Dhaxalka iyo Cusboonaysiinta
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Noocyada
فإن قيل: كيف يمكن دراسة الحضارة الإسلامية أو العلوم الدينية العقلية وإصدار أحكام عليها أو إعادة بنائها والمفقود منها أكثر من الموجود وغير المنشور منها أكثر من المنشور؟ قيل: يمكن للوصف أن يعطي صورة كاملة لبناء وتطور الحضارة الإسلامية بالرغم من أن كثيرا من الأعمال لم تنشر بعد وذلك للآتي: (أ)
مادة العلوم التقليدية المنشورة حاليا يغلب عليها طابع التكرار، فمثلا إذا كان هناك في علم أصول الفقه ثلاثون كتابا منشورا فإن كل كتاب متأخر يكرر المادة التي في الكتاب الذي قبله ويزيد عليه لدرجة أنه يمكن اختصار الثلاثين إلى عشر، أهمها أول مؤلف نشأ فيه العلم، وآخر مؤلف اكتمل فيه العلم وأصبح له بناء نظري محكم، فالأعمال غير المنشورة لن تؤثر كثيرا في اكتمال الوصف الذي يمكن القيام به على أساس من الأعمال المنشورة، ولكن يستحسن بقدر الإمكان الاطلاع على غير المنشور فلربما كان فيها جرأة أكثر نظرا لظروف معينة في الماضي، وتكون هذه الجرأة معينة في إعادة البناء على ظروف مشابهة في العصر الحاضر. (ب)
كثير من الأعمال هي في نفس الوقت موسوعات إخبارية يمكن بواسطتها معرفة كثير من أفكار المتقدمين والمتأخرين، والأخبار الموجودة حاليا في كل علم تسمح بوصف كلي له بل وبوصف كلي للحضارة ذاتها، والحاجة أمس إلى معرفة كيفية الوصف منها إلى معرفة مادة الوصف، وقد كانت الحضارة حريصة باستمرار على الحفاظ على نفسها بطريق التدوين، وتأريخ اللاحقين للسابقين، وذكر آراء السلف من الخلف، فالعلم ينشأ بتراكم المعارف والإضافات المستمرة والتفكير على التاريخ. (ج)
يمكن التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه عمل من الأعمال أو مفكر من المفكرين داخل كل نمط من أنماط الفكر، خاصة إذا عرفنا اتجاهه الفكري ومذهبه العقائدي؛ فالمفكر لا يضع فكرا، بل يعرض نموذجا من فكر معروف نمطه، فالنمط يساعد على التنبؤ، والنموذج يساعد على افتراض مادة ناقصة يمكن التعرف عليها بافتراض وجودها، خاصة إذا كان النمط من نفس العصر، أو من نفس المذهب، أو من نفس البيئة الثقافية. (د)
إن الذي يهم في المادة العلمية هي المشاكل التي تعرضها، وليس الحلول التي تقدمها، والمادة المنشورة حاليا تعرض لنفس المشاكل التي تتكرر وإن لم تعرض نفس الحلول، والمشاكل هي التي تحدد البناء النظري للعلم أكثر من الحلول، بل إن المادة كلها نسقطها من الحساب ونستبدل بها مادة أخرى جديدة من واقعنا المعاصر، فإن لم تكتمل المادة القديمة فإن ذلك لن يؤثر على الإشكال نفسه.
وإعادة بناء العلوم الدينية العقلية بإرجاعها إلى أصولها الأولى التي نشأت منها هي في الحقيقة محاولة للتعرف على الوحي ذاته وكيف أنه تحول في التراث إلى علوم عقلية حتى يمكن أن يكون مثالا للمحاولات الحالية لتحويل الوحي إلى علم محكم، فإذا كانت مهمة الباحث الحالية هو تأسيس الفكر الديني أو الوحي نفسه باعتباره علما محكما، فإن اتجاهه أمام حضارته التي يدرسها يكون محددا على أساس البحث عن صور سابقة لهذا العلم، وهذا ما يجده في العلوم الدينية التقليدية؛ أصول الفقه، والكلام، والفلسفة، والتصوف، مهمته في الحضارة إعادة بناء هذه العلوم بما يسمح به فهمها في أوضاعها التقليدية ثم تطويرها وبنائها كعلوم محكمة في الأوضاع الراهنة وفي اللحظة الحالية من تاريخ الحضارة، فإذا استطاع وصف هذه العلوم وبيان كيفية نشأتها ابتداء من الوحي وتكوينها على أسس نظرية ثابتة فإنه يمكنه الاستعانة بذلك في تكوين الوحي باعتباره علما محكما،
1
ويكون قد استطاع الحصول على أنماط من أبنية العلوم قد يقبلها أو يرفضها أو يطورها فضلا عن ربط نفسه وفكره وعمله بتراثه، وأصبح باستطاعته ليس فقط الخلق بل أيضا التجديد، ويكون قد حصل على نقطة ارتكاز في تاريخ حضارته.
وفي إعادة بناء العلوم يمكن أن يوضع كل شيء موضع التساؤل من جديد، ولكن تظل نقطة البداية هي الوحي الموجود بالفعل في كتاب، فالوحي هو الموضوع الأساسي لجميع العلوم، بل إن الحضارة الإسلامية كلها إن هي إلا محاولة لعرض فكري منهجي لهذا الوحي في مرحلة معينة، ولبيئة ثقافية معينة، وتحت ظروف وملابسات محددة، ويتضح ذلك من داخل أبنية هذه العلوم نفسها، فعلم أصول الفقه يبدأ بالوحي الموجود في الكتاب والسنة كأساس للشعور التاريخي الذي يقوم بدوره في النقل عن طريق مناهج الرواية؛ التواتر والآحاد، وعلم الكلام يبدأ بالوحي محللا آياته وأحاديثه لإخراج تصور الله، ذاته وصفاته وأفعاله، والتصوف يبدأ أيضا بالوحي متمثلا أوامره ونواهيه في السلوك، والفلسفة تبدأ بالوحي وفهمه بحيث يمكن بواسطته احتواء البيئات الثقافية المتاخمة. فالبدء بالوحي ضمان واقعي وعلمي وحضاري في العثور على نقطة بداية لها يقين مطلق، ونقطة ارتكاز للعلوم التي تتأسس في العقل وفي الواقع، والوحي ذاته ليس موضع تساؤل، إنما هو كيفية عرضه وبنائه النظري، وقبول الوحي قائم على واقعة وهو وجود كتاب لا يدعي أحد أنه مؤلفه، بل هناك فقط المعلن عنه، ويمتاز الكتاب بأنه وثيقة تاريخية صحيحة لم يصبها التحريف أو التغيير، نقصا أو زيادة. لا يتطلب إثبات الوحي البداية بنظرية في النبوة؛ لأنه موجود بالفعل في كتاب يمكن التثبت من صحته التاريخية أو من صدقه بتطابقه مع الواقع من خلال التجربة الإنسانية، ومن خلال فاعليته في التغيير وفي إعطاء أبنية مثالية للعالم يجد فيها العالم كماله.
وكل المشاكل التي تعرضها العلوم التقليدية تحتاج إلى إعادة بناء؛ فكثير منها مشاكل خاطئة سببتها ظروف معينة أو نشأت ردا على بدعة تناقلها الناس وانتشرت وذاعت الردود عليها. مهمة الباحث إذن أخذ موقف من هذه المشاكل إما بإلغائها إن كان وضع المشكلة وضعا غير شرعي أو بإعادة بنائها إن كانت موضوعة وضعا خاطئا، أو بإيجاد دلالة جديدة لها إن كانت موضوعة وضعا شرعيا، مثال ذلك كل مسائل علم الكلام التي ظهر فيها الله كطرف للإنسان مثل الجبر والاختيار، والحسن والقبح، والوعد والوعيد، فهي مسائل موضوعة وضعا خاطئا؛ لأن الله ليس طرفا في فعل الإنسان بل العالم، والحسن والقبح يحددان علاقة الذات بالموضوع وليس علاقة الموضوع بالله، والوعد والوعيد يحددان آثار الفعل في هذا العالم وليست آثاره المترتبة عليه في عالم آخر.
Bog aan la aqoon