Dhaxalka iyo Cusboonaysiinta
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Noocyada
أن تكون لغة عربية وليست مستعربة أو معربة عن طريق النقل الصوتي للغات والألفاظ الأجنبية بدعوى قصور اللغة العربية عن الإمداد بمفاهيم حديثة تعبر عن مضمون العصر واكتشافاته، وقد وقع إخواننا الشوام والمغاربة في هذه الألفاظ المستهجنة بدعوى التحديث، والخطورة هي جعل الحديث من الخارج وليس من الداخل، وبفضل وسائل دخيلة وليس عن طريق تطور طبيعي لثقافتنا القديمة، فاللفظ الأجنبي قد يكون له لفظ عربي يعبر عن مضمونه وإن كان مختلفا عنه في الشكل، صحيح أن في تراثنا القديم عديدا من الألفاظ المستعربة مثل موسيقى، وأنالوطيقا، وأوثولوجيا، ولكن ذلك قد حدث في أوائل عصر الترجمة، ولكن بعد أن استقرت المعاني خرجت الألفاظ العربية لتعبر عنها مثل الألحان، والتحليلات، والإلهيات، والموضوع ليس شكليا صوريا بل يتعلق بالمضمون، فاللغة هي الثقافة ونشر اللغة بألفاظها هو في نفس الوقت نشر لثقافة، والألفاظ المستعربة دعوة إلى تبني الثقافة الدخيلة وترك الثقافة الأصيلة وكأن مفاتيح العلوم والفكر والثقافة هي عند الثقافات الأخرى وليست في ثقافتنا الخاصة؛ لذلك حرص «التراث والتجديد» على تجنب الألفاظ المستعربة من أجل المحافظة على الأصالة اللغوية، فهي شرط التعبير عن أصالة الفكر. (1-3) اللفظ والمعنى والشيء
ويمكن إخضاع التجديد اللغوي إلى منطق محكم يقوم على التعبير المطابق للمعنى والذي يقوم بوظيفته في الإيصال، فالمنطق اللغوي يشمل جانبين: جانب التعبير وجانب الإيصال، وهما لا ينفصلان بل يشيران معا إلى حياة اللفظ ودورانه بين المتحدث والسامع، ويمكن وصف هذا المنطق لتجديد اللغة بطرق ثلاث: إما بالانتقال من اللفظ التقليدي إلى معناه، وإما بالانتقال إلى معنى اللفظ التقليدي إلى لفظ جديد، وإما بالانتقال من الشيء نفسه الذي يشير إليه اللفظ التقليدي إلى لفظ جديد. (1)
من اللفظ التقليدي إلى لفظ جديد: نظرا لنقصان اللغة التقليدية في التعبير عن كل محتويات اللفظ من معان أصلية وفرعية، أو أشياء تشير إليها هذه المعاني، ونظرا لأن هذه المعاني وهذه الأشياء تكون دائما منطوية على نفسها داخل اللفظ التقليدي الذي يفقدها حيويتها وجدتها بل وواقعيتها ووجودها فإنه يمكن الانتقال من لفظ تقليدي إلى لفظ جديد له قدرة أكثر على التعبير وعلى إظهار المعاني وعلى الإشارة إلى الأشياء نفسها، والألفاظ التقليدية ليست معيبة في ذاتها باعتبارها ألفاظا أي ليست إلهية أو دينية أو تاريخية أو تقنينية أو مجردة، كما أنها ليست محدودة مغلقة صورية، بل هي ألفاظ عامة، مفتوحة، عقلية، إنسانية، تشير إلى واقع حسي مباشر ولكن ليس بما فيه الكفاية؛ لأنها لا تعبر عن مضمونها ولا توحي بالأشياء التي تشير إليها حتى ولو كان اللفظ التقليدي صالحا للاستعمال مثل لفظ «الإجماع» أو «الاجتهاد»، فإنه نظرا لأنهما أصبحا يعبران عن مذاهب فقهية تاريخية محدودة ويشيران إلى بيئة ثقافية معينة بل وإلى جدل ومهاترات يتحول مضمونها إلى قضايا، فإنه من المستحيل استعمالها من جديد بعد تجريدها من كل ما علق بها من تاريخ جدل طويل، أما لفظ الخبرة بين الذوات أو «التجربة المشتركة» فهو لفظ معاصر يثير وجدان المعاصرين، ويدل على نفس مفهوم اللفظ القديم دون أن يثير عيوبه، وكذلك لفظ «شرعي» ولو أنه لفظ عقلي، فالفكر يشرع للواقع، إلا أنه ما زال لفظا دينيا، وقانونيا، وتاريخيا، ويمكن التعبير عن معناه بلفظ «قبلي» وهو المعطى السابق، فهو لفظ أعم، ويركز المعنى في اتجاه واحد وهو الطابع القبلي للوحي، على الأقل من حيث مصدره لا من حيث باعثه أو محك صدقه؛ لأن باعثه ومحك صدقه هو الواقع.
