Dhaxalka iyo Cusboonaysiinta
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Noocyada
معاداة أصحاب التغيير الجذري، أنصار القديم أو أنصار الجديد معا، وضرب جميع القوى الوطنية التي أفرزها الواقع تلقائيا حتى تتم للدعوة الجديدة السيادة باعتبار أنها ممثلة للوسط دون التطرف ناحية اليمين أو اليسار، والاستئثار بالسلطة، ورفص أي مشاركة شعبية جادة، فتم إلغاء كل شيء لحساب لا شيء، ومن ثم استحال بناء شيء وسط هذا الدمار الشامل، وظلت السلطة تشكو من الفراغ السياسي، كما ظلت تبني في الهواء، وتخشى على البناء الذي لا يدعمه الشعب بتنظيماته ومؤسساته، وكان يكفي لزوابع السياسة أن تهب فتهدم البناء ولا تجد من يدافع عنه أو حتى من يبكي على الأطلال.
8 (4)
انتهاء الجماهير العريضة إلى السلبية التامة واللامبالاة المطلقة، تقرر لها السلطة الحرب والسلام، وتقوم بدلا عنها بالهزيمة والنصر، وتنظمها في هيئات واتحادات وتنظيمات ومنابر، وتستنكف من الأحزاب وهو النشاط التلقائي الطبيعي للقواعد الجماهيرية، وعكفت على أزماتها اليومية، تفرغ كل طاقاتها بها أو في مظاهر مفتعلة للنشاط كالنوادي الرياضية والليلية، أو في التصوف والجنس، أو في السفر والهجرة، أو في المعارك في المركبات العامة، أو في الموالد والأعياد، واستحال قيام ثورة بلا جماهير ثورية، وكانت البارقة الوحيدة الانتفاضات الطلابية والشعبية الأخيرة التي تعيد إلى الأذهان حيوية الجماهير وارتباطها بالقضايا المصيرية مهما طالت استكانتها، وعمت سلبيتها، ورضيت بواقع أمرها. (5)
الترقيع في عملية التغيير الاجتماعي، وترك الأساس كما هو خاضعا للأمر الواقع، وتغيير الجزء وترك الكل، وتحريك السطح وترك الأعماق، فالتغير الاجتماعي لم يتعد إعادة التوزيع على قاعدة أعرض كما هو الحال في الإصلاح الزراعي دون إعطاء الأرض لمن يفلحها، وإعطاء العامل حقه في حدود قيمة العمل اليدوي بالنسبة لقيمة العمل الإداري، وإعطاء الطالب استقلاله ورفع الوصاية عنه في حدود طاعته للإدارة الجامعية وأخذه موافقتها على نشاطاته الاتحادية ومطالبه الفئوية، بل وضرب الفئات بعضها ببعض، وخلق المنافسة بينها في الأجور حتى تجاب المطالب، وتحقيق التغيير الجزئي دون المساس بجوهر القضية وهي: لصالح من يخطط الاقتصاد القومي؟ (6)
لما كانت السلطة الوطنية من أنصار التوفيق بين القديم والجديد كان التغيير يحدث من السلطة وباسمها وكأنها عملية مفروضة بالرغم من تلبيتها لحاجات الجماهير، وكان قبول الناس لها طاعة للسلطة وليس تحقيقا لمطالبهم، حتى أصبحت السلطة هي القادرة على فعل كل شيء، وعانى الناس من المركزية وضاع من الجماهير مبادرتها واعتمادها على الحلول الذاتية، وأصبح الرئيس هو شيخ القبيلة، ورب الأسرة، والأب الروحي، وكبير العائلة الذي يلجأ إليه الناس عند الشدة لفض الخصومات، ولحل المشاكل، وهو يطابق المخزون النفسي عند الجماهير وتصوراتها الهرمية والمركزية للعالم.
