Dhaqanka Classic: Hordhac Gaaban
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
تحمل كلمة «اليونان» الآن معاني كثيرة، ولا شك أنها تحمل من المعاني أكثر مما كان عليه الحال قبل قرنين من الزمان؛ فهي بلاد الشمس والشواطئ، وملذات شاطئ البحر؛ هي بلاد لا تلقي للوقت بالا؛ حيث تجد كبار السن من الرجال يجلسون لساعات على المقاهي يشربون الأوزو ويلعبون الطاولة، وهي بلاد لا تزال تنتشر فيها تقاليد الضيافة في أوساط الفلاحين. ولكن جزءا أساسيا من تصورنا لليونان هو مزيج خاص من أنقاض العالم القديم والمناظر الطبيعية الجبلية الوعرة التي تكاد تطغى على كل صورة لباساي. قد يكون هناك بالفعل العديد من البقاع الأخرى من العالم يمكننا أن نجد فيها مشهدا مماثلا؛ فهناك مثلا مواقع في جبال تركيا تشبهها كثيرا. ولكن، بالنسبة لنا، فإن صورة باساي تلك ترمز إلى «اليونان». ولسنا بحاجة إلى شرح على الصورة ليبين لنا أين هي.
في الوقت نفسه، ذلك المشهد اليوناني يمثل التراث الكلاسيكي؛ ففي أوروبا كلها، وكذلك في أجزاء من أفريقيا وغرب آسيا، تنتشر بقايا الماضي الكلاسيكي. وفي كل منطقة كانت يوما جزءا من الإمبراطورية الرومانية، من اسكتلندا إلى صحراء أفريقيا، لا تزال هناك آثار مادية لتاريخها القديم. يقع بعض أفضل ما بقي من المدن الرومانية في صحراء تونس؛ حيث توجد منازل ومعابد ومدرجات، وفسيفساء تفوق ما تبقى من بومبي، ولا يزال أثر مثل سور هادريان يعطي انطباعا قويا؛ إذ يقطع بوضوح شمال إنجلترا، في الموضع الذي كان يوما ما يمثل الحد الروماني بين العالم المتحضر والأراضي البربرية. ورغم كل ذلك، فإن تصورنا للعالم القديم لا يزال محصورا في تلك الصورة للمعبد اليوناني في بيئته الجبلية البرية.
كل صيف يقوم الآلاف من الناس بزيارة لباساي (وتنطق أيضا باسيه أو فاساي)، فيحيلوا تلك الرحلة الرومانسية التي في مخيلتهم إلى جولة واقعية ملموسة. باساي هي أحد أكثر الأماكن جذبا لأي مسافرين في رحلة عبر شبه جزيرة بيلوبونيز. في السنوات الأولى من القرن العشرين، عندما كان المرء يضطر إلى ركوب البغال في رحلته، فتن أكاديمي من أكسفورد (هو إل آر فارنيل، مؤلف الدراسة الكلاسيكية عن الدين في مختلف المدن اليونانية) بجمال كل شيء فيها، لدرجة أنه قال إن زيارته تلك جعلته يشعر بأنه «أشبع معظم تطلعاته الدنيوية». ومن بعده جاء إتش دي إف كيتو، المعتنق لمبدأ وحدة الوجود، الذي عمل أستاذا لليونانية في بريستول لمدة طويلة في منتصف القرن العشرين، ليروي مقدار ما شعر به من مرارة وخيبة أمل لأنه لم يأته وحي من أبوللو في منامه في ليلة تمام البدر خارج معبد باساي. أما اليوم فباساي هي نقطة توقف للرحلات البحرية التي تطوف الجزر اليونانية (وتقضي النهار في الميناء)، أو طريق فرعي مريح للرحال الذين يكتشفون اليونان «البكر». وقلما تجد دليلا حديثا يتوقع واضعوه أنك ستغفل زيارة باساي، بل تجدهم يشرحون لك كيفية القيام بتلك الزيارة وما سوف تجده هناك.