والانتقال من لفظ تقليدي إلى لفظ تقليدي آخر مشابه لن يقدم شيئا؛ لأن المشكلة تظل باقية وهي استحالة التعبير عن المعاني الأولية بالألفاظ التقليدية، وإلا وقعنا في الشروح على المتون عندما كانت تستبدل ألفاظ قديمة بألفاظ أخرى قديمة، فالله والخالق يدلان على نفس المفهوم، والألفاظ العقلية والتقليدية مثل الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، إلى آخر ما هو معروف من أسماء الله كلها ألفاظ تقليدية لا يفيد تبديل أحدهما بالآخر، ولكن الانتقال من «الله» إلى «الإنسان الكامل» يعبر عن كل مضمون الله، فكل صفات الله: العلم، والقدرة، الحياة، والسمع، البصر، والكلام، والإرادة كلها هي صفات الإنسان الكامل، وكل أسماء الله الحسنى تعني آمال الإنسان وغاياته التي يصبو إليها، «فالإنسان الكامل» أكثر تعبيرا عن المضمون من لفظ «الله».
7
وعلم أصول الفقه مثلا يدور ثلثه على الرواية سند ومتن، تواتر وآحاد للسند، ونص ومعنى للمتن، ولكن لفظ الرواية له معنى ضيق وهو العنعنة كما في علوم الحديث، ولا يشير إلا إلى طرق الرواية المعروفة في علوم الحديث من تواتر وآحاد ومرسل ومنقطع ومشهور مع أن الرواية هي نص الوحي، ويشير إلى التاريخ باعتباره زمانا للانتشار وإلى المنطق باعتباره منهجا للنقل، فالتاريخ هو العصر ليس فترة محدودة تحديدا تعسفيا بقرن أو بغيره، ولكن بالوجود الزماني للفرد، فالعصر هو الجيل، هناك العصر الأول، والثاني، والثالث، والرابع، أي الجيل الأول، والثاني، والثالث، والرابع، ومناهج النقل من تواتر وآحاد إن هما إلا طبيعة العلاقات بين الرواة من حيث اتصالهم واستقلالهم، فلفظ «منطق التاريخ» يفيد معاني أعم وأعمق، ويشير إلى موضوعات أكثر وأوقع مما يفيد لفظ الرواية.
والثلث الثاني من علم أصول الفقه خاص بمبحث الألفاظ، فهذا التعبير يشير إلى دراسات لفظية محضة متناثرة دون أن يكون بينها ترابط منطقي أو بناء عام، فهناك الحقيقة والمجاز، والمحكم والمتشابه، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول دون أن يجمع هذه الثنائيات اللفظية أي جامع بينهما، أما لفظ «منطق اللغة» فإنه يشير إلى إمكانية دراسة هذه القسمة كلها في منطق واحد باحثا عن دلالتها ومعناها، فالحقيقة والمجاز يشيران إلى موضوع التصوير الفني باعتباره أسلوب الوحي في الخطاب، والمحكم والمتشابه يشيران إلى ثنائية المعنى للفظ الواحد، والظاهر والمؤول يشيران إلى إمكانية فهم المعنى على مستويات مختلفة من العمق، والمجمل والمبين يشيران إلى ثنائية المعنى مع اختيار أحدهما كأساس نظري للسلوك، والخاص والعام يشيران إلى مبحث لفظي أو منطقي أو فلسفي دون أن يشيرا إلى موضوعهما وهو البعد الفردي داخل اللغة، وجود الإنسان والجماعة، الأنا والآخرون داخل الخطاب.
