب ديار قوم لوط فقالوا له أقعدها هنا فقعد وسمع صوت الديكة في السماء فقال هذا هو الحق اليقين فأيقن بهلاك القوم فسمى ذلك الموضع مسجد اليقين وهو على نحو فرسخ من بلد سيدنا إبراهيم الخليل ثم رجع إبراهيم الخليل عليه السلام وسيأتي ذكر القصة عند سيدنا لوط عليه السلام ( قصة بناء الكعبة المشرفة وذكر سيدنا اسماعيل عليه السلام ) قد تقدم أن إبراهيم الخليل عليه السلام لما سار إلى مصر ومعه زوجته سارة ووهبها فرعون مصر هاجر فلما قدم إلى الشام وأقام بين الرملة وايليا وكانت سارة لا تحبل وهبت هاجر لإبراهيم عليه السلام فواقعها فحملت وولدت اسماعيل عليه السلام ومعنى اسماعيل بالعبرانية مطيع الله وكانت ولادته لمضي ست وثمانين سنة من عمر إبراهيم عليه السلام فغارت سارة وحزنت لذلك فوهبها الله تعالى إسحاق ولدته ولها تسعون سنة ثم غارت سارة من هاجر ومن ولدها اسماعيل وطلبت من إبراهيم إن يخرجهما عنها فأخذهما إبراهيم وسار بهما إلى ارض الحجاز وتركهما بمكة وذلك كله بإذن الله تعالى وليس بمكة يومئذ أحد ولا بها ماء فوضع هاجر وإسماعيل ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفل إبراهيم عليه السلام منطلقا فنهضت أم اسماعيل خلفه وقالت يا إبراهيم إلى أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شي وقالت له ذلك مرارا فلم يلتفت إليها فقالت له الله أمرك بهذا فقال نعم فقالت إذا لا يضيعنا ربنا ثم رجعت 15 ألفا وتوالدوا حتى بلغوا عدد الرمل فتزوج إبليس امرأة من ولد الجان فكثر أولاده وانتشروا حتى امتلأت الأقطار منهم ثم أسكن الله الجان في الهواء وإبليس وأولاده في سماء الدنيا وأمرهم بالعباد والطاعة فكانت السماء تفتخر على الأرض بأن الله رفعها وجعل فيها ما لم يكن في الأرض فشكت الأرض إلى خالقها الوحشة إذ ليس على ظهرها خلق يذكرون الله فنوديت الأرض اسكني فإني خالق من اديمك صورة لا مثل لها في الجن وأرزقها العقل واللسان وأعلمها من علمي وأنزل عليها من كلامي فأملأ منها بطنك وظهرك وشرقك وغربك على مزاج ترتبك في الألوان والخيرية والشرية فافتخري يا أرض على السماء بذلك فاستقرت الأرض وهي مع ذلك بيضاء نقية كأنها الفضة البيضاء فأشرفت الجان على الأرض وقالت ربنا أهبطنا إلى الأرض فأذن الله لهم بذلك على أن يعبدون ولا يعصوه فأعطوه العهود على ذلك ونزلوا وهم ألوف فعبدوا الله حق عبادته دهرا طويلا ثم أخذوا في المعاصي وسفك الدماء حتى استغاثت الأرض منهم وقالت ان خلوي يا رب أحب إلي من أن يكون على ظهري من يعصيك فأوحى الله إليها أن اسكني فإني باعث إليهم رسلي قال كعب الأحبار فأول نبي بعثه الله من الجان نبيا منهم يقال له عامر بن عمير بن الجان فقتلوه ثم بعث لهم من بعد عامر صاعق بن ماعق بن مارد بن الجان فقتلوه حتى بعث الله إليهم ثمانمائة نبي في ثمانمائة سنة في كل سنة نبيا وهم يقتلونهم فلما كذبوا الرسل أوحى الله إلى أولاد الجن في السماء أن أنزلوا إلى الأرض وقاتلوا من فيها من أولاد الجان وعليهم إبليس اللعين فقاتلهم إبليس اللعين هو ومن كان معه حتى أدخلهم إلى بقعة من الأرض فاجتمعوا فيها فأرسل الله عليهم نارا فأحرقهم وسكن إبليس الأرض مع الجن وعبد الله حق عبادته فكانت عبادته أكثر من عباداتهم كلهم ثم رفعه الله تعالى إلى سماء الدنيا لكثرة عبادته فعبد الله فيها ألف سنة حتى سمي فيها وانطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث انهما لا يرونه استقبل القبلة بوجهه ودعا بهذه الدعوات ورفع يديه ( فقال رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) وأما أم اسماعيل فجعلت ترضع اسماعيل عليه السلام وتشرب من ذلك الماء حتى نفد ما في السقاء فعطشت وعطش ولدها فجعلت تنظر إليه وهو يتلوى من شدة العطش فانطلقت كراهة ان تنظر إليه وهو على تلك الحالة فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض إليها فقالت عليه ثم استقبلت الوادي وجعلت تنظر إليه لعلها تنظر أحدا فلم تنظر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سمعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي وهي تنظر لخالقها ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت عل المروة سمعت صوتا فقالت مه - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت الصوت ثانيا فقالت قد سمعت إن كان عندك غوث فأغث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه _ أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوطه وتقول بيديها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تقول _ بعدما تغرف _ زم زم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم _ أو قال لو لم تغرف من الماء _ لكان زمزم عينا معينا قال فشربت و أرضعت ابنها فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فان هاهنا بيت الله الحرام وسيبنية هذا الغلام وأبوه وان الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ثم نزل هناك أبيات من جرهم وشب اسماعيل عليه السلام وتعلم العربية ثم رفعه الله تعالى إلى السماء الثانية فعبد الله فيها ألف سنة ثم رفعه إلى مائة فعبد الله كذلك حتى رفعه إلى السماء السابعة فيقال إنه في يوم السبت يكون الأولى ويوم الأحد في الثانية حتى إذا كان يوم الجمعة يكون في السماء السابعة الله في كل سماء يوما وكان إبليس لعنة الله بمنزلة عظيمة بحيث إذا مر به جبريل أو ميكائيل أو أحدهما من الملائكة يقول بعضهم لبعض لقد أعطى الله هذا العابد من القوة على طاعة ما لم يعط أحدا من الملائكة فلما كان بعد ذلك بدهر طويل أمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يهبط إلى الأرض ويقبض قبضة من شرقها وغربها ووعرها وسهلها ليخلق منها خلقا جديدا ليجعله أفضل الخلائق فعرف ذلك إبليس فهبط الأرض حتى وقف في وسطها وقال لها إني جئتك ناصحا فقالت وما نصحك بابن العابدين وإمام الزاهدين ؟ فقال لها إن الله يريد أن يخلق منك خلقا يفضله من جميع خلقه وأخاف منه أن يعصيه فيعذبه وقد أرسل الله إليك جبريل فإذا جاءك فسمى عليه أن لا يقبض منك شيئا فلما هبط جبريل عليه السلام نادته الأرض وقالت يا جبريل بحق من أرسلك ألا تقبض مني شيئا فإني أخاف أن يخلق الله مني خلقا فيعصيه ذلك الخلق عذبه بالنار فارتعد جبريل من هذا القسم فرجع ولم يأخذ منها شيئا فأخبر جبريل ربه بذلك فبعث الله ميكائيل ليأتيه بالقبضة فكانت حالته كحال جبريل بعث الله ملك الموت فلما هم أن يقبض ما أمره ربه أقسمت عليه أيضا فقال ملك الموت عليه السلام وعزة ربي لا اعصي له أمرا فقبض منها قبضة من جميع أنواعها عذبها ومالحها وحلوها ومرها وطيبها وخبثها وكل ابن آدم مخلوق من تلك قبضة فلما رجع ملك الموت بالقبضة وقف في موقفه أربعين عاما لا ينطق ثم أتاه النداء يا ملك الموت ما الذي صنعته ؟ - وهو أعلم - فأخبره بقسمه منهم فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أمه هاجر فجاء إبراهيم عليه السلام فلم يجد اسماعيل فسأل امرأته فقالت خرج يبتغي لنا الصيد ثم سألها عن عيشهم فقالت نحن بشر وشكت إليه بعلها فقال لها إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسماعيل أخبرته بما كان قال ذلك أبي امرني ان أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج بأخرى منهم فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله تعالى ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده فسأل امرأته فقالت خرج يبتغي لنا صيدا فقال لها كيف أنتم فقالت نحن بسعة وبخير من الله تعالى و أثنت على بعلها خيرا وشكرت الله تعالى فقال لهما طعامكم ؟ قالت اللحم قال فما شرابكم ؟ قالت الماء فقال اللهم بارك لهم في اللجم والماء ثم قال لها إذا جاء زوجك فأقرئي عليه مني السلام وأمريه ان يثبت عتبة بابه فلما جاء اسماعيل أخبرته بما قال فقال ذلك أبي وأنت العتبة أمرني ان أمسكك ثم انه لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك _ وكان اسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم _ فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم شرعا في بناء الكعبة وقد اختلف في أول من بنى الكعبة فقيل الملائكة بإذن الله تعالى وقيل آدم عليه السلام ولكن اندرس في زمان الطوفان ثم أظهره الله تعالى لإبراهيم عليه السلام حتى بناه وقصة بناء إبراهيم عليه السلام مشهورة وملخصها ان إبراهيم عليه السلام لما سار من الشام وقدم مكة قال يا اسماعيل ان الله امرني ان ابني له بيتا هاهنا و أشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها فقال اسماعيل السمع والطاعة لما قال ربنا قال إبراهيم وقد أمرك أن تعينني فقال اسماعيل إذا افعل فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة فكانا كلما بنيا دعوا فقالا ( ربنا تقبل منا وقسم الأرض عليه فقال تعالى وعزتي وجلالي لأخلقن مما أتيت به خلقا ولأسلطنك على قبض أرواحهم لقلة رحمتك بهم فجعل نصف تلك القبضة في الجنة ونصفها في النار وقال أنا الله الذي لا إله إلا أنا أقضي ولا يقضي علي ( ذكر آدم عليه السلام ) قال النبي صلي الله عليه وسلم إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأسود والأبيض وما بين ذلك ومنهم الحزن والسهل وبين ذلك وإنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ولما خلق الله جسد آدم تركه أربعين ليلة وقيل أربعين سنة ملقى بغير روح ( وقال الله تعالى للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فلما نفخ فيه الروح سجد له الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين ) ولم يسجد كبرا وبغيا فأوقع الله تعالى على إبليس اللعنة والاياس من رحمته وجعله شيطانا رجيما وأخرجه من الجنة بعد أن كان ملكا على سماء الدنيا والأرض وخازنا من خزنة الجنة واسكن الله تعالى آدم الجنة ثم خلق الله تعالى من ضلع آدم حواء زوجته سميت بذلك لأنها خلقت من شيء حي فأوحى الله تعالى إليه ( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) ثم أراد إبليس عليه اللعنة أن يدخل الجنة ليوسوس لآدم وحواء فمنعه الخزنة فعرض نفسه على دواب الأرض أن تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته فكل الدواب أبت ذلك إلا الحية فإنها أدخلته الجنة بين نابيها وكانت إذ ذاك على غير شكلها الآن فلما دخل إبليس الجنة وسوس لآدم وحواء وحسن عندهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها وهي الحنطة في قول وقرر عندهما بعد أن حلف لهما إنهما إن أكلا منها خلدا ولم يموتا ( فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما ) أي ظهرت لهما إنك أنت السميع العليم ) وكان وقوف إبراهيم علي حجر وهو يبني وذلك الموضع هو مقام إبراهيم واستمر البيت على ما بناه إبراهيم إلى أن هدمته قريش سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنوه وكان بناء الكعبة بعد مضي مائة سنة من مولد إبراهيم عليه السلام فيكون بالتقريب بين بناء الكعبة وبين الهجرة الشريفة ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة كاملة فيكون الماضي من بناء إبراهيم الخليل الكعبة الشريفة إلى آخر تسعمائة سنة من الهجرة النبوية ثلاثة آلاف وستمائة وثلاث وتسعين سنة والله أعلم وسيأتي ذكر ما وقع في الكعبة الشريفة من الهدم والبناء في السيرة الشريفة المحمدية وفي ذكر بناء عبد الملك بن مروان لمسجد بيت المقدس ان شاء الله تعالى ( ( ذكر قصة الذبيح ) ) ثم أمر الله إبراهيم عليه السلام ان يذبح ولده وفداه الله تعالى بكبش وقد اختلف في الذبيح هل هو إسحاق أم اسماعيل فالكنعانيون يقولون انه إسحاق وهو قول علي وابن مسعود وكعب ومقاتل وقتادة وعكرمة والسدي وقال ابن عباس رضي الله عنهما هو اسماعيل وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي والحسن ومجاهد وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قال ان الذبيح إسحاق فقد احتج بقوله عز وجل ( فبشرناه بغلام حليم ) فلما بلغ معه السعي أمره بذبح من بشر به وليس في القران انه بشر بولد غير إسحاق ومن قال ان الذبيح اسماعيل احتج له بما قيل ان ذكر البشرى بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال تعالى ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) فدل على ان المذبوح غيره عوراتهما وكانا لا يريان ذلك فقال الله تعالى ( اهبطوا بعضكم لبعض عدو ) وهم آدم وحواء وإبليس الحية فأهبطهم الله من الجنة إلى الأرض وسلب عن آدم وحواء كل ما كانا فيه من نعمة والكرامة فهبط آدم بسر نديب من أرض الهند على جبل يقال له نود وحواء بجدة وإبليس بايلة والحية باصفهان فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعارفا فسمي ذلك اليوم عرفة والموضع عرفات وكان هبوط آدم من باب التوبة وهبوط حواء من باب الرحمة وإبليس من باب اللعنة والحية من باب السخط وكان في وقت العصر وكان بين هبوط آدم والهجرة النبوية ستة آلاف سنة ومائتان وستة عشر سنة على حكم التوراة اليونانية وهي المعتمدة عند المحققين من المؤرخين وفي ذلك خلاف لا فائدة اذكره خشية الإطالة وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة كاملة فيكون الماضي من هبوط آدم إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة سبعة آلاف سنة ومائة وستة عشر سنة وهو المعتمد عند المؤرخين ولما هبط آدم إلى الأرض كان له ولدان هابيل وقابيل فقربا قربانا فتقبل من هابيل ولم يتقبل قربان قابيل فحسده على ذلك وكان لقابيل أخت توأمة وكانت حسن من توأمة هابيل وكان آدم أراد أن يزوج توأمه قابيل بهابيل وعكسه فلم يطب لقابيل ذلك ورأى قربان أخيه قد تقبل دون قربانه فقتل أخاه هابيل وأخذ قابيل توأمته وهرب بها وعاش آدم عليه السلام تسعمائة وثلاثين سنة وذلك باتفاق المؤرخين وكان آدم رجلا طويلا كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس قد بلغ عدد ولده لصلبه وولد ولده لما توفى أربعين ألفا ونزل عليه جبريل عليه السلام أثني عشر مرة وقد تقدم ذكر الخلاف في إنه أول من بنى مسجد بيت المقدس وقد اختلف في مدفنه فقيل أن قبره في مغارة بين القدس ومسجد إبراهيم رجلاه عند الصخرة ورأسه عند مسجد إبراهيم عليه السلام والخلاف في ذلك كثير وأما قصة الذبيح فقال البغوي قال السدي لما دعا إبراهيم عليه السلام وقال ( رب هب لي من الصالحين ) وبشر به فقال هو اذا ذبيح فلما ولد وبلغ معه السعي قال له أوف بنذرك هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه فعند ذلك قال لابنه انطلق بنا لنقرب قربانا لله عز وجل فأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب بين الجبال فقال له الغلام يا أبت أين قربانك فقال ( يا بني اني آري في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر فلما اسلما - أي انقادا لأمر الله تعالى وخضعا _ وتله للجبين ) _ أي صرعه على الأرض _ فقال له ابنه الذي أراد ذبحه يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شي فينقص اجري وتراه أمي فتحزن علي واستحد شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فان الموت شديد وإذا أتيت أمي فاقرىء عليها السلام مني وان رأيت ان ترد قميصي على أمي فعسى أنه يكون اسلاء لها عني فقال له ابر أهيم نعم العون أنت يا بني على أمر الله تعالى قال ففعل إبراهيم ما أمره الغلام وقبله بين عينيه وقد ربطه وهو يبكي ثم وضع السكين على حلقه وجعل يجرها على حلقه فلا تقطع فقال الابن عند ذلك يا أبت كبني على وجهي فانك إذا نظرت إلى وجهي رحمتني وادركتك الرأفة فتحول بيني وبينك وبين أمر الله تعالى وأنا لا انظر الشفرة فأجزع ففعل إبراهيم ذلك ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل عليه السلام ومعه كبش املح اقرن وقال هذا فداء ابنك فاذبحه دونه فكبر جبريل عليه السلام وكبر الكبش وكبر إبراهيم عليه السلام وكبر ابنه فأخذ إبراهيم الكبش واتى به المنحز من منى فذبحه وكان ذلك الذبيح كبشا رعى في الجنة أربعين خريفا قال القرطبي سئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلا كان من علماء اليهود _ اسلم وحسن إسلامه _ أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال اسماعيل ثم بعد قتل هابيل لآدم شيث عليه السلام وهو وصيه وتفسير شيث هبة الله عاش تسعمائة سنة وأثنى عشر سنة ومات لمضي ألف ومائة واثنين وأربعين سنة لهبوط آدم والي شيث تنتهي أنساب بني آدم كلهم ثم ولد لشيث أنوش عاش تسعمائة سنة وخمسين سنة ثم ولد لأنوش قينان عاش تسعمائة وعشرين سنة ثم ولد لقينان مهلاييل عاش ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة ثم ولد لمهلاييل يود - بالدال المهملة - عاش تسعمائة واثنين وستين سنة ثم ولد ليود حنوخ - بخاء مهملة ونون وواو وخاء معجمة - وهو إدريس عليه السلام وأدرك إدريس من حياة شيث جد جده عشرين سنة ولما صار له من العمر ثلاثمائة وخمس وستون سنة رفعه الله إلى السماء وكان قد نبأه الله وانكشف له الأسرار السماوية ونزل عليه جبريل عليه السلام أربع مرات وله صحف ( منها ) لا تروموا أن تحيطوا بالله خبره فإنه أعظم وأعلى من أن تدركه فطن المخلوقين إلا من أثره ثم ولد لحنوخ متوشلح - بتاء مثناة من فوق وآخره حاء مهملة - عاش تسعمائة وتسعا وستين سنة ثم ولد لمنوشلح لامخ ولما صار له من العمر مائة وثمان وثمانون سنة ولد له نوح ( ذكر نوح عليه السلام ) واسمه عبد الغفار ولد بعد أن مضى ألف وستمائة وثنتان وأربعون سنة من هبوط آدم عليه السلام وكان بعد رفع إدريس إلى السماء بمائة وخمس وسبعين سنة ويقال أن دمشق كانت دار نوح عليه السلام وأرسله الله تعالى إلى قومه وكانوا أهل أوثان فصار يدعوهم إلى طاعة الله وهم لا يلتفتون إليه وكانوا يخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وكانوا يضربونه حتى يظنوا انه مات فإذا أفاق اغتسل وأقبل عليهم وهو يدعوهم إلى الله تعالى فلما طال ذلك شكاهم إلى الله تعالى فأوحى الله إليه إنه لن يؤمن من قومك ثم قال يا أمير المؤمنين ان اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معاشر العرب على ان يكون أبوكم هو الذبيح ويزعمون انه إسحاق أبوهم وروى الثعلبي عن الصهاجي قال كنا عند معاوية فذكروا اسماعيل الذبيح أو إسحاق فقال على الخبير سقطنم كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل وقال له ابن الذبحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان فقال ان عبد المطلب لما حفر زمزم نذر لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد أولاده فخرج السهم على ولده عبد الله فمنعه أخواله من ذلك وقالوا له بل افد ولدك بمائة من الإبل ففداه والثاني اسماعيل عليه السلام ومن زعم ان الذبيح إسحاق فيقول كان موضع الذبح بالشام على ميلين من ايليا وهي بيت المقدس وزعمت اليهود انه كان على صخرة بيت المقدس ومن يقول ان الذبيح اسماعيل فيقول ان ذلك كان بمكة المشرفة و أرسل الله اسماعيل إلى قبائل اليمن والى العماليق وزوج اسماعيل ابنته من ابن أخيه العيص بن إسحاق وعاش اسماعيل مائة وسبعا وثلاثين سنة ومات بمكة ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر فكانت وفاته بعد وفاة أبيه إبراهيم عليه السلام بثمان واربعين سنة ولما ماتت سارة بعد وفاة هاجر تزوج إبراهيم الخليل عليه السلام امرأة من الكنعانيين وولدت منه ستة وهم يقشان وزمران ومدان ومديان ويشق وشرخ ثم تزوج امرأة أخري فولدت له خمسة بنين فكان جميع أولاد إبراهيم ثلاثة عشر ولد مع اسماعيل وإسحاق فكان اسماعيل اكبر أولاده فآثر اسماعيل ارض الحجاز وإسحاق ارض الشام وفرق سائر ولده في البلاد والله اعلم قد آمن فلما ايس منهم دعا عليهم فقال ( رب لا تذر على الأرض من بن ديارا ) فأوحى الله إليه أن اصنع السفينة فصنعها من خشب الساج فلما أقبل على عمل الفلك جعل يقطع الخشب ويضرب الحديد وكان قومه عليه وهو في عمله فيسخرون منه ويقولون يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة - - - عليه فقال لهم ( إن تسخروا منا فانا نسخر منكم إذا عاينتم عذاب الله كما - - - ) واتخذ السفينة وكان طولها ثلاثمائة ذراعا وعرضها خمسين ذراعا وطولها ثلاثين ذراعا وقيل غير ذلك فلما فار التنور وكان هو الآية بين نوح وبين ربه حمل نوح من أمره الله من أهله وغيرهم سوى ولده كنعان فانه كان كافرا ثم ادخل في السفينة ما أمره من الدواب واختلف في موضع التنور فقيل كان بالكوفة وقيل بالشام غير ذلك فلما دخل نوح ومن معه السفينة فتح الله عز وجل عيون الماء ففارت الأرض من البحار وأمطر الله من السماء ماء فارتفع الماء وجعلت الفلك تجري بهم كموج كالجبال وعلا الماء على رؤوس الجبال أربعين ذراعا فهلك كل من على وجه الأرض من حيوان ونبات سوى عوج ابن عناق - نسبة لأمه عناق بنت آدم - وهي أول نبت على وجه الأرض وعمت الفجور وعملت السحر وجاهرت بالمعاصي وولدت الجبار ولم يغرقه الطوفان ولا بلغ بعض جسده وطلب السفينة ليغرقها وكان ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع بالهاشمي وكان بالسحاب ويشرب منه وبتناول الحوت من قرار البحر ويشويه في عين حتى يرفعه إليها ثم يأكله وعاش ثلاثة آلاف سنة وعمر إلى زمان فرعون وقطع صخرة على قدر عسكر عليه السلام ليطرحها عليهم وكان المعسكر فرسخا في فرسخ فأرسل الله فنقر الصخرة فنزلت من رأسه إلى عنقه ومنعته الحركة فوثب موسى وكانت ( ( ذكر شراء المغارة ) ) عن كعب الاحبار رضي الله عنه قال أول من مات ودفن في حبرون سارة لك إنها لما ماتت خرج الخليل عليه السلام يطلب موضعا ليقبرها فيه ورجا ان ون موضعا بقرب حبري فمضى إلى عفرون وكان ملك الموضع وكان مسكنه فقال له إبراهيم بعني موضعا اقبر فيه من مات من أهلي فقال له عفرون لك قد ابحتك فادفن موتاك حيث شئت من ارضى فقال إبراهيم عليه السلام لا احب ذلك إلا بالثمن فقال له أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت عليه وطلب منه المغارة فقال له أبيعكما بأربعة آلاف درهم كل درهم وزن دراهم وكل مائة درهم ضرب ملك أراد بذلك التشديد عليه كي لا يجد من ذلك فيرجع إلى قوله فخرج إبراهيم الخليل من عنده فإذا جبريل عليه السلام واقف فقال له يا إبراهيم إن الله قد سمع مقالة الجبار لك وهذه دراهم ادفعها إليه فإنها كما طلب قال فأخذ إبراهيم عليه السلام الدراهم ودفعها إلى الجبار فقال له من أين لك هذه الدراهم ؟ فقال له من عند إلهي وخالقي وأر زاقي فأخذها منه وحمل إبراهيم عليه السلام سارة ودفنها في المغارة فكانت أول من دفن فيها وتوفيت ولها من العمر مائة وسبعة عشر سنة وقيل مائة وسبع وعشرون سنة ثم لما توفي الخليل عليه السلام دفن بحذائها من جهة الغرب وسنذكر تاريخ وفاته فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم توفيت ريقة زوجة إسحاق فدفنت بها بحذاء سارة من جهة القبلة ثم توفي إسحاق عليه السلام فدفن بحذاء زوجته من جهة الغرب ثم توفي يعقوب عليه السلام فدفن عند باب المغارة وهو بحذاء قبر الخليل وثبته عشرة أذرع وطوله مثل ذلك وطول عصاه مثل ذلك ولم يلحق سوى عرقوبه فقتله وتركه بموضعه وردم عليه بالصخر والرمل فكان كالجبل العظيم في صحراء مصر وقيل غير ذلك وكان بين أن أرسل الله ماء الطوفان وبين أن غاض ستة أشهر وعشر ليال وكان ركوب نوح في السفينة في مستهل شهر رجب وقيل لعشر ليال مضت من رجب وكان أيضا لعشر ليال خلت من آب وخرج من السفينة يوم عاشوراء من المحرم وكان استقرار السفينة على الجودي وهو جبل من أرض الموصل وقد ورد حديث أن السفينة طافت بالبيت الحرام أسبوعا ثم طافت ببيت المقدس أسبوعا ولسنوات على الجودي وروي أن السفينة سارت حتى بلغت بيت المقدس فوقفت ونطقت بإذن الله تعالى وقالت يا نوح هذا موضع بيت المقدس الذي يسكنه الأنبياء من أولادك وكان الطوفان بعد هبوط آدم بألفي سنة ومائتين واثنين وأربعين سنة وكان لستمائة سنة مضت من عمر نوح وبين الطوفان والهجرة الشريفة ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون سنة وقد مضي من الهجرة إلى عصرنا تسعمائة سنة كاملة فيكون الماضي من الطوفان إلى سنة تسعمائة من الهجرة أربعة آلاف وثمانمائة وأربعا وسبعين سنة والله أعلم ولما مضت ثلاثمائة وخمسون سنة للطوفان توفى نوح عليه السلام وله من العمر تسعمائة وخمسون سنة هكذا وقع في كلام المؤرخين أن نوحا عاش القدر المذكور فقط وظاهر الآية الشريفة يخالفه لأنه يدل على أنه لبث القدر المذكور في قومه بعد إرساله إليهم ينذرهم وأن الطوفان وقع بعد ذلك وقيل أن عمر نوح ألف وأربعمائة وخمسون سنة وهو موافق للآية قال الله تعالى ( ^ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهو ظالمون ) وظاهر الآية الشريفة أنه عاش أكثر مما ذكره المؤرخون والله أعلم ونزل عليه جبريل عليه السلام خمسين مرة وقبره بكرك نوح ومن أولاده عليه الصلاة والسلام من جهة الشمال ثم توفيت ليقا زوجته فدفنت بحذائه من جهة الشرق فاجتمع أولاد يعقوب والعيص وأخوته وقالوا ندع باب المغارة مفتوحا وكل من مات منا دفناه فيها فتشاجروا فرفع واحد من أخوة العيص يده ولطم العيص لطمة فسقط رأسه في المغارة وقيل كان الضارب للعيص واحد من أولاد يعقوب ولما سقط رأسه في المغارة حملوا جثته ودفنوها بغير رأس وبقي الرأس في المغارة وحوطوا عليها حائطا وعملوا فيها علامات القبور في كل موضع وكتبوا عليه هذا قبر إبراهيم وهذا قبر زوجته سارة وهذا قبر إسحاق وهذا قبر زوجته ريقة وهذا قبر يعقوب وهذا قبر زوجته ليقا وخرجوا وطبقوا الباب وكل من جاء إليه يطوف به ولا يصل إليه أحد حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا إليه وبنوا فيه كنيسة ثم أظهر الله الإسلام بعد ذلك وملك المسلمون تلك الديار وهدموا الكنيسة وبالقرب من مدينة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام قرية تسمى سعير وهي الفاضلة بين أعمال القدس والخليل بها قبر بداخل مسجدها يقال إنه قبر العيص عليه السلام وقد اشتهر ذلك عند الناس وصاروا يقصدونه للزيارة والله أعلم وروى عن وهب بن منبه إنه قال أصبت على قبر إبراهيم الخليل عليه السلام مكتوبا حلقة في حجر غر جهولا أمله يموت من جا أجله لن تغني عنه حيلة زاد بعض أهل العلم والمرء لا يصحبه في القبر إلا عمله وحدث محمد بن بكران بن محمد خطيب مسجد الخليل عليه السلام قال سمعت محمد بن إسحاق النحوي يقول خرجت مع القاضي أبي عمرو عثمان بن جعفر بن شاذان إلى قبر إبراهيم الخليل عليه السلام فأقمنا به ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع جاء إلى النقش المقابل لقبر ريقة زوجة إسحاق عليه السلام فأمر بغسله حتى قبل الطوفان بمائة سنة وعاش ستمائة سنة ووفاته بعد الطوفان بخمسمائة سنة العرب وفارس والروم وكان هو القيم بعد نوح في الأرض ومن ذريته كلهم عربهم وعجمهم وجعل الله في ذريته النبوة والكتاب ونزل بنوه سرة وهو الذي اختط مدينة القدس وأسس مسجدها وكان ملكا عليها كما زحام أبو السودان ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج والإفرنج والقبط فوط بن حام ولما خرج نوح من السفينة قسم الأرض بين أولاده الثلاث فأعطى سام اليمن والشام والجزيرة وأعطى حام الغرب وأعطى يافث الشرق وولد ولد سماه أرفخشد عاش أربعمائة وخمسا وستين سنة ثم ولد لأرفخشد ولد لقمان عاش أربعمائة وثلاثين سنة وولد لقيان شالح عاش أربعمائة وستين وولد لشالح غابر عاش أربعمائة وأربعا وستين سنة ثم ولد لغابر فالغ عاش تسعا وثلاثين سنة ثم ولد لفالغ رعون عاش ثلاثمائة وتسعا وثلاثين سنة ولد رعون تبلبلت الألسن وتقسمت الأرض وتفرق بنو نوح وذلك لمضي سبعين سنة للطوفان ثم ولد لرعون شاروع واسمه في التوراة سرور عاش مائتين و ثلاثين سنة ثم ولد لشاروع ناحور عاش مائتين وثماني وستين سنة ثم حور ولد اسمه تارخ وهو آزر عاش مائتين وخمس سنين وهو أبو إبراهيم عليه السلام ( ذكر هود وصالح عليهما السلام ) وهما نبيان أرسلا بعد نوح وقبل إبراهيم الخليل وأرسل الله هودا إلى عاد أهل أصنام وكان عاد وثمود جبارين طوال القامة فدعا هود قوم عاد ومنهم إلا القليل فأهلك الله الذين لم يؤمنوا بريح سخرها عليهم سبع ليال وأيام حسوما - والحسوم الدائم - فلم تدع غير هود والمؤمنين معه فإنهم اعتزلوا كتابة وتقدم إلي بأن انقل ما هو مكتوب في الحجر إلى درج كان معنا تمثيل فنقلته ورجعنا إلى الرملة فأحضر أهل كل لسان ليقرأه عليه فلم يكن أحد يقرأه ولكنهم اجمعوا على أن هذا بلسان اليوناني القديم وإنهم لا يعلمون أحد يقرأه غير شيخ كبير بحلب فعمدوا إلى إحضاره فلما حضر عنده فإني فإذا هو شيخ كبير فأملي على الشيخ المحضر من حلب ما نقلته في الدرج وتمثيل أوله بسم إلهي إله العرش القاهر الهادي الشديد البطش العليم الذي في هذا قبر إبراهيم الخليل صل الله عليه وسلم والعلم الذي بحذائه من جهة قبر زوجته سارة والعلم الأقصى الموازي لقبر إبراهيم الخليل قبر يعقوب الذي يليه من الشرق قبر ايليا زوجته صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين العيص بخطه واسم زوجة يعقوب اليا وفي بعض الكتب ليا والمشهور والله أعلم وهذا الحجر المنقوش موجود إلى يومنا هذا وقد اشتهر عند الناس مكانه آدم ويقال إنه عند رأس آدم عليه السلام قال الحافظ بن عساكر قرأت في بعض كتب أصحاب الحديث ونقلت منها محمد بن بكران بن محمد خطيب مسجد إبراهيم الخليل عليه السلام - وكان قاضيا في أيام الراضي بالله في سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة وما بعدها وله رواية حديث سمع من جماعة وحدث عن جماعة من أهل العلم - قال سمعت محمد بن ابن علي بن جعفر الأنباري يقول سمعت أبا بكر الإسكافي يقول صح عندي إبراهيم عليه السلام في الموضع الذي هو الآن فيه لما رأيت وعانيت وذلك توفقت على السدنة وعل الموضع أوقافا كثيرة تقرب من نحو أربعة آلاف رجاء ثواب الله عز وجل وطلبت أن أعلم صحة ذلك حتى ملكت قلوبهم بما عملت معهم من الجميل والكرامة والملاطفة والإحسان إليهم وأطلب بذلك أن لي ما يصح وحاك في صدري فقلت لهم يوما من الأيام - وقد جمعتهم عندي في حضرموت وبقي هود كذلك حتى مات وقبره بحضرموت وقيل بالحجر من مكة وقيل أن هودا هو غابر المتقدم ذكره والذي صححه جماعة من أكابر العلماء أن هودا هو ابن عبد الله بن رباح وليس هو غابر والله أعلم ويروي أنه كان من عاد شخص إسمه لقمان وهو غير لقمان الحكيم الذي كان عل عهد سيدنا داود عليه السلام ( وأما صالح ) فهو ابن آسف أرسله الله إلى ثمود فدعاهم إلى التوحيد وكان مسكنهم بالحجر وهي مدينة بين المدينة الشريفة والشام فلم يؤمن به إلا قليل مستضعفون ثم أن كفارهم عاهدوه على أنه ان إتاهم بما يقترحونه عليه آمنوا واقترحوا عليه أن يخرج لهم من صخرة معينة ناقة فسأل الله تعالى في ذلك فخرج من تلك الصخرة ناقة وولدت فصيلا فلم يؤمنوا وعقروا الناقة فأهلكهم الله تعالى بعد ثلاثة أيام بصيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة فتقطعت قلوبهم فأصبحوا في دارهم جاثمين وسار صالح إلى فلسطين ثم انتقل إلى الحجاز يعبد الله إلى أن مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة وورد إنه توفي في فلسطين وأقام بها بعد أن هلك قومه ويقال أن قبره بالمغارة التي بالجامع الأبيض بالرملة والله أعلم ( ذكر سيدنا إبراهيم الخليل وأبنائه الكرام عليهم الصلاة والسلام ) أقول وبالله التوفيق إبراهيم خليل الرحمن وهو أبو الأنبياء الكرام من أولي العزم من المرسلين روي أنه أنزل الله عليه عشر صحف وكانت كلها أمثالا وجعل له لسان صدق في الآخرين أي ثناء حسنا فليس أحد من الأمم إلا يحبه وأكرمه الله تعالى بالخلة وجعل أكثر الأنبياء من ذريته وختم ذلك بسيد المرسلين محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وإبراهيم هو ابن تارخ وهو آزر ولما أراد الله عز وجل أن يبعث السيد إبراهيم عليه السلام حجة على قومه بأجمعهم - أسألكم أن توصلوني إلى باب المغارة كي أنزل إلى حضرة الأنبياء صلوات الله عليهم وأشاهدهم فقالوا قد أحببناك إلى ذلك لأن لك علينا حقا واجبا ولكن لا يمكن في هذا الوقت لأن الطارق علينا كثير ولكن حتى يدخل الشتاء فلما دخل كانون الثاني خرجت إليهم فقالوا أقم عندنا حتى يقع الثلج فأقمت عندهم حتى وقع الثلج وانقطع الطارق عنهم فجاؤا إلى صخرة ما بين قبر إبراهيم الخليل وقبر إسحاق عليهما السلام وقلعوا البلاطة ونزل رجل منهم يقال له صعلوك - وكان رجلا صالحا فيه خير ولين فنزلت أنا معه فمشى وأنا من ورائه فنزلنا إثنتين وسبعين درجة فإذا عن يميني دكان عظيمة من حجر أسود وإذا عليه شيخ خفيف العارضين طويل اللحية ملقى على ظهره وعليه ثوب أخضر فقال لي صعلوك هذا إسحاق عليه ا لسلام ثم سرنا غير بعيد وإذا بد كان أكبر من الأولى وعليها شيخ ملقى على ظهره وله شيبة قد أخذت ما بين منكبيه أبيض الرأس واللحية والحاجبين واشفار العينيين وتحت شيبته ثوب أخضر قد جلل بدنه والرياح تلعب بشيبته يمينا وشمالا فقال لي صعلوك هذا إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة واتم التسليم فسقطت على وجهي ودعوت الله عز وجل بما فتح علي ثم سرنا وإذا بد كان لطيفة وعليها شيخ لطيف آدم شديد الادمة كث اللحية وتحت منكبيه ثوب أخضر قد جلله فقال لي صعلوك هذا يعقوب النبي ثم إننا عدلنا يسارا لننظر إلى الحرم فحلف أبو بكر الإسكافي ما أن غمت الحديث قال فقمت من عنده في الوقت الذي حدثني فيه من وقتي إلى مسجد إبراهيم عليه السلام فلما وصلت إلى المسجد سألت عن صعلوك فقيل لي الساعة يحضر فلما جاء قمت إليه وجلست عنده وطارحته بعض الحديث فنظر إلي بعين منكر للحديث الذي سمعه فأومأت إليه بلطف تخلصت به من الإثم ثم قلت له إن أبا بكر الإسكافي عمي فأنس عند ذلك فقلت يا صعلوك بالله عليك لما عدلتما ورسولا إلى عباده رأى النمرود في منامه كأن كوكبا قد طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ففزع لذلك فزعا شديدا وجمع السحرة والكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا له هو مولود يولد في ناحيتك هذه السنة ويكون هلاكك وذهاب ملكك على يده ويقال إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء عليهم السلام وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض أربعة مؤمنان وهما سليمان بن داود وذو القرنين وكافران وهما نمروذ وبخت نصر فنمروذ هو ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وهو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر في الأرض ودعا الناس إلى عبادته فلما أخبر نمروذ بذلك أمر بذبح كل غلام بولد في تلك الناحية تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل حامل أمينا فكانت الحامل إذا وضعت حملها فإن كان ذكرا ذبحه وقيل انه حبس جميع الحوامل إلا ما كان من أم إبراهيم فإنه لم يعلم حملها وعميت عنها الأبصار وخرج نمروذ يجمع الرجال إلى المعسكر ونحاهم عن النساء كل ذلك تخوفا من ذلك المولود الذي أخبر به وقيل أن نمروذ لما خرج بعسكره بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها أحدا من قومه سوى آزر وذلك قبل حمل أم إبراهيم به فبعث إلى آزر وأسر له حاجته وقال له أما إني لم أبعثك إلا لثقتي بك فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك فقال آزر أنا أشح على ديني منك ثم دخل آزر المدينة وقضى حاجته ثم بدا له الدخول على أهله لرؤية حالهم واصلاح شانهم فلما دخل الدار واجتمع بأهله حكم عليه نفوذ القدر فنسى ما التزم به للنمروذ فواقع زوجته وأسمها نونا وقيل غير ذلك فحملت بإبراهيم عليه السلام فلما استقر في بطنها تنكست الأصنام وظهر نجم إبراهيم عليه السلام وله طرفان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب فلما رأى نمروذ ذلك النجم تحير وازداد خوفه ولما تم حمل إبراهيم وجاء لأمه الطلق أرسل الله تعالى إليها ملكا على أحسن ثم ماذا كان وما الذي رأيتما ؟ فقال ما حدثك أبو بكر فقلت أريد منك أيضا قال سمعنا من نحو الحرم صائحا يصيح وهو يقول تجنبوا الحرم رحمكم معنا مغشيا علينا ثم أفقنا وقد أيسنا من الحياة وأيست الجماعة منا قال الشيخ وعاش أبو بكر الإسكافي بعد ما حدثني زمانا يسيرا ومات صعلوك رحمهما الله تعالى روى الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي قال قدم أبو زرعة القاضي إلى مسجد إبراهيم عليه السلام فجئت لأسلم عليه وقد قعد عند قبر سارة صلاة فدخل شيخ فدعاه وقال له يا شيخ أيما هو قبر إبراهيم بين هؤلاء ؟ مسح الشيخ بيده إلى قبر إبراهيم عليه السلام ثم مضى الشيخ وجاء شاب فدعاه ومضى ثم جاء صبي فدعاه وقال له مثل فسار إلى قبر إبراهيم عليه السلام فقال أبو زرعة أشهد أن هذا قبر الخليل عليه افضل الصلاة والسلام لا شك فيه ولا خفاء نقله الخلف عن ما قال مالك بن أنس رضي الله عنه إن نقل الخلف عن السلف أصح الحديث ريث ربما يقع فيه الخطأ والنقل لا يقع فيه خطأ ولا يطعن فيه إلا صاحب حالف ثم قام ودخل إلى داخل فصلى الظهر ثم رحل من الغد قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدسي في كباب البدائع في مملك الإسلام حبري هي قي إبراهيم الخليل عليه السلام فيها حصن عمون إنه من بناء الجن من حجارة عظيمة منقوشة ووسطه فيه حجارة عل قبر إبراهيم عليه السلام وقبر إسحاق قدام في المغطى وقبر يعقوب عند كل نبي امرأته وقد جعل الحصن مسجدا وبنى حوله دور من به واتصلت العمارة به من كل جانب ولهم قناة ماء ضعيفة وبهذه القرية من مرحلة من كل جانب قرى وكروم وأعناب وتفاح وعامتها تحمل إلى مصر صورة وأجمل وجه من بني آدم فآنسها وسكن روعها وبشرها بولد يكون له شأن عظيم وهو خليل رب العالمين فلما ثقل عليها الحال قال لها انهضي معي فقامت معه وتبعته فتوجه بها حتى أدخلها غارا هناك معمي عن الخلق فلما دخلت الغار وجدت فيه جميع ما تحتاجه وخفف الله تعالى عنها الطلق فوضعت إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليلة الجمعة وكانت ليلة عاشوراء وكان مولده لمضي ألف وإحدى وثمانين سنة من الطوفان وكان الطوفان بعد هبوط آدم عليه السلام بألفين ومائتين واثنين وأربعين سنة وبين مولد إبراهيم الخليل عليه السلام والهجرة الشريفة النبوية ألفان وثمانمائة وثلاث وتسعون سنة على اختيار المؤرخين وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عامنا هذا تسعمائة سنة كاملة فيكون الماضي من مولد سيدنا إبراهيم الخليل إلى آخر تسعمائة من الهجرة الشريفة ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة والاختلاف في ذلك كثير فلما سقط إلى الأرض نزل جبريل عليه السلام وقطع سرته وأذن في أذنه وكساه ثوبا أبيض ثم عاد بأمه الملك إلى مكانها وتركت ولدها في الغار ولما طالت غيبة نمروذ عن أرضه وبلاده عاد إلى تدبير ما كان قد أهمه فبينما هو جالس ذات يوم على سريره وإذا هو بالسرير قد انتفض من تحته انتفاضا شديدا فسمع نمروذ هاتفا يقول تعس من كفر بآله إبراهيم فقال لآزر هل سمعت ما سمعت ؟ قال نعم قال فمن هو إبراهيم ؟ قال آزر إني لا اعرفه فأرسل للسحرة والكهنة يدلوك عليه فأرسل نمروذ خلف السحرة والكهنة وسألهم عن ذلك فلم يخبروه بشيء مع علمهم به وكان ذلك في يوم ولادته ثم توالت على نمروذ الهواتف حتى نطقت الوحوش والطيور بمثل ذلك فكان نمروذ لا يمر بمكان إلا ويسمع قائلا يقول تعس من كفر بآله إبراهيم فازداد همه ورأى رؤيا هائلة في منامه وذلك إنه رأى القمر قد طلع من ضلع آزر وبقى نوره كالعمود الممدود بين السماء و الأرض وسمع قائلا يقول قد جاء الحق وزهق الباطل فنظر إلى الأصنام فوجدها كلها منكسة وفي هذه القرية ضيافة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون وهم يقدمون العدس بالزيت لكل من يأتي ويحضر عندهم من الفقراء ويدفع إلى الأغنياء إذا أخذوا حكي الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة في تاريخه في وقائع سنة ثلاثة عشر وخمسمائة إن في تلك السنة ظهر قبر إبراهيم عليه السلام وقبر ولديه إسحاق ويعقوب عليهما السلام أيضا بالقرب من بيت المقدس ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة ولم يذكر كيف كان ظهور ذلك وفيه أشكال لأن في التاريخ المذكور كان بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل عليه السلام في يد الإفرنج وليس للمسلمين عليها تكلم ولا أعلم هل كانت الإفرنج يمكن المسلمين من البلاد حين استيلائهم عليها ؟ والله أعلم بحقيقة الحال ( ذكر ختانه وتسروله عليه السلام وشيبته ) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم - وهو بالتخفيف والتشديد - وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال ربط إبراهيم عليه السلام غرلته وجمعها إليه وحد قدومه وضرب عليه بعمود كان معه فندرت بين يديه بلا ألم ولا دم وختن إسماعيل عليه السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام وعن عكرمة إنه اخنتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة فأوحى الله تعال إليه إنك قد أكملت إيمانك إلا بضعة من جسدك فالقها فختن نفسه بالفاس , وسبب ختانه إنه أمر بقتال العمالقة فقاتلهم فقتل خلق كثير من الفريقين فلم يعرف إبراهيم أصحابه ليدفنهم فأمر بالختان ليكون علامة للمسلم وختن نفسه بالقدوم قال ابن عباس رضي الله عنهما كان إبراهيم أول من لبس السراويل وذلك كان عليه السلام كثير الحياء وكان من حيائه يستحي أن ترى الأرض مذاكيره فشتكى إلى الله عز وجل فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام فهبط عليه بخرقة من الحنة ففصلها جبريل عليه السلام سراويل وقال له ادفعها إلى سارة - وكان اسمها سارة - وأمرها أن تخيطه فلما خاطته ولبسه إبراهيم قال ما أحسن هذا وما أستره يا جبريل ؟ فإنه نعم الستر للمؤمن فكان إبراهيم عليه السلام أول من لبس السراويل وأول من فصل جبريل وأول من خالطه سارة بعد إدريس عليه السلام وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال كان الرجل يبلغ الهرم ولم يشب وكان الرجل يأتي القوم وفيهم الوالد والولد فيقول آيكم الأب ومن الأبن ؟ فقال إبراهيم رب اجعل لي شيئا أعرف به فلا صبح رأسه ولحيته أبيضين وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال أول من سمانا المسلمين إبراهيم عليه السلام وهو أول من ضرب بالسيف من الأنبياء وكسر الأصنام واختتن ولبس السراويل والنعلين ورفع يديه في الصلاة فيك كل خفض ورفع وصلى أول النهار أربع ركعات جعلهن عل نفسه فسماه الله وفيا فقال تعالى ( ^ وإبراهيم الذي أوف ) قال ابن عباس رضي الله تعال عنهما هي الأربع في أول النهار وهو أول من أضاف الضيف وثرد الثريد وفرق الشعر واستنجى بالماء وقلم الظفر وقص الشارب ونتف الإبط وهو أول من استاك وتمضض واستنشق بالماء وحلق العانة وأول من صافح وعانق وقبل بين العينين موضع السجود وأول من شاب فقال ما هذا ؟ فقال الله تعالى هذا وقار فقال إبراهيم يا رب زدني وقارا فما برح حتى ابيضت لحيته وأول من جر الذيل هاجر امرأته فصارت سنة في النساء فغارت منها سارة وحلفت إنها تملأ يدها من دمها فقال إبراهيم عليه السلام خذيها واختنيها كي تكون ذلك سنة بعد كما وتخلصي من يمينك ففعلت فكانت هاجر أول من اختتن من النساء وإبراهيم أول من اختتن من الرجال ( ذكر رأفته بهذه الأمة صل الله عليه وسلم ) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال لي يا محمد أقرى أمتك مني السلام وقل لهم إن الجنة طيبة التربة عذب الماء وإنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وفي رواية فرأيت إبراهيم الخليل فرحب بي سهل ثم قال لي مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسع فقال وما غراس الجنة ؟ فقال لا حول ولا قوة إلا بالله وفي رواية فقال أبي إبراهيم مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لامته يا نبي إنك لاق ربك الليلة وأن أمتك هي آخر الأمم وأضعفها فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل ( ذكر ضيافة وإكرامه للضيف وأخلاقه الكريمة ) ورو أن إبراهيم عليه السلام كان إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يأكل معه وكان يكنى بأبي الضيفان ولصدق نيته في الضيافة دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا ينقصني يوم ولا ليلة إلا ويأكل عنده جماعة وحكي إن رجلا شريف القدر من أهل دمشق ذا وجاهة كان يزور الخليل عليه السلام في كل حين وكان يؤتى بالضيافة التي جرت العادة بها لزواره فيردها ولا يأكل منها شيئا فجاء مرة وهو ملهوف وجعل يطلبها ويجد في طلبها حتى قيل إنه كان يتتبع ما بقى في القصع ويلتقط ما يجد من لباب الخبز وفتاته فيأكله فقيل له في ذلك فقال رأيت الخليل صل الله عليه وسلم فقال لي ما أكلت ضيافتنا فنحن ما قبلنا منك زيارتك روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الله تعالى وسع على إبراهيم الخليل عليه السلام في المال والخدم فاتخذ بيتا لضيافته وجعل له بابين يدخل الغريب أن أحدهما ويخرج من الآخر ووضع فيذلك البيت كسوة للشتاء وكسوة للصيف مائدة منصوبة عليها طعام فيأكل الضيف ويلبس أن كان عريانا وإبراهيم يجدد كل حين مثل ذلك وروي إن إبراهيم الخليل عليه السلام لما قرب العجل إلى الضيوف ورأى أيديهم لا تصل إليه قال لم لا تأكلون ؟ قالوا لا نأكل طعاما إلا بثمنه قال ليسمعكم ثمنه ؟ قالوا وأني لنا ثمنه ؟ قال تسمون الله تبارك وتعال إذا أكلتم تحمدونه وإذا فرغتم قالوا سبحان الله لو كان ينبغي لله أن يتخذ خليلا من خلقه تخذك يا أبا إبراهيم خليلا فاتخذ الله تعال إبراهيم خليلا وقيل إن الملائكة لما رأت ازدياد إبراهيم في الخير وإقبال الدنيا عليه ولم يشغله له عن الله طرفه عين تعجبت من ذلك وقالت إن ظاهره حسن وإنه لا يؤثر على ربه شيئا فهل هو في قلبه هكذا ؟ فعلم الله سبحانه وتعالى ذلك منهم قبل تكلموا به فأمر الله ملكين من إجلاء الملائكة - وقيل إنهما جبريل وميكائل عليهما السلام - إن ينزلا عليه ويستضيفاه ويذكراه بربه ويرفعا صوتهما عنده بالتسبيح لتقديس الله تعال فنزلا عل صورة بني آدم فسألاه الأذن لهما في المبيت عنده إذن لهما وأكرم نزلهما ورفع محلهما فلما كان في بعض الليل - وهو يسامرهما في الكلام - إذ رفع أحدهما صوته قال سبحان ذي الملك والملكوت ثم رفع الآخر صوته وقال سبحان الملك القدوس - بصوت لم يسمع مثله - قال فأغمى على إبراهيم عليه السلام ولم يملك نفسه من الوجد والطرب ثم أفاق بعد ساعة وقال لهما أعيدا عل ذكركما فقالا أنا لم نفعل حتى تجعل لنا شيئا معلوما فقال لهما خذا ما تختارا من مالي إلا له أعطنا ما شئت فقال لكما جميع مالي من الغنم - وكامن شيئا كثيرا - ورضيا بذلك ثم رفعا صوتهما وقالا كالأولى فأغمي عليه فلما أفاق وعلم إنهما لا يقولان شيئا إلا بمعلوم قال لكما جميع مالي من البقر فرضينا أعادا ولم يزالا يكرران عليه الذكر ويتحلى به وهو يستغرق في لذاته حتى أعطاهما جميع مجوداته من ماله وأهله ولم يبق إلا نفسه فباعها لهما ورضي أن يكون في رقهما وجعل في عنقه شدادا وسلمهما نفسه وقال لهما لعلكما أن تجودا علي بالذكر مرة أخرى فلما رأيا منه ذلك قالا له بحق لك أن يتخذك الله خليلا ثم حكيا له ما كان من الملائكة فتبسم وقال حسبي الله ونعم الوكيل ثم قالا له أمسك عليك مالك بارك الله لك وعليك وعلى ذريتك فمن الله عليه سبحانه بإبقاء ذريته وسماطه وزاده بركة وخيرا سماطه ممدودا من يومه إلى يومنا هذا جعله الله دائما إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى وأما أخلاقه الكريمة فقد سماه الله تعالى حليما أواها منيبا والحليم الرشيد الذي يملك نفسه عند الغضب والأواه الذي يكثر التأوه من الذنوب والمنيب المقبل عل ربه عز وجل في شأنه كله روى الثعلبي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذري الغفاري رضي الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله كم منة كتاب انزل الله عز وجل ؟ قال رسول الله انزل الله تعالى مائة كتاب وأربعة كتب انزل تعالى عل دم عليه السلام عشر صحائف وعلى إبراهيم الخليل عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وانزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قال قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال كانت أمثالا ' أيها الملك المغرور المبتلي إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لتنصر دعوة المظلوم فإني لا أردها وأن كانت من كافر ' وكان فيها أمثال كثير ( منها ) وعل العاقل ما لم يكن مغلوبا عل عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه ويتفكر في صنع الله وساعة يحاسب نفسه فيما قدم وأخر ساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال لا من الحرام في المعطوم والمشروب وغيرهما على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه عل شأنه حافظا للسانه ومن علم أن علامة من عمله قل كلامه إلا فيما يعينه والله أعلم ( معنى الخلة ) أصل الخلة الاستصفاء وسمي إبراهيم خليل الله لأنه يوالي في الله ويعادي الله وخلة الله له نصره وجعله إماما لمن بعده والخليل أصله الفقير المحتاج ينقطع مأخوذ من الخلة وهي الحاجة سمي بها لأنه قصر حاجته على ربه وانقطع به بهمته ولم يجعل له وليا غيره حيث قال له جبريل عليه السلام - وهو في المنجنيق ورمى به في النار - ألك حاجة ؟ فقال أما إليك فلا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال لجبريل يا جبريل لم أتخذ الله إبراهيم خليلا ؟ قال لا طعامه الطعام وفي الصحيحين إنه صل الله عليه وسلم قال أيها الناس إن الله تعال قد اتخذني ليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا واختلف في تفسير الخلة واشتقاقها فقيل الخليل ينقطعه إلى الله تعالى الذي ليسس له في انقطاعه إليه ومحبته له اختلال واختلف أيضا من الخلة والمحبة بمعنى واحد ؟ أو أحدهما أرفع من الأخرى ؟ فقيل هما بمعنى أحد والحبيب خليل وعكسه ولكن خص إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة وقيل الخلة أرفع للحديث الوارد عنه صلى الله عليه وسلم فلم يتخذ أبا بكر خليلا وأطلق على نفسه شريفة المحبة له ولعائشة ولفاطمة وابنيها وأسامة وغيرهم والأكثر على المحبة أرفع لأن درجة نبينا الحبيب صل الله عليه وسلم أرفع من درجة إبراهيم الخليل صل الله عليه وسلم وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق محبوب وهذا فيمن يتأتى منه الميل وهي درجة المخلوقين وأما الخالق جل جلاله فمنزه عن ذلك فمحبته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه لطاعته وأفاضة رحمته عليه سبحانه وتعالى ( ذكر وفاته عليه السلام ) قد تقدم إن بين الهجرة الشريفة النبوية المحمدية ومولده عليه السلام ألفين وثمانمائة سنة وثلاثا وتسعين سنة عل اختيار المؤرخين واختلف فيعمره فقيل إن إبراهيم الخليل عاش مائة وخمسا وسبعين سنة وهو الذي ذكره الملك المؤيد صاحب حماه في تاريخه وقيل مائة وخمسا وتسعين وقيل مائتي سنة ونزل عليه جبريل عليه السلام اثنتين وأربعين مرة قال أهل السير لما أراد الله عز وجل قبض روح خليله إبراهيم عليه السلام أرسل إليه ملك الموت في صورة رجل شيخ هرم قال الثعلبي قال السدي بإسناده قال كان إبراهيم كثير الإطعام يطعم الناس ويضيفهم فبينما هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبير يمشي في الحرة فبعث إليه رجلا بحماره وأركبه حتى أتاه وأطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليدخلها فاه فيدخلها في عينه وتارة في أذنه ثم يدخلها فاه فإذا حصلت في جوفه خرجت من دبره - وكان إبراهيم قد سأل ربه إن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت - فلما رأى حال الشيخ قال له يا شيخ مالك تصنع هكذا ؟ قال يا إبراهيم من الكبر فقال ابن كم أنت يا شيخ ؟ قال فزاد عل عمر إبراهيم سنتين فقال إبراهيم أنا بيني وبينك سنتان فإذا بلغت ذلك سرت مثلك قال نعم فقال إبراهيم اللهم اقبضي إليك قبل ذلك فقام الشيخ وقبض روح إبراهيم وكان ملك الموت صلوات الله وسلامه عليهما وحكي غير ذلك فيكون بين وفاة الخليل عليه السلام والهجرة النبوية على القول الأول فيعمره الذي ذكره صاحب حماه ألفان وسبعمائة وثمانية عشر سنة ومض من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة فيكون الماضي من وفاة إبراهيم إلى سنة مائة من الهجرة الشريفة ثلاثة آلاف سنة وستمائة وثمان عشرة سنة وقيل ذلك وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه أول من يكسي يوم القيامة إبراهيم الخليل عليه السلام بخلته ثم أنا بصفوتي بن أبي طالب يزف بيني وبين إبراهيم الخليل زفا إلى الجنة وفي الصحيحين عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم إن يكسي من الخلائق يوم القيامة إبراهيم الخليل عليه السلام وروى يإنه قال يحشر يوم القيامة حفاة عراة عزلا فيقول الله تعالى يرى خليلي عريانا فيكسي ثوبا ابيض فهو أول من يكسي يوم القيامة صلى الله عليه وسلم ( ذكر قصة الاسكندر ) ( وكان في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام ) الاسكندر المشهور بذي القرنين الذي ذكره الله في القرآن هو من ذرية عليه السلام ومما ورد في أمره إنه إنما سمي بذي القرنين لأنه كان عبدا بعثه الله عز وجل إلى قومه ولم يكن نبيا فضربوه على قرنه فمات فأحياه على ثم بعثه مرة أخرى إليهم فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فسمي قرنين وقيل غير ذلك وتوفي الاسكندر بناحية السواد في موضع يقال له شهرروز بعد أن عند حتى انتهى إلى البحر المحيط فهال ذلك ملوك الغرب فوفدت عليه رسلهم والطاعة ودخل الظلمات مما يلي القطب الشمالي في بحر الشمس في أربعمائة من أصحابه يطلب عين الحياة فلم يصبها فسار فيه ثمانية عشر يوما وبني اثني عشر مدينة سماها كلها بالإسكندرية ولما مات عرض الملك بعده على انه فأبى واختار النسك والعبادة وكانت مدة تملكه اثنتي عشر سنة وقيل ثلاثة عشر سنة وقيل أربعة عشر سنة وكان عمره ستا وثلاثين سنة بالاتفاق والله اعلم ( ذكر بناء سليمان عليه السلام الحير الذي عل المغارة بوحي من الله تعالى ) روي أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس أوحي الله تعالى إليه يا بن داود ابن عل قبر خليل يحيرا حتى يكون لمن يأتي من بعدك لكي يعرف فخرج سليمان وبنو إسرائيل من بيت المقدس حتى قدم أرض كنعان وطاف فلم يصبه فرجع إلى بيت المقدس فأوحي الله تعالى إليه يا سليمان خالفت أمري فقال يا رب قد بعني الموضع فأوح الله إليه امض فإنك ترى نورا من السماء إلى الأرض فإنه موضع قبر خليلي إبراهيم فخرج سليمان مرة ثانية فنظر وأمر الجن فبنوا في الموضع الذي يقال له الرامة وهو بالقرب من مدينة سيدنا الخليل عليه السلام من جهة الشمال قبلي قرية حلحول التي بها قبر يونس عليه السلام فأوحى الله تعال إليه إن هذا ليس هو الموضع ولكن انظر إلى النور المتدلي من السماء إلى الأرض فابن فخرج سليمان عليه السلام ونظر فإذا النور عل بقعة من بقاع حبرون فعلم إن ذلك هو المقصود فبني الحير عل البقعة وسنذكر وصف هذا البناء وذرعه طولا وعرضا بعد إن شاء الله تعالى ويأتي ذكر ما مضى من تاريخ بناء سليمان عليه السلام مسجد بيت المقدس في علم منه تاريخ بناء الحير على مقام سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ( ذكر فضل سيدنا الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام وفضل زيارته ) قد نص الله تعال في كتابه العزيز عل فضله في قوله تعال ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) إلى غير ذلك مما أنزل الله في حقه من الآيات المخصوصة به وعن أنس بن مالك رضي الله عنه إنه قال جاء إلى النبي صل الله علبه وسلم فقال له يا خير الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إبراهيم عليه السلام وفي رواية مسلم قال له يا خير البرية قال ذلك إبراهيم وروي عن النبي صل الله عليه وسلم أنهه قال لما اسري بي إلى بيت المقدس سر بي جبريل عليه السلام عل قبر إبراهيم عليه السلام فقال لي انزل فصل ركعتين هاهنا فإن هاهنا قبر أبي إبراهيم الخليل عليه السلام وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يمكنه زيارتي فليزر قبر أبي إبراهيم الخليل عليه السلام وعن كعب الأحبار رضي الله عنه إنه قال أكثروا من الزيارة إلي قبر رسول الله صل الله عليه وسلم وأظهروا الصلاة عيه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما قبل أن تمتعوا ذلك ويحال بينكم وبين ذلك بالفتن وفساد السبل فمن منع ذلك أو حيل بينه وبين الزيارة إلى قبر رسول الله صل الله عليه وسلم فليجعل رحلته وأتيانه إلى قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وليظهر الصلاة عليه وليكثر من الدعاء عنده فإن الدعاء عند قبر سيدنا إبراهيم الخليل مستجاب ولم يتوسل به أحد إلا الله في شيء إلا أجابه ولم يبرح من مكانه حتى يرى الإجابة في ذلك عاجلا أو آجلا ( قلت ) وهذا مما لا شلك فيه فإني جربته في أمر وقع لي من أمور الدنيا فكنت أتوقع الهلاك منه فتوجهت من بيت المقدس إلى بلد سيدنا الخليل عليه السلام في ضرورة اقتضت سفري فلما أن دخلت مسجده ودخلت إلى الضريح المشهور بأنه قبر إبراهيم الخليل عليه السلام تعلقت بأستاره ودعوت الله تعالى فيما كنت أرجوه فما كان بأسرع من أن فرج الله عني كربتي ولطف بي وأزال عني كلما أزعجني فلله الحمد سبحانه وحكي عن رجل من أهل بعلبك إنه قال زرنا قبر إبراهيم الخليل عليه السلام وكان معنا رجل مغفل من أهل بعلبك فسمعناه وقد زار القبر وهو يبكي ويقول حبيبي إبراهيم ربك يكفيني فلانا وفلانا فإنهم يؤذينني ونحن نضحك منه ونتعجب ثم رجعنا بعد مد إلى يافه فوصل قارب من بيروت وفيه رجل من أهل بعلبك فأخبرنا أن الثلاثة الذين سماهم ماتوا ( الفول في آداب الزيارة ) يستحب لمن قصد زيارة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أن يقطع عن الذنوب وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا ثم ينوي زيارته ويتوجه نحوه بعزم ورغبة ويكثر في الطريق من الصلاة عليه وعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين فإذا أتي باب المسجد وقف يسيرا ثم يقدم رجله اليمن ويدعو بما يستحب أن يدعي به إذا دخل المساجد ثم يقول بسم الله اللهم صل على محمد وافتح لي أبواب رحمتك ثم يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يقصد قبر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام فيقف عل باب حجرته مطرقا رأسه ثم يستغفر الله تعالى ويصلي على نبيه محمد صل الله عليه وسلم ثم يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإنك عبد الله ورسوله وخليله جزاك الله عنا خيرا كما هو أهله ثم يقول صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين من أهل السماوات وأهل الأرضيين عليك يا أبا الأنبياء صلى الله وعل ولدك السيد الكامل الفاتح الخاتم سيد الأولين والآخرين محمد في حبيب رب العالمين وعل آلكما وأصحابكما كما ذكر كما الذاكرون وغفل عن كما الغافلون ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا الآخرة ثم يلتفت نحو السيدة سارة ويقول السلام عليكم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ورحمة الله وبركاته ثم يقول ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل ويطهر كم تطهيرا ) ثم يتوجه إلى قبر السيد إسحاق عليه السلام ويقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ويدعو عنده بما شاء ثم يلتفت عن شماله ويسلم على زوجته السيدة الجليلة ربقة ويقول السلام عل أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ورحمة الله وبركاته ثم يمضي بأدب وسكون ويقصد السيد الجليل نبي الله يعقوب عليه السلام عنده كما فعل عند إسحاق أبيه وكذلك عند زوجته السيد ليقا ثم يقصد نبي الله يوسف الصديق عليه السلام ويفعل كما فعل ثم يقصد شباك سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي تجاه قبر يعقوب ويقف برب القرب منه ويسلم ويدعو الله بما شاء فإن الدعاء هناك مستجاب ثم يتوجه إلى الله تعال بجميع أنبيائه خصوصا بسيد الأولين والآخرين وجهه ويمضي مسرورا مقبولا إن شاء الله تعالى كل ما ذكره العلماء رضي الله تعالى عنهم في مناسكهم ممن آداب الزيارة لنبي صل الله عليه وسلم فهو سائغ في حق هذا النبي الكريم خليل الله إبراهيم عليه وعل جميع أولاده الأكرمين ( فصل في حكم السور السليماني ) وهو البناء المنسوب لسيدنا سليمان عليه السلام المحيط بقبر سيدنا إبراهيم عليه السلام قد صار مسجدا وثبت له أحكام المساجد وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه إنه قال إن آدم عليه السلام رأسه عند الصخرة الشريف ورجلاه عند مسجد إبراهيم الخليل عليه السلام فسماه مسجدا وفي رواية أن قبره في مغارة بيت المقدس ومسجدا إبراهيم الخليل رجلاه عند الصخرة ورأسه عند مسجد إبراهيم عليه السلام وإذا كان مسجدا جاز الدخول إليه وسماه السبكي وكتب بخطه في آخر جزء حديث يسمى تحفة أهل الحديث في سماعه عل الشيخ برهان الدين الجعبري وذكر جماعة سمعوه معه بالحرم ثم قال وصح وثبت في يوم السبت ثامن عشر صفر سنة ثمان وسبعمائة بحرم الخليل عليه السلام وأطلق عل المشهد المذكور حرما وكلامه صريح في إنه دخله هو والشيخ برهان الدين الجعبري والسامعون معه فدل عل جواز دخوله وعمل الناس اليوم عل دخوله وزيارتهم للقبور الشريفة والوقوف عند لإشارات التي عليها وصلاة الجماعة والجماعات هناك فإنه بني به محراب شريف ووضع إلى جانبه منبر وقد مضي على ذلك أزمنة متطاول والعلماء وأئمة الإسلام مطلعون عل ذلك وقد اقره الخلفاء وملوك الإسلام ولم ينكره منكر فصار كالإجماع وإذا تقرر هذا ثبتت له أحكام المساجد من جواز الاعتكاف فيه وتحريم المكث عل الحائض والجنب فيه وفعل التحية ولا يقال إنه مقبرة فإن الأنبياء الذين فيه صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أحياء في قبورهم وأما النساء فعلى خلاف فيه والله أعلم ( ذكر ذرعه طولا وعرضا ) وهذا المقام الكريم الذي هو داخل السور السليماني طوله في سعته قبلة بشمال من صدر المحراب الذي عند المنبر إلى صدر المشهد الذي به ضريح سيدنا يعقوب عليه السلام ثمانون ذراعا بذراع العمل ينقص يسيرا نحو نصف ذراع أو ثلثي ذراع تقريبا وعرضه شرقا بغرب من السور الذي به باب الدخول إلى صدر الرواق الغربي الذي به شباك يتوصل منه إلى ضريح سيدنا يوسف عليه السلام أحد وأربعون ذراعا ويزيد على ذلك يسيرا نحو ثلث ذراعه أو نصف ذراع تقريبا بذراع العمل المذكور وهو الذراع الذي تذرع به الأنبية في عصرنا هذا وسمك السور ثلاثة أذرع ونصف من كل جانب وعدة مداميكة في البناء خمسة عشر مدماكا من أعل الأماكن وهو الذي عند باب القلعة من جهة الغرب إلى القبلة وارتفاع البناء عن الأرض من المكان المذكور ست وعشرون ذراعا بذراع العمل غير البناء الرومي