Dhaqanka Classic: Hordhac Gaaban
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
باللاتينية (كما رأى أحد محرري النص في عام 1967 أن هذه ستكون كلمة أفضل).
يمكنك أن ترى السبب وراء تمتع عملية إنتاج طبعات من أعمال المؤلفين الإغريق والرومان عادة باعتبار كبير في أوساط الباحثين المحترفين. وللأمر مخاطره أيضا؛ إذ إن غالبية محاولات إنتاج نصوص «أفضل» مقدر لها أن تحظى فقط باستحسان وقتي، وسريعا ما يتم نسيانها. لكن رغم ذلك، لا مناص عن الإقدام على المخاطرة و«محاولة» الوصول، على أقل تقدير، إلى رؤية دقيقة بقدر الإمكان لما كتبه الكتاب القدماء. وفي الواقع، لا مفر في حالة الأعمال التي تكون نصوصها عرضة لجدل شديد (سواء بسبب صعوبة اللغة نفسها على وجه الخصوص أو عدم الوثوق في المخطوطة نفسها) من أن يجد كل باحث درس النص نفسه وقد تورط في نقاشات بشأن ما كتب بدقة في الأصل. هذا هو الحال فيما يخص بعضا من أشهر الأعمال الأدبية التي ظلت باقية من العالم القديم، على غرار تراجيديات الكاتب المسرحي الأثيني إسخيلوس، الذي من الحتمي أن تجتذب نصوصه مجموعة من التنقيحات المقترحة واعترافات بالحيرة والإحباط (انظر الشكل
6-1 ).
في حالات أخرى لا يوجد شك تقريبا في أن النصوص اليونانية واللاتينية التي نقرؤها تنقل لنا نفس ما كانت تعنيه حين جف عنها مداد كاتبها؛ ففي حالة شعر فرجيل وهوراس، مثلا - وهي أعمال كلاسيكية حفظت بحرص وكانت موضع تبجيل منذ وقت كتابتها وحتى وقتنا الحاضر - لا توجد دعاوى كثيرة لتحسين النصوص. لكن من الحتمي أن ينخرط محررو الأعمال الكلاسيكية في «شرح» لغة الأعمال التي يدرسونها ومحتواها. وهذا الشرح يأخذ دوما شكلا يطلق عليه اسم «التعليق»؛ وهي ملحوظات مفصلة على النص تحاول توقع الأسئلة التي من المرجح أن تدور في خلد القارئ وتجيب عنها.
شكل 6-1: يعد التعليق النقدي أداة لا غنى عنها في عملية تحرير النصوص الكلاسيكية. يبين هذا المثال قراءات متنوعة في مخطوطات باقية، ومحاولة المحررين لإعادة كتابة إحدى صفحات مسرحية تراجيدية لإسخيلوس. كل الشروح مكتوبة باللاتينية.
قد تستهدف التعليقات أنواعا مختلفة من القراء، لهم مستويات متباينة للغاية من الخبرات. الكثير من التعليقات تقدم مواد للناس كي «يتعلموا» اللغتين اليونانية واللاتينية، وتحرص على مساعدة من تعلموا الأساسيات بالفعل في التأقلم مع صعوبات اللغة، علاوة على شرح الخلفية الثقافية الكلاسيكية المطلوبة لفهم ما كتبه الكاتب القديم.
ليس هذا موقفا جديدا؛ فطالما كتب الباحثون الكلاسيكيون من أجل جمهور على معرفة إجمالا باليونانية أو اللاتينية. ودائما كان القراء العديمو المعرفة باليونانية واللاتينية يحتاجون - ويريدون ويطلبون - المساعدة من أجل معرفة ما يقوله الكتاب الكلاسيكيون، وما يعنونه، وما يعنيه قولهم هذا لنا. ولهذا على مر قرون لعبت ترجمة أعمال الكتاب الكلاسيكيين (التي أنتجها عادة الباحثون أنفسهم الذين حرروا النصوص وكتبوا التعليقات) دورا كبيرا في تعريف القارئ الحديث بالعالم القديم، وبالتراث الكلاسيكي.
ومع ذلك شعر بعض القراء المعاصرون باستغلاق الثقافة الكلاسيكية أمامهم؛ وذلك تحديدا بسبب افتقارهم للمعرفة باللغتين اللتين كانتا يتم التحدث والكتابة بهما في العالم الكلاسيكي القديم. لكن قنع آخرون باستخدام الترجمات، وأن يباشروا دورهم بوصفهم «دارسين للتراث الكلاسيكي» بلغاتهم هم. ذكرنا بالفعل في الفصل الثاني أن كيتس، وهو أحد أكثر الشعراء الإنجليز كلاسيكية (بكل ما تحمله الكلمة من معنى)، لم يكن يعرف اللغة اليونانية. أيضا شكسبير، وهو مثال آخر شهير، كان لا يفقه من اليونانية شيئا تقريبا («قليل من اللاتينية، وأقل من هذا من اليونانية»). لم يكن هذا يعني أنه تجاهل الكتاب الكلاسيكيين؛ فقد كان على معرفة كبيرة بأعمال المؤرخ اليوناني بلوتارخ، الذي كتب في القرن الثاني الميلادي سلسلة من «السير» لعظماء الإغريق والرومان. بل في الواقع، كانت «سيرة حياة يوليوس قيصر»، التي كتبها بلوتارخ، مصدرا مهما لمسرحية شكسبير المعنونة «يوليوس قيصر»، وهي المسرحية التي صك فيها القول الشهير: «الأمر [كله] صعب علي صعوبة اليونانية.» بيد أنه قرأ أعمال بلوتارخ بالإنجليزية وحسب، وذلك في الترجمة التي قام بها نورث.
نطاق واسع من التفكير
على مر القرون تغيرت النصوص الكلاسيكية والتعليقات عليها تغيرا كبيرا، شأنها شأن الجوانب الأخرى للتراث الكلاسيكي؛ ففي ظل الفهم المتباين للتراث الكلاسيكي، وفي ظل تحديد العالم الحديث لعلاقاته بالعالم الكلاسيكي على نحو متباين، فإن التعليقات المكتوبة (مثلا) في نهاية القرن العشرين عادة ما تكون معنية بتوجيه القراء نحو قضايا مختلفة للغاية عن تلك التي تخص التعليقات المكتوبة في القرن التاسع عشر. وأبرز ما في الأمر هو نطاق ما عد بوصفه من التراث الكلاسيكي، إلى جانب الكيفية التي جرى بها تعيين الحدود بين دراسة التراث الكلاسيكي وغيرها من فروع المعرفة وإعادة تعيينها. وعلى مر القرون تضمنت الأسئلة المثارة بشأن التراث الكلاسيكي والنصوص الكلاسيكية (ولا تزال تتضمن) أغلب القضايا الجوهرية في موضوعات نفكر فيها عادة بوصفها بعيدة كل البعد عن دراسة اليونان وروما القديمة، لكنها تنبع على نحو مباشر من دراسة العالم القديم وأدب العالم القديم.
Bog aan la aqoon