والثلث الأخير من علم أصول الفقه هو الأحكام، ولفظ «الأحكام» يفيد قضايا عقلية خاصة بالمنطق أو قانونية خاصة بالقضاء، ولا تشير إلا إلى هذه القضايا الصادرة إما لوجودها المنطقي أو لوجودها اللغوي، وفي بعض الأحيان إلى تطبيقاتها الفعلية، في حين أن هذا اللفظ في الأصول يفيد الفعل، ويشير إلى «منطق السلوك»، فدراسة الأحكام باعتبارها منطقا للسلوك تثير كل معاني المنطق العملي، وتبرز موضوعاته الخاصة بالقصد والنية، والنظر والعمل، والباعث والمانع ... إلخ، وكذلك لفظا «مقاصد الشارع» يفيدان مقاصد الوحي وهي المحافظة على الوجود الإنساني في شتى صوره، فالابتداء هي الحياة، والأفهام تشير إلى العقل، والتكليف يشير إلى الفعل، والامتثال يدل على الدعوة في الحياة، وكذلك لفظا «أحكام الوضع» لا يفيدان ولا يشيران إلى شيء لأنه مصطلح يعبر عن وصف موضوعي لميدان السلوك أو موقف معين للفعل، فهناك السبب وهي الإرادة، والشرط وهي القدرة، والمانع وهي العقبة أو الصعوبة، والعزيمة والرخصة وهما صورتا الفعل المطلق والنسبي أو المثالية والواقعية، وأخيرا الصحة والبطلان أي صدق الفعل أو كذبه من ناحية الموقف كله وعلى وجه الخصوص من ناحية النية.
8 (2)
من المعنى الضمني إلى لفظ جديد: إذا كان الانتقال من لفظ جديد قائما أساسا على أن اللفظ التقليدي لا يعبر بما فيه الكفاية عن المعنى الكامن فيه ولا يشير بوضوح أو لا يشير تماما إلى الموضوع المراد فإنه في بعض الأحيان يكون اللفظ التقليدي لفظا سلبيا مطلقا ومعيبا في ذاته، ولا يؤدي وظيفته غما في التعبير أو في الإيصال، فيترك تماما ثم يعبر عن معناه الضمني بلفظ آخر جديد يكون أكثر قدرة على التعبير عن هذا المعنى الضمني وإيصاله، فمثلا لفظا الكفارة والحد لفظان سلبيان لأنهما يشيران إلى جزاء، في حين أن الكفارة هو نوع من إعادة بناء شعور الفرد بعد قيامه بفعل سلبي وأثره على نفسه ومعنوياته، فهو نوع من رد الاعتبار لكيان الفرد المثالي، أما الحد فهو إعادة بناء لشعور الفرد بعد قيامه بفعل سلبي عن طريق تأكيده لفعل إيجابي آخر لإثبات حسن النية، فالكفارة اعتراف من جانب الفرد بعمل سلبي وتأكيد هذا الاعتراف بعمل إيجابي، أما الحد فإنه باعث على كشف الموقف نفسه الذي قام فيه الفرد بعمل سلبي على نفسه وعلى الغير، فبعد تحليل المعنى والكشف عن المواضع التي يثيرها اللفظ التقليدي يمكن بعد ذلك اختيار أحسن الألفاظ التي يمكن بواسطته التعبير عن التحليلات التجديدية، وكذلك لفظا المصلحة والمفسدة كأساس للشرع، فإن جلب المصلحة ودفع الضرر يخشى منهما أن تفسر المصلحة والمفسدة تفسيرا نفعيا محضا دون اعتبار للأساس النظري؛ ولذلك يمكن التعبير عن معنييهما بالإيجاب والسلب، وبذلك يحصل المعنى على أكبر درجة من العمومية، وكذلك لفظ «الأمر والنهي» فإنهما يدلان على قوانين مفروضة في صيغة افعل أو لا تفعل، مع أن الموضوع هو تحليل الزمان كموطن للفعل وكمقام له، ثم تحليل استمرار الفعل بتكراره، فيمكن إذن البحث عن لفظ جديد يتحاشى المعنى الذي يثيره اللفظ التقليدي والتعبير عن الموضوع نفسه، وأخيرا فألفاظ «أحكام التكليف الخمسة» ألفاظ سلبية لا تعبر عن معناها ولا توصله أو أنها ألفاظ قانونية توحي بشيء مفروض من الخارج مثل واجب، وحرام، ومكروه، ومندوب، وحلال، مع أن هذه الألفاظ تشير إلى وضع الإنسان في العالم وإلى المستويات المختلفة للسلوك التي تتدرج بين قطب موجب وهو الواجب وقطب سالب وهو الحرام، أما وسط القطبين فهو الحلال الذي يمحى فيه السالب والموجب والذي يفيد بأن شرعية الأشياء في وجودها الطبيعي، أما الواجب فيفيد فعلا ضروريا إيجابيا والحرام يفيد فعلا ضروريا سلبيا، أما المندوب فهو وسط بين الواجب والحلال يفيد فعلا ممكنا إيجابيا والمكروه فعل وسط بين الحرام والحلال يفيد فعلا ممكنا سلبيا،
Bog aan la aqoon