زواج الرسول بخديجة
فالسيدة نفيسة جاءت لسيدنا الحبيب ﷺ فقالت: أما لك في الزواج بـ خديجة؟ قال: ومن أين لي مهرها؟ أي: أنها رفضت صناديد العرب؛ لأن أبا جهل كان يريد أن يتزوجها وكذلك أبو لهب وعقبة بن أبي معيط؛ لأنها كانت سيدة نساء قريش.
ثم قال لها: سوف آتي بأعمامي من الغد، والسيدة خديجة أتت بعمها أسد بن عبد الله بن أسد، والسيدة خديجة تلتقي مع النبي ﷺ في جده السابع قصي.
فدخل أبو طالب والعباس، فوقف أبو طالب ليخطب خطبة الزواج، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، يعني: من الأصل أو من المعدن الذي من معد الذي هو جد العرب، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، أي: الخدم الذين في الحرم، وجعل لنا محجوجًا وحرمًا آمنًا، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفًا ونبلًا وفضلًا إلا رجح به، وهو إن كان في قل فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، يعني: المال دول، اليوم معك وغدًا يكون مع فلان وفلان، وهذا يكون غنيًا ثم فقيرًا، والفقير يصبح غنيًا والدول هكذا، فما يصدق على الأفراد يصدق على الدول، وسبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويغني من يشاء ويفقر من يشاء، فاللهم أغننا بالافتقار إليك يا رب العباد.
وقد قسم أبو طالب الخطبة ثلاثة أقسام: المقدمة وتكلم فيها عن الأصل، والقسم الثاني تكلم عن أعظم عريس في العالم منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والقسم الثالث: قال: وبعد: هذا هو والله له نبأ عظيم وخطب جليل جسيم -يعني: له مكانة وهي النبوة المنتظرة- وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي.
قال عمها وهو رجل عظيم في قومه: ما تقوله يا أبا طالب فلا نقول نحن شيئًا، قال أبو طالب: هذا اثنا عشر مثقالًا من الذهب، وخمسمائة درهم، وقال النبي ﷺ: ومني عشرون بعيرًا.
قال عمها: اشهدوا يا معشر قريش أني زوجت محمد بن عبد الله من بنت أخي خديجة بنت خويلد.
فهذا أعظم زواج في العالم، لا يليه إلا زواج فاطمة من علي.
وقد كان رسول الله يسكن مع عمه أبي طالب، وكان بيت أبي طالب قد ضاق عليه من كثرة العيال، فالسيدة خديجة كانت وحدها في بيت كبير، فطلبت من رسول الله أن يسكن معها في بيتها.
فعلى أبي الزوجة إذا وسع الله عليه أن يعطي زوج ابنته شقة، ولا يضيق عليهما، بل عليه أن يشعر الرجل بقوامته، وأنه هو رب البيت، لقوله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة:٢٢٨]، وقال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء:٣٤].
وبيت السيدة خديجة مكون من ثلاثة سلالم على الأرض، ثم في داخل البيت فناء واسع عبارة عن ثلاثين مترًا طولًا في ثلاثة عشر مترًا عرضًا، وهذا الوصف من كتب السيرة، لكنني حولتها من الذراع إلى مقياس العصر، وعلى اليمين فيه غرفة ستة أمتار في سبعة أمتار، كان يستقبل فيها الحبيب المصطفى أصدقاءه، وكان أكبر صديق له أبا بكر الصديق وعمار بن ياسر، وكان أصدقاؤه يأتون إلى البيت.
قيل: إن الناعم بن عبد الله كان من جنوب الجزيرة، فقعد بجنب العباس فرأى رجلًا يصلي ووراءه واحد ووراءه ولد صغير وخلفه امرأة، قال: ما هذه الصلاة الغريبة التي أراها؟ ومن هذا؟ قال له: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، يقول: إنه نبي الأمة، قال: ومن الذي خلفه هذا؟ قال: هذا صاحبه أبو بكر، قال: ومن هذا الشاب الصغير؟ قال: هذا علي بن أبي طالب، قال: ومن المرأة التي خلفهم؟ قال: هذه خديجة بنت خويلد، فلما أسلم بعد عشر سنين قال: يا ليتني كنت أسلمت ساعتها وكنت أنا الرابع، وذلك لأن هداية الله لم تأت بعد.
ثم الغرفة التي بعدها مثل الحجرة سبعة أمتار في أربعة أمتار كانت غرفة بنات النبي ﷺ، والحجرة الثالثة كانت أحد عشر مترًا في ستة أمتار، وهذه حجرة سيدنا الحبيب ﷺ والسيدة خديجة، وكان فيها جزء عنده محراب يتعبد فيه لله ﷿.
اللهم اغفر لنا وتقبل منا واقبلنا في عبادك الصالحين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
6 / 12