[154_2]
الأعضاء فضلا على الماء، فعلمت أن لو كنت مكنت الاقتصاد في أوائله، ورغبت عن التهاون به في ابتدائه، لخرج أوله على كفاية آخره، ولكان نصيب العضو الأول كنصيب الآخر، فعبتموني بذلك وشنعتموه بجهدكم وقبحتموه؛ وقد قال الحسن وذكر السرف: إنه ليكون في الماعونين الماء والكلأ فلم يرض بذكر الماء حتى أردفه بالكلأ.
بسط قاعدته في البخل بسطا بديعا، وبدأها بما وقع له في الماء، ثم ثنى في الجملة التالية بما يأتيه من الاحتياط في حفظ الفاكهة والمأكولات محاولا إقناع مخاطبيه بأن الناس طبقات، وليس من الإنصاف أن يأكل السيد كالمولى، فإن إطعام الموالي والعبيد أطعمة وثمارا لذيذة قد يمكنهم الاستغناء عنها، ولكن ساداتهم لا يصبرون عليها إذا انقطعت عنهم بسبب إسرافهم، وأشار إلى نهم الأولاد، وسوء إدارة النساء، قال:
وعبتموني حين ختمت على سل عظيم، وفيه شيء ثمين من فاكهة نفيسة، ومن رطبة غيبة على عبد نهم، وصبي جشع، وأمه لكعاء، وزوجة خرقاء، وليس من أصل الأدب، ولا في ترتيب الحكم، ولا في عادات القادة، ولا في تدبير السادة، أن يستوي في نفيس المأكول، وغريب المشروب وثمين الملبوس، وخطير المركوب، والناعم من كل فن، واللباب من كل شكل التابع والمتبوع، والسيد المسود، كما لا تستوي مواضعهم في المجلس ومواقع أسمائهم في العنوانات، وما يستقبلون به من التحيات. وكيف وهم لا يفقدون من ذلك ما يفقد القادر، ولا يكترثون له اكتراث العارف ومن شاء أطعم كلبه الدجاج المسمن، وعلف حماره السمسم المقشر؛ فعبتموني بالختم، وقد ختم بعض الأئمة على مزود سويق، وختم على كيس فارغ، وقال: طينة خير من ظنة، فأمسكتم عمن ختم على لا شيء، وعبتم من ختم على شيء.
Bogga 154