215

Qoraayaasha Carabta ee Cusmaaniyiinta

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Noocyada

على أن هذه القصيدة وإن تكن أرضت سيف الدولة مع ما فيها من غطرسة وغلظة في العتاب، لقد أحنقت أنسباءه وحاشيته ورجال مجلسه. وكان أبو العشائر حاضرا فساءه أن يعرض الشاعر ببعض بني عمه، فلما خرج المتنبي ألحق به بعض غلمانه ليوقعوا به، فوقفوا له في الطريق، فرماه أحدهم بسهم وقال: «خذه، وأنا غلام أبي العشائر!» فوقع السهم في نحر فرسه، فانتزعه ورمى به؛ ثم كر عليهم بالسيف فجرح أحدهم، فتركوه واشتغلوا بالمضروب. واستخفى أبو الطيب عند صديق له، وسيف الدولة يسأل عنه، وينكر أن يكون قد أمر بقتله، أو علم بما دبر لاغتياله. ثم عاد إليه الشاعر يمدحه، ولكن اجتماع الحساد عليه كان ينغص عيشه، فسئم الإقامة بينهم وآلمه أن يعيرهم الأمير سمعه، فأزمع الرحيل، وحذر سيف الدولة بقوله:

أذا الجود أعط الناس ما أنت مالك

ولا تعطين الناس ما أنا قائل

فلم يحفل سيف الدولة بتحذيره، ولا منع الخصوم عن الوقيعة به، حتى كانت حادثة ابن خالويه، فجاءت ثالثة الأثافي.

وابن خالويه له دالة على الأمير؛ لأنه مؤدبه، وهو يكره المتنبي لشاعريته وحظوته، ويكرهه لأن أبا الطيب كان يحتقره ويزدري آراءه في النحو، ولطالما حاول النحوي مناظرته، فخذله الشاعر، وجهله وسفه آراءه. فاتفق أن اجتمعا مرة في مجلس سيف الدولة بعد أن عاثت مكايد الحساد في صدر الأمير فأفسدت في ما بينه وبين شاعره من مودة. وكان أبو الطيب اللغوي حاضرا، فجرت بينه وبين ابن خالويه مناظرة في اللغة، والمتنبي ساكت. فقال له سيف الدولة: «ألا تتكلم يا أبا الطيب؟» فتكلم بما قوى حجة أبي الطيب اللغوي وضعف قول ابن خالويه، فأخرج هذا من كمه مفتاحا ليلكم به المتنبي، فقال له المتنبي: «اسكت ويحك! فإنك أعجمي، وأصلك خوزي فما لك والعربية!» فضرب وجهه بذلك المفتاح، فأسال دمه، فغضب المتنبي من ذلك. وزاده غيظا أن سيف الدولة لم ينتصر له لا قولا ولا فعلا، فاعتصم بالصمت عالما أن التعرض لابن خالويه وخيم المغبة ما دام الأمير راضيا عن عمله، وخرج من الحضرة، وقد عول على الرحيل.

اتصاله بكافور

ترك المتنبي حلب سنة 346ه/957م، وأم دمشق وهي يومئذ من أعمال الإخشيد وعليها وال يهودي من قبل كافور

16

يعرف بابن مالك، فالتمس من المتنبي أن يمدحه، فتأبى؛ فغضب ابن مالك وحمل كافورا على أن يطلب أبا الطيب إلى مصر. ثم كتب إليه أن الشاعر قال: «لا أقصد العبد، وإن دخلت مصر فما قصدي إلا ابن سيده.» ونبت دمشق بالمتنبي فصار إلى الرملة بفلسطين، وافدا على أميرها الحسن بن طغج، وكان أبو الطيب يمدحه قبل اتصاله بسيف الدولة، فحمل إليه الحسن هدايا نفيسة، وخلع عليه، وحمله على فرس، وقلده سيفا محلى. وعرف كافور بمقدمه فكان يقول: «أتراه يبلغ الرملة ولا يأتينا؟» وكانت الرملة من أعمال الإخشيد، فكتب إلى أميرها يطلبه، فسار إليه أبو الطيب، فأمر له بمنزل، ووكل به جماعة من الغلمان يخدمونه، وخلع عليه.

وكان المتنبي لا ينفك يحلم بالملك منذ حداثته، فلما صار إلى كافور بعد خيبته عند سيف الدولة، ولقي من الأسود حفاوة وإكراما، طمع فيه وشاقه أن يقطع ولاية في مملكته يدبر أمورها، ويعتاض بها من خيبته، ويكبت بها حساده، فوعده كافور، فشرع المتنبي يمدحه في كل سانحة، ويعرض لذكر الولاية، وكافور يماطله.

Bog aan la aqoon