Qoraayaasha Carabta ee Cusmaaniyiinta
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Noocyada
فالحكماء يعرفون فضله
والسخفاء يشتهون هزله
وعلى الجملة فقد تعددت أغراض الشعر المولد، وخصبت الأفكار بالمعاني الطريفة، واتسع باب الوصف وتعددت سبله، فبالغ الشعراء في التشبيب ووصف الخمرة والصيد والأخلاق والخصال والعادات، وهم وإن اقتصدوا في وصف القفار والطلول والإبل والوحش بعامل التطور الاجتماعي، لقد استعاضوا عنها وصف القصور وزخرفها، والبساتين ومياهها، والطبيعة ورياضها.
ومما ينبغي ذكره أن هذا الشعر على تعدد أغراضه لم يجاوز النوع الغنائي، ونصرف النظر عن الفن التعليمي؛ لأنه خارج عن صفة الشعر الحقيقية، فما نعد نظم كليلة ودمنة وغيرها من النوع القصصي؛ لضعف الميزة الأدبية فيها، وخلوها من الروعة والطلاوة، ولا نعد الحوادث الصغيرة التي يرويها الشاعر بقالب قصصي؛ لأننا نريد الملاحم الطويلة التامة كالإلياذة والأوديسة وسواهما.
ونرى أن خلو الشعر من هذا النوع يرجع أولا: إلى جهل العرب للأدب اليوناني؛ لأنهم لم ينقلوه كما نقلوا العلوم والفلسفة. ثانيا: إلى أن الشعراء لم يهتموا بنظم قصص طويلة؛ لانصرافهم إلى التكسب من أقرب الطرق، والملاحم تقتضي وقتا طويلا وربما كان كسبها قليلا؛ لأن الأمراء تعودوا ألا يجيزوا الشعراء إلا على المدح.
وكذلك النوع التمثيلي ظل مفقودا بتأثير هذين العاملين، ثم لأن المجتمع الإسلامي في العصر العباسي - على تمتعه بحرية الفكر والدين - ما كان يسمح للمرأة بأن تمثل مع الرجل في ملأ من الناس، والمرأة عضو لا غنى عنه لانتشار هذا الفن، أضف إلى ذلك أن التمثيل لا يظهر إلا بعد أن ينضج النوع الغنائي، وتتقدم الفلسفة والعلوم، وتوضع النظم السياسية والاجتماعية، وهو ينتشر غالبا في الحكومات الديمقراطية أكثر مما ينتشر في حكومة الفرد التي تبسط يدها عليه وتقيده بمشيئتها المطلقة؛ لأنه يتناول العبر التاريخية والمسائل الاجتماعية، ويبين مغبة الإثم ونتيجة الخير؛ مما لا يخلو من أذاة ذوي السلطان المستبدين بأموال الشعب وأعناقه، ولو قدر له الظهور في بني العباس لما كان الحكم الإسلامي المصطبغ بالدين ليرضى عنه وهو عندهم تزوير للأشخاص. (6) منزلة الشاعر المولد
لم تكن للشاعر المولد تلك المنزلة التي تبوأها زميله في الجاهلية وصدر الإسلام يوم كان يدافع عن قبيلته، وينشر مخازي أعدائها، أو يخفض ببيت من الشعر شأن قبيلة نابهة، ويرفع ببيت قدر قبيلة خاملة، أو يؤيد حزبه السياسي بالرد على خصومه، وكان السبب في تجرده عن هذه الخصائص ضعف العصبية في القبائل لنفوذ الموالي، واختلاط العرب بهم، ونشوء شعب جديد غير صافي العروبة، وتلاشي الأحزاب وانحلالها، ثم إن الخلفاء العباسيين اعتمدوا في تأييد سلطانهم على السيف دون الشعر .
على أن الشاعر المولد استبدل من المنزلة السابقة منزلة أخرى، وهي أنه صار نديم الخليفة على طعامه وشرابه، وسميره في لياليه الساهرة، ورفيقه في ملاهيه ومتنزهاته؛ فأصبح الشعر للتفكهة واللذة، يرغب فيه أولو الأمر كلفا بالأدب، أو حبا للهو والعبث.
لذلك انحطت منزلة الشعراء عن ذي قبل، وفقدوا سيادتهم، وشيئا كثيرا من نفوذهم وتأثيرهم، وأصبحوا كأداة اللهو، يقبل عليها المتلهي مدة ثم يضجر منها فيهملها أو يحطمها؛ فرب شاعر كان ذا حظوة عند الخليفة ثم أمسى طريدا مجفوا، أو شاعر بات ليلته يسامر الأمير فما طلع عليه الصباح إلا كان السجن مأواه.
ولكن بقي للشعراء دالة على الملوك أكثر من غيرهم؛ لما للشعر من التأثير في النفوس، ثم لما للمدح - خصوصا - من سحر يفتن ألباب الأمراء.
Bog aan la aqoon