[53_2]
عبد الله، لما وجهه إلى قتال الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي، وكان هذا استولى على الموصل وكورها سنة 127؛ وقد انطوت هذه الرسالة المرقصة على أغراض كثيرة يمكن إجمالها في موضوعين مهمين: الأول درس عظيم في تربية أبناء الملوك والعظماء وتلقينهم الأخلاق الفاضلة؛ والثاني وضع خطط حربية يسير عليها ولي العهد في قتال العدو. وقد أثبت عبد الحميد بهذه الرسالة أنه من علماء التربية والنفس، وأنه عارف بالسياسة والإدارة والحرب، يستطيع أن يقود الجيوش بعقله كما يقود المماليك بقلمه.
بدأ رسالته في وصف الخارجي، وأن الخليفة أراد أن يعهد إلى ولي عهده عهدا يحمله فيه أدبه، ويشرع له عظته، وإن كان ولي العهد في الغاية من الدين، والتحلي بما يحسن بالخلافة، ولو لم يكن كذلك ما خصه أبوه بالولاية عند دون بني أبيه؛ وقال له: إن الخليفة بوعظه ابنه أيضا ائتمر بأمر الله، وما تقدمت فيه الحكماء من تقديم العظة والتذكير، وإن كانوا أهل معرفة وأولى سابقة في الكمال وفضل في العلم. قال: ولو كان المؤدبون أخذوا العلم من عند أنفسهم، ولقنوه إلهاما من تلقائهم، ولم يتعلموا شيئا من عند غيرهم لنحلناهم علم الغيب، ووضعناهم بمنزلة قصرهم بها عنهم خالقهم، المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيته في فردانيته في إلهيته. . . قال: وأمير المؤمنين يرجع أن ينزهك الله عن كل قبح يهش له طمع، وأن يعصمك من كل مكروه حاق بأحد، وأن يحصنك من كل آفة استولت على امرئ في دين أو خلق، وأن يبلغه فيك أحسن ما لم يزل يعوده من آثار نعمة الله عليك، سامية بك إلى ذروة الشرف، ومنجحة لك بسطة الكرم، لائحة بك في أزهر مغاني الأدب، مورثة لك أنفس ذخائر العز.
وبعد أن كان الخليفة يخاطب ابنه بصيغة الغائب، انقلب وخاطبه خطاب الحاضر فقال: والله أستخلف عليك، وأسأله حياطتك، وأن يعصمك من زيغ الهوى،
Bogga 53