وينبغى أن ننظر لهذه الأشياء: هل الشىء يقال على أنحاء كثيرة بالنوع أم على نحو واحد؟ فنبحث أولا عن الضد، إن كان يقال على أنحاء كثيرة كان مختلفا فى النوع أو فى الاسم. وذلك أن بعض الأشياء تكون مختلفة بالأسماء من أول أمرها، بمنزلة «الحاد» فإن ضده فى الصوت «الثقيل»، وفى العظم الكال. فمن البين أن ضد الحاد يقال على أنحاء كثيرة. وإذا كان هذا يقال على أنحاء كثيرة، فالحاد أيضا يقال كذلك، لأن فى كل واحد منهما يوجد الضد. وذلك أنه لا يوجد المضاد للثقيل والكال واحدا بعينه. والمضاد لكل واحد منهما هو الحاد. وأيضا ضد الثقيل فى الصوت الحاد، وفى العظم الخفيف؛ فالثقيل إذا يقال على أنحاء كثيرة، لأن ضده يقال على أنحاء كثيرة. وكذلك النظيف، فإن ضده فى الحى السمج، وفى الثوب الوسخ: فالنظيف إذا اسم مشترك. وفى بعض الأشياء المشتركة لا تختلف الأسماء أصلا، لكن الاختلاف فيها بين لا محالة بالنوع، كالحال فى الأبيض والأسود فإنه قد يقال صوت أبيض وصوت أسود، وكذلك لون أبيض ولون أسود؛ فليس بينهما اختلاف فى الأسماء. فأما بالنوع فاختلافهما بين جدا؛ وذلك أن الأبيض ليس يقال فى الصوت وفى اللون على مثال واحد؛ وذلك بين من الحس، لأن الحس بالأشياء التى هى واحدة بعينها فى النوع واحد بعينه. والأبيض الذى يقال على الصوت وعلى اللون ليس يحكم عليه بحاسة واحدة، لكن أحدهما يحكم عليه بحاسة البصر والآخر بالسمع. وكذلك الحاد الذى يقال فى الطعوم والذى يقال فى الأعظام: أحدهما يحكم عليه باللمس والآخر بالذوق. وذلك أن هذين ليس يختلفان بالأسماء، لا فى أنفسهما ولا فى أضدادها، لأن كل واحد منهما هو الكال.
وأيضا ينبغى أن ننظر إن كان لأحد المعنيين ضد ما، والآخر ليس له ضد من الأضداد على الإطلاق — مثال ذلك أن اللذة التى تكون من قبل الشرب ضدها الأذى الذى يكون من قبل العطش، واللذة التى تكون من قبل العلم بأن القطر مبابن للضلع ليس لها ضد. فاللذة إذا مما يقال على أنحاء كثيرة. والمحبة التى تكون بالفكر ضدها البغضة. فأما المحبة التى تكون فى فعل الجسم فلا ضد لها؛ فمن البين أن المحبة اسم مشترك.
Bogga 492