يوجد الآن طريق معبد جيدا يأخذك إلى المعبد، ولا تفصل بينك وبين المعبد سوى مسافة قصيرة بالسيارة عبر الجبال، إن كنت في قرية أندريتسينا القريبة؛ حيث توجد محلات تجارية سياحية وفنادق ومقاهي. ليس هناك حافلة تقلك إلى هناك؛ ولكن، إذا لم يكن لديك سيارة، فيمكنك بسهولة أن تعثر على سيارة أجرة لتأخذك إلى هناك. لم يعد الوصول إلى هناك مشكلة. إنها نزهة سياحية عادية، وفر لها طريق خاص سريع ومريح، تكلف إنشاؤه الكثير، وله هدف وحيد هو إتاحة الفرصة أمام زوار الموقع للذهاب إليه ثم العودة منه. ومع ذلك نجد الأدلة السياحية تؤكد على بعد المكان ووعورة الطريق المؤدية إليه. تلك الأدلة تعد الزائر بمشهد «مذهل»؛ فموقع المعبد «مهيب وموحش»، ومسار الطريق «متعرج» و«يتلوى على طول المنحدرات». بعبارة أخرى، فإن زيارة باساي لا تزال تقدم لنا باعتبارها رحلة استكشاف للبرية ولأراض مجهولة (انظر الشكل
3-1 ).
شكل 3-1: الصورة الكلاسيكية للمعبد الموجود في باساي.
هذه تحديدا هي الكيفية التي قدمت بها باساي في رواية سايمون ريفن المكتوبة في مستهل سبعينيات القرن العشرين بعنوان «تعال مثل الظلال»، التي فيها يصل الميجور فيلدينج جراي، والذي يعيد كتابة سيناريو لفيلم يتناول ملحمة أوديسا لهوميروس، إلى «فاساي» على ما يبدو في حالة انهيار، فكان «يجاهد من أجل فهم بحور الشعر سداسي التفعيلة وما يكافئها من نثر مختصر، وكم كان هوميروس يستحق هذا الجهد ...» لكنه في الواقع تعرض للاحتجاز والتخدير والاستجواب على يد عميل أمريكي، يدعى ألويسيوس شيث يعمل في موقع «الكلية الأمريكية للدراسات الإغريقية». وبينما كان ساشا وجول يحتسيان عصير الليمون وإلجين في مكان آخر، أخذ شيث فيلدينج «في جولة في معبد أبوللو المخلص في فاساي ... «والشيء الغريب في هذا المعبد ... أنه كان قد شيد في أبعد بقعة نائية في البلاد ... كانت الأعمدة الرمادية تنبثق من الصخور الرمادية» ... سماء رمادية، شجيرات رمادية، وصخور رمادية. ولا يوجد على مرمى البصر أثر لرجل ولا لحيوان. ولا أثر لبيت ... إلا بيت أبوللو المخلص. «على ارتفاع أربعة آلاف قدم، فإننا ...»»
مفاجأة بعيدا عن الطريق
ومع ذلك عند وصولك إلى الموقع، هناك نوع آخر من المفاجآت ينتظرك. فلا يمكنك بالفعل «رؤية» المعبد على الإطلاق . إنه لا يزال هناك، بطبيعة الحال. وفي الواقع، هو قائم الآن بطريقة أكثر فخرا مما كان عليه في أيام كوكريل ورفاقه؛ لأن العديد من الكتل المتناثرة قد جمعت وأعيد بناؤها لتكون أعمدة منتصبة. لكن المبنى كله مغطى بالكامل بما وصف بأنه «خيمة سيرك هائلة»، «سرادق كبير عالي التقنية» (انظر الشكل
3-2 ). وقد صار على هذا الحال منذ عام 1987، ومن المتوقع أن يظل هكذا في المستقبل المنظور. وهنا يذوب التصور الرومانسي للأنقاض القديمة للمنظر الطبيعي الوعر، وتبرز صورة أخرى مختلفة تماما، سرادق رمادي ضخم، مفرود على عوارض معدنية، ومثبت إلى خرسانة قوية في الأرض.
Bog aan la aqoon