155

Tuunis Thaira

تونس الثائرة

Noocyada

أما معالي وزير الزراعة السيد محمد سعد الله، فكان ملازما للفراش، وقد اشتد به المرض حتى أصبحت كل نقلة تجعل حياته في خطر، فلما هاجمت القوات الفرنسية بيته اكتفت بإبلاغه قرار المقيم العام بأن يلازم بيته؛ لأنه معتقل فيه، وأن يكف عن كل نشاط سياسي أو إداري.

وفي اليوم نفسه (25 مارس) حملت السلطات الفرنسية رئيس الحزب الحر الدستوري الأستاذ الحبيب بورقيبة والزعيمين: المنجي سليم والهادي شاكر من منفاهم ببلدة طبرقة، ونقلتهم إلى رمادة في الصحراء بأقصى الجنوب، لتنكل بهم وتحط من معنوياتهم.

وألقى المقيم العام خطابا مسهبا في الإذاعة يعترف فيه بعدوانه على الوزارة التونسية الشرعية من غير حياء، ويتبجح باستخدام القوة الغاشمة ويهدد الشعب، قال:

ولكن يتعين ضروريا في سبيل تنفيذ تلك الإصلاحات تنفيذا مخلصا شاملا، أن يتبدد جو النوايا السيئة والتقاعس، الذي أبت الوزارة التونسية الحالية إلا أن تجعله مخيما باستمرار، ولذلك قررت أن أجعل من المستحيل على تلك الوزارة مواصلة نشاطها السياسي الوبيل؛ بأن أبعد مؤقتا من عاصمة تونس بعض أعضائها، والتمست من جلالة الملك المعظم أن يتفضل بتعيين وزير أكبر آخر يتمتع بثقته الكاملة، ويستطيع أن يعيد ربط علاقات التعاون المخلص مع السفارة العامة باعتبار تلك العلاقات ضرورية على السواء لإدارة البلاد إدارة سليمة، ولازدهار المؤسسات الجديدة التي قررت حكومة الجمهورية منحها للقطر التونسي.

ظن دي هوتكلوك لقصر نظره أنه تخلص من الوزارة التونسية، وأرسل تعليماته إلى باريس لإلقاء القبض على صاحبي المعالي: السيد صالح بن يوسف وزير العدل، والسيد محمد بدرة وزير الشئون الاجتماعية، اللذان رفعا قضية تونس إلى الأمم المتحدة. وقد كانت الحراسة شديدة عليها من طرف البوليس الفرنسي، فلا يخرجان إلا في صحبة بعض أعوان البوليس، ولكنهما توصلا في صباح 26 مارس إلى معرفة أخبار تونس رغم قطع جميع المخابرات التليفونية والبرقية بين تونس وباريس، وعلما بإلقاء القبض على زملائهم، فأعدا سفرهما خفية وغادرا فندق «الجران أوتيل» الذي يمتاز بموقعه في قلب العاصمة الفرنسية في الصباح حوالي الساعة الثامنة والربع، وأبقيا جميع حقائبهما وملابسهما في غرف الفندق، ولم يعلم بسفرهما أحد. ولما افتقدهما البوليس الفرنسي وتفطن إلى غيابهما، قامت قيامة الحكومة الفرنسية، وشددت الحراسة على جميع حدودها والرقابة على بعض السفارات، ظنا منها أن الوزيرين قد التجئا إلى سفارة إحدى الدول العربية أو الشرقية، وإذا بها تفاجأ بوصولهما إلى مدينة بروكسل عاصمة البلجيك قبل أن تنفذ أوامرها بساعات، وانتقلا منها إلى جنيف ثم إلى القاهرة، فأشعل نجاحهما في الخلاص من براثن الاستعمار حماس الشعب التونسي. واستأنفا نشاطهما المجدي لفائدة تونس في نطاق أوسع من ذي قبل بمرات، فكان خروجهما من أشد الضربات للاستعمار وأمر الخيبات لممثله بتونس الكونت دي هوتكلوك.

وظن المقيم العام أن في مقدرته أن يقضي على كل مقاومة، ويفتك بكل من يحاول أي عمل وطني، فألقى القبض على مئات ومئات من التونسيين في جميع جهات القطر، واعتقل كل من يشتم منه رائحة الوطنية.

2

وليشل حركة النشر والصحافة ألقى القبض أيضا على مدير جريدة «الصباح»، الأستاذ الحبيب شيخ روحه ورئيس تحريرها الأستاذ الحبيب الشطي.

وأراد أن يلبس الحق بالباطل، وأن ينقص من عطف الأحرار في العالم على القضية التونسية، وأن يبرر طغيانه واعتداءاته؛ فادعى في غير خجل أن بتونس تعاونا وثيقا بين الحركة الوطنية وبين الشيوعيين - وذلك كذب صراح لم ينطل على أحد - فنقل سلطات الأمن من أيدي المدنيين إلى العسكريين، وسلمها إلى السفاك الشهير الجنرال غرباي، فقال في خطابه (27 مارس): «وفي سبيل الحيلولة دون كل محاولة جديدة للركون إلى العنف من طرف عناصر هدامة، إن هي ادعت استنكار المبادئ الشيوعية، فهي تقبل التعاون معها وتعتمد وسائلها الإرهابية؛ قررت أيضا إحالة التصرف في سلطات الأمن إلى الجنرال القائد الأعلى للجيوش، وذلك في كافة القطر.»

فزاد الجنرال غرباي الضغط شدة والاضطهاد تعسفا وعنفا، واتخذ حالا عدة إجراءات لتضييق الخناق على التونسيين جميعا، وأصدر أمرا بتوسيع منع التجول: «إن منع التجول ليلا الذي كان نافذا بالنسبة للمدينة العربية، أصبح شاملا لكافة مدينة تونس ... ويطبق هذا القرار بداية من اليوم الأربعاء 26 مارس 1952 من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة الخامسة والنصف صباحا.»

Bog aan la aqoon