الذي فوق السليماني ومن جمل الأحجار بالبناء السليماني حجر عند مكان الطبلخانه طوله أحد عشر ذراعا بالعمل وعرض كل مدماك من البناء السليماني نحو ذراع وثلثي ذراع بالعملي وعل الصور المذكور منارتان إحداهما من جهة الشرق مما يلي القبلة والثاني من الغرب مما يلي الشمال وبناؤهما في غاية اللطف وأما صفة البناء الموجود بداخل السور على ما هو عليه في عصرنا وقد صار مسجد كما تقدم القول فه فهو يشتمل عل بناء معقود من داخل السور على نحو النصف من جهة القبلة إلى جهة الشمال والبناء من عهد الروم وهو ثلاثة أكوار الأوسط منها مرتفع عن الكورين الملاصقين له من جهة المشرق والمغرب والسقف مرتفع على أربعة أسوار محكمة البناء وبصدر هذا البناء المعقود تحت الكور الأعلى المحراب وإلى جانبه المنبر وهو من الخشب في غاية الإتقان والحسن وهذا المنبر عمل في زمن المستنصر بالله أبي تميم معد الفاطمي خليفة مصر بأمر بدر الجمالي مدبر دولته برسم مشهد عسقلان الذي زعمت الفاطمية أن به رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وكان عمل المنبر في سنة أربع وثمانين وأربعمائة وعليه تاريخ عمله مكتوب بالكوفي والظاهر إن الذي نقله ووضعه بمسجد الخليل عليه السلام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله لما هدم عسقلان وهذا المنبر وجود إلى عصرنا هذا ويقابل ذلك دكة المؤذنين عل عمد من رخام في غاية الحسن والرخام مستدير عل حيطان المسجد من الجهات الأربع وهو من عمارة تنكر نائب الشام في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة والقبور الشريفة بداخل السور منها تحت البناء المذكور قبر سيدنا إسحاق عليه السلام إلى جانب السارية التي عند المنبر ويقابله قبر زوجته ربقة إلى جانب الساري الشرقية وهذا البناء له ثلاثة أبواب تنتهي إلى صحن المسجد أحدهما وهو الأوسط ينتهي إلى الحضرة الشريفة الخليلية وهو مكان معقود والرخام مستدير عل حيطانه الأربعة وبه إلى جهة الغرب الحجرة الشريفة التي بداخلها القبر المنسوب لسيدنا إبراهيم الخليل ويقابله من جهة الشرق قبر زوجته سارة والباب الثاني من جهة الشرق عند باب السور السليمان يخلف قبر سارة والباب الثالث من جهة الغرب خلف قبر إبراهيم عليه السلام وإلى جانب محراب المالكية وينتهي هذا الباب إلى الرواق وفتح هذا الباب وعمر محراب المالكية الأمير شهاب الدين اليغموري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة في دولة الملك الظاهر برقوق وفتح الشباك بالسور السليماني المتوصل منه إلى مقام السيد يوسف الصديق وعمر الاورقة مكان القلال التي كانت هناك ورتب قراءة سبع وشيخا لقراءة البخاري ومسلم في الأشهر الثلاثة وذلك في شهر رمضان سن ست وتسعين وسبعمائة وبأخر الساحة التي بداخل السور السليماني من جهة الشمال الضريح المنسوب لسيدنا يعقوب وهو من جهة الغرب بحذاء قبر إبراهيم الخليل عليه السلام ويقابله مكن جهة الشرق قبر زوجته ليقا وصحن المسجد المكشوف تحت السماء بين مقام الخليل ومقام يعقوب عليهما السلام والقباب المبنية عل الأضرحة المنسوبة للخليل وزوجته سارة ويعقوب وزوجته ليقا أخبرت إنها من بناء بني أمية وجميع الأرض التي بداخل السور مما هو تحت الأسقف وبالساحة السماوية مفروشة بالبلاط السليماني الذي رؤيته من العجائب لكبره وهيئته وبجوار قبر الخليل عليه السلام من داخل البناء المعقود سفل الأرض مغارة تعرف بالسرادب بداخلها باب لطيف ينتهي إلى المنبر وقد نزل إليه بعض الخدام من مدة قريبة نحو السنة لسبب أوجب ذلك وهو إن شخصا معتوه من الفقراء سقط فيه فنزل إليه جماعة من الخدام ودخلوا من هذا الباب فانتهى بهم الحال إلى المنبر تحت القبة التي عل عمد الرخام بجوار بيت الخطابة وأخبرني الذي نزل أنه عاين سلما من حجر عدته خمسة عشر درجة مبني عند آخر هذا المغارة من جهة القبلة وقد سد بالبناء من آخره فالظاهر إن هذا الباب كان عند المنبر منه يتوصل إلى السراداب وبظاهر السور السور السليماني من جهة الشرق مسجد في غاية الحسن وبين السور السليماني وهذا المسجد الدهليز وهو معقود مستطيل عليه الآبهة والوقار والذي عمر هذا الدهليز والمسجد الأمير أبو سعيد سنجر الجاولي ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة فعرف هذا المسجد بالجاولية وهو من العجائب قطع في جبل ويقال إنه كان مقبرة يهود عل هذا الجبل فقطعه الجاولي وجوفه وبنى السقف عليه القبة وهو مرتفع عل اثني عشر سارية قائمة فيوسطه وقرش أرض المسجد حيطانه وسوارية بالرخام وعمل شبابيك حديد على آخره من جهة الغرب وهذا لمسجد طوله من البلة بشام ثلاثة وأربعون ذراعا وعرضه شرقا بغرب خمسة وعشرون ذراعا بذراع العمل وكان الابتداء في عمارة هذا المسجد في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وانتهت العمارة في ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة في دولة الملك ناصر محمد بن قلاوون ومكتوب في حائطه أن سنجر عمر ذلك من خالص ماله ولم ينفق شيئا من مال الحرمين الشريفين وبجوار المسجد الجاولي من جهة القبلة المطبخ الذي يعمل فيه الدشيشة ( ذكر إسحاق عليه السلام ) هو إسحاق بن خليل النبي بن النبي بن النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأمه سارة حملت به في الليلة التي خسف الله تعالى بقوم لوط وولدته ولها من العمر تسعون سنة ومن ولده الروم واليونان والأرمن ومن يجري مجراهم وبنو إسرائيل وكان إبراهيم عليه السلام يضيف من نزل به وقد أوسع الله تعال عليه وبسط له الرزق والمال والخدم ولما أراد الله تعالى هلاك قوم لوط أمر رسله من الملائكة إن ينزلوا بإبراهيم ويبشروه هو وسارة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فلما نزلوا على إبراهيم عليه السلام كان الضيف قد حبس عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه وكان لا يأكل إلا مع الضيف ما أمكنه فلما رآهم عل صورة الرجال سر بهم ورأى أضيافا لم يضفه مثلهم حسنا وجمالا فقال لا يخدم هؤلاء القوم إلا أنا فخرج إلى أهله فجاء بعجل سمين حينئذ وهو المشوي بالحجارة فلما رأى أيديهم لا تصل إليه - أي العجل - نكرهم وأوجس منهم خفية وذلك إنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف ولم يأكل من طعامهم ظنوا إنه لم يأتيهم بخير وإنما جاءهم بشر قالوا لا تخف يا إبراهيم إنا ملائكة الله تعالى أرسلنا إلى قوم لوط وكانت امرأته سارة قائمة من وراء الستر تسمع كلامهم وإبراهيم جالس معهم فضحكت لزوال الخوف عنهما قالوا لإبراهيم لا تخف وقيل ضحكت بالبشارة وقال ابن عباس ووهب ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها وعل هذا القول تكون الآية عل التقديم والتأخير تقديره ( وامرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فضحكت وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ) وكان سن إبراهيم عليه السلام مائة وعشرين سنة في قول ابن إسحاق ( إن لشيء عجيب قالوا - يعني الملائكة - أتعجبين من أمر الله رحمه الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) وسنذكر ما تلكم به إبراهيم عليه السلام مع الملائكة في أمر قوم لوط عند ذكره عليه السلام ثم أن إسحاق عليه السلام تزوج بنت عمه ربقة بنت تنويل - وكتان إسحاق ضريرا - وولدت له العيص ويعقوب ولم يمت إبراهيم عليه السلام حتى بعث الله إسحاق عليه السلام إلى أرض الشام وبعث يعقوب إلى أرض كنعان وإسماعيل إلى جرهم ولوطا إلى سدوم فكانوا كلهم أنبياء عل عهد إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ومات بالأرض المقدسة ودفن عند أبيه إبراهيم الخليل عليهما السلام ( ذكر سيدنا يعقوب عليه السلام ) هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النبي بن النبي ابن أبي الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وهو الذي يسمى إسرائيل قيل معناه صفو الله وهو أخو العيص وسمي يعقوب لأنه كان هو والعيص توأمين فخرج من بطن أمه آخذا بعقب أخيه العيص قيل وفيه نظر لأن هذا الاشتقاق عربي ويعقوب اسم أعجمي وكان مولده بعد مضي ستين سنة من عمر أبيه إسحاق ورزق يعقوب من زوجته ليا روبيل وهو أكبر أولاده ثم شمعون ولاوي ويهوذا ثم تزوج أختها راحيل فرزق منها يوسف عليه السلام وبنيامين وولد له من سريتين ستة أولاد فكان بنو يعقوب اثنتي عشر رجلا وهم الأسباط لاثني عشر وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا ويساخر وزبلون ويوسف وبنيامين ودان ونفتالى وكاد واشر وسمعوا الأسباط لأنه ولد لكل منهم جماعة وعاش لاوي بن يعقوب مائة وثلاثين سنة وولد له فاهت وعاش مائة وسبعا وعشرين سنة ثم ولد لفاهت وعاش مائة وستا وثلاثين سنة ثم ولد لعمران موسى عليه السلام وسيأتي إن شاء الله تعالى وعاش يعقوب مائة وسبعا وأربعين سنة ومات بمصر وأوصى أن يحمل إلى المقدسة ويدفن عند أبيه وجده فحمله أبنه يوسف ودفنه عندهما وسنذكر في قصة ولده يوسف إن شاء الله تعالى وتقدم ذكر الخلاف في أن يعقوب أول من بنى مسجد بيت المقدس وأر بوحي من الله تعالى وتقدم لفظ الأثر الوارد في ذلك ونقل بلفظ آخر تقدم وهو أن والده إسحاق أوص إليه أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين ونكح من بنات خالة - وكان مسكن يعقوب القدس - فتوجه إلى خاله في الليل في الطريق فبات متوسدا حجرا فرأى فيما يرى النائم إن سلما صاعدا إلى باب من أبواب السماء عند رأسه والملائكة تنزل عليه وتعرج منه فأوحى الله تعالى إليه إني إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق وقد هذه الأرض المقدسة لك ولذريتك من بعدك وباركت فيك وفيهم وجعلت كتاب والحكم والنبوة ثم أنا معك أحفظك حتى أردك إلى هذا المكان بيتا تعبدني فيه أنت وذريتك وقد حكى الحافظ أبو محمد هذا الأثر والأثر المتقدم قبله وليس في أحدهما وفي الآخر سوى اختلاف في بعض اللفظ ( ذكر يوسف عليه السلام ) هو يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فهو نبي الله بن ابن نبي الله وخليله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولد يوسف عليه السلام لما كان ليعقوب من العمر إحدى وتسعون سنة ولما صار ليوسف ثمانية عشر سنة كان فراقه ليعقوب وبقيا متفرقين إحدى وعشرين سنة ثم أجتمع يعقوب بيوسف في مصر وليعقوب من العمر مائة وثلاثون سنة وبقيا مجتمعين سبعة سنة وقيل غير ذلك وسبب فراق يوسف عن أبيه حسد أخوته فألقوه في الجب كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز واختلف في الجب فقال قتادة هو بيت المقدس وقال وهب في أرض الأردن وقال مقاتل هو عل ثلاثة فراسخ من منزل أبيه يعقوب وكان بالجب ماء وبه صخرة فأوى إليها و أقام بالجب ثلاثة أيام فمرت به السيارة فأخرجوه وأخذوه فجاء أخوه يهوذا بطعام غل الجب ليوسف فلم يجده في الجب ورآه عند تلك السيارة فأخبر يهوذا بقية أخوته بذلك فأتوا إلى السيارة وقالوا هذا عبدنا أبق منا فاشتروه من أخوته بثمن بخس قيل عشرون درهما قيل أربعون درهما ثم ذهبوا إلى مصر فباعوه لأستاذهم الذي خزائن مصر واسمه العزيز وكان فرعون مصر حين ذلك الريان بن الوليد رجلا من العماليق و العماليق هم ولد عملاق بن سام بن نوح فهويته امرأته راعيل وراودته عن نفسها فأبى وهرب فلحقته وأمسكته بقميصه فانقد ووصل أمرهما غل زوجها العزيز وابن عمها بتحقيق وبيان وظهر لهما براءة يوسف ثم بعد ذلك ما زالت تشكو إلى زوجها وتقول له إنه يقول للناس إني راودته عن نفسه وفضحني فحبسه زوجها سبع سنين ثم أخرجه فرعون مصر بسبب تعبير الرؤيا التي رآها ثم مات العزيز جعل فرعون مصر موضعه يوسف عل خزائنه وجعل القضاء إليه ثم دعا يوسف الريان فرعون مصر إلى الإيمان فأمن به وبقي كذلك إلى أن مات الريان فرعون مصر وملكها وملك مصر بعده قابوس بن مصعب من العمالقة أيضا ولم يؤمن وكان يوسف إذا سار في أزقة مصر يتلألأ نوره على الجدران وكان عليه السلام إنه أبيض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوى غليظ الساعدين والعضدين والساقين اقني الأنف صغير السرة بخده الأيمن وكان ذلك الخال يزين وجهه وبين عينيه شامة تزيده حسنا وجمالا كأنه البدر وكان إذا تبسم رأيت النور من ضواحكه وإذا تكلم رأيت نور يثور من بين ثناياه صل الله عليه وسلم وصل إلى يوسف أبوه يعقوب واخوته جميعهم من كنعان وهي أرض وقد ذكر الله تعالى قصته في القرآن مبسوطة مفصلة ومات يعقوب وأوصى ولده أن يدفنه عند أبيه إسحاق فسار به إلى حبرون ودفنه عند أبيه وقبره بحذاء الخليل عليه السلام من جهة الشمال وهو مشهور كان عمر يوسف لما توفي والده يعقوب ستا وخمسين سنة ولما دفنه عاد وعاش يوسف مائة وعشرين سنة وبينه وبين سيدنا موسى عليه السلام سنة ونزل عليه جبريل أربع مرات وتوفي بمصر ودفن بها حتى كان موسى عليه السلام وفرعون وما سار موسى من مصر ببني إسرائيل إلى النية نبش على يوسف وحمله معه حتى مات موسى فلما قدم يوشع بن نون ببني إسرائيل إلى الشام دفنه في نابلس وقيل عند الخليل وهو المشهور عند الناس فإن قبره عند ممر مشهور وقد استفاض عند الناس فلم ينكر روي أن الله تعالى أوحي إلى موسى عليه السلام إن أحمل يوسف إلى عند آبائه فلم يدر أين هو فسأل نبي إسرائيل فلم يعرف أحد منهم فقال له شيخ - عمره ثلاثمائة سنة - يا نبي الله ما يعرف قبر يوسف إلا فقال له موسى عليه السلام قم معي إلى أمك قام معه إلى منزله فدخلا المنزل وأتاه بقفة وفيها والدته فقال لها موسى ' ع ' بقبر يوسف ؟ قالت نعم قال فدلني عليه قالت أدلك على قبره بشرط أن تدعو الله أن يرد على شبابي إلى سبعة عشر سنة وأن يزيد لي في عمري مثل ما مض قال فدعا فقال لها موسى عليه السلام كم عشت ؟ فقالت تسعمائة سنة فعاشت ألفا وثمانمائة سنة وأرت موسى عليه السلام قبر يوسف ' ع ' وكان في وسط نيل مصر في صندوق من رخام وذلك إنه لما مات تشاجر عليه الناس وكل أراد أن يدفن في محلته لما يرجو من بركته عليه السلام فاختلف رأيهم في ذلك حتى أرادوا أن يقتتلوا فرأوا أن يدفن في النيل ليمر عليه الماء فتصل بركته إلى جميع مصر وما حولها فيكونون كلهم في بركته مشتركين ففعلوا ذلك ولما علم مكانه أخرجه وهو في التابوت وحمله عل عجل من حديد إلى بيت المقدس وقبره في البقيع خلف الحير السليماني حذاء قبر يعقوب وجوار جديه إبراهيم وإسحاق عليهما السلام وعن إبراهيم بن أحمد الخليجي إنه لما سألته جارية المقتدر - وكانت تعرف بالعجوز وكانت مقيمة ببيت المقدس - الخروج إلى موضع الذي روي أن قبر يوسف فيه إظهاره والبناء عليه قال فخرجت والعمال معي فكشف البقيع الذي روي إنه فيه خارج الحير حذاء قبر أبيه يعقوب عليهما السلام قال فاشترى البقيع من صاحبه وأخذ في كشفه فخرج في الموضع الذي روي إنه فيه حجر عظيم فأمر بكسره فكسر منه قطعة قال وكنت معهم في الحفر فلما شالوا القطعة من الحجر وإذا هو يوسف عليه السلام على الصفة بحسنه وجماله وصارت روائح الموضع مسكا ثم جاء ريح عظيم فأطبق العمال الحجر على ما كان سابقا ثم بني عليه القبة التي هي عليه الآن عل صحة من رؤيته صلى الله عليه وسلم وهو خارج السور السليماني من جهة الغرب بداخل مدرسة منسوبة للسلطان الملك الناصر حسن وتمسى الآن بالقلعة ويدخل إليه من عند باب المسجد الذي عند السوق تجاه عين الطواشي وهو موضع مأنوس وفيه الضريح ثم أن بعض النظار عل وقف سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وهو شهاب الدين أحمد اليغموري فتح بابا في السور السليماني من جهة الغرب بحذاء القبر المنسوب لسيدنا يوسف الصديق عليه السلام وجعل فوق القبر السفلي إشارة تدل عليه كبقية الأضرحة الكائنة بمسجد سيدنا الخليل عليه السلام وذلك في سلطنة السلطان الملك الظاهر برقوق وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه إنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الداعي لأجبته وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس ؟ قال أتقاهم لله فقالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف الصديق نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله فهؤلاء الأنبياء الأربعة وهم إبراهيم الخليل وولده إسحاق وولده يعقوب وولده يوسف قبورهم في محل واحد وعليهم من الوقار والجلال ما لا يكاد يوصف صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ( ذكر لوط عليه السلام ) هو لوط بن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام واسم أبيه هاران بن آزر قال الثعلبي وإنما سمي لوطا لأن حبه ليط بقلب إبراهيم عليه السلام أيتعلق ولصق وكان إبراهيم يحبه حبا شديدا وكان ممن آمن بعمه إبراهيم وهاجر معه إلى مصر حين هاجر من نمروذ وعاد معه إلى الشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وكانوا أهل كفر وفاحشة ودام لوط يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم فلم يلنفتوا إليه وكانوا على ما أخبر الله عنهم في قوله تعال ( ^ أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ) وكانوا يقطعون الطريق وإذا مر بهم أحد من المسافرين أمسكوه وفعلوا به اللواط وهو ينهاهم فلم ينتهوا فلم ينتهوا ولم يزدهم وعظه إلا تماديا وظلالا فسأل الله تعال النصرة عليهم فأرسل الله الملائكة لقلب سدوم وقرأها المؤتفكات وهي خمس مدائن وكان الملائكة قد أعلموا إبراهيم الخليل بما أمرهم الله تعالى به من الخسف بقوم لوط حين قدموا عليه وبشروه بإسحاق - كما تقدم - فسال إبراهيم جبريل فيهم وقال له أرابت إن كان فيهم خمسون رجلا من المسلمين ؟ فقال جبريل إن كان فيهم خمسون من المسلمين لا يعذبهم الله فقال إبراهيم وأربعون ؟ قال جبريل أربعون قال إبراهيم ثلاثون ؟ قال جبريل وثلاثون قال إبراهيم ولم أزل كذلك حتى قال لي جبريل عشرة قال إبراهيم قلت إن هناك لوطا فقال جبريل والملائكة ( نحن أعلم ممن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) قال ولما وصلت الملائكة إلى لوط هم قومه إن يلوطوا بهم لأن الملائكة جاؤا إليه عل صورة غلمان حسان الوجوه ( فقال لهم لوط يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) - يعني بالتزويج - فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ؟ فلم يرضوا بقوله وقالوا ( لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ) أيمن حاجة وشهوة وإنك لتعلم ما نريد من إتيان الرجال فعالجهم وناشدهم وهم على العناد والغي فأعماهم جبريل بجناحه وقالت الملائكة للوط ( نحن رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ) إنه مصيبها ما أصابهم قال ولما خرج لوط بأهله قال للملائكة أهلكوهم الساعة فقالوا لم نؤمر غلا بالصبح ( أليس الصبح بقريب ) فلما كان الصبح قلبت الملائكة سدوم وقرأها الخمس بمن فيها وكان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف فرفعوا المدائن كلها حتى سمع أهل السماء ( ذكر سيدنا موسى الكليم عليه أفضل الصلاة والتسليم ) ( وأخيه هارون عليه السلام ) ( أقول - وبالله التوفيق ) موسى نبي الله وكليمه وهو ابن عمران بن لآوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل سلام الله عليهم ولد لمضي ألف وخمسمائة وست وستين من الطوفان واسم أمه يوحانذ بنت لأوي بن يعقب وكان فرعون مصر الوليد بن مصعب وكان قد تزوج آسية بن مزاحم وقد روي أن الله تعالى لما خلق الحور العين في نهاية الحسن والجمال قالت الملائكة إلهنا ومولانا وسيدنا هل خلقت خلقا أحسن منهن ؟ فجاءهم النداء العلي الأعلى إني خلقت سيدات نساء العالمين وفضلتهن على الحور العين كفضل الشمس على الكواكب وهن آسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران وخديجة بنت بلد وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصفت آسية لفرعون أحب أن يتزوجها فتزوجها على كره منها ومن فيها لكنه بذل لهم أموالا جزيلة وزفت إليه ودخل عليها فلما هم بها أخذه الله فلم يقدر عليها وكان لك حاله معها وكان قد رضى منها بالنظر إليها فينما هو في قبتها إذ سمع هاتفا يقول ويلك يا فرعون لقد قرب زوالك وزوال ملكك زيد نبي من نبي إسرائيل فقال فرعون لآسية سمعت هذا ؟ قالت له سمعت أن هذا من عمل النساء ثم أن فرعون رأي عدة منامات أزعجته فاستدعى بالمعبرين وقص عليهم رآه فقال أحدهم هذه الرؤيا تدل على مولود يولد من نبي إسرائيل يسلبك ملكك ويزعم أنه رسول إله السماء والأرض يأتي إليك وسيكون هلاكك وهلاك قومك على يديه فلما فرعون ذلك لحقه غم شديد فجمع وزراء مملكته واستشارهم فيذلك فأشاروا عليه أن يوكل على النساء الحبالى من يحملهن إلى داره حتى تكون ولادتهن عنده فإن كان المولود ذكرا قتله وإن كان أنثى تركها ففعل ذلك ولم يزل حتى قتل إثنى عشر ألف مولود وكان يعذب النساء الحبالى حتى يسقطهن حملهن فضجت الملائكة من ذلك إلى ربهم فأوحى الله إليهم أن اسكنوا فإن له أجلا ممدودا إلى وقت محدود ثم بشرهم الله تعالى بمولود هو موسى عليه السلام وحملت أمه به وكان فرعون قد منع وزراءه وكبراء مملكته من الاجتماع بأهلهم لأنه كان قد بلغه أن المولود يكون من أقرب الناس إليه وكان عمران من أقرب الناس إليه فكان شأنه أن لا يفارقه بينما عمران قاعد عند رأس فرعون إذ نظر إلى امرأته وقد حملت إليه على جناح ملك فلما نظر إليها فزع فزعا شديدا وقام على قدميه وقال لها ما الذي جاء بك في مثل هذا الوقت ؟ فقال له الملك إن الله يأمرك أن تواقع زوجتك على فراش فرعون ليكون ذلك هوانا له ثم جذب المك فراش فرعون من تحته وألقاه لعمران وتوارى الملك فواقعها فحملت بموسى ' ع ' ثم احتملها الملك إلى دارها هذا وكان على باب فرعون ألف من الحراس والأعوان فلما أصبح دخل عليه المنجمون والكهنة وقالوا لفرعون إن المولود الذي كنا نحذرك منه قد حملت به أمه في هذه الليلة وقد ظهر نجمه وعلا شعاعه قال فاشتد فزع فرعون وزاد اختباطه ولما مضت مدة الحمل أخذ أمه الطلق في نصف الليل ولم يكن عندها أحد إلا أختها فلما نظرت إلى نوره وهو يتلألأ ففرحت به إلا إنها مكروبة لخوفها عليه من فرعون وأعوانه فسألت الله تعالى أن يحفظه عليها وأن يرزقها الصبر فما استنمت دعاءها ونظرت إلى موسى فإذا هو قد استوى قاعدا وقال لها يا أمي لا تخافي ولا تحزني إن الله معنا وسمع فرعون في تلك الليلة هاتفا في قصره وهو يقول ولد موسى وهلك فرعون فصار كل صنم في تلك الليلة منكسا فأصبح فرعون ممتلئا وشدد على طلب المولودين تلك الليلة وكانت أم موسى إذا خرجت في حاجة تعمد إلى موسى وتضعه في مهده وتضعه في التنور وتغطيه فاتفق إنها خرجت يوما من الأيام وكانت أختها قد عجنت عجينا وأرادت أن تخبز فأمرت بسجر التنور فسجروه ولم تعلم أن فيه موسى وكان موسى في التنور وقد وقع في قلب هامان أن مولود في بيت عمران فكبس داره وقال هاهنا مولود فقالت أختها كيف يكون هاهنا مولود وعمران محبوس عندكم ؟ فجعل هامان يفتش حتى جاء إلى التنور فوجدوه يسجر نارا فانصرف وقال لا يكون مولود في النار ثم رجعت أم موسى وإذا بالأعوان والحراس قد خرجوا من دارها فلما رأتهم قد خرجوا من دارها كادت روحها أن تزهق من الهم والغم فدخلت وقالت هل نظر هامان إلى ولدي في التنور ؟ قالوا لا ثم أسرعت أم موسى نحو التنور فإذا هو مسجور والنار تعلو منه فلطمت على وجهها وقالت ما نفعني الحذر وقد أحرقتم ولدي فنادها موسى لا تخافي علي يا أماه فإن الله تعالى قد منعني من النار وإن النار لا تحرقني فمدي يدك إلي فإن النار لا تصل إلينا ولا تحرقنا فأدخلت يدها في التنور وأخرجته ولم تمسها النار ( قصة التابوت ) فلما كان بعد أربعين يوما صنعت له تابوتا - وكان عمران توفى قبل أن يتم موسى أربعون يوما - فعمدت إلى ذلك التابوت وفرشته وأرضعت موسى وكحلته ودهنته وألقته في التابوت وأغلقت عليه بابه وهي تبكي ثم احتملت التابوت في نصف الليل ومعها أختها وجاءت إلى شاطئ النيل فألقته في اليم وبكت فسمعت النداء من العلا ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) وبقي التابوت في النيل أربعين يوما وقيل ثلاثة أيام وقيل ليلة واحد وصعد فرعون إلى صرح له فجلس وهو مشرف على النيل فألقت الريح التابوت تحت قصره وكان له سبع بنات ليس منهن واحدة إلا وبها سائر الأمراض وكان في داره حوض يركد فيه الماء من النيل وهو حوض عظيم وكن البنات يغتسلن فيه فلم تزل الريح بأمر الله تعالى تسوق التابوت إلى أن دخل في ذلك الحوض وركد فبادرت البنت الكبيرة وأخذت التابوت وفتحته وإذا فيه موسى عليه السلام وله شعاع ونور كشعاع الشمس فأخرجته فلما لمسته ذهب ما كان بها من البلاء فتناولته الثانية ولمسته فعوفيت ولم يزلن يتناولنه حتى عوفيت السبع بنات مما كن فيه من الأمراض وصرن صحاحا من بلائهن ببركته فأخذنه ودخلن به إلى آسية وذكرن لها القصة فلما رأتهن قد عوفين أحبته ونظرت إليه وقبلته وحملته إلى فرعون فلما رآه فرعون فزع منه فقالت له أيها الملك لا تخف وذكرت له حديث التابوت وكيف عوفيت البنات ببركته فقال ياآسية إني أخاف أن يكون هذا عدوي وأنا لا بد لي من قتله ( فقالت له قرة عين لي ولك لا تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) وقالت له أيها الملك إنه في قبضتك وإنك من قتله متمكن في أي وقت شئت وأنت ليس لك ولد ذكر فأطعم الناس لأجله ولم تزل به حتى فعل ذلك فجاع الطفل فأتى إليه بالمراضع فلم يقبل موسى بثدي واحد منهن وذلك قوله تعالى ( وحرمن عليه المراضع من قبل ) معناه لا يرضع من غير أمه ( ذكر قصة الرضاع ) ثم بلغ أمه وصول التابوت إلى قصر فرعون فقالت لبنتها كلثوم أخرجي فقصي أمره فجاءت قصر فرعون فإذا هو في حجر آسية فقالت لها ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) فلم تعلم آسية إنها أبنه عمها بالية ثيابها فقال فرعون من هؤلاء القوم ؟ فقالت هم من آل إبراهيم أمر بإتيانهم فحضرت أم موسى فعرفتها آسية إنها امرأة عمها عمران فأعطتها الصبي فلما أخذته ضحك ورضع منها فقال لها فرعون إني أرى لبنا كثيرا فهل لك ولد ؟ فقالت هل ترك أهلك وأعوانك ولدا ولم يقتلوه ؟ فقال لها فرعون ويلك من قتل ولدك ؟ قالت الملك أعلم بذلك - ولم يعلم فرعون إنها امرأة عمران - واستمرت عند آسية ترضعه سنة كاملة ثم انصرفت من عندها مسرورة مستبشرة فلما صار لموسى ثلاث سنين دعا به فرعون واقعده في حجره وجعل يلاعبه فقبض موسى عليه السلام بيده لحية فرعون ولطمه بالأخرى فقال فرعون في نفسه لاشك أن هذا الذي يكون عدوي فهم بقتله فأسرعت إليه آسية وقالت له إن صبيان لهم حركة ولع من غير معرف ولا عقل وأنا أريك إنه لا يعقل فأمرت إحضار طشت من فضة ووضعت فيه تمرة وجمرة وقدمته لموسى عليه السلام وقالت ولدي خذ أيهما شئت فأراد موسى أن يمد يده ويأخذ التمرة فضرب جبريل يده على الجمرة فأخذ موسى بيده الجمرة ورفعها إلى فيه فاحترق لسانه فرماها من فيه وبكى بكاء شديدا فقالت له أرأيت لو كان له عقل أكان يؤثر الجمر عل النمرة ؟ فسكت فرعون بعد ذلك ثم أظهرا الله آياته وبانت معجزات موسى عليه السلام أنبته الله نباتا حسنا وأعطاه حكما وعلما في دينه ودين آبائه ( فلما بلغ أشده واستوى ) قال ابن عباس الأشد ما بين ثمان وعشرين إلى ثلاثين سنة واستوى إذ صار ابن أربعين سنة وكان يذكر لبني إسرائيل ما في فرعون ما هو عليه من الضلال وكان موسى يأمر فرعون بالمعروف وينهاه عن المنكر يعظه وينهاه عن الكفر حتى شاع ذلك في البلد وإنه مخالف رأي فرعون ( قصة القبطي ) وقوله تعالى ( ^ ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ) وذلك أن موسى عليه السلام وكان يمشي في بعض الأيام فوجد إسرائيليا وقبطيا يختمان فاستغاثة الإسرائيلي فوكز موسى القبطي عل صدره فمات فندم موسى بفعله وقال ( رب إني ظلمت نفسي فأغفر لي ) فذهب بعض القبط إلى فرعون وأعلمه بذلك فلم يصدق ثم أصبح موسى وهو خائف أن يؤخذ بدم القتيل فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر من القبط - والقبطي يقول قتل ابن عمي بالأمس - فقال يا موسى أعني على هذا القبطي فإنه يريد أن يحملني إلى فرعون فقال له موسى - كما أخبر الله تعالى - ( إنك لغوي مبين ) فحزن الفتى وعلم من كلامه أن موسى ندم على ما كان منه بالأمس ثم إن موسى لم يجد بدا من نصرته لأنه قد استغاث به فدنا موسى القبطي ونزع الإسرائيلي من يده فظن إنه يريد قتله فقال - كما أخبر الله تعالى - ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ) ثم دخل القبطي على فرعون وأخبره أن موسى قبل نفسا بالأمس فأرسل فرعون في طلبه وأذن لأولياء المقتول أن يقتلوه حيثما وجدوه فسمعه رجل مؤمن من آل فرعون فأقبل على موسى وأخبره وقال - كما قال الله تعالى - ( يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب ) ( قصة أرض مدين ) فلم يزل موسى عليه السلام يسير حتى صار في أرض مدين في اليوم السادس والسابع وبه جهد من الجوع والعطش وإذا بجماعة من أهل مدين على بئر لهم دون أغنامهم فنظر موسى امرأتين تذودان - أي تمنعان - أغنامهما عن الماء من الرعاة وهو ما بين العشر إلى الأربعين فقال موسى للمرأتين ما خطبكما ؟ ما قصتكما - قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء - أي يصرفوا مواشيهم عن - لأننا امرأتان لا نطيق أن نسقي ولا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ وهو شعيب نبي القوم وكلهم يحسدونه على ما تاه الله من الغنم وغيرها وقال لهما موسى وهذا الماء لهم خاصة ؟ قالتا لا بل لجميع الخلق وكانوا إذا فرغوا عمدوا إلى حجر كبير عظيم يطبقونه على رأسا البئر لا يقدر على تنحيته فسكت موسى عليه السلام حتى فرغ الناس من سقي أغنامهم فاجتمعوا وطبقوا وانصرفوا فقام موسى عليه السلام وقال للمرأتين قربا أغنامكما إلى الحوض إنه تقدم إلى البئر وضرب الصخرة برجله فرماها أربعين ذراعا ضعفه من الجوع وافرغ من سقي أغنامهما تولى إلى الظل وهي شجرة كانت هناك فقال ( رب لما أنزلت إلي من خير فقير ) فانصرفت المرأتان إلى أبيها شعيب وأخبرتاه بما كان فقال لأحدهما فأتني به فأقبلت إلى موسى وأومأت إليه وقالت إن أبي يدعوك ليجزك أجر ما سقيت لنا فقام موسى ومرت المرأة بين يديه فكشف الريح عن ساقها فقال لها موسى تأخري خلفي ودليني على الطريق فتأخرت وكانت تقول يمينك عن شمالك خلفك وقدامك حتى وقف على باب شعيب فبادرت المرأة أبيها وأخبرته فأذن له بالدخول - وشعيب يومئذ شيخ كبير وقد كف بصره - فسلم موسى عليه السلام فرد عليه السلام وعانقه ثم أجلسه بين يديه وسأله عن حاله وقصته فأخبره بخبره وقص عليه قصته فقال لا تخف نجوت من القوم الظالمين وأتاه بطعام فقال بسم الله الرحمن الرحيم وأكل ولما فرغ من أكله حمد الله تعالى أثنى عليه بالجميل فقال بنت شعيب - واسمها صافورا - ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) فرغب شعيب فيه لقوته وأمانته فقال ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك فرضى موسى وقال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ) فرض شعيب وجمع المؤمنين من أهل مدين وزوجه ابنته صافورا ودخل موسى البيت وجعل يرعى الغنم فرعى غنم شعيب عشر حجج وهي عشر سنين ( قصة رجوعه من أرض مدين ) ثم قصد موسى السير إلى أهله فبكى شعيب وقال يا موسى كيف تخرج عني وقد ضعفت وكبرت ؟ فقال موسى قد طالت غيبتي عن أمي وخالتي وهارون أخي وأختي فإنهم في أسر فرعون فقام شعيب وبسط يديه إلى ربه وقال يا رب إبراهيم الخليل وإسماعيل الصفي وإسحاق الذبيح ويعقوب الكظيم ويوسف الصديق رد قوتي وبصري فأمن موسى على دعائه فرد الله عليه بصره وقوته ثم أوصاه بابنته وسار موسى وأهله وضرب خيمته على الوادي وأدخل أهله فيها وهطلت السماء بالمطر والثلج وكانت امرأته حاملا فأخذها الطلق فأراد أن يقدح فلم يظهر له نار فاغتنم لذلك وإذا هو بنار من بعد ( فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ) فأتى نحو النار فلما دنا منها رأى نورا ممتدا من السماء إلى شجرة عظيمة من الغوسج وقيل من العناب فتحير وخاف فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن من الشجرة ( إن يا موسى إني أنا الله ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) ثم قال ( وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ) قال الله عز وجل ( ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى فلما رآها ولى مدبرا ) ولم يعقب فسمع النداء هل يملك أحد الموت والحياة غير الله عز وجل ؟ فرجع موسى إلى موضعه والحية على حالها فقال الله تعالى ( خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) فأدخل يده في كمه ليأخذها فسمع النداء أرأيت لو أذنت لها أن تضربك أكان يغنيك كمك ؟ فكشف يده وأدخلها في فمها فإذا هي عصا كما كانت قال عز وجل ( أضم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء ) أي من غير برص آية أخرى مع العصا فعند ذلك أنس موسى وذهب عنه الخوف قال الله يا موسى أني اخترتك على الناس برسالاتي وبكلامي لأبعثك لعبد من عبيدي كفر بنعمتي وتسمى باسمي واستعبد عبيدي ولولا حلمي وكرمي لأهلكته ولكن هان علي وأنا مستغن عنه أمهله لأقيم عليه حجتي فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي فقال موسى ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي - يعني يعرفوا كلامي - واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) يعني يكون عونا لي على الرسالة قال الله تعالى ( قد أوتيت سؤلك يا موسى ثم تذكر ما كان منه من قتل النفس فخافهم ( فقال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون ) ثم - قي القول والفعل - فقولا له لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى - فيقتلنا - قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ) وهذه المخاطبة كانت له وحده والرسالة له ولأخيه هارون ومر موسى في المخاطبة مع ربه عز وجل وزوجته صافورا بنت شعيب قد اشتد بها الطلق فسمع أنينها سكان ذلك الوادي فأتوا إليها أوقدوا عندها نارا وجلسوا عندها ثم اقبل موسى إلى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلا ( قصة دخوله إلى مصر ) فأوحى الله تعالى إلى أخيه هارون بقدوم موسى إلى مصر وهارون كان يومئذ وزيرا من وزراء فرعون لا يفارقه ليلا ولا نهارا وكانت الأبواب مغلقة فاحتمله الملك إلى قارعة الطريق ثم قال له امض يا هارون واستقبل أخاك فقال له هارون وكيف أسلك الطريق في هذا الليل وأنا لا أعرفه فنزل عليه جبريل وبشره بالرسالة مع أخيه موسى إلى فرعون ثم احتمله الملك حتى أتى به إلى شاطئ النيل فالتقى بأخيه موسى وتعانقا وبشره بالرسالة ثم اقبلا يريدان أممهما فاجتمعا بها وأخبرها موسى بما كان من أمره ثم حمل جبريل هارون من عند أمه إلى منزل فرعون ثم خرج موسى متنكرا ينظر ما أحدثه فرعون بأرض مصر من البنيان ثم قصد الاجتماع بفرعون فحضر إلى بابه فمنهم من يعرفه ومنهم من ينكره ثم علم به فرعون فتغير لونه وارتعدت مفاصله ثم إن هامان أمسكه وحبسه وأخبر فرعون بأمره وإنه حبسه فدعا فرعون بالفراشين وزين قصره وأحضره فلما نظر فرعون إلي موسى عرفه ولكنه قال من أنت ؟ قال أنا عبد الله ورسوله وكليمه فقال فرعون إنك عبدي وابن أمتي فقال موسى إن الله عز وجل أعز من أن يكون له ند أو ضد فقال له فرعون يا موسى أنت رسول وحدي ؟ فقال موسى إليك وإلى جميع أهل مصر فقال فرعون بماذا أنت ؟ قال أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن موسى عبده ورسوله قال له فرعون فما حجتك فإن لكل مع بين وبرهانا فقال موسى بينتك بينة واحدة تؤمن بي ؟ قال نعم قال موسى يا هارون انزل عن كرسي فنزل هارون ثم قال ( يا فرعون أنا رسولا ربك إليك فأرسل معنا إسرائيل ولا تعذبهم - يعني بالبناء ونقل الأحجار - قد جئناك بآية من ربك ) قال فتحير فرعون لأن هارون كان عنده وهو يظن إنه يساعده على أخيه قصاصه به وقربه منه ثم قال فمن ربكما يا موسى ؟ ( قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم يميته ) وكان هارون كلما تكلم أخوه موسى بشيء صدقه فيه وأعانه عليه فرعون على هارون فخلع ما كان عليه من اللباس حتى بقي هارون بالسراويل قام موسى عليه السلام ونزع مدرعة مما عليه وألبسها لهارون ثم نزل البس عليه السلام بقميص من الجنة فأفرغه عل هارون فتحير فرعون في أمره ثم أمر هامان بحملها إلى داره ومداراتهما على أن يأمر إلى طاعته فلم يلتفتا إلى قوله فجاء هامان وأخبر فرعون إنهما لم يقبلا ولم يلتفتا إلى قوله فأحضرهما فرعال لموسى ( ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من السنين وفعلت فعلتك التي فعلت - يعني القتل - قال فعلتها إذا وأنا من الضالين لست منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ) يعني إليك يا فرعون قال له ( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت نبي إسرائيل - يعني إنك جعلت إسرائيل عبيدا لك - تذبح أبناءهم وتستحي نساءهم ) وكان فرعون متكئا أي جالسا ( فقال وما رب العالمين قال موسى رب السماوات والأرض وما بينهما وكنتم موقنين فالتفت فرعون إلى من حوله وقال ألا تسمعون - يعني إلى قول موسى - قال موسى ربكم ورب آبائكم الأولين قال فرعون أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال موسى رب المشرق والمغرب ومل بينهما أن كنتم تعقلون قال فرعون لموسى لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئنك بشيء مبين - يعني بآية بينة - قال فأت بها إن كنت من الصادقين ) ( قصة الحية واليد البيضاء ) فبينما هما في المجادلة إذا بالعصا قد اضطربت في كف موسى فناداه جبريل ( ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى ) أي ثعبان مبين والناس ينظرون إليه وقام على رجليه حتى أشرف على الحائط وجعل يقلع الصخور من قصر فرعون ويهدمها وجعلت تتنفس في البيوت والخزائن واشتعلت نارا وجعلت تهيج كما يهيج الجمل ولها صوت كالرعد القاصف والناس يهربون منها وآسية تنظر وتتعجب من ذلك فلما نظر فرعون إلى ذلك وثب عن سريره وقد أحدث في ثيابه وأخذت الحية ذيل ثيابه حتى رمى بنفسه خلف السرير وقال يا موسى بحق التربية والرضاع وبحق آسية قال فلما سمع موسى بذكر آسية صاح بالحية فأقبلت نحوه كالكلب فأدخل يده في فيها وقبض على لسانها فإذا هي عصا كما كانت بقدر الله تعالى فلما نظر فرعون إلى ذلك قال يا موسى لقد حويت سحرا عظيما هل عندك غير هذا ؟ قال نعم فأدخل يده في جيبه ثم أخرجها وهي بيضاء ولها نور ثم ردها إلى جيبه وأخرجها وإذا هي على لونها الأول كما كانت فأقبل فرعون على قومه وقال ( إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ) ( قصة السحرة ) ثم أقبل الملأ من قوم فرعون عليه وقالوا ( أيها الملك إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما فأخرجهما وأبعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم ) فأمر فرعون بذلك وأرسل قصاده إلى جميع البلاد فاجتمع إليه سبعون ألف ساحر وهم أحذق الخلق ثم بعث إلى موسى ودعاه وقال فرعون للسحرة اجتهدوا أن تغلبوا موسى ثم اجتمع الناس في صعيد واحد لينظروا من يكون الغالب وخرج فرعون بجنده فأقبل موسى وهارون وقد أحدقت بهم الملائكة وكان السحرة قد أخرجوا ثلاثمائة وقر منن الحبال والعصي وسحروا أعين الناس فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم إنها تسعى فامتلأ الوادي من العصي والحبال وجعلت تركض بعضها على بعض ( فأوجس في نفسه خفية موسى فأوحى الله إليه لا تخف إنك أنت الأعلى والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) فزال عن موسى الخوف وقال ( ما جئتم به السحر أن الله سيبطله أن الله لا يصلح عمل المفسدين ) ثم ألقى عصاه في وسط الوادي وبطل ما أظهروه من السحر وإذا هو حبال وعصي فصارت عصا موسى ثعبانا لها سبع رؤوس ثم أتت على حبالهم وعصيهم فابتلعها عن آخرها وجميع ما في الوادي من زينة فرعون ثم حملت على السحرة فولوا هاربين على وجوهم ثم اجتمعوا في موضع واحد وقالوا ما هذا سحر إنا آمنا بربنا ثم خرجوا بأجمعهم ساجدين فاغتم فرعون لذلك وقال للسحرة ( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فسوف تعلمون ) فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأمر بصلبهم أجمعين ( قصة الصرح ) ثم أقبل فرعون على هامان وقال له ( ابن لي صرحا - يعني قصرا مشيدا - لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موس وإني لأظنه كاذبا ) يعني في رسالته فجمع هامان خمسين ألف بناء وصانع وأخذ في ذلك ولم يزالوا حتى بنوا الصرح وارتفع في الهواء ارتفاعا لم يبلغه أحد من بني آدم قال واشتد ذلك على هارون وموسى لأن بني إسرائيل كانوا معذبين في بنائه فلما فرغوا من بنائه وارتفاعه ارتقى فرعون فوقه وأخذ سهما ورمى به نحو السماء فرد إليه وهو ملطخ بالدم فقال الكلب قد قتلت إله موسى فأمر الله عز وجل جبريل إن يهدم الصرح فجعل عاليه سافله ومات كل من كان فيه من الفعلة ممن كان على دين فرعون ( قصة الآيات التسع ) ثم إن الله تعالى حبس عن قوم فرعون المطر فأجدبت الأرض عليهم وماتت المواشي وخرب الصرح وجاءهم الطوفان فدام عليهم ثمانية أيام بلياليها وبعث الله عليهم الجراد فأكل جميع ما عندهم ثم بعث الله القمل حتى أكل جميع ما على وجه الأرض ووقع في ثيابهم فقرضها وقرض أيديهم ثم أرسل الله عليهم الضفادع فكانت عليهم أشد من الكل لأنها كانت تقتحم في طعامهم وفي دورهم وفي ثيابهم ثم أوحى الله تعالى إلى موسى ( إن أضرب بعصاك البحر ) فصار دما عبيطا من وقته فاشتد بهم العطش وكان الفرعوني والإسرائيلي يعمدان إلى موضع واحد يستقيان فإذا أخذ الإسرائيلي يكون ماء وإذا أخذ الفرعوني يكون دما فدام ذلك عليهم ثمانية أيام حتى أجهدهم العطش وكان بين كل آية أربعون يوما فهذه الآيات التسع ( قصة المسخ وقتل آسية ) ثم دعا عليهم موسى وأمن على دعائه هارون فمسخ الله سبحانه وتعالى كثيرا منهم حتى أصبح الرجال والنساء والصبيان حجارة ثم إن آسية أظهرت الإنكار على فرعون وواجهته بقبح القول فقتلها لعنة الله عليه ثم بعث الله الظلمة على أهل مصر ثلاثة أيام فلم يعرفوا الليل من النهار ( قصة النيل ) وانقطع عنهم النيل فضجوا إلى فرعون فخرج بهم على أن يجري لهم النيل فلما قرب من النيل أوقفهم وانفرد عنهم بحيث لا يرونه فنزل عن فرسه ومرغ وجهه على الأرض ورفع يديه إلى السماء وقال إلهي وسيدي ومولاي علمت إنك إله السماء والأرض لا إله فيهما سواك حلمك الذي حملني إن أسألك ما ليس بحق وأنت المتكفل بالأرزاق اللهم إني أسألك إن تجرى لهم هذا النيل قال فأجرى الله لهم النيل فلما رآه القوم ظنوا إنه أجرى لهم النيل فسجدوا له وازدادوا كفرا وعصيانا وقالوا قد أتانا بالماء والنيل في طاعته وعلم الله منه إنه لا يزداد إلا كفرا لكنه أراد أن يؤكد الحجة عليه وبلغ ذلك موسى وهارون فتعجبا من لطف الله تعالى ( قصة غرق فرعون وخروج موسى من مصر ) ثم أوحى الله إلى موسى إن قد اقترب أجل فرعون وهلاكه وأهبط الله تعالى جبريل عليه السلام على صورة رجل حسن الوجه فدخل على فرعون فقال له فرعون من أنت ؟ قال أنا عبد من عبيد الملك جئتك مستفتيا على عبد من عبيدي مكنته من نعمتي فاستكبر وبغى وجحد حقي وتسم باسمي وادعى في جميع ما أنعمت عليه إنه له فقال فرعون بئس ذلك العبد بين العبيد فقال جبريل عليه السلام فما جزاؤه ؟ قال يغرق في البحر قال جبريل عليه السلام إني أسألك إن تكتب لي خطا بيدك فكتب له خطا بيده فأخذ جبريل وخرج من عنده حتى صار إلى موسى فأخبره بذلك وقال له إن الله يأمرك أن ترحل من موضعك فنادى موسى في بني إسرائيل بالرحيل ارتحلوا وهم يومئذ ستمائة ألف فلما سمع فرعون ذلك نادى في جنوده وكان في كثرة لا يحصون عددا وسار فرعون بجنده في تبع موسى وبني إسرائيل فإنه كان معتقدا لهم خرجوا هاربين منه فسار حتى قرب من بني إسرائيل فلما رأوه قالوا لموسى يا موسى قد لحقنا فرعون وجنوده فقال موسى ( كلا إن معي ربي سيهدين ) قالوا له قد قرب القوم وليسبين أيدينا شيء سوى البحر وما خلقنا سوى السيوف وقد هلكنا فأوحى الله إلى موسى ( إن أضرب بعصاك البحر ) فإنفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وصار فيه اثنا عشر طريقا للأسباط لاثني عشر فجعلوا يسيرون فيه ويحدث بعضهم بعضا وموسى بين أيديهم وهارون من ورائهم فأقبل فرعون وهامان بين يديه ومن ورائه وزراؤه وحجابه فنظروا إلى البحر يابسا وإلى تلك الطرق فأحب لحوق موسى فتقدم وهو على فرسه فتأخر الفرس ونقر فهبط جبريل على فرسه وتقدم إلى فرس فرعون فاشتم رائحة فرس جبريل فأنبعها فرعون ولحقه جنوده وجبريل يقول أيها الملك لا تعجل وجعل ميكائيل يسوق الناس خلفه فأخرج جبريل الصحيفة وقال لفرعون أيها الملك أتعرف هذه الصحيفة التي كتبها بيدك ؟ فلما فتحها علم إنه هالك وجعل البحر ينضم بعضه إلى بعض والناس يغرقون وفرعون ينظر إليهم فلما استيقن بالموت قال ( آمنت إنه لا إله إلا الذي منت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) فقال له جبريل عليه السلام ( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قال بنو إسرائيل / ما مات فرعون فأمر اله البحر فألقاه على الساحل فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا أبدا بل يلقيه وذلك قوله تعالى ( ^ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) - عبرة وموعظة - فغرق القوم كلهم وبنو إسرائيل ينظرون إليهم كيف يغرقون ولما عبر موسى البحر ببني إسرائيل إذ رأوا في طريقهم قوما يعبدون الأصنام فقال سفهاؤهم ( يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال موسى إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعلمون ) ثم قال ( أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين ) ثم قال لهم استغفروا الله مما قلتم فساروا وفي قلوبهم حب الأصنام فلما قرب موسى من الطور استخلف أخاه هارون على قومه وخرج موسى إلى البقعة التي كلمة الله فيها وهو صائم فتطهر وطمع أن الله يكلمه وهو في ذلك يكثر التسبيح والتقديس والتمجيد ( قصة السامري ) ثم إن السامري عمل لبني إسرائيل بعد رواح موسى إلى مناجاة ربه فأخذ منهم ما كان معهم من الزينة والحلي واتخذ لهم عجلا وكان معه قبضة من الرمل من الساحل من تحت فرس جبريل وطرحها فيجوف ذلك العجل فصار له خوار فقال لبني إسرائيل هذا إلهكم وإله موسى , فمال إليه خلق وامتنع آخرون وبلغ هارون ذلك فقال لهم إن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) فاهتم لذلك ولم يمكنه التغيير عليهم خشية الفتنة وموسى لا يعلم فأوحى الله إلى موسى وما أعجلك عن قومك يا موسى ؟ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فأنا قد فتنا قومك من بعدك واحتمل جبريل موسى إلى الموضع الذي كلمه فيه ربه فوقف وذلك قوله تعالى ( ^ وقربناه نجيا ) فسمع موسى في ذلك الوقت صرير القلم حين يجري في اللوح واللوح من الزمرد الأخضر وأوحى الله إلى القلم إن أكتب فقال القلم يا رب وما اكتب ؟ أشرك بي أدخلته النار يا موسى لا تسرق مال غيرك فيحل عليك عذابي في الدنيا والآخرة وكتب غير ذلك ( ذكر قصة الرؤية ) وسار ببني إسرائيل مستقبلين الأرض المقدسة فلما أتوا إلى جانب الطور أمره الله تعالى أن يقيم ببني إسرائيل في ذلك المكان وأن يستخلف عليهم هارون وظلل الغمام ذلك الجبل كله ثم دنا منه موسى فأمره الله أن يقطع الألواح من صخرة صماء فقطعها وكتب الله فيها التوارة بيد القدرة وكان موسى يسمع جريان القلم فحدث نفسه بالرؤية لله عز وجل ( فقال رب أرني أنظر إليك ) فأنت الحنان المنان ذو الفضل والإحسان متفضل على بكرمك فلا تحرمني النظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام فأوحى الله إليه يا موسى سألت شيئا لم يسأله أحد من خلقي فهل تستطيع ذلك يا موسى فإنه لا يراني أحد من خلقي إلا خر صعقا ؟ فقال موسى يا رب أراك وأموت أحب إلي من أن لا أراك وأحيا فأوحى الله إليه ( يا موسى إنك لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) لا يعقل من أمره شيئا ثم أزال الله خوفه فذلك قوله ( فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) معناه وأنا أول المصدقين بأنه لا يراك أحد في الدنيا ثم أوحى الله إليه ( يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) ثم أوحى الله إليه ( إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري بعباد العجل ) ( فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) واشتد غضبه عليهم ( وقال بئسما خلفتموني من بعدي ) ثم ألقى الألواح وعمد إلى أخيه هارون وأخذ بلحيته وقال له لم لا تبعتني لما رأيتهم ضلوا أفعصيت أمري ؟ فبك هارون وقال ( يا بن أمي لا تأخذ بلحيتي ) ولا برأسي فارفق بي فإني أكب منك سنا ( إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الضالمين فاستحيا موسى منه ثم خلاه وضمه إلى صدره وسأل الله المغفرة ولرحمة له ولأخيه ثم اقبل موسى على بني إسرائيل يعاتبهم فأخبروه بقول السامري فأقبل على السامري وهو مغضب فسأله عن أمره فأخبره بما كان فهم بقتله فأوحى الله به لا تقتله فإنه سخي في قومه ولكن أخرجه عن عسكرك ثم عمد موسى إلى صخرة عظيمة ولم يزل يضرب بها العجل حتى تقطع ثم أحرقه بالنار حتى صار رمادا وذراه في البحر وقال لو كان هذا إلها كان يدفع عن نفسه وسكت عن موسى الغضب فأقبل عل بني إسرائيل وقال لهم ( إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) فقالوا يا موسى اسأل ربك لنتوب فأوحى الله إليه أن لا توبة لهم لأن في قلوبهم مرضا من حب العجل وأخرج من رماد العجل وألقاه في الماء ثم أمرهم ليشربوا منه فإنه يظهر ما في قلوبهم عل وجوههم فلما فعل ذلك لم يبقى أحد ممن في قلبه مرض أو غم من كسر العجل لا أصبح مصفرا لونه فلما رأوا ذلك أيقنوا بالموت فقالوا يا موسى ما لنا والتوبة الخالصة وقد أخلصنا في توبتنا حتى إنك لو سألت ربك أن نقتل أنفسنا لقتلناها فأوحى الله إلى موسى إني رضيت عليهم بحكمهم في أنفسهم فذلك قوله إلى ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) فقالوا كيف نقتل أنفسنا ونحن أهل وأقارب فأنزل الله عليهم ظلمة فلم يبصر بعضهم بعضا حتى أن الرجل كان يأتي إلى أخيه وابن عمه فيقتله وهو لا يعرفه وكان السلاح لا يعمل فيمن لم يعبد العجل ولم يزالوا كذلك حتى خاضوا في الدماء فاستغاثوا يا موسى العفو العفو فبكى موسى ودعا إلى الله تعالى بالعفو عنهم فارتفعت عنهم الظلمة ثم أقبل عليهم موسى بالتوراة وقال هذا كتاب ربكم فيه الحلال والحرام وألا حكام الشرعية والسنن والفرائض والرجم للزاني والزانية المحصنين والقطع للسارق والقصاص من كل ذنب يكون منكم فضجوا من ذلك وقالوا لا حاجة لنا بهذه الأحكام وما كنا عليه من عبادة العجل كان أرفق بنا فلم يكن في عبادته علينا قطع ولا رجم ولا قصاص ( قصة الجبل ) فقال موسى يا رب إنك تعلم إنهم قد ردوا كتابك وكذبوا بياتك فأمر الله جبريل أن يرفع طور سيناء في الهواء عل عسكر بني إسرائيل فرفعه على رؤوسهم في الهواء حتى إنهم لم يروا السماء منه ونودوا يا بني إسرائيل إن قبلتم هذا الكتاب وإلا القي عليكم هذا الجبل فلما نظروا إلى الجبل وهو بدنو منهم حتى ظنوا إنه ساقط عليهم أيقنوا بالموت خروا سجدا وقبلوا الكتاب فلما قبلوا الكتاب رد الله عنهم الجبل ( قصة الحجر ) وكان بنو إسرائيل إذا اغتسلوا في مواضعهم يكشفون عوراتهم وكانوا يرون موسى فاغتساله مستورا فاعتقدوا فيه أن ببدنه عيبا وكان إذا اغتسل وضع ثوبه على حجر هناك ثم يضرب الحجر بعصاه حتى ينبع منع الماء فيغسل ففعل ذلك يوما من الأيام فانقلع الحجر من مكانه بإذن الله تعالى حتى وقف على جماعة من بني إسرائيل فنظروا إلى موسى فلم يروا في بدنه عيبا من العيوب فندموا عل ما قالوا فذلك قوله تعال ( فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ) ( قصة طلب الرؤية ) ثم طلب بنو إسرائيل من موسى الرؤية ( فقالوا أرنا الله جهرة ) فأوحى الله إليه إن اختر من قومك سبعين رجلا وسر بهم إلى الطور وأحمل معك أخاك هارون واستخلف عل قومك يوشع بن نون ففعل ذلك وسار بهم نحو الجبل من السماء إن بني إسرائيل فصعقوا كلهم وماتوا فحزن عليهم موسى وقال ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا - يعني من عبدوا العجل - إن هي إلا فتنتك - يعني ابتلاؤك - تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا ) الآية رد الله أرواحهم وذلك قوله تعال ( ثم بعثنا كم من بعد موتكم ) ورجعوا من معسكرهم فرحين وأخبروا قومهم بما رأوه ثم إنهم بدلوا التوراة بعد ذلك وزادوا ونقصوا منها وذلك قوله تعالى ( يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ( قصة الجبارين والتيه والحطة ) ثم أوح الله إليه أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة فإذا أردتم دخولها فلا تدخلوها إلا ساجدين شاكرين لربكم على تبليغكم إياها فقاتلوا الجبارين وجاهدوهم وستثقلوا ذلك واستبعدوا الأرض المقدسة واختاروا أيام فرعون على هذه الأيام فأوحى الله إلى موسى إني ممطر عليهم المن وآمر الريح أن تأتيهم بالسلوى والحجر أن ينفجر لهم بماء عذب وأمرت الغمام أن يسير معهم واخفافهم لا تنقب ثيابهم تكون بقدر صغارهم وكبارهم فلما سمعوا ذلك طابت نفوسهم وساروا الأمر على ذلك ثم اختار موسى اثني عشر رجلا بإذن الله تعالى ووجههم إلى أريحا مدينة الجبارين فيأتوه بخبرها وصفة أهلها فخرجوا ومعهم يوشع بن نون فلما قربوا من المدينة استقبلهم رجل من الجبارين فساقهم بين يديه إلى أريحا فاجتمعوا عليهم يتعجبون من ضعف أبدانهم وقالوا هؤلاء الذين يزعمون إنهم يخرجوننا من مدينتنا وهموا بقتلهم ثم اقتضى رأيهم أن يدعوهم ليكونوا عبيدا لهم فلما أقبل الليل هربوا عل وجوههم ولم يزالوا حتى وصلوا إلى معسكر بني إسرائيل وأخبروهم بذلك فبلغ موسى ما صنعوا فدعاهم وقال لهم ألم أقل لكم اكتموا ما ترون فلم تقبلوا حتى هولتم عليهم وأرعبتم قلوبهم ثم دعا عليهم فمات منهم عشر وبقى رجلان يوشع وكالب فإنهما كانا كتماه ثم وقع الخوف في بني إسرائيل من الجبارين وقالوا يا موسى إن مملك فرعون كانت أخف علينا مما نحن فيه ودخول مدين الجبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون واختلفوا عليه وهو يقول لهم ( يا قوم لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) فقال عند ذلك يوشع ابن نون وكالب ( أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ) فلم يلتفت إلى قولهما ( فقال موسى رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) فأوحى الله تعالى إليه يقول ( فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ) ولم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن ولد بمصر وسلط الله عليهم التيهان فكان كلما حرج واحد منهم يتيه في الأرض فلا يهتدي أن يرجع حتى يموت وأما المؤمنين فلا يموتون وإن تاهوا فلمم يزالوا كذلك حتى انقرض آخرهم على رأ س أربعين سنة وسار موسى إلى باب حطة وعليه مكتوب اسم الله الأعظم واقبل المؤمنين فسجدوا عند الباب ودخل أولاد الفاسقين وهم يقولون حنطة حمراء فذلك قوله تعالى ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) يعني أخذهم الطاعون حتى ماتوا جميعا ثم غلب موسى عليه السلام على أهل مدين أريحا واسر من كان فيها من الجبارين وتفرقوا على البلاد حتى أهلكهم الله تعالى وسار موسى عليه السلام ببني إسرائيل يريد مدينة بلقا فجاءها وقتل ملكها وغنم بنو إسرائيل من أرض البلقا من النساء والولدان شيئا كثيرا ثم إن بني إسرائيل ملوا من أكل المن والسلوى ( فقالوا يا موسى ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثاءها وفومها وعدسها وبصلها فأنا لن نصبر على طعام واحد فقال لهم موسى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) فأبدلهم الله بالمن والسلوى ما سألوا ورفع عنهم ذلك وذلك قوله تعالى ( اهبطوا مصرا لكم ما سألتم ) وهم يزيدون على أربعين ألفا ( قص قارون ) وكان لموسى رجل يقال له قارون بن مصعب وهو ابن عم موسى وكان فقير جدا فتعلم صنع الكيمياء من كلثوم أخت موسى وكانت تعرف ذلك فرزق مالا عظيما يضرب به المثل على طول الدهر وكانت مفاتيح كنوزه تحمل على أربعين بغلا وبني دارا وصفحها بالذهب وجعل أبوابها من ذهب وتكبر بسبب كثرة ماله على موسى وقذفه وخرج من طاعته وأحضر امرأ بغيا وأمرها بقذف موسى بنفسها فبلغ ذلك موسى فغضب وقال يا رب أن قارون قد بغى علي فانصرني عليه فأوحى الله إليه إني أمرت الأرض بالطاع لك وسلطتك عليه فأقبل موسى حتى دخل على قارون وقال يا عدو الله بعثت إلي المرأة واتهمتني على رؤوس بني إسرائيل وأنت تريد فضحيتي يا أرض خذيه فساخت داره في الأرض ذراعا وسقط قارون من علو سريره فأخذته الأرض إلى ركبتيه فقال يا موسى اغثني فقال يا عدو الله تبني مثل هذه الدار وتشرب في آنية الذهب والفضة وأنا أدعوك إلى حظك فلا تقبله وتقول إنما أوتيته على علم عندي يا ارض خذيه فأخذته الأرض وذلك قوله تعالي ( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ) الآية قال الله تعالى ( ^ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) ( قصة الخضر واجتماعه مع موسى عليهما السلام ) أذن الله تعالى لموسى عليه السلام في الاجتماع بالخضر عليه السلام وكان مسكنه في جزيرة من جزائر البحر فانطلق إليه موسى واجتمع به فكان من شأنهما ما نص الله عليه في كتابه العزيز وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( ^ وكان تحته كنز لهما ) قال كان لوحا من ذهب مكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبا لمن يرى الدنيا وتصاريف أهلها كيف يطمئن إليها ولما فارق موسى الخضر عليهما السلام وودعه سار عنه حتى عاد إلى بني إسرائيل ( قصة البقرة ) وكان في زمن بني إسرائيل وأيام موسى عبد صالح فمات وترك امرأته حاملا فولدت بعده غلاما فسمته أمه ميشا فكبر وكان صالحا بارا بأمه فأعلمته أمه أن أباه خلف عجلة وإنها دفعتها للراعي وهي عنده وأمرته بأخذها منه فتوجه إلى الراعي وأخذها منه فلما عاد قالت له أمه هذه بقرتك بارك الله لك فيها فانطلق بها إلى السوق فتعرض له ملك من ملائكة وقال له أيها الفتى البار لامه بكم تبيعها ؟ فقال الفت بثلاثة دنانير بشرط أن أستأذن أمي فقال له خذ لك خمسة دنانير ولا تستأذن أمك فأب وعاد إلى أمه فأخبرها فقالت له يا بني ارجع وبعها بخمسة دنانير فعاد بها إلى السوق فجاءه الملك وقال بكم تبيعها ؟ فقال بخمسة دنانير عل أن استأذن أمي فقال له الملك خذ لك عشرة دنانير ولا تستأذن أمك فلم يفعل وعاد إلى أمه وأخبرها فقالت له يا بني في غد بعها بعشرة دنانير عل أذني وأعلم يا بني إنها تساوي عشرة دنانير غير أن الذي يتعرض لك في شرائها ملك يستخبرك كيف برك لامك وطاعتك إياها فإذا جاءك فقل له أيها الملك المقرب فبكم أبيعها وافعل ما يقول لك فلما كان من الغد جاءه الملك وقال له قد جئتك اطلب بقرتك ثلاث مرات فلم تبعني إياها فقال له إن أمي أخبرتني إنك لست بآدمي وإنما أنت ملك من الملائكة فأخبرني ما أصنع ببقرتي ؟ فقال له الملك ردها إلى منزلك فإنه سيقتل في بني إسرائيل قتيل ولا يعرفون قاتله فيشترون بقرتك ليحي القتيل بها فتبيعها بما تريد فانصرف الفت إلى أمه وأخبرها بذلك وألقوه على باب من أبواب أهل القرية واستعدوا إلى موسى وادعوا عل الذي وجدوا القتيل عل بابه فحلف الذي وجد على بابه بين يدي موسى ' ع ' أربعين يمينا أنه ما قتله وشهد من بني إسرائيل أربعون شاهدا بصلاح المتهم فتحير موسى من ذلك فأوح الله إليه أن قل لأولياء المقتول يشتروا بقرة ويذبحوها ويضربوا ببعضها بدن المقتول حتى يحييه الله تعالى لهم ويخبرهم بالذي قتله فقال لهم موسى ذلك ( فقالوا أتتخذنا هزوا ) فقال لهم ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) قالوا يا موسى ادع لنا ربك يبين لنا ما صفة البقرة فأوح الله إليه ( إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ) يعني لا كبيرة ولا صغيرة فقال لهم موسى ذلك ( فقالوا ادع لنا ربك أن يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقر صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) فلما قال لهم ذلك ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ) فأوح الله إليه ( إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) أي مذللة للعمل تثير الأرض تقبلها للزراعة ولا تسقي الحرث أي إنساني ( مسلمة - برئية من العيوب - لا شية فيها ) وإنما لونها واحد فلما سمعوا ذلك من موسى اجتهدوا في طلبها فلم يجدوا هذه الصفة إلا عند ميشا البار بأمه ولو كانوا في ابتداء الأمر ذبحوا بقرة سواها كانت أغنت عنها بظاهر الأمر الأول غير إنهم شددوا عل أنفسهم فشدد الله عليهم فجاؤا إلى ميشا ليبعهم البقرة فامتنع وقال إنا أبيعها لموسى فرضوا بذلك وأخرج ميشا بقرته وسار بها إلى موسى فقال له موسى بكم هذه ؟ فقال ميشا البار بأمه أبيعها بملأ جلدها ذهبا لا يزيد ولا ينقص فقالوا له هذا شيء كثير لا قدر لنا عليه فقال لهم موسى عليه السلام إن ذلك من أجل تشديدكم في الأمر فضمن موسى ثمن البقرة عل بني إسرائيل وسلم إليهم البقر , قال الله تعالى ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) يعني ما كادوا معتقدين بوفاء ثمنها فلما ذبحوها قطعوا ذنبها وضربوا به القتيل فاستوى قاعدا فسألوه عن الذي قتله فقال لهم قتلني فلان وفلان ثم خر ميتا فقتلهما موسى ' ع ' بذلك القتيل ثم أمرهم بسلخ البقرة فسلخوها وملئوا جلدها ذهبا ودفعه موسى لصاحبها ميشا وذلك قوله تعال ( ^ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ) ( ذكر وفاة هارون عليه السلام ) ثم نظر هارون إلى الجبل بالتيه وهو بعيد عن معسكر بني إسرائيل فقال يا موسى ألا تنظر إلى ذلك الجبل وما فيه من الخضرة ؟ فقال له بلى ولكن إلى غذ إن شاء الله نمضي إليه فلما كان من الغد مضيا إليه ومع هارون أولاده فلما وصلوا الجبل وإذا فيه كهوف كثيرة وإذا بكهف منها يسطع منه النور فتبادروا إليه فلما دخلوا الكهف نظروا فيه سريرا من الذهب وعليه أنواع الفرش ومكتوب عل حافته بالعبرانية هذا السرير لمن كان عل طوله فصعد مومس عل السرير فلما مد رجليه فضلت من طوله فنزل موسى عنه وصعد هارون واضطجع عليه فإذا هو عل طوله فهم أن ينزل فإذا هو بملك الموت قد دخل عليهم فسلم عليهم وأعلمهم إنه ملك الموت أرسله الله تعالى ليقبض روح هارون فدمعت عيناه وقال لأخيه موسى - وهو ينظر إلى ملك الموت - يا موسى أوصيك بأولادي وأهلي تقربهم إليك وتقرئ سلامي على بني إسرائيل ثم أمر ملك الموت موسى أن يخرج من الكهف فخرج فقبض الملك روح هارون ' ع ' قبضة الملائكة ثم دخل موسى وأولاد هارون الكهف فأخرجوا هارون وغسلوه وصلوا عليه ووضعوه في الكهف وسدوا بابه وانصرف موسى إلى بني إسرائيل وأخبرهم بموت أخيه فاتهموه بقتله فقال لهم موسى يا سفهاء بني إسرائيل ماذا لقيت منكم أقتل اخي وشقيقي وعضدي ؟ ودعا ربه أن يبرئه عندهم فأمر الله الملائكة ليحملوا سرير هارون وقد قبضه الله إليه فبكوا وحزنوا عليه لأنهم يجبونه ثم خلفه بعده ابنه العيزار وأعطاه الله وقار هارون ولينه وسكونه وشبهه فكانوا لا يشكون إنه هارون فأحبوه حبا شديدا ( ذكر موت موسى عليه السلام ) ثم قرب أجل موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل خطيبا فخطب لهم ووعظهم وخوفهم وأنذرهم وحذرهم وأشهدهم على أنفسهم وأشهد الله عليهم إنه بلغهم الرسالة وأمرهم بالطاعة والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستخلف يوشع بن نون على بني إسرائيل ولما فرغ من وصيته أوحي الله إليه إني قابض روحك وذكره بما أنعم عليه من النبوة والرسالة والتكليم فاعترف بنعمة الله وحمده وأثنى عليه ثم نزل عليه ملك الموت وهو جالس يتلو التوراة فسلم عليه وقبض روحه الشريف صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أرسل الله ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه عز وجل وقال يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال فرد الله إليه عينه وقال له ارجع إليه وقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة فجاءه وقال له ذلك فقال يا رب ثم وما بعد ذلك ؟ قال ثم الموت فقال الآن فسأل الله أن يدينه من الأرض المقدسة برمية حجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر وكانت وفاته في التيه في السابع شهر آذار لمضي ألف وستمائة وست وعشرين سنة من الطوفان وكان موته بعد أخيه هارون بإحدى عشرة سنة وقيل غير ذلك وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وعاش موسى مائة وعشرين سن ونزل عليه جبريل عليه السلام أربعمائة مرة وكان جملة مقام بني إسرائيل بمصر حين أخرجهم موسى مائتين وخمسة عشر سنة وبين وفاة موسى عليه السلام والهجرة الشريف النبوية ألفان وثلاثمائة وثمان وأربعون سنة عل اختيار المؤرخين وقد مض من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة كاملة فيكون الماضي من وفاة موسى إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ثلاثة آلاف ومائتين وثمانيا وأربعين سنة ومات موسى ولم يعرف أحد من بني إسرائيل أين قبره ولا أين توجه فماج الناس في أمره ولبثوا كذلك ثلاثة أيام لا ينامون الليل فلما كان ثالث ليلة غشيتهم سحابة على قدر بني إسرائيل فسمعوا منها مناديا يقول بأعلى صوته مات موسى وأي نفس لا تموت ولم يزل يكرر ذلك القول حتى فهمه الناس كلهم وعلموا أنه قد مات فلم يعرف أحد من بني إسرائيل أين قبره ونقل إنه دفن في الوادي من الأرض التي مات فيها واختلف الناس في محل قبره فقيل - وهو المشهور عند الناس - إنه شرقي بيت المقدس بينه وبين بيت المقدس مرحلة ودربه عسر لكثرة الوعر وعليه بناء وداخله مسجد وعن يمينه قبة معقودة بالحجارة وفيها ضريحه ويضع عل قبره في أيام موسم زيارته ستر من حرير أسود وعل الستر طراز أحمر مزركش دائر على جميع أطرافه بالذهب والأكثر ون على أن هذا قبره وفي الصحيح أن النبي صل الله عليه وسلم مر به ليلة الإسراء وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر والذي بني القبة المذكورة الملك الظاهر بيبرس رحمه الله عند عوده من الحج وزيارته بيت المقدس في سنة ثمان وستين وستمائة ثم بنى بعده أهل الخير وزادوا زيادات في المسجد وحوله فحصل النفع بذلك للزائر ثم في سنة خمس وسبعين وثمانمائة وسع داخل المسجد من جهة القبلة ولم تكمل عمارته إلى سنة خمس وثمانين وثمانمائة ثم بنى به منار بعد الثمانين والثمانمائة وهذا المكان بالقرب من أريحا الغور من أعمال بيت المقدس وأهل بيت المقدس يقصدون زيارته في كل سنة عقب الشتاء ويقيمون عنده سبعة أيام وقد ظهر في هذا المكان أشياء من أنواع المعجزات منا إنه عند الضريح الذي بداخل القبة لا يزال يرى فوق المحراب خيال أشباح ألوانهم مختلفة منهم صفة الراكب ومنهم صفة الماشي ومنهم من على كتفه رمح ومنهم لابس أبيض ومنهم لابس أخضر ويصافح بعضهم بعضا وغير ذلك ممن الصفات وللناس في ذلك أقوال مختلفة فيقال إنهم الملائكة ويقال إنهم الصالحون وينظرهم كل الناس من الرجال والنساء والأطفال ولا يخفون عل أحد وإذا دخل المسجد امرأة من النساء يكون عليها حيض أو جناب أو فعل أحد حول المسجد منكرا من المعاصي يثور هواء في تلك البرية حتى لا يقدر الرجل على رؤية من بجانبه وتنقطع حبال الخيام وتقلع الخيام من مكانها وغير ذلك من الخوارق الباهرات التي يستدل بها على إنه صل الله عليه وسلم مدفون هناك في هذا المكان ( فائدة ) فإن قيل لم سأل موسى عليه السلام الدنو من الأرض المقدسة ولم يسأل بيت المقدس ولا مكانا مخصوصا معروفا عند الناس ؟ فالجواب عنه ما رواه القرطبي في تفسيره بأنه إنما سأل الدنو من الأرض المقدسة لشرفها ولم يسأل مكانا معروفا خوفا من أن يعبد ولا ينافي سؤاله الدنو من الأرض المقدسة القول بأن قبره ببيت المقدس فإنه سأل شيئا أعطاه الله فوقه وهذا شأن الكريم يعطي فوق المطلوب وأما صلاته في قبره فلم تكن بحكم التكليف بل بحكم الإكرام والتشريف لأن الأنبياء عليهم السلام حبب إليهم في الدنيا عبادة الله تعالى والصلاة فكانوا يلازمون ذلك وتوافقوا عليه فشرفهم الله تعال بإبقائهم عل ما كانوا يصنعون ويحبون فعله في الدنيا فعبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة لا تكليف فيها وأما رأفته بهذه الأمة فسيتي طرف منها في قصة الإسراء ( ذكر السبب في ملك سيدنا داود عليه السلام ) أقول - بالله التوفيق - لما توفي سيدنا موسى الكليم عليه السلام قال بعد وفاته بتدبير بني إسرائيل يوشع وهو من ذرية يوسف بن يعقوب عليهما السلام وبعثه الله نبيا وأمره بقتل الجبابرة فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا الغور وأحاط بها ست اشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط السور فدخلوا وقاتلوهم وهجموا عل الجبابرة فهزموهم وقتلوهم وكان يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليل السبت فقال اللهم أردد الشمس علي وسأل المس أن تقف حتى ينتقم من أعداء الله قبل دخول السبت فوقفت الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين وتتبع ملوك الشام وإستباحهم وملك يوشع الشام وفرق عماله واستمر يدبر بني إسرائيل ثمانية وعشرون سنة ثم توفي يوشع وله من العمر مائة وعشرون سنة ودفن في كفل حارث وهي قرية من أعمال نابلس وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين لوفاة موسى وقيل إنه مدفون في المعرة ثم ولي على بني إسرائيل جماعة من الملوك واحد بعد واحد ولا حاجة إلى ذكر أسمائهم لأن المراد هنا الاختصار ثم ولي عليهم شمويل عليه السلام وكان مولده بقرية لها سيلوا وقيل إنها القرية المشتهرة الآن بالسيلة من أعمال جبل نابلس وتنبأ بعد أنصار له من العمر أربعون سنة فدبر شمويل بني إسرائيل إحدى عشرة سنة ومنتهى هذه الإحدى عشرة سنة هي آخر سني حكام بني إسرائيل وقضاتهم فيكون انقضاء سني حكمهم في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة لوفاة موسى عليه السلام ثم حضر بنو إسرائيل إلى شمويل وسألوه أن يقيم فيهم ملكا فأقام فيهم شاول وهو طالوت بن قيس من سبط بنيانين ولم يكن طالوت من أعيانهم قيل إنه كان راعيا وقيل كان سقاء وقيل دباغا فملك طالوت سنتين واقتتل هو وجالوت وكان جالوت من جبابرة الكنعانيين وكان ملكه بجهات فلسطين وكان من الشدة وطول القامة بمكان عظيم فلما برزوا للقتال طلب طالوت داود عليه السلام - وكان أصغر بني أبيه - وأمره بمبارزة جالوت بعد أن رأى فيه العلائم التي يستدل بها على إنه هو الذي يقتل جالوت وهي دهن كان يستدير على رأس من يكون فيه السر وأحضر أيضا تنورا حديدا وقال الشخص الذي يقتل جالوت يكون ملأ هذا التنور فلما اعتبر داود ملأ التنور واستدار الدهن عل رأسه ولما تحقق ذلك منه بالعلام أمره طالوت أن يبارز جالوت فبارزه وقتل داود جالوت وكان عمر داود إذ ذاك ثلاثين سنة ثم بعد ذلك مات شمويل فدفنه بنو إسرائيل في الليل وناحوا عليه وكان عمره اثنين وخمسين سنة وأحب الناس داود ومالوا إليه بالمحبة فحسده طالوت حسدا عظيما وقصد قتله مرة بعد أخر فهرب داود منه وبقي متحرزا عل نفسه ثم ندم طالوت بعد ذلك عل ما كان منه في حق داود عل ما قصد من قتله ثم إن طالوت قصد فلسطين للغزاة وقاتلهم حتى قتل هو وأولاده في الغزاة فيكون موته في أواخر سنة خمس وتسعين وأربعمائة لوفاة موسى عليه السلام ثم ملك بعد ذلك ولده أشر يوشت وكان ملكه على أحد عشر سبطا من بني إسرائيل وخرج من حكمه سبط يهوذا بين يعقوب فقط فملكوا عليهم سيدنا داود وهو من ذرية يهوذا المذكور ثم ملك عليهم جميعهم داود عليه السلام وهو داود بن بيشي بن عوفيل بن يوعز بن سلمون بن مجشون بن عينارات بن ردم ابن حضرون بن يارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام وكان مقام داود يجبرون فلما استوثق له الملك ودخلت جميع الأسباط تحت طاعته وذلك في سنة ثمان وثلاثين من عمره انتقل إلى القدس الشريف ثم فتح في الشام فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وغيرها من الأقاليم وكان لقمان الحكيم عل عهد داود عليه السلام وكان قاضيا في بني إسرائيل وآتاه الله الحكمة ولم يكن نبيا وقبره بقري صرفند ظاهر مدينة الرملة وعليه مشهد وهو مقصود للزيارة وقال قتادة قبره بالرملة ما بين مسجدها وسوقها وهناك قبور سبعين نبيا ماتوا بعد لقمان جوعا في يوم واحد أخرجهم بنو إسرائيل من القدس فألجاؤهم إلي الرملة ثم احاطوا بهم هناك فتلك قبورهم ولقد آتى الله داود ما نص عليه في كتابه العزيز قال تعال ( ^ ولقد تينا داود منا فضلا ) يعني النبوة والكتاب وقيل الملك وقيل جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما حض به وقوله تعالى ( ^ يا جبال أوبي معه - أي سبحي معه وقيل نوحي معه - والطير ) عطف عل موضع الجبال وقيل معناه وسخرنا أي أمرنا لطير أن يسبح معه فكان داود إذا نادى بالنياحة وأجابته الجبال بصداها وعكفت عليه الطير من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك وقيل كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله تعالى جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح وقوله تعال ( ^ وألنا له الحديد ) حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة وكان السبب في ذلك أن داود لما ملك بني إسرائيل كان من دعاته أن يخرج للناس متنكرا فإذا رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه يسأله عن داود ويقول له ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو ؟ فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا عل صورة آدمي فلما رآه داود تقدم إليه عل عادته وسأله فقال له الملك نعم الرجل هو لولا خصلة واحد فيه فراع داود ذلك وقال له ما هي يا عبد الله ؟ قال إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ويتقوت به فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له شيئا يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فألان الله له الحديد وعلمه صنعه الدروع وهو أول من اتخذها وقيل إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم فيأكل ويطعم منه عياله ويتصدق منها عل فقراء والمساكين ويقال إنه كان يعمل في كل يوم درعا يبيعه بستة آلاف درهم فينفق منها ألفين على عياله وعل نفسه ويتصدق بأربعة آلاف درهم عل الفقراء والمساكين من بني إسرائيل قال رسول الله صل الله عليه وسلم كان داود يأكل إلا من عمل يده ( ذكر قصة اوريا ) ولما صار لداود ثمان وخمسون سنة وهي السنة والثانية والعشرين من ملكه كانت قصته مع اوريا وزوجته وهي واقعة مشهورة وملخصها ما نقله المفسرون في قوله تعالى ( ^ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ) الآية من قصة امتحان داود عليه السلام واختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سببه فقال قوم كان سبب ذلك إنه تمنى يوما من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب فسأل ربه أن يمتحنه كما امتحنهم ويعطيه من الفضل ما أعطاهم فروي إن داود كان قد قسم الدهر ثلاثة أيام جعل يوما يقضي فيه بين الناس ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ويوما لنسائه وأشغاله وكان يجد فيما يقرأ من الكتب المتقدمة فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال يا رب أرني الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي فأوحى الله تعالى إليه إنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها أنت فصبروا عليها ابتلى إبراهيم بنمروذ وناره وذبح ابنه إسحاق وابتلى إبراهيم بنمروذ وناره وذبح ابنه إسحاق وابتلى إسحاق بالذبح وذهاب بصره وابتلى يعقوب بالحزن وذهاب بصره على فقد ولده يوسف فقال داود يا رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم لصبرت أيضا فأوحى الله إليه إني مبتليك في شهر كذا في يوم كذا فاحترس فلما كان ذلك اليوم الذي وعده الله فيه دخل داود محرابه وأغلق عليه بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور فبينما هو كذلك إذ جاءه الشيطان وتمثل له في صفة حمامة من ذهب فيها كل لون حسن وقيل كن جناحاها من الدر والزبرجد فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها ويريها لبني إسرائيل ليتعجبوا من قدرة الله تعال فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت عن مكانها فتبعها فطارت حتى وقفت في كوة فذهب ليأخذها فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها فأبصر امرأة في بستان على شط بركة تغتسل وقيل رآها على سطح لها تغتسل فرأى امرأة من أجمل الناس خلقا فتعجب داود من حسنها وحانت منها إلتفاتة فأبصرت ظله فنفظت شعرها فغطى بدنها فزاده ذلك إعجابا بها فسأل عنها فقيل له هي شارع زوجة اوريا ابن حنانا وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود فذكر بعضهم إنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن ابعث اوريا إلى موضع كذا وقدمه قبل التابوت وكان من قدم عل التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أ يستشهد فبعثه وقدمه ففتح الله عل يديه وكتب بذلك إلى داود كتابا يعلمه بما فتح عل يديه فكتب له كتابا ثانيا أن ابعثه إلى مكان كذا ليفتحه أيضا فبعثه ففتح له وكتب لداود بذلك فكتب له ثالثا أن إلى كذا وكذا فبعثه ففتح ثم بعثه إلى مكان أشد منه فقتل في المرة الثالثة فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود فهي أم سليمان عليهما السلام فلما دخل داود بزوجة اوريا لم يلبث معها إلا يسيرا حتى بعث الله إليه ملكين في صورة رجلين في يوم عبادته فطلبا أن يدخلا عليه فمنعهما الحرس فتسوروا المحراب عليه فما شعر وهو يصلي في المحراب إلا وهما جالسان بين يديه يقال إنهما جبريل وميكائيل فذلك قوله تعالى ( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ) صعدوا وعلوا يقال تسورت الحائط والسور إذا علوتهما وقوله تعال ( ^ إذ دخلوا على داود ففزع منهم ) خاف منهم حين هجموا عليه في المحرابه بغير إذنه فقال ما ادخلكما علي ؟ ( قالوا لا تخف خصمان - أي نحن خصمان - بغى بعضنا عل بعض جئناك لتقضي بيننا فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط - أي لا تجر - وأهدنا إلى سواء الصراط ) أي أرشدنا إلى طريق الصواب فقال داود لهما تكلما ( فقال أحدهما إن هذا أخي - أي على ديني وطريقي - له تسع وتسعون نعجة - يعني امرأة واحدة والعرب تكنى بالنعجة عن المرأة - فقال اكفلتيها - يعني طلقها لأتزوجها - وعزني - أي غلبني - في الخطاب - أيفي القول - ) وقيل قهرني لقوة ملكه وهذا كله تمثيل لأمر داود مع اوريا وج المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة فضمها إلى نسائه قال داود ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء - أي الشركاء - ليبغى بعضهم عل بعض - أي يظلم بعضهم بعضا - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات - فإنهم لا يظلمون أحدا - وقليل ما هم ) - أي قليل هم يعني الصالحون الذين لا يظلمون قليل فلما قضي بينهما داود أحدهما إلى الآخر وضحك وصعدا إلى السماء فعلم داود إن الله تعالى ابتلاه وذلك قوله تعالى ( وظن داود - أي أيقن وعلم - إنما فتناه ) أي ابتليناه عن ابن عباس وكعب ووهب قالوا جميعا إن داود عليه السلام لما دخل عليه الملكان وقضى بينهما فتحولا إلى صورتهما وعرجا إلى السماء فسمعهما وهما يقولان قد قضى الرجل على نفسه فعلم داود إنه عني بذلك فخر ساجدا إلى تماما الأربعين يوما لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو يناجي ربه ويسأله التوبة وكان من جمل دعائه في سجوده سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء سبحان خالق النور إلهي خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي سبحان خالق النور إلهي أنت الذي خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا إليه صائر سبحان خالق النور إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال هذا داود الخاطئ سبحان خالق النور إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي سبحان خالق النور إلهي بأي قدم أقوم أمامك يوم القيامة يوم تزل أقدام الخاطئين سبحان خالق النور إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده سبحان خالق النور إلهي أنا الذي لا أطيق أسمع صوت رعدك فكيف أطيق صوت حهنم سبحان خالق النور إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصابه سبحان خالق النور إلهي أنا الذي اعترفت بذنبي أن لم يغفر السيد لعبده من ذا الذي يغفر له سبحان خالق النور إلهي أنت تعلم سري وعلانيتي فاقبل عذري سبحان خالق النور إلهي برحمتك أغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك لهواني سبحان خالق النور إلهي أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني سبحان خالق النور إلهي أقررت إليك بذنوبي واعترفت بخطئتي فلا تجعلني من الظالمين ولا تخزني يوم الدين سبحان خالق النور قال مجاهد مكث داود أربعين يوما لا يرفع رأسه حتى نبت العشب من دموع عينيه وغطى رأسه فنودي يا داود أجائع فتطعم أم ظمآن فتسقي أو عار فتكسي فاجيب بغير ما طلب قال فنحب نجبه هاج منها العود فاحترق من حر جوفه ثم انزل الله التوبة والمغفرة قال وهب إن داود أتاه نداء من العلي الأعلى إني قد غفرت لك قال يا رب كيف وأنت لا تظلم أحدا ؟ قال يا داود اذهب إلي قبر أوريا فناده وأنا اسمعه نداءك فتحلل منه قال فانطلق داود إلى قبر أوريا وكان قد لبس المسوح حتى جلس عند قبر أوريا ثم نادى وقال يا أوريا فقال لبيك من هذا الذي قطع علي لذتي وأيقظني ؟ قال أنا داود قال فما حاجتك يا نبي الله ؟ قال جئت لأسألك أن تجعلني فيحل مما كان ممني إليك قال وما كان منك إلي ؟ قال عرضتك للقتل قال عرضتني للجنة فأنت في حل مني فأوحى الله تعال إليه يا داود ألم تعلم إني الحكم العدل لا أقضي بالتعنت لم لا أعلمته إنك قد تزوجت بامرأته ؟ قال فرجع داود إلى القبر ونادى يا أوريا فأجابه وقال من هذا الذي قطع علي لذتي ؟ قال أنا داود قال يا نبي الله ألست قد حاللتك وعفوت عنك ؟ قال نعم ولكني ما أرسلتك حتى قتلت إلا لمكان امرأتك وقد تزوجت بها ومرادي تحاللني بذلك قال فسكت ولو يجبه فدعاه فلم يجبه وثالثا فلم يجبه فقام داود عند قبره وجعل يبكي ويحثو التراب على رأ سه وهو ينادي الويل لداود إذا نصب الميزان غدا بالقسطاس سبحان خالق النور الويل ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار سبحان خالق النور فأتاه النداء من العلي وهو يقول سبحان خالق النور يا داود قد غفرت لك ذنبك ورحمت بكاءك واستجبت دعاءك وأقلت عثرتك قال يا رب كيف وخصمي لم يعف عني ؟ قال يا داود أعطيه من الثواب مما لم تره عيناه يوم القيامة ولم تسمعه أذناه فأقول له رضى عبدي فيقول يا ربب إني لي هذا ولم يبلغه عملي ؟ فأقول هذا عوض عن عبدي داود فاستوهبك منه فيهبك لي قال يا رب قد عرفت الآن إنك قد غفرت لي وذلك قوله تعالى ( فاستغفر ربه وخرراكعا - أي ساجدا عبر عن السجود بالركوع لأن كل واحد فيه إنحناء ومعناه فخر بعد ما كان راكعا أي سجد - وأناب - أي رجع - فغفرنا له ذلك - يعني ذلك الذنب - وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) حسن مرجع ومنقلب يوم القيامة بعد المغفرة قال وهب إن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا يرقأ دمعه ليلا ونهارا وكان قد أصاب الخطئية وهو ابن سبعين سنة فقسم الدهر بعد تلك الخطئية عل أربعة أيام جعل يوما للقضاء بين الناس ويوما لنسائه ويوما يسبح في الفيافي والجبال والسواحل والاوعار ويوما يخلو في داره له فيها أربعة آلاف محراب فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه وهم يساعدونه عل ذلك فإذا كان يوم سياحته يخرج في الفيافي فيرفع صوته بالمزامير فتبكي معه الأشجار والاعار والرمل والطير والوحوش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الجبال والحجارة والطير والدواب حتى تسيل الأودية من بكائهم ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع فإذا أمسى رجع فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها ويجيء أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالبكاء والتنوح عل نفسه ويرفع الرهبان معه أصواتهم فلا يزال يبكي حتى تغرق الفرش مكن دموعه ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب فيجيء ابنه سليمان فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول يا رب اغفر ما ت فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله قال وهب ما رفع داود رأسه حتى قال له الملك ناول أمرك ذنب وآخره معصية أرفع رأسك فرفع رأسه فمكث حياته لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه وذكر الاوزاعي مرفوعا إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مثل عيني داود كالقربتين ينطفان ماء ولقد خدت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض قال وهب لما تاب الله على داود قال يا رب غفرت لي فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فأستغفر منها لي وللخاطئين إلى يوم القيامة قال فوسم الله خطيئته في يده اليمنى فما رفع طعاما ولا شرابا إلا بك إذا رآها وما قام خطيبا في الناس إلا بسط راحتيه فاستقبل الناس ليروا وسم خطيئته واستغفر للخاطئين قبل نفسه وعن الحسن كان داود بعد الخطئية لا يجالس إلا الخاطئين يقول تعالوا إلى داود الخاطئ ولا يشرب إلا مزجه بدموع عينيه وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته فلا يزال يبكي حتى تبتل بدموع عينيه وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل ويقول هذا أكل الخاطئين وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر فلما كان من الخطيته ما كان صاما الدهر كله وقام الليل كله وكان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله وإذا ذكر رحمة الله تراجعت وفي القصة أن الوحوش والطير كانت تسمع إلى قراءته فلما فعل ما فعل كانت لا تصغي إلى قراءته فروي إنها قالت يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك ( ذكر بناء سيدنا داود عليه السلام مسجد بيت المقدس ) عن رافع بن عميرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى لداود يا داود ابن لي بيتا في الأرض فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمره الله تعالى به فأوحى الله تعالى إليه يا داود بنيت بيتك قبل بيتي ؟ قال أي رب هكذا قلت فيما قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد - يعني بيت المقدس - وعن وهب لما تاب الله عز وجل عل داود عليه السلام وكان قد بنى مدائن كثيرة وصلحت أمور بني إسرائيل أحب أن يبني بيت المقدس وعلى الصخرة قبة في الموضع الذي قدسه الله تعالى في ايليا وكان قد حسنت حال نبي إسرائيل وملؤا الشام وضاقت بهم فلسطين وما حولها فأحب داود عليه السلام أن يعلم عددهم فأمر بإحصائهم عل أنسابهم وقبائلهم فكثر عليهم فلم يطيقوا إحصاءهم وروى أن الله تعالى أوح إلى داود عليه السلام لما كثر طغيان نبي إسرائيل إني أقسمت بعزتي لأبتلينهم بالقحط سنتين أو أسلط عليهم العدو شهرين أو الطاعون ثلاثة أيام فجمعهم داود وخيرهم بين إحدى الثلاث فقالوا أنت نبينا وأنت أنظر إلينا من أنفسنا فاختر لنا فقال أما الجوع فإنه بلاء فاضح لا يصبر عليه أحد وأما العدو والموت فإني أخبركم أن اخترتم تسليط العدو فإنه لا بقية لكم والموت بيد الله تعالى تموتون بآجالكم ففوضوا ذلك إلى الله تعالى فهو أرحم بكم فاختار لهم الطاعون وأمرهم أن يتجهزوا له ويلبسوا أكفانهم ويخرجوا نساءهم وإماءهم وأولادهم أمامهم وهم خلفهم عل الصخرة والصعيد الذيبني عليه مسجد بيت المقدس وهو يومئذ صعيد واحد ففعلوا ثم نادوا يا رب اللهم إنك أمرتنا بالصدقة وأنت تحب المتصدقين فتصدق علينا برحمتك اللهم وقد أمرتنا أن لا نرد السائل إذا وقف عل أبوابنا وقد جئناك سائلين فلا تردنا ثم خروا سجدا من حين طلوع الصبح فسلط الله عليهم الطاعون من ذلك الوقت إلى أن زالت الشمس ثم رفعه عنهم ثم أوحى الله إلى داود عليه السلام أن ارفعوا رؤوسكم فقد شفعتك فيهم فرفع داود رأسه ثم ناد إن ارفعوا رؤوسكم فرفعوا رؤوسهم وقد مات منهم مائة ألف وسبعون ألف أصابهم الطاعون وهم سجود فنظروا إلى الملائكة يمشون بينهم بأيديهم الخناجر ثم عمد داود عليه السلام وارتقى الصخرة رافعا يديه يحدث لله شكرا ثم إنه جمع بني إسرائيل بعد ذلك وقال إن الله سبحانه وتعالى قد رحمكم وعفا عنكم فأحدثوا الله شكرا بقدر ما ابتلاكم فقالوا له مرنا بما شئت قال إني لا أعلم أمرا أبلغ في شكركم من بناء مسجد على هذا الصعيد الذي رجمكم الله عليه فنبنيه مسجدا تعبدوا الله فيه وتقدسوه أنتم ومن بعدكم قالوا نفعل سأل داود ربه فأذن له وأقبلوا على بنائه وروي أن الله تعالى لما أمر داود عليه السلام أن يبني مسجد بيت المقدس قال يا رب وأين أبنيه ؟ قال حيث ترى الملك شاهرا سيفه قال فرآه داود في ذلك المكان فأسس قواعده ورفع حائطه فلما ارتفع انهدم فقال داود يا رب أمرتني أن أبني لك بيتا فلما ارتفع هدمته فقال يا داود إنما جعلتك خليفتي في خلقي فلم أخذت المكان من صاحبه بغير ثمن ؟ إنه سيبنيه رجل من ولدك وحكي في معنى هذا الأثر أن المكان كان لجماع من بني إسرائيل ولكل واحد نمهم فيه حق فطلبه داود منهم فأنعم به البعض باللفظ والبعض بالسكوت ففهم داود من الساكتين الرضا وكان بعضهم غير راض في الباطن فحمل داود الأمر عل ظاهره فبناه فجاء بعض أصحاب الحق إلى بني إسرائيل وقال لهم إنكم تريدون أن تبنوا عل حقي وأنا مسكين وإنه موضع بيدرى أجمع فيه طعامي فأرتفق بحمله إلى منزلي لقربه فإن بنيتم عليه أضررتم بي فانظروا في أمري فقالوا له كل من بني إسرائيل له مثل حقك وأنت ابخلهم فإن اعطيته طوعا وإلا أخذناه على كره منك فقال أتجدون هذا في حكم داود ؟ ثم انطلق وشكاهم إليه فدعاهم وقال لهم تريدون أن تبنوا بيت الله بالظلم ما أراكم يا يني إسرائيل تستكينون لله عز وجل ولا أرى إلا أن البلاء يضغطكم ثم قال داود أتطيب نفسك عل حقك فتبيعه بحكمك ؟ فقال ما تعطيني ؟ قال أملأه لك إن شئت غنما وإن شئت بقرا وإن شئت إبلا فقال يا نبي الله زدني فإنما تشتريه لله عز وجل فلا تبخل علي فقال داود احتكم فإنك لا تسألني شيئا إلا أعطيتك فقال ابن لي حائطا قدر قامتي ثم أملأه لي ذهبا فقال له داود عليه السلام نعم وهو في الله قليل فالتفت الرجل إلى نبي إسرائيل فقال هذا والله التائب الصادق المخلص ثم قال يا نبي الله قد علم الله عز وجل مني لمغفرة ذنب من ذنوبي وذنوب هؤلاء أحب إلي من ملء الأرض ذهبا فكيف يظن هؤلاء إني أبخل عليهم وعل نفسي بما أرجو به المغفرة لذنوبي وذنوبهم ولكني جربتهم رحم لهم وشفقة عليهم وقد جعلته لله فاقبلوا عل عمل مسجد بيت المقدس وباشر داود العمل بنفسه وجعل ينقل الحجر عل عاتقه ويضعه بيده في موضعه ومعه أخبار بني إسرائيل وروى أن داود لما ابتدأه ورفعه قامة رجل أوح الله إليه غني لم أقض ذلك عل يديك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان اقضي إتمامه عل يديه وتوفي داود عليه السلام قبل إتمامه وله سبعون سنة وقيل غير ذلك وأنزل الله عليه الزبور وهو مائة وخمسون سورة بالعبرانية في خمسين منها ما يلقونه من بخت نصر وفي خمسين منها ما يلقونه من الروم وفي خمسين مواعظ وحكم ولم يكن فيه حلال ولا حرام ولا حدود ولا أحكام وكانت وفاته في يوم السبت أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى ' ع ' وملك داود أربعين سنة وأوصى قبل موته بالملك إلي سليمان ولده وأوصاه بعمارة بيت المقدس وعين لذلك عدة بيوت أموال تحتوي عل جمل كثيرة من الذهب وعن كعب ووهب إن داود عليه السلام أعد لبناء بيت المقدس مائة ألف بدرة ذهبا وألف ألف بدرة ورقا وثلاثمائة ألف دينار لطلاء البيت وذكر أن هذا مال لا تفي به المعادن قال وهب دفن داود بالكنيسة المعروف بالجيسمانية شرقي بيت المقدس في الوادي ويقال أن قبر داود عليه السلام بكنيسة صهيون وهي التي بظاهر القدس من جهة القبلة بأيدي طائفة الإفرنج لأنها كانت داره وفي كنيسة صهيون المذكورة موضع تعظمه النصارى ويقال أن قبر داود فيه وهذا الموضع هو الآن بأيدي المسلمين وسنذكر ما وقع في ذلك في عصرنا من التنازع بين المسلمين والنصارى فيما بعد في حوادث سنة خمس وتسعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى ( ملك سليمان عليه السلام ) لما توفي داود ملك ابنه سليمان وعمره اثنتا عشرة سنة ومولد سليمان بغزة وآتاه الله الحكمة والعلم والملك ما لم يؤته لأحد سواه على ما أخبر الله عز وجل به في محكم كابه العزيز فأطاع له الله الأنس والجن والشياطين والرياح والطيور والوحوش والهوام وكل المخلوقات عل اختلاف أجناسها فسبحان المتفضل بما شاء عل من شاء ( بناء سليمان عليه السلام مدين بيت المقدس ومسجدها ) لما كان في السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار وهي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام ابتدأ سليمان عليه السلام في عمار بيت المقدس حسما تقدم به وصية أبيه إليه وكانت مدين بيت المقدس في زمن نبني إسرائيل عظيمة البناء متسعة العمران وكانت أكبر من مصر ومن بغداد عل ما يوصف فيقال أن العمارة والمنازل كانت متصلة من جهة القبلة إلى القرية المعروفة يومئذ بدير السنة ومن جهة الشرق إلى جبل طور زيتا واستمرت العمارة بطور زيتا إلي حين الفتح العمري ومن جهة الغرب إلى ماء ملا ومن جهة الشمال إلى القرية التي بها قبر النبي شمويل صلى الله عليه وسلم واسمها عند اليهود رامة ومسافتها عن بيت المقدس تقرب من ربع بريد فعمارة داود وسليمان عليهما السلام لمدين القدس إنما هي تجديد البناء القديم وتقدم في أول الكتاب ذكر أول من بنى المدينة وعمرها واختطها وإنه سام ابن نوح عليهما السلام وكان محل المسجد بين عمران المدين وهو صعيد واحد والصخرة الشريف قائمة في وسطه حتى بناه داود ثم سليمان عليهما السلام وكان من خبر ذلك ما روي أن الله عز وجل لما أوحى إلى سليمان ' ع ' أن ابن بيت المقدس جمع حكماء الإنس والجن وعفاريت الأرض وعظماء الشياطين وجعل منهم فريقا يبنون وفريقا يقطعون الصخور والعمد ممن معادن الرخام وفريقا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان وكان الدر ما هو مثل بيض النعام وبيضة الدجاج وأخذ في بناء بيت المقدس وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعلها اثني عشر ربضا وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثني عشر سبطا فلما فرغ من بناء المدين ابتدأ في بناء المسجد فلم يثبت البناء فأمر بهدمه ثم حفر الأرض حتى بلغ الماء فأسسه عل الماء وألقوا فيه الحجارة فكان الماء يلفظها فدعا سليمان عليه السلام الحكماء الأحبار ورئيسهم آصف بن برخيا واستشارهم فقالوا إنا نرى أن نتخذ قلالا من نحاس ثم نملأها حجارة ثم نكتب عليها الكتاب الذي في خاتمك ثم نلقي القلال في الماء وكان الكتاب الذي على الخاتم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله ففعلوا فثبتت القلال فألقوا المؤن والحجارة عليها وبني حتى ارتفع بناؤه وفرق الشياطين في أنواع العمل فدأبوا في عمله وجعل فرقة منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد ويأتون بأنواع الجواهر وجعل الشياطين صفا مرصوصا من معادن الرخام إلى الحائط المسجد فإذا قطعوا من المعادن حجرا أو اسطوانة تلقاه الأول منهم ثم الذي يليه ويلقيه بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى المسجد وجعل فرقة لقطع الرخام الأبيض الذي منه ما هو مثل بياض اللبن بمعدن يقال له السامور والذي دلهم على معدن السامور عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر فدلوا سليمان عليه السلام عليه فأرسل إليه بطابع من حديد وكان خاتمه يرسخ في الحديد والنحاس فيطبع إلى الجن بالنحاس وإلى الشياطين بالحديد ولا يجيبه أقصاهم إلا بذلك وكان خاتما نزل عليه من السماء حلقته بيضاء وطابعه كالبرق لا يستطيع أحد أن يملأ بصره منه فلما وصل الطابع إلى العفريت وجيء به قال له هل عندك من حيل أقطع بها الصخر فإني أكره صوت الحديد في مسجدنا هذا والذي أمرنا الله به من ذلك الوقار والسكينة فقال له العفريت إني لا أعلم في السماء طيرا أشد من العقاب ولا أكثر حيلة منه وذهب يبتغي وكر عقاب فوجد وكرا فغطى عليه بترس غليظ من حديد فجاء العقاب إلى وكره فوجد الترس فبحثه برجله ليزيحه أو ليقطعه فلم يقدر عليه فحلق في السماء ولبث يومه وليلته ثم أقبل ومعه قطع من السامور فتفرقت عليه الشياطين حتى أخذوها منه وأتوا بها إلى سليمان عليه السلام وكان يقطع بها الصخرة العظيمة وكان عدد من عمل معه في بناء بيت المقدس ثلاثين ألف رجل وعشرة آلاف يتراوحون عليهم قطع الخشب في كل شهر عشرة آلاف خشب وكان الذين يعملون في الحجارة سبعين ألف رجل وعدد الأمناء عليهم ثلاثمائة غير المسخرين من الجن والشياطين وعمل فيه سليمان عليه السلام عملا لا يوصف وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان وأنواع الجواهر في سمائه وأرضه وأبوابه وجدرانه وأركانه ما لم ير مثله وسقفه بالعود اليلنجوج وصنع له مائتي سكرة من الذهب وزن كل سكرة عشرة أرطال وأولج فيه تابوت موسى وهارون عليهما السلام ولما فرغ سليمان عليه السلام من بناء بيت المقدس انبت الله شجرتين عند باب الرحم إحداهما تنبت الذهب والأخرى تنبت الفضة فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهبا وفضة وفرش المسجد بلاطه من ذهب وبلاطه من فضة فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد كان يضيء في الظلم كالقمر ليلة البدر وكانت صخرة بيت المقدس أيام سليمان عليه السلام ارتفاعها اثني عشر ذراعا وكان الذراع ذراع الأمان ذراعا وشبرا وقبضة وكان ارتفاع القبة التي عليها ثمانية عشر ميلا وروي اثني عشر ميلا وفوق القبة غزال من ذهب بين عينيه درة أو ياقوتة حمراء تغزل نساء البلقاء على ضوئها بالليل - وهي فوق مرحلتين من القدس - وكان أهل عمواس يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس من المشرق وعمواس بفتح الميم وسكونها وهي التي سمى بها الطاعون على الراجح لأنه منها ابتدأ وكان في سنة ثماني عشرة من الهجرة وهي بالقرب من رملة فلسطين مسافتها عن بيت المقدس نحو بريد ونصف وإذا غربت الشمس استظل بها بيت الرامة وغيرهم من الغور ومسافتها عن بيت المقدس أبعد من عمواس قال بعض المؤرخين وعمل خارج البيت سورا محيطا امتداده خمسمائة ذراع في خمسمائة ذراع وأقام سليمان في عمارة بيت المقدس سبع سنين وفرغ منه في السنة الحادية عشر من ملكه فيكون الفراغ من عمارة بيت المقدس في أواخر سنة ست وأربعين وخمسمائة لوفاة موس عليه السلام وكان من هبوط آدم عليه السلام إلى ابتداء سليمان ببناء بيت المقدس أربعة آلاف وأربعمائة وأربع عشرة سنة وبين عمارة بيت المقدس والهجرة الشريفة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ألف وثمانمائة سنة كاملة وقريب ستين فيكون الماضي من عمار بيت المقدس على يد سليمان إلى عصرنا هذا وهو أواخر ذي الحجة ختام عام تسعمائة ألين وسبعمائة سنة وقريب ستين وأما بناء د مدينة القدس الأول فقد تقدم أن أول من بناها سام بن نوح وكانت وفاته بعد الطوفان بخمسمائة سنة ومن وفاة سام إلى بناء سليمان بيت المقدس ألف وستمائة واثنان وسبعون سنة وبين الطوفان والهجرة الشريفة ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون سنة فيكون الماضي من وفاة سام إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة أربعة آلاف وثلاثمائة وأربعا وسبعين سنة فيعلم من ذلك تاريخ بناء بيت المقدس الأول تقريبا والله أعلم وملخص القول إن من هبوط آدم عليه السلام إلى الطوفان ألفين ومائتين واثنتين وأربعين سسن ومن الطوفان إلى وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة ومن وفاة سام إلى بناء سليمان بيت المقدس ألفا وستمائة واثنتين وسبعين سنة ومن بناء سليمان إلى الهجرة الشريفة ألفا وثلاثمائة وقريب ستين ومن الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة فهذه المدة التي تقدم ذكر تفصيلها قبل ذلك في أماكن متفرقة وجملتها من هبوط آدم إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة سبعة آلاف سنة ومائة سنة وستة عشر سنة على اختيار المؤرخين كما تقدم عند ذكر سيدنا آدم عليه السلام والخلاف في ذلك كثير ويأتي ذكر بناء مدينة سيدنا الخليل عليه السلام وأول من اختطها فيما بعد إن شاء الله ولما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا سأله حكما ؟ يوافق حكمه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وسأله أن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ولهذا كان عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما يأتي بيت المقدس فيصلي ركعتين ثم يخرج ولا يشرب فيه كأنه يطلب دعوة سليمان وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إن سليمان ابن داود ' ع ' سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولته أمه فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه ولما رفع سليمان عليه السلام يده من البناء بعد الفراغ منه وأحكامه جمع الناس وأخبرهم إنه مسجد لله تعال وهو أمره ببنائه وأن كل شيء فيه لله تعالى من انتفضه أو شيئا منه فقد خان الله تعال وأن داود عهد إليه ببنائه وأوصاه بذلك من بعده ثم اتخذ طعاما وجمع الناس جمعا لم ير مثله قط ولا طعاما أكثر منه ثم أمر بالقرابين فقربت إلى الله تعالى وجعل القربان في رحبه المسجد وميز ثورين وأوقفهما قريبا من الصخرة ثم قام عل الصخرة فدعا بدعائه المتقدم ذكره وزاد عليه زياد وهي اللهم أنت وهبت لي هذا الملك منا منك وطولا علي وعلى والدي وأنت ابتدأتني وإياه بالنغمة والكرامة وجعلته حكما بين عبادك وخليفة في أرضك وجعلتني وارثه من بعده وخليفة في قومه وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا أكرمتني به قبل أن تخلقني فلك الحمد على ذلك ولك المن ولك الطول اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال أن لا يدخل إليه مذنب لا يعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل منه توبته وتغفر له ولا يدخله خائف لا يعمده إلا لطلب الأمن من أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه ولا يدخاه مقحط لايعمده إلا للاستسقاء أن تسقي بلاده وأن لا تصرف بصرك عن من دخله حتى يخرج منه اللهم أن أحببت دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تتقبل قرباني فتقبل القربان ونزلت من السماء فامتدت ما بين الأفقين ثم امتد عنق منها فأخذ القربان وصعد به إلى السماء وروي أن نبي الله سليمان عليه السلام لما فرغ من بنائه ذبح ثلاث لاف بقر وسبعة آلاف شاة ثم أتى إلى المكان الذي في مؤخر المسجد مما يلي باب الأسباط وهو الموضع الذي يقال له كرسي سليمان وقال اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له أو ذي ضر فاكشف ضره فلا يأتيه أحد إلا أصاب من دعوة سليمان عليه السلام وهذا الموضع الذي هو معروف بكرسي سليمان من الأماكن المعروفة بإجابة الدعاء وهو داخل القبة المعروفة بقبة سليمان عند باب الدويدارية ورتب له سليمان عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار حتى لا يأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله تعال يعبد فيه وكان سليمان عليه السلام إذا دخل مسجد بيت المقدس - وهو ملك الأرض - يقلب بصره ليرى أين يجلس المساكين من العمى والخرس والمجذومين فيدع الناس ويجلس معهم متواضعا لا يرفع طرفه إلى السماء ثم يقول مسكين مع المساكين وروى أن مفتاح بيت المقدس كان يكون عند سليمان عليه السلام لا يأمن عليه أحدا فقام ذات ليلة ليفتحه فصعب عليه فاستعان عليه بالأنس فعسر عليهم ثم استعان عليه بالجن فعسر عليهم فجلس كئيبا حزينا يظن أن ربه قد منعه منه فبينما هم كذلك إذ اقبل شيخ يتكي على عصا له وقد طعن في السن - وكان من جلساء داود عليه السلام - فقال يا نبي الله أراك حزينا ؟ فقال قمت إلى هذا الباب لأفتحه فعسر علي فاستعنت عليه بالأنس والجن فلم يفتح فقال الشيخ ألا أعلمك كلمات كان أبوك يقولهن عند كربه فيكشف الله عنه ؟ قال بلى قال قل اللهم بنورك اهتديت وبفضلك استغنيت وبك أصبحت أمسيت ذنوبي بين يديك استغفرك وأتوب يا حنان يا منان فلما قالها فتح له الباب فيستحب أن يدعو الزائر وغيره بهذا الدعاء إذا دخل من باب الصخرة وكذلك من باب المسجد ومن العجائب التي ببيت المقدس السلسلة التي جعلها سليمان بن داود عليهما السلام معلقه من السماء إلى الأرض شرقي الصخرة مكان قبة السلسلة الموجودة الآن وفيها يقول الشاعر
Bogga 124