أما أخطاء السلطة في التحليل السياسي، فهي أخطاء لا تغتفر؛ لأن بيدها مقاليد الأمور وباستطاعتها الاستعانة بما تريد من إرشاد ونصح وتوجيه لسلامة القرار، فإن لم تفعل وجب محاكمتها أمام الشعب، خاصة ولو أدت هذه الأخطاء إلى احتلال جزء من الأراضي الوطنية، وتبديد الثروة القومية. (2) قضية البلاد النامية
وقضية التراث والتجديد جزء من العمل الأيديولوجي للبلاد النامية، إذ إنه عمل على الواقع، ومحاولة للتعرف على مكوناته الفكرية والنفسية والعملية، هي قضية تصفية المعوقات الفكرية للتنمية، ووضع أسس فكرية جديدة لتطوير الواقع، فإذا كان ما تشكو منه البلاد النامية على المستوى الأيديولوجي هو عدم الوضوح النظري، والتذبذب بين أيديولوجيات الغرب والشرق معا فإن عملية «التراث والتجديد» هي الكفيلة بتحقيق هذا الوضوح النظري، وإعطاء أيديولوجية قومية للبلاد النامية تنبع من أرضها، وتمتد جذورها في تاريخها، وتجيب متطلبات واقعها، تكون الأيديولوجية حينئذ تعبيرا عن الثقافة الوطنية للشعوب، وتأكيدا لذاتيتها وإبقاء على هويتها.
9
قضية التراث والتجديد هي القضية الجوهرية للبلاد النامية، إذ إنها تتناول البحث عن الشروط الأولية للتنمية، وتلبي حاجة ملحة لها، وتكمل نقصا بدأت تشعر به البلاد النامية الآن، وهو عدم الاعتناء بتنمية العنصر البشري، فليست التنمية مجرد استثمار للموارد الوطنية أو الأجنبية، وزيادة في عدد المصانع المستوردة أو في تأسيس للقطاع العام، بل هي استثمار بشري يهدف إلى خلق عنصر جديد قادر على التنمية، ومؤهل للقيام بعمليات التطور، وإذا كان عديد من قادة البلاد النامية ومفكريها يشعرون الآن بأن التنمية وإن كانت قد تمت في الاقتصاد، إلا أنها لم تتم بعد في الإنسان فإن قضية «التراث والتجديد» هي الكفيلة بإعادة بناء الإنسان في البلاد النامية عن طريق اكتشافه لبعده التاريخي، وإعطائه أساسا نظريا للتغيير، وتفجير طاقاته المخزونة، وخلق ثقافته الوطنية، وتحريك الجماهير السلبية، وإنزالها بكل ثقلها إلى ميدان التطور والتنمية. «التراث والتجديد» محاولة لتحقيق متطلبات العصر للبلاد النامية من الناحية النظرية والعملية والتغلب على مآسيه وهزائمه، ودفع التنمية خطوة أخرى حتى تكون نهضة شاملة تمكنها من أخذ زمام الريادة في العالم، أيديولوجيا وفعليا، معنويا وماديا، وأهم هذه المتطلبات: (1)
التحرر من الاحتلال، وكل صور الاستعمار المباشر بالاحتلال العسكري أو غير المباشر بالقواعد العسكرية والمعونات الاقتصادية وجيوش السلام والجماعات التبشيرية والمؤسسات والهيئات والمدارس والمعاهد الأجنبية، إذ يختلف باحث اليوم عن باحث الأمس، فبينما كان باحث الأمس مستقلا، فاتحا للأرض، ناشرا لواء الثقافة، مؤثرا في الحضارات المجاورة مكتشفا للعلوم وواضعا للنظريات، ومصدر حضارة للآخرين، فإن باحث اليوم محتل، ضاعت الأرض من تحت قدميه، مستعمر ثقافيا، يخضع لآثار الحضارة الغربية ناقل للعلم، طالب للعون، سائل المساعدة، متسول في الأسواق، هذا الاختلاف يفرض على باحث اليوم اختيارا لا مناص منه، وهو إيثار الأرض على كل ما عداها خاصة إذا كان الفكر الذي تمثله حضارته لا يبغي إلا استقلال الأرض وتحرير من عليها، حينئذ يصبح استقلال الأرض للباحث المعاصر هدفه وغايته، وتتحول الأرض في شعوره إلى ميتافيزيقا وشعر، ورواية وقصة، إلى حنان وشوق، بعد أن أصبحت بكاء ودموعا، مرارة وأسى، ذلا وعارا،
Bog aan la aqoon