[38_2]
فيها، شأن من كانوا من فصحاء العرب قبله ممن كان كلامهم محض البلاغة، اللهم إلا أن يقع ذلك اتفاقا غير مقصود قصده، وهو أول من فك رقاب الشعر وسرح مقيده إلى النثر.
ومعلوم أنه قلما عهد التطويل في الرسائل على عهد الراشدين والأمويين، فابتدع عبد الحميد أسلوبه الخاص به، وكان ذلك عقبي تشعب أغراض الخلافة، وامتداد عمرانها، وانبساط ظل سلطانها، فنهج للكتاب سبل الإنشاء، وأعلى في العالمين ذكرهم، وشرف صناعتهم، وكانت قبله في الغالب لا تعد عملا شريفا من أعمال الدولة، ويتولاه على الأغلب الموالي ومن إليهم؛ فوقر هذا الفن الصعب في النفوس حتى كان الإنشاء ينقل صاحبه من دواوينه إلى أرقى دواوين الملك.
كان عبد الحميد أول من أطال الرسائل، ولا يبتدئ بلولا، ولا، وإن رأيت، واستعمل التحميدات في فصول الكتب، فتابعه الناس على طريقته؛ والتحميد حمدك لله عز وجل مرة بعد مرة، وكثرت حمد الله سبحانه بالمحامد الحسنة، وهو أبلغ من الحمد، وربما سبق عبد الله بن المقفع إلى التحميدات، ولكنها لم تشتهر كما اشتهرت من ديوان عبد الحميد، وهو ديوان الخلافة يتناقل الناس عنه أكثر مما يتناقلون عن غيره.
ولم يكن عبد الحميد يطيل كل مرة في رسائله، بل يطيل مرة ويوجز مرة، لكنه إلى التطويل أميل، فصاحب هذا الانتقال في الكتابة حافظ على إيجازها ما أمكن، لكن الزمان اقتضاه أحيانا الإسهاب، فأسهب وأجاد في الطريقتين، خصوصا إذا قضيت الحال ذلك؛ مثل كتابه إلى أبي مسلم الخراساني الذي كتبه على لسان محمد بن مروان لما ظهر أبو مسلم بدعوة بني العباس؛ كتب كاتبا يستميله ويظمنه ما لو قرئ لأوقع الاختلاف بين أصحاب أبي مسلم وكان من كبر حجمه يحمل على جمل، ثم قال لمروان: قد كتبت كاتبا متى قرأه بطل تدبيره، فإن يك ذلك وإلا
Bogga 38