Dhaxalka iyo Cusboonaysiinta
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Noocyada
إن الخطر علينا الآن هو الخرافة والأسطورة والخلط بين المستويات، وبيئتنا الثقافية الحالية حبلى بالمذاهب والتيارات الفلسفية والسياسية والاقتصادية والفنية والقانونية والخلقية من الحضارات المجاورة، فمادتنا الحالية يمكن أن تنشأ بتحديد موقفنا الحضاري بالنسبة للثقافات الغازية كما حدد القدماء موقفهم الحضاري بالنسبة للثقافات القديمة،
22
وبالإضافة إلى ذلك فإن مادة الفلسفة مليئة بالإشراقيات، وأن الإنسان ليس حسا فقط أو عقلا فقط، بل هو أكثر من ذلك عين وبصيرة وحدس، وإلهام وكشف، ونبوة ووحي، وقد كان ذلك طبيعيا في ثقافة قديمة يغلب عليها العقل، ولم تتعود على نبوة، فكان طبيعيا أن يقابل المسلمون العقل المطلق بالعقل الملحق بالنبوة، ويعادلوا الفلسفة بالتصوف، كما وضح ذلك في الفلسفات الإشراقية، ولكننا الآن نعاني من الإشراقيات، ونقاسي من الخرافة، ونتخبط لغياب العقل ونقص التنظير، ولا أحد منا يضع النبوة موضع الشك، ومن ثم فالمادة المعاصرة مادة عقلية تقف أمام أخطاء الإشراقيات القديمة أو المعاصرة في الحديث عن أهل الجنة والنار، وسيد شباب الجنة، وملائكة الرحمة والعذاب، وبالإضافة إلى ذلك كان خلود النفس الفردية جزء من مادة الفلسفة القديمة، وكان ذلك طبيعيا أمام بيئة ثقافية تقول إما بفناء النفس أو بخلود العقل الفعال حتى يتصل الإنسان به، ويتحد معه، وجاءت البراهين العقلية والحسية لإثبات تميز النفس عن البدن وخلود النفس الفردية، ولكن الحال الآن تغير، ولا أحد منا يشك في تميز النفس عن البدن أو ينكر خلود النفس الفردية، بل إننا نعاني من هذا اليقين المتطهر الذي يزكي فيه الإنسان نفسه تاركا لبدنه العنان إما للغنى والترف أو للفقر والحرمان، كما أننا نعاني من الخلود الفردي الذي يحاول فيه كل إنسان أن يفقد نفسه تاركا الآخرين، مشبعا في نفسه الرغبة في الحصول على درجة أعلى في السماء تساوي درجته على الأرض ووضعه الطبقي في المجتمع، المادة الحالية هي إثبات اتحاد النفس بالبدن، وأنه لا نفس هناك لبدن عار، وجسد هزيل، ومعدة خلوية، وفم جائع، المادة الآن هي طلب الخلود للبدن، لهذا صاح أحد الثوار المعاصرين: كيف نثبت أن النفس لا تموت إذا كان البدن هو الذي يسبب الموت؟
23
كيف نطلب خلودا فرديا للنفس، درجة عالية في السماء، ونحن نقاسي من الأوضاع الطبقية في الأرض؟
والأمثلة كثيرة أيضا من التصوف القديم على ضرورة إسقاط المادة القديمة التي نشأت في ظروف معينة، وأمام بيئة ثقافية خاصة، فقد نشأ التصوف أولا كحركة زهد وعبادة، وكدعوة للأخلاق الحميدة كحركة توازن حضاري أمام حركة البذخ والترف والمجون، وكحركة مقاومة سلبية خالصة ترى التغيير في الداخل قبل الخارج، وإلى أعلى وليس إلى أسفل، وإلى الوراء وليس إلى الأمام، ودعا إلى الزهد والبكاء والخوف والحزن، في حين أن مادة التصوف الحالي لا تستلزم بالضرورة أن نكون من هذا النوع، فقد ينشأ تصوف كحركة إيجابية لمقاومة تيار الظلم والعدوان والوقوف أمام الطبقات المستغلة المترفة فيكون تصوفا إلى الخارج وليس إلى الداخل، إلى أسفل وليس إلى أعلى، إلى الأمام وليس الوراء، ومادة التصوف الحالية بالنسبة لظروف العصر قد تدعو الجماهير المعدمة إلى المطالبة بحقوق البدن لا إلى الزهد لأنه ليس لديها ما تزهد فيه، وإلى الشجاعة لا إلى الخوف لأن الناس خائفون من قبل، وإلى المرح لا إلى البكاء لأنهم يولولون ليل نهار، وإلى الفرح لا إلى الحزن لأنهم يصيحون حزانى ويمسون حزانى بالرغم مما يبدو عليهم من مظاهر البهجة أو التفريج عن النفس بالنكتة،
24
وما قيل عن الإشراقيات في الفلسفة يقال هنا أيضا عن العلوم الكشفية في التصوف القديم فقد نشأت العلوم الكشفية في التصوف كرد فعل على بيئة معينة يسودها العقل كما وضح في الفلسفات العقلية وفي التيارات الكلامية العقلية، وظهرت الأحوال النفسية في التصوف من قبض وبسط، وغيبة وحضور، وصحو وسكر، وفقد ووجد، وهيبة وأنس، وبقاء وفناء ، كرد فعل على المقولات العقلية من كيف وكم، وجهة وإضافة، وزمان ومكان، وجوهر وعرض، وفعل وانفعال، وكلي وجزئي، وعام وخاص، وظهرت المقامات من توبة وزهد، ورضا وقناعة، وصبر وتوكل، وشكر وصدق كرد فعل على الجشع والطمع، والطموح والرغبة، والمنافسة والكسب، ولكن هذه البيئة القديمة قد تغيرت ولا نقاسي نحن الآن من سيادة العقل والعلوم العقلية حتى ننحو نحو الكشف والعلوم اللدنية، ولا نعاني من سيادة المقولات العقلية وسيادة انفعالات النفس، وليست أزمتنا الحالية في الجهد والكسب والعمل والحرص بل إن مأساتنا في الصبر الطويل، وفي الرضا بالقليل، وفي التوكل على الغير، وفي القناعة بالمقسوم، مادة التصوف الحالية هي عقلية تدعو للعمل والجهد والمطالبة والمقاومة، وفي هذه الحالة لن يكون تصوفا بالمعنى التقليدي، بل يكون تصوف المقاومة، وتصوف الرفض، وتصوف الثورة، ويأخذ التصوف هنا معنى عاما، وهو معنى الإحساس بالرسالة والتضحية من أجلها، وإذا كانت مادة التصوف القديم تعلن عن اتحاد الإنسان بذات مشخصة حتى يسقط الإنسان حريته وتدبيره، ويسقط شخصه وذاته ويفنى في الكل فإن الظروف التي تسببت في نشأة هذه المادة قد تغيرت وجدت ظروف أخرى تستدعي من الإنسان المعاصر أن يثبت حريته وتدبيره، وأن يؤكد شخصه وذاته، وأن يفنى الكل فيه، لقد حاول الصوفي القديم تحقيق وحدة الواقع والمثال فبدل أن يحقق ذلك بالفعل وفي الواقع حققه بالعاطفة وفي الخيال، فأحس بأن الواقع هو المثال مع أن الواقع ظل بعيدا عن المثال، ولكن مادة اليوم التي تفرضها ظروف العصر هي وصف لجهد الجماهير في تحقيق مطالبها بالفعل وليس في الخيال، بالجهد وليس بإحساسات العاطفة، وفي التاريخ وليس فيما وراء التاريخ.
وهناك مشاكل تاريخية خالصة لا تلزم العصر الذي نعيش فيه حيث هي وقائع أو سلوك مصيب أو مخطئ، ولكن قد يهمنا فقط معناها ودلالتها، مثل كل الخلافات بين الفرق وعلى رأسها السنة والشيعة وأي الخلفاء كان أولى بالإمامة، كل ذلك حوادث تاريخية صرفة ووقائع لا تهمنا إلا من حيث إنها تحقيق لنظم، وحتى في هذه النظم، يفرض واقعنا المعاصر نظمه، ولا يحتاج إلى شرح للنصوص أو تأويل للماضي مناف لتطور الحاضر ومانع له.
ويمكن تجديد مادة العلم القديمة باتباع مراحل ثلاث: (أ)
Bog aan la